تلاشي الأحزان

639 54 187
                                    

خوف شديد اعتمل قلبه واعتصره وهو ينتظر خروج الطبيب من غرفة ابنه بعد أن أتى فور أن هاتفه مروان، لربما قد بدأ يواسي فؤاده ويُصبّره من الآن؛ فمن النادر نجاة أحدهم بعد أن توقف قلبه وقد لبث في غيبوبة دامت لقرابة السنة، ما فتئ يدعو الله في سرّه أن ينجو ولده الحبيب ليُسعد قلبه المنهك التي تكالبت عليه الهموم والمصائب حتى أُثخن بالجراح الأليمة، كان كما الأرض الجافة التي تتوق شوقًا لقطرات الغيث التي تتخلّل تربتها الجافة وتنعشها لتبث فيها شعلة الحياة من جديد.



خرج الطبيب من الغرفة ليهرع باسل نحوه ومن خلفه نهض مروان وعمر واتجها للطبيب بأوجه اعتراها القلق.



« خيرا إن شاء الله، بفضل الله قد عاد مريضكم


للحياة » أحرف قليلة وكلمات أقلّ خرجت من فم ذاك الطبيب مع ابتسامة بسيطة زيّنت وجهه و لكم كان وقعها بهيجًا على نفوس السامعين ! ، تساقطت الدموع من المحاجر وتهلّلت الأسارير وعلا صوتهم وهم يرددون :« الحمدلله ، الحمدلله »



« لقد استيقظ المريض، هو متعب قليلا لكنه شُفي من جروحه ، والحمدلله لقد أفاق من غيبوبته، يمكنكم رؤيته بعد قليل ريثما ننقله إلى غرفة أخرى في


المشفى » أدلى الطبيب بحالة سامي التي أسعدت الجميع وخاصة والده فقد كان غير مصدق أنه أخيرا بعد كل هذه المدة استيقظ ابنه الحبيب. بينما كان مروان سعيدا إلى أقصى حد تنهمر دموع فرحه من عينيه وهو يحمد الله على سلامة ابن عمه، في حين كان أسعدهم بذلك الخبر هو عمر، ليس لأنه صديقه المقرّب وابن عمه العزيز بل لأن ذلك الحمل الذي كان على قلبه قد أُزيل، لن يلوم نفسه على فقدانه بعد الآن فها قد عاد له سالما معافًا.



بعد سويعات قليلة وقف باسل أمام الغرفة التي وُضع فيها ابنه امتدت يده لتقبض على مقبض الباب مديرة إياه، وما إن فُتح الباب حتى التقت أعينهما، إنه هو ببشرته الحنطية و شعره البندقيٌّ الزاهي ، ولكم اشتاق لرؤية تلك العيون الدعجاء التي بمجرد رؤيتها تتلاشى شتّى أحزانه وآلامه. انهمرت دموع سامي من محجريه وهو يرى أحبّ شخص إلى قلبه واقفًا أمامه، نعم هو لا يحلم، شعر أنه كان في سبات عميق دام لسنوات وقد استيقظ منه أخيرا، خطا باسل بخطوات بطيئة وهو يحاول التحقق من صحّة ما يراه، وعندما وقف أمام سريره وصل إلى مسامعه صوته الذي اشتاق له كثيرا ينادي ببطء :« أ.. أبي ! »



تبسّم باسل وهو يقول بخفوت :« أهلا بعودتك بني، أطلت الغياب على قلب والدك المسكين »



ثم أقبل باسل يعانقه بشدة مرددا :« سامي !... بني !... الحمدلله، الحمدلله » كما كان سامي يبادله العناق بشوق كبير ثم ابتعد عنه سائلا :« كم.. كم مكثت


نائما؟ »



ضحك باسل وهو يبعثر شعره بلطف مجيبا :« لقد نمت ما يكفي لسنين قادمة، لقد نمت ما يقرب السنة »

ستظلّ في ذاكرتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن