جثم الحزن والأسى على فؤاده وبدا كما لو كانت روحه قد سُحبت منه ولم يبقى غير جسده الفارغ الذابل. كان يسير ذهابًا وإيابًا في ذلك الممرّ الواسع الذي طُليت جدرانه باللون الأبيض. ينظر كلّ ثانية إلى تلك الغرفة التي اعتلى بابها لافتة كُتب عليها :« غرفة العناية المُركّزة ». كان يدعو الله في سرّه أن ينجو أخوه وأن يخرج بسلام منها. سالت الدموع من عينيه بغزارة بغير توقّف. وبينما هو يروح جيئة وذهابًا إذ اصطدم بأحدهم، رفع رأسه وتمتم بخفوت من بين شهقاته :« عمّي .. لقد... كان... حادثا.. أنا... لم أره»
ثم ارتمى على عمّه دافنًا وجهه في صدره يبكي بِحرقة وهو يُردّد :« لم أقصد.. أنا آسف... أرجوك يا عمر لا تتركني !... أرجوك»
حرّك باسل - الذي جاء ما إن هاتفه مروان - يديه وهو يُمسّد شعر مروان بلطف مُحاولا أن يتماسك أمام مروان ثم قال بنبرة هادئة جدّا مُهدّئًا إيّاه :« أعلم مروان.. أعلم.. الآن يجب علينا أن ندعو الله، وبإذن الله سيكون بخير...سوف _»
لم يستطع عمُّه إكمال حديثه بسبب تلك الدموع التي خنقته وألجمته عن الحديث ، فهو خائف، خائف أن يفقد عمر.
« مروان ! » علا ذلك الصوت الرقيق الذي يعرفه مروان جيّدًا، إنّها عمّته فلقد اتّصل مروان بها وأخبرها بالأمر.
ابتعد مروان عن عمّه ثم نظر إلى عمّته التي كست الدموع وجهها . لم يتحدّث مروان بشيء، فماذا عساه أن يقول لعمّته المسكينة؟
« أمل... لا تقلقي سيكون بخير.. استريحي على الكراسي» قال باسل بنبرة مُتهدّجة وهو يمسح تلك الدموع التي فرّت من مقلتيه.
جلست أمل على أحد الكراسي فقدماها لم تعد تقويان على حملها، ألقت نظرة خاطفة على تلك الغرفة لتهطل دموعها بغزارة، وضعت كفّيها على وجهها - الذي امتقع لونه- و انخرطت في بكاء مرير وهي تُتمتم بكلّ الدعوات راجية الله أن يستجيب لدعائها وينقذ ابن أخيها العزيز الذي تعتبره كابنها تماما ولا تحتمل فقدانه.
كان اللّيل قد أسدل ستائره على السماء وقد انقضى نصفه ولازال كلٌّ على حاله، العمّة تبكي وهي جالسة والعمُّ واقف في مكانه يترقّب خروج الطبيب من الغرفة كأنّما قد شُلّت قدماه عن الحركة من القلق، ومروان يسير ذهابًا وإيابًا كما لو كان قد جُنَّ، كان تائهًا بين عَبَراته كانّما حلّقت روحه إلى مكان آخر غير راغبة في خوض تلك التجربة الأليمة تاركةً جسده يهيم بغير هدًى أملاً في النّجاة من الأحزان والهموم والندم.
بعد ساعة تقريبًا فُتح باب الغرفة وخرج منه الطبيب، نهضت أمل، وهرع مروان وباسل إلى الطبيب ينتظرون الأخبار التي سيأتي بها.
« لقد أُصيب بكسور بسيطة في جسده وجرح رأسه جرحًا عميقًا مما أدى لنزف الكثير من الدماء، واضطررنا إلى نقل الدم له، لقد فعلنا ما باستطاعتنا، لم يستيقظ بعد... أنفاسه ضعيفة ولكن ضربات قلبه مستقرة، سننقله إلى غرفة أخرى بالطابق الثالث، لقد اجتاز مرحلة الخطر لكن لا نعلم متى سيستيقظ، هذا أقصى ما في وسعنا ... لم يبق بيدنا تاليًا غير الدعاء....» صرّح الطبيب بحالة عمر التي كانت بمثابة خنجرٍ نفذ بقلوب الجميع.
أنت تقرأ
ستظلّ في ذاكرتي
Mystery / Thrillerالرواية حاصلة على الأول في مسابقة كأس الإبداع لعام 2023 ★ 🥇✨ « روحي باتت مشتتة، مشاعري أمست ممزقة وفؤادي قد تهالك وانكسر ، تبدد الوئام واندثر الأمان وتوارت السعادة خلف الأيام ولم يعد يغمرني غير الحزن والآلام من بعد رحيلك يا أبي... لكن من يدري؟ ربم...