غاب القمر و أضحت الشمس تنشر خيوطها الذهبية في كل مكان مبددة ظلمة الليل الحالكة. استيقظ مروان من نومه و ذهب ليغسل وجهه حتى ينفض النوم عنه. بينما كان سرير عمر فارغًا فيبدو أنه استيقظ باكرًا هذا اليوم.
« عمر، لقد استيقظت باكرًا ! هل هناك أمرٌ خاص
اليوم؟ » قالت عمّته وهي تضع أطباق الفطور على الطاولة« لا، لقد شعرت بالنشاط اليوم » أجاب عمر بنبرة هادئة
« ما بك؟ هل أنت بخير ؟ »سألت عمته بقلق
سمح عمر لابتسامة باهتة بالظهور على وجهه ليقول بعدها :« لا تقلقي عمتي، أنا بخير... »
« أهو مروان؟... أنت لا تحزن هكذا إلا عندما يتعلّق الأمر به.. هل أحزنك ؟ » سألت عمته
صمت عمر وقد طأطأ رأسه في حزن لتتابع عمته قائلة برفق :« لا تقلق، هو فقط... حزين على والده...أو ربما غاضب مما حدث... سيتخطّى هذا... اصبر فقط.. اصبر يا عمر »
أومأ عمر في هدوء وبدأ يتناول فطوره ليذهب إلى مدرسته.
سار عمر في ذات الطريق الذي يألفه لكنّه هذه المرة لم يكن سعيدا ككلّ مرة، لقد كان حزينا مُتألّمًا، حتى أن ذراعه آلمه هذا الصباح بعد أن كان قد خفت ألمه منذ أيام. عبر عمر الجسر المؤدّي لمدرسته، لم يحدّق في النهر، لم يتأمّل في السحاب ولم يفعل أيّ شيء، فقط ظلّ يسير كما لو كان في مكان آخر، نعم فقد كان غريقًا في بحر أحزانه يصارع للنجاة منها لكن يبدو أنها ستبتلعه وتغرق روحه الصافية. لم يشعر بنفسه حتى اصطدم بأحد أمام المدرسة. ارتد عمر إلى الوراء وما كاد يرى ذلك الشخص حتى تناهى إلى مسامعه صوته البغيض الذي يكرهه عمر.
« ألا ترى أمامك أيّها الأحمق؟! مهلاً إنّه أنت ! »
رفع عمر بصره إليه لتتلاقى أعينهما بصمت لم يقطعه سوى قول عمر : « عذرًا ! »
وهمّ بالمُضيّ قُدُمًا لولا لكمة فهد التي وجّهها لوجه عمر مُتبعًا إياها بقوله : « احتفظ بأعذارك لنفسك أيّها النكرة ! »
وكأنّ تلك اللكمة وتلك الكلمات أشعلت فتيل الغضب في فؤاد عمر، شعور غريب هذا الذي شعر به، شعر بأنّه يريد ضرب أحدهم، يريد فعل شيء، يريد أن يُفرّغ ما بداخله، يريد الدفاع عن نفسه فلا أحد سيفعل غيره، يريد الاعتماد على نفسه فهو لن يعتمد على أحد بعد الآن.
« نكرة ؟ » تمتم عمر بهدوء وقد علت وجهه ابتسامة جانبية ليردف :« أظنّ أنك مُخطئ ! »
« يبدو بأنّك تُريد المزيد من الل_» لم يستطع فهد إكمال كلامه فقد رمى عمر حقيبته الزرقاء على الأرض وانقضّ عليه كما تنقضّ الأُسود على فريستها، وقد ساعده على ذلك وجود فهد وحده دون رفاقه.
سددّ عمر لكمات موجعة لوجه فهد وأخذ يضربه بكُلّ قوته مُتجاهلا ألم ذراعه، حاول فهد التملّص منه لكنّه كلّما حاول ذلك تلقى ضربة أليمة لتردعه عن ذلك وكأنّه يُحاسب على أفعاله السيئة وكأنّه يُعاقب على تنمّره واستضعافه للآخرين ليشرب أخيرًا من نفس الكأس الذي سقى به غيره.
أنت تقرأ
ستظلّ في ذاكرتي
Mystery / Thrillerالرواية حاصلة على الأول في مسابقة كأس الإبداع لعام 2023 ★ 🥇✨ « روحي باتت مشتتة، مشاعري أمست ممزقة وفؤادي قد تهالك وانكسر ، تبدد الوئام واندثر الأمان وتوارت السعادة خلف الأيام ولم يعد يغمرني غير الحزن والآلام من بعد رحيلك يا أبي... لكن من يدري؟ ربم...