🌸0.1🌸

42 3 14
                                    

الإمام الشافعي له كلمات جميلة يقول:

اقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتيكَ مُعتَذِرا
إِن بَرَّ عِندَكَ فيما قالَ أَو فَجَرا
لَقَد أَطاعَكَ مَن يُرضيكَ ظاهِرُهُ
وَقَد أَجَلَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا

والخلاصة : هي أن الكريم يقبل عذر المعتذر ويصفح عن المخطيء ويتجاوز عن المسيء

ولو كل إنسان أخطأ في حقنا هجرناه ما بقي لنا صاحبُ ولا صديق ولا جار ولا حتى أخ ..

قال الله : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

وفقكم الله تعالى وحفظكم
عمرو نور الدين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجلس على كُرسيّها الهزاز، تتمايل به تارة للأمام وتارة للخلف...
تحدق بشرود في السماء...تُطالعها وهي لا تراها أساسًا، عقلها غائم عن الواقع...أخرجها عُنوةً من شُرودها صوت بُكاء طِفلها المرير...وقفت مسرعةً تركض له تسأله بقلق : حبيبي مالك، في ايه يا حبيبي...
جثت بجانبه تُملس على ركبته التي يُمسكها تسأله : بتوجعك منين يا حُيَيّ...رد عليا بقى وبطل عياط...
نظر لها الطفل بغيظ ودموع حبيسة : أنا مش بعيط... أنا راجل قَوي...
ضغط على شفتاه ليمنع بكاء عيناه رغمًا عنه، يحاول إمساك مدامعه عن البكاء ولكن...هيهات...
اِبتسمت حفصة على هذا الطفل المشاغب، وعلى طريقة تفكيره، وقفت تُعدل ملابسها، ثم اِنحنت تحمله وسط صراخه واعتراضه : نزليني...نزليني أنا أقدر أمشي لوحدي...يـــا ماما بقى نزليــٓـني...
وصلت للباب الداخلي للمنزل، لتضعه أرضًا وتقول في حزم : إيــــــآك تتحرك يا حُيَيّ.
ابتلع الصغير ريقه بخوف من جدية والدته المُفاجِأة...
أتت تحمل بيدها عُلبةً للاِسعافات الأولية، جلست بجانبه على الأرض الخشبية، ترفع سرواله عن ركبته، لتشهق بقوة تسأله بتوجس : حُيَيّ... إيه اللي عمل كدا في ركبتك، دا أنت يدوبك كنت بتلعب بالكورة، إيه الدم دا كله...
أشاح بوجهه بعيدًا عنها، بينما هي فبدأت بتعقيم الجرح وتنظيفه، ثم ضمدته جيدًا...
نظر هو لركبته ليقول باِعجاب : ما شـــآء الله عليكِ يا أمي، أنت عملتيها زي الدكتور...
ضحكت بخفة : آمال أنت فاكر ماما سهلة ولا ايه...قولي بقى جرحت ركبتك ازاي...
لمعت عيناه وهو يقول : بس بالله عليكِ مش تتعصبي...
حفصة بابتسامة جميلة، ضمته لحضنها : مش هتعصب بإذن الله، عايزة أعرف عشان أخد بالي مش أكتر...
أشار بيده لِلُعبة في أخر الحديقة : شايفة المرجيحة دي يا ماما...
همهمت وهي ترى ما يُشير إليه...
أكمل : أنا طلعت فوق الحديدة اللي ماسكة السلاسل...
نظر لها بحماس وكأنه قام بعمل بطوليّ... أما هي فبقيت تتطالعه لفترة، وتلك الأسطوانة الحديدية فترة...
رفعت يديها للسماء تهتف : اللهم ألهمني الصبر يا الله...نظرت له ، حبيبي هوا أنت ليه بتعمل فيّا كدا... أنت عايزني أزعل وأعيط يعني ولا عايزني أعمل ايه...
نفي الصغير برأسه، لتكمل هي : يبقى خلاص يا حبيبي، متعملش كدا تاني، أي حاجة خطيرة أبعد عنها، ممكن؟ لأنك لما طلعت شوفت وقعت وجرحت ركبتك ازاي، ممكن بقى تحافظ على نفسك شوية؟
اومأ برأسه، لتبتسم هي، وتشدد من احتضانها له : حُييّ حبيبي...الراجل عادي يعيط على فكرة...
نظر لها حُييّ كأنها تقول أمرًا عجيبًا غريبًا...أكملت هي بعدما رأت تعابير وجهه : مش الراجل دا إنسان بردو ولا ايه، الحجر والجماد بس هما اللي مش بيحسوا...بس أي إنسان سواء راجل أو ست، سواء كبير أو صُغيّر عادي يضحك ويعطيك ويعبر عن مشاعره عادي...ثم إنك حبيب ماما أرجل الرجالة، وعادي يا حبيبي عيط براحتك...
نهض من حِضنها يقول : بس يا ماما العيال في فصلي بيتريقوا على اللي بيعيط...
رسمت تعابير الِاشفاق على وجهها : عشان ميعرفوش، أنت بقى حبيب ماما هتعرفهم، صح؟
صاح بسعادة : صح يا ماما...
دخل الطفل سريعًا للمنزل، بالتحديد لغرفته، رأى أن أخاه مازال نائمًا، ظل يحركهُ ليستيقظ لكنه ظل كما هو، خرج لوالدته : ماما، يحيى مش راضي يصحى...
ضحكت بقوة : حبيبي يحيى طفل طبيعي نايم زي البشر، سيبه يكمل نومه...
نفخ حُييّ وجنتيه بسقم : مليش دعوة، أنا كدا هحس بالملل لوحدي، كمان أبي وحشني...
نهضت واقتربت منه، ثم حملته على عَضِدِها : ايه رأيك أنام معاك وأحكيلك حدوته...
تعلق حُيَيّ برقبتها يسألها : طب وأبي؟!
أجابت بخفوت : عنده شغل، بس ممكن يجي النهاردة لا تقلق حبيبي...بس تعال أغيرلك البنطلون دا.
حُيَىّ : لأ مش عايز أعيره...
أنزلته أمام خزانة ملابسها : مش هتنام فيه وهوا كله دم كدا، يلا بقى عشان ابقى أغسله ويرجع جديد...
ضحك حُيَيّ : هيرجع نظيف تاني، حاضر هغيره...
اِنتهت من تغير ملابسه، ثم أخذته في حِضنها لتنام معه بسلام.

 وليُّ فؤاد 🌸حيث تعيش القصص. اكتشف الآن