فهدٌ أم ثعلب؟

1.2K 98 328
                                    


بعد أسبوع

تمدد عمر في سريره واضعا يده على ذراعه الأيسر المُضمَّد متألمًا. ويبدو أنّ باله مشغول بالتفكير في شيء ما، طرق أحدهم باب غرفته ليأذن للطارق بالدخول. دخلت امرأة في عقدها الرابع، انسدل شعرها الحالك على كتفيها ، ممسكة بيدها صينية مزخرفة عليها من اصناف الطعام ما لذّ وطاب. جلست تلك المرأة على طرف السرير بجانب عمر ونظرت إليه في حزن وأسى وقالت :
« عمر! عليك أن تأكل وتهتم بصحتك.. تبدو شاحبا، أكان والدك سيرضى إن رآك بهذا الحال؟"

حوّل عمر بصره إلى المرأة الجالسة بجانبه، بعد أت كان يحدق في نافذته بشرود ، ثم أجابها بصوت بدا فيه التعب والألم : « عمتي أمل، لا تتعبي نفسك، سآكل لا تقلقي، لكن... هل يمكنني أخذ قرص من المُسكن؟»

-« بالطبع لا! لقد أخذته قبل قليل، لا يجب أن تكثر منه، بدل ذلك يجب ان تتغذى جيدا وتريح ذراعك " صمتت قليلا ثم تابعت بتساؤل : " هل أخذت دواء الربو؟»

تنهد ليقول مريحا عمته : « نعم، فعلت»
مسّدت عمته شعره البني بلطف، ليسألها عمر بهدوء :
« هل.. هل من جديد؟»

زفرت أمل الهواء بحزن مجيبة :« لا.. إنهم يبحثون في القضية... لكن على الأقل علموا باسم العصابة ومكانتها»

اتسعت عينا عمر ليقول بنبرة شابها الأمل :« هل علموا باسمها.. لكن كيف؟ كانوا يلاحقوننا لكننا لم نكن نعلم اسمها »

انبست عمته الأرملة بحزن : « الرصاصة.. الرصاصة التي قُتل بها أخي.. نُقش عليها اسم تلك العصابة» سكتت قليلا لتتابع بأسى : «عصابة مخلب الموت... أشدّ العصابات إجراما»

أشاح عمر بوجهه إلى النافذة سامحا لدموعه التي كانت حبيسة مقلتيه لفترة طويلة بالانهمار على وجنتيه بغزارة.

ظل يردد بصوت خافت :« بسببي.. بسببي... كل ذلك كان بسببي... لم يكن علي تركه هناك.. لم يكن علي الخروج من الأساس»

مسحت عمته دموعه بيديها لتقول له وقد دمعت عيناها هي الأخرى : « عمر! أنت لم تفعل شيئا.. لم يحدث شيء بسببك... والدك وأخوك يعملان في الشرطة، ومثل تلك الأمور تحدث باستمرار مع الشرطة، لقد كان أخي شجاعا وقد مات بشرف ليس مثل تلك العصابة الحقيرة. أنا متأكدة من أن الشرطة ستقبض عليهم، لا تقلق.. وخصوصا بوجود أخيك وعمك معهم...».

« هيا الآن.. هل سيظل هذا الطعام على حاله ؟ هل طعامي سيئٌ لهذه الدرجة؟» سألت عمته ممازحة عمر.

ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يعتدل، وأخذ الصينية من يد عمته واضعا إياها في حجره وقال بمرح :
« بالطبع لا عمتي!» وتابع ليقول : « إنني محظوظ بوجودي في منزل أمهر طباخة في العالم!»

ضحكت عمته بفرح لتقول باسمة :« هيا الآن توقف عن الكلام وأنهي طعامك، أريد أن أرى تلك الأطباق تلمع» أنهت كلامها ناهضة من على السرير متوجهة إلى الباب ولكن قبل أن تفتحه كان قد فُتح بالفعل، لِيَلِجَ منه ذلك الشاب الطويل الذي قضى في تلك الحياة عقدين و خمسة سنين، بشعره الفحمي الذي شابه سواد الليل وعيونه الدعجاء التي حملت أحزانا وآلاما دفينة .

ستظلّ في ذاكرتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن