الخامس عشر

2.6K 108 2
                                    

الخامس عشر
(كنت فين ياموكوس ياخايب الرجا.؟)
سؤال عمته لم يحرك فيه غير الاشمئزاز والاستنكار، هكذا كان يقابل سخريتها ولسانها وهو ينفث دخان سيجاره بينما أذناه كانت تلتقط كلمات أخته التاليه بإهتمام
:(فاتك الحدث يامروان..)
انفعالاتها تتأرجح بين الشماته والقهر وهي تسرد عليه من أنباء ما قد فاته.
من بين غماماته كان ينظر لحاله برثاء، ساقه المكسوره وكدمات ذراعيه، العصى التي ترتكن بجانبه تنتظر استدعائه لتنال شرف حمله من السقوط، تجاهلوا كل ذلك وعنفوه علي غيابه كأن أصابهم العمى، أو لم يكن ما أتى به من أذى ذي بال لديهم.
بثت مروة سمومها وهي تدور حوله كالحية (:تصور البريئة كانت علي علاقة بجلال اخو عاصم.؟)
بصقتها من فمها بغيظ مكتوم، خير الجواب كان صمت وهدوء لايعكس فورانه الداخلي بالغضب كبئر ليس له من قرار.
بينما غمغت أنوار من بين أسنانها المطحونه التي شاركتها القهر (غفلني ابن هاله)
جلست مروة منهكة ملامحها مرهقة بما نالته من هزائم تهمس بضياع (لو شوفته بيدافع عنها إزاي)
ليستيقظ من صمته ويهتف بأعين ثابته (ضحك عليها أكيد)
صرخت مروه تنهش سيرتها بغل (دا هي الي ضحكت علينا كلنا وغفلتنا)
أغمضت عينيها كمن يعاني همست بحسد(كان بيبصلها كأنه مبيشوفش غيرها وبيحميها كأنها أغلى ما يملك.... وهددنا)
دفعتها في وجهه لتثيره ضغطت كلماتها بحقد مدروس، أرادت انتزاع اعتراض منه أو نظره تخبرها بأنه سيهدم معبد الحب فوق رؤسهم.
نالت منه نظرة غامضة أراحتها وإن لمعت بها الحسرة جلية.
نهض من استرخائة يتحسس حتى وصل لعصاه اتكأ عليها وسار ناحية حجرته يفكر ولايفعل سوى ذلك.
أما مروة فدخلت حجرتها واغلقت عليها ثم انخرطت في بكاء مرير يشق الصدور ويبعث الكدر والهم، بكاء وحدة وقلة حيلة بكاء يرنو لمجهول ضاق به صدرها ولا تعرفه.
***********
امسكت بالهاتف وبدأت التقليب فيه وحين انحشر الهم والضيق بزوايا قلبها، ركضت ناحية مجهول ترتاح له وتطمئن بأنسه فما عساها أن تفعل في غربتها ووحشة قلبها..؟!
رسائل كثيرة وصلتها منه، يخبرها بقلقه عليها وأهمية أن يطمئن عليها، يخبرها بأنه اشتاقها كثيرًا وأفتقدها أكثر.
ابتسامة مزقت الهم المرسوم علي ملامحها وجاهدت لتظهر، أصابت كلماته قلبها..
تبحث في وسط ظلمتها عن نور وإن كان خادعًا،لتستأنس به، ترتوى من سرابه الخداع في صحراء وحشتها المقفهرة.
لهفته قفزت من كلماته حين ارسلت إليه، كأنه كأن ينتظرها أجابها علي الفور، تحدث معها وحكت له عن ما آلت إليه أمور حياتها والمسار الذي دفعتها الأيام للسير فيه، حاول جاهدًا تبديد حزنها بكلماته، واساها معلنًا الحداد علي عمها وصبّرها بكلماته الطيبة التي صبت في قلبها البرد والسلام
ظلت معه لساعات طويلة تكتب ولا تمل كأنهما حبيبان التقيا بعد سنوات أور بما اثنان حُبسا عنوة في غرفة مظلمه لم يجدا غير بعضيهما فيها.
شعر جلال بغيابها واختفائها الطويل داخل حجرتها، ساوره القلق عليها فاتجه يطرق الباب لتخرج.. اجابه منها حفها التأفف ووعد مبتور بالخروج.
********
تبددت سعادته، اختل توازنه وسقط في بئر. الحياة الراكدة المملة وطموحه وأمانيه التي تتطلع للمستحيل تمنى للحظة لو تجرد من كل مسئولياته، من زوجته واولاده وهرب إليها، اقتحمها كبركان وخطفها كفارس لتكون له..
ما أراد أحد مثلها يومًا، حبيبته ورفيقة صباه وشبابه حلمه المسلوب عنوة لكم كره والدها...؟ متبلد المشاعر محطم الأماني شرير الحكاية.
سألته والدته متطلعة لشرودة بحزن (مالك يامحمود ياابني.)
ادار لها رأسه المثقلة بالهم عنوة يطمأنها ببالٍ مشغول (أنا تمام متقلقيش)
سألته وهي تتفحص ملامحه (مش عوايدك تيجي وتقعد كده القعده الطويلة دي)
ابتسم مُكرهًا علي فعل يناقض ضجيج أحزانه، راوغها بفكر منشغل (ايه مش عيزاني أجي ولاايه.؟)
ربتت على ذراعه بحنان ودفء أمومي وهي تستنكر ماقاله (لا ياحبيبي دا أنا اتمنى بس مش بعاده)
أجابها برغبة منهزمة مليئة بالتنهيدات المضللة (شوية مشاكل فالشغل قَلت اجي ارتاح وافكر... ابتسم رغم شحوبه الواضح متابعًا والكذب يفوح من كلماته ولا يتشممه سواه (الولاد والدوشة وإنتِ عارفه بيتضايقوا لما انشغل عنهم)
نظراتها متشككة لكنه استسلمت وأودعتها قبسًا من أمان وهي تواصل الربت على ذراعه داعية (ربنا يريح بالك ياحبيبي)
(وقلبي) همسها بخفوت وتوسل جعلها تشفق عليه وتأمم خلفه، لكنها قالت مبتسمة (قلبك مش هيرتاح غير بالرضى)
حادثها بما في نفسه متخذًا المواربة حصنًا يلوذ خلفه (ساعات بيكون صعب).
بمواساة حانية أخبرته (متصعبهاش علي نفسك يا ابني ارضى بالمقسوم ترتاح)
همس متوسلًا قلبه وأفكاره يتنازعان فيقسمانه ويمزقانه. (أنا نفسي ارتاح)
هتفت السيدة بحزن ويأس (لاحول ولاقوة الا بالله لطفك يارب)
عاد لشروده لاعتناقه الفضاء، للذكريات المنسية، يمررها قلبه الراغب لقلبه يحاول أن يستميله لرأيه وما يريده.
نهض معتذرًا لوالدته غادر محملًا بالأثقال يريد لقائها ورويتها وسيفعل وإن اضطر لإجبارها يريد الحديث معها ليرتاح.
************
دخل العيادة وهي خلفه، حان موعد مراجعتها طبيب والاطمئنان على ذراعها، دخل المركز يبحث بعينيه في الاستقبال  عن أحد يعرف منه مواعيد الطبيب والحجز، زحفت نظراته للجالسه خلف مكتب صغير، نظراتها الحزينة تسقط علي الأوراق التي أمامها بإهتمام.. حين رفعت رأسها تستقبلهما عارضة المساعدة عرفها علي الفور ولم يمنع ابتسامته المتسلية أن تقفز..
(اتفضلوا اي خدمة..؟)
هي ايضا عرفته به ريح يوسف، عرفته عيناها فلطالما رأته مع حبيبها أما قلبها فوجد فيه ريح يوسف فانتعش رغم الأسى الذي يحيط اسمه داخلها جديدًا.
تقدم ناحيتها وضع ذراعاه علي المكتب العالي يسألها (دكتور العظام.. موجود.؟
أجابته بجدية (فالطريق تحب احجز لحضرتك.؟
هز رأسه بالموافقة فسألته عن اسم المريض ليقول ورأسه تميل للخلف باحثًا عنها (براء عثمان)
نظراتها طاردت المنزوية بعيدًا، المختبئة بحزن كالغريبة. هزت جميلة رأسها رغم الأسف الذي تملك قلبها علي تلك الشريدة.
يهيأ للرأي أنها طائر أفلت من السرب تاه حتى لفظته السماء واحتوته الأرض بجناحه المكسور فبقي حزينًا ضائعًا يتفقد الراحلين في وجوه من يراهم.
اعطاها جلال الأموال، لتقع منها على بعض الأوراق المسندة، فالتقطها ليكتشف الاسم المكتوب بين السطور كمركب نجاة وسط أمواج عاتية، التقت نظراتهما علي الاسم، هو مندهش وهي خائفة يتملكها الحرج..
رفع نظراته القوية تجاهها كأنه يتأكد منها عما قرأه فأشاحت بعيدًا محمرة الوجه في خجل شديد.. ابتسامة مطمئنة ونظرات متفهمة اهداها لها قبل أن يجاور طائره الحزين
اجلستهما أمام عينيها مع مراعاة الاهتمام بهما. من وقت لآخر كانت نظراته تطاردها.
لقد أخبره يوسف إنها تريد غيره، إن كانت كذلك لما تكتب اسمه لمايراه في نظراتها، في حزنها وكأنها تفقد شيئًا، وانشغل عن براء بجميلة التي تقدمت تسأله علي استحياء
(حضرتك صاحب حضرة الضابط يوسف)
حماقة دفعتها لتسأل، هي رمت سؤالها وزجرها عقلها تمنت لو لم تفعل َتركض هاربه
هز رأسه دون كلماته، نظراتها حين نطقت اسمه لمعت، أضاءت.. شفتيها حملت الحروف ككنز ثمين.
ابتلعت ريقها ق باهتزاز لمسه من ارتباك حروفها (الف سلامة بإذن الله تدخلوا اول ما يجي الدكتور)
عادت تحتبئ خلف مكتبها، تنهر نفسها واندافعها، تلعن الحظ والظروف التي لولاها لكانت الآن طالبة بكلية الطب، عند تلك الذكرى حزنت اشد الحزن، اظلمت ملامحها بالكأبة والحسرة..
أما جلال فانشغل بما يراه، مقررًا أن يعرف من صديقه الأمر كاملًا بالتفاصيل عله يجد حلًا لتلك المعضله، فكل مايعرفه الآن ومتيقن منه أن تلك الفتاة تعشق صديقه.
عادت من العمل لكن الليل كان فرد جناحيه السود علي الكون بينما السماء ابتلعت قمرها في غصة أصابت قلبها بالخوف بعض الشئ فما كانت تتوقع أن يظل الطبيب لهذه الساعة المتأخرة من الليل، نظرت حولها بزعر من كل شئ حولها حتى الأنفاس.
تعثرت صخرة تأأمرت عليها، نصف سقطة مروعة والنصف الآخر منعه هو بذراعه التي امتدت في حماية، نهضت بسرعة متكأة علي ذراع الغريب القوية، استقامت بخوف أنفاسها تتردد داخل صدرها بفزع، ما إن طالعت الواقف أمامها حتى تسربت الراحة لملامحها المتعبة، التقت النظرات في عتاب وإمتنان
سألها بحدة حاول تخفيفها مبعدًا عينيها عنها يجوب ما حوله بنظرة سريعة (جايه منين دلوقت وإيه مطلعك في الوقت ده)
أجابته بنفس الحدة (أولًا شكرًا ثانيًا أنا جايه من الشغل)
استنكر وقد اكتسى ملامحه الغضب منها (شغل إيه.؟ في الوقت ده.؟)
عاندت (اهو شغل يا حضرة الضابط متشغلش بالك)
قيّد ذراعها بغضب لم تتوقعه جعلها تشهق متفاجئة ترفع نظراتها إليه مستنكرة فازعة مما فعله لكنه تجاهل وصرخ بها مستهزئًا(دا شغل ايه الي بيخلص فنص الليل ده..؟)
نفضت ذراعها عنه بقوة محذرة (في كلامك اتهام مسمحش بيه)
اشاحت بعيدًا تحبس دموعها تحاول ألا تضعف وتنهار أمامه، لكنه الآن غاضب، حديث أختها وكلماتها تتشابك في عقله فيشكلان حلقة من الشك فيها تحيطها (امشي دلوقت قدامي وبعدين نشوف)
واجهته بقوة تجابه بها قسوته (ولادلوقت ولا بعدين إنت ملكش حكم عليا)
عاتبها وفمه يميل في سخرية بينما عيناه تقيّمها بنظره مستهينة بها خذلان العالم (كده يا جميلة تمام.. بس قوليلي مين الي له حكم علي حضرتك ارجعله)
انهمرت دموعها سمحت لفيضان الحزن أن يعبر حاجز قوتها الواهية، منعتها الدموع أن تجيبه لكن ساقيها اتخذت القرار فورًا بالهرب، تخطته في خطوات شبه راكضة تحتفظ بالإجابة أو ربما لا تجدها.. مشت ومشى خلفها يلوم نفسه مره متعاطفًا معها مشفقًا عليها ومرة يؤيد قراره بحمايتها من نفسها ومما تفعله من أخطاء في حق محبيها ومن تشكل اهتمامًا لديهم.
لكن قلبه منزعج بشدة يشاركها عبر نبضات قوية اهتزازها بالبكاء.
ما إن اقتربا من المنزل ولمحتهما تهاني حتي ابتسمت بانتصار فها قد نجحت خطتها، ذهبت ليوسف منذ ساعة تعبر له عن قلقها لتأخر جميلة وتطلب منه البحث عنها فلا يمكنها أن تخبر أحدًا بذلك.
دخلت جميلة المنزل ومنها لحجرتها واغلقت الباب خلفها بقوة بينما همست تهاني ليوسف الواقف يشيعها بحسرة وآسف (متشكرة يايوسف كتر خيرك)
أجابها بهزة رأس دون كلمة وبعدها غادر وأغلقت تهاني الباب.
************
تقدمت منه حيث يجلس، سألته بهمس حذر :ممكن اسألك عن حاجه.؟
رمقها بنظرة جامدة عابرة بعدها هز رأسه بالموافقة وهو يعود برأسه متجاهلًا وجودها :احنا فين..؟
رفع نظراته من جديد محملقًا فيها لتتنحن وتسأله مجددًا :ممكن تديني العنوان بالضبط..؟
اندهش من طلبها الغريب لكنه سألها :(ليه..؟)
علقت الإجابة ما بين الخوف والحيرة ماذا ستخبره..؟ أن أحدهم سيرسل لها هدية.؟ وماذا إن صارحته بذلك.؟
ارتبكت أكثر وهي تنظر له بترقب، بينما كان هو منتظرًا إجابتها، اضاءت ملامحها حين وجدت السبب، هتفت به على الفور (واحدة صاحبتي هتبعتلي حاجه)
اخفضت نظراتها خوفًا أن يرى كذبها عليها، تعمق في النظر إليها، يستشف ما يدور بعقلها من أفكار وصدق ماقالته ليملي عليها بعد ذلك العنوان وكل ذرة فيه تتابعها وتترصد انفعالاتها بإهتمام حتى التقط البسمة المنتصرة التي ظللت شفتيها، والراحة التي أضاءت وجهها..
استأذنت تغادر وشفتيها تهمسان بألف حمد وشيعها بنظرات غامضة لا تظللها الراحة..
***************
بخطوات شبه راكضة حاول اللحاق بها في إحدى الشوارع حيث تبعها منذ أن خرجت بعد أن تجاهلت مكالماته وتجنبت اللقاء به
(حنان)
وقفت مكانها تبتلع ريقها الجاف بصعوبة خوفًا من ذلك اللقاء وتلك المواجهة، وقف أمامها يلتقط أنفاسه ليقول بتقطع تتخلله الأنفاس (فينك برنلك مبترديش)
ابتسامة مهزوزة أكلت ملامحها القلقة قبل أن تقول متعللة (معلش مشغولة شوية)
سألها بإهتمام (لقيتي شغل..؟ ومجتش المقابلة ليه.؟)
كذبت عليه هروبًا (اه لقيت فمدرسة فقولت اشتغل فاللي أعرفه)
بنصف عين وملامح التقطت كذبها عاد يحقق (فين.؟)
غيرت مجرى الحديث وتيقن هو من الخداع (بعدين احكيلك مش عايزه اعطلك عن مشوارك) اطلقتها وبعدها ابتلعها الزحام واختفت من أمام ناظريه دون أن تعطيه الفرصة لأي نقاش، اوصدت أبواب الحوار بوجهه.حين اختفت عن ناظرية تنهدت براحة مثقلة بالألم، لقد تحركت مشاعرها الراكضة تجاهه، عادت لمجرى حياتها الجاف ماء حبه الذي حصرتها سدود الهم والفراق.
لاتنكر أن شيئا في قلبها المكدود أراد إكمال تلك القصة، أرادها أن تسير في دروبها معصوبة الضمير، لكن عقلها لم يستسلم وجاهد لتفيق وتخرج منها فهل يدعها محمود..؟
********'

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن