السادس والثلاثون

2.8K 87 2
                                    

السادس والثلاثون
حين إلتقاها ووقف أمامها مد كفه بإبتسامة باردة، بملامح صلبة، نظرت لكفه بقلق قبل أن تخفض نظراتها هامسة (أنا آسفه مش هقدر)اكتفت بأنها شملته بنظرة سريعة تتعرف بها علي شكله، تعرف بها هوية المجهول  الذي طاردها كل تلك السنوات
ووضعت كفوفها الباردة في جيوب الجاكي الرجالي الخفيف الذي إرتدته و أدرك علي الفور أنه يخص آخر إفترق عنها، هي الآن تتبع أنفاسه وتطارد رائحته ووجوده، سحب كفه وأعادها لمكانها ثم جلس وجلست هي علي طرف الكرسي الخشبي العريض أمام النيل ، هتف بحماس ضعيف ونبرة مرحة بعض الشيء (مصدقتش لما قولتيلي إنك عايزه تقابليني بعد كل السنين دي)
شبح ابتسامة مرّ علي شفتيها قبل أن تغوص نظراتها في النهر قائلة (كنت محتاجه أكلّم حد، إنت أكتر حد أعرفه بعده، ثم صمتت طويلًا وقالت بنبرة فقدت قوتها (أومعرفوش)
أخرج سيجارًا أشعله وهو يقول بترحاب رغم جموده (أنا تحت أمرك)
مسد موضع قلبه مستعيدًا رباطة جأشه متأهبًا للحديث معها (كلمتيه.؟ )
أجابته بخيبة ومازالت كفوفها الباردة تندس بجيوب معطفه(كتير ومردش)
إحتد لأجلها، صارحها بقوة (خلاص سيبيه وعيشي حياتك)
قالت كأنها مُغيبة لا تسمعه متجاهلة كلماته الباردة مثله (طول الوقت كنت بسأل شوفته فين وإزاي معرفوش، رغم إنه أخوعاصم،تابعت بمرارة صبغت كلماتها التالية
بس إكتشفت إني من كتر ما شوفته إعتدته وإحنا لما بنعتاد بننسى، لما غاب عرفت إني شوفته قدام اللجنة كل يوم مستنيني، شوفته هو بيجيب نتيجة الثانوية، شوفته ماشي ورايا فكل ركن في الجامعة إيدي لمست إيده وأنا بنقل جدول محاضراتي لما إعتذرت ابتسم ومشي، شوفته فكل مرة روحت فيها للدكتور لوحدي، شوفته فكل مكان روحته والناس بتسهلي كل حاجه كإنهم عارفين إني جايه، شوفته وأنا خايفه من مروان ولوحدي في الجامعة، شوفته وأنا ببكي مش عارفه أذاكر، شوفته جنبي فكلما مرة ركبت فيها عربية بالليل، شوفته وأنا بشتري هدومي لوحدي ومش عارفه أختار، إكتشفت إنه كان طول الوقت معايا ومحستش)
إهتز جسده من كلماتها، أوقع سيجاره وإرتبك.. لترمقه بنظرة صلبه قبل أن تهتف بنغمة حزينة (يحقله، يزعل ويغضب ويبعد... يحقله حتى إني موت علشانه)
إرتجف بقوة تلك المرة، أحرقته السيجار فرماها وتألمت نظراته، إعتذر بإبتسامة شاحبه لمقاطعتها(آسف)
نفض كفيه وقال يجاهد ليثنيها عن عزمها (دي بداية النهاية، انسي وإبعدي)
قالت بنبرة متحشرجة وعينان تمتلأن بالدموع تنظران إليه برفض (هستناه، كل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية)
أكد بحده كأنه يكره ما تقول (مش هيرجع ابدأي من جديد)
همست بصفاء عينان تبتسمان (قلبي بيقولي هيرجع)
سخر في فظاظة وتحامُل لا تعرف أسبابهما (قلبك بيخدعك)
ضحكت وبكت في ذات الوقت وهي تتذكره لتقول بشجن (جلال أحن من إنه يفارق وأجمل من إنه يقسى، هياخد وقته )
إبتلع ريقه ومعها غصته ليصارحها بتوتر (هتكلميني تاني) قالها بإرتجاف بعد أن قرأ النهاية في نظراتها المودعة
قالت تستعد للنهوض بملامح جامدة لا توازي ملامحه الباردة التي أربكت دواخلها منذ أتت(مينفعش)
قال محتدًا بفظاظة وقسوة (إنا عايز نكمل )
اتسعت ابتسامته حتى إلتهمت ملامحها أخرجت كفها البارد ومدته وهي تهمس (دي أخر مرة)
اهتزت نظراته على كفها الممدودة، أيقن من عزمها أنها النهاية فمد كفه التي تماثل كفها برودًا وأحتواها هامسًا بلوعة (مش هنساكِ وهفضل عندي أمل، أنا موجود لو احتاجتيني)
مسحت دموعها هامسةً بوله(أنا مش محتاجه غيره، أبويا وأمي وأخويا وأختي وصاحبي وحبيبي وصاحبي، قلبي موجوع كد ماهو كل قلبي وأهلي)
رمقها بتعاسة وخيبة قبل أن يهمس بنظراته الباردة (مع السلامة يا براءة)
سألته بإرتجاف (معرفتش اسمك.؟)
زاغت نظراته، فغر فمه بذهول غير منطوق، قبل أن تتحول ملامحه للركود البارد (هتفرق.؟) هزت رأسهابتفهم(لا خلاص)  انسحب مطأطأ الرأس ليبتعدا كل واحدً في طريق.
هنا أدرك أن اللعبة انتهت، والوهم الذي تعلقا به تبخر، هي عادت وهو عاد...  هي تعرف أنه هو وستقابله هو واستمرت تحادثه وهو تقبّل لينجو بها من الظلام، جاءت اليوم متشبثة بالكذب لتراه ؟ ليتها تعلم ما هذا الجنون، ما تلك الرغبة التي جعلتها تنكره، أن تجلس أمامه باردة متخاذلة وهي التي تتوق لضمه بشدة، للإقتراب منه والإطمئنان عليه، لتتجرع الأمان من عينيه، أي جنون دفعها أن ترفض مصافحته وكل خلية في جسدها تلعنها وتثور عليها..وأي ذنب حجب قلبه عنها.. توقفت مكانها بإرادة عاجزة قبضة باردة تعتصر قلبها وكأن تلك اللحظة لو مرت لن تنال صفح قلبها.. فعل هو مثلها توقف يضع كفه علي قلبه الثائر بعنف، يكاد يتحرر من قسوة أفكاره ويهرب إلى ذراعيها، همست بنبرة متوسلة بمذاق خاص كأنها استوحشت أن يغادر هكذا(جلال)
مسح وجهه مهزومًا، يتنفس بسرعة كبيرة من مطاردة أفكاره وشوقه الذي يركض خلفه مُعاقبًا
إلتفتا في ذات الوقت كأنهما على موعد، تتواصل روحيهما في سماء العشق هي متعطشة وهو صامت حزين يخشى أن تخونه أفكاره.
اليوم واللحظة حفرت كلماتها داخله حفرًا، وصلت للطريق الذي لطالما سار فيه وحده، فهمت أخيرًا وإنقشع الضباب عن عينيها لتراه واضحًا دون زيف أو خداع... أحاطها بسياج عشقه من كل ناحية، متعزيًا بهوية مظلمة لسنوات ليتمكن من الغوص ناحيتها والتغلغل لحياتها  .
التقت نظراتهما في حديث صامت طويل كبرا فيه مائة عام، انعزلا فيه بأفكارهما عن ضجيج العالم وصخب الأحاديث المشتعل.
لم تفهم سبب انهزامه أو خجله من النظر إليها كما تعودت، أطياف راحلة من عذاب لا تفهمه ولا تقرأ في نظراته التي يخبئها سوى الحسرة والضياع..كطفل صغير يطالعها بإستجداء، ركضت ناحيته تلملم شتاته بعناق طويل دافيء بادلها إياه على استحياء، سردت لوعتها بهمهمات باكية ودموع حارة على ملابسه واكتفى هو بإحتوائها صامتًا بتعزية قلبها النازف ومنحها الأمان الذي تريده الذي لن يحرمها منه ولن يحرم نفسه متعة إشباعها به.
جسده بارد كقطعة ثلج حتى أنها خافت عليه، سحبته وأجلسته وقد عادا لنفس المقعد لكن تلك المرة متجاورين ملتصقين في تقارب،مستسلم هو بإسترخاء صامت، لقلبه إرادة حرة في تتبعها بينما جسده رخوًا خلى من العظام فجأة، فركت كفيه بكفيها في مبادرة لإعادة الحياة له وإزهاق الصمت، تأمل في عودته من هذا الجسد البارد، لينتفض كمن عاد توًا من حُلم، أو كابوس شملها بنظرة عاشق يتأمل حبيبته بلوعة، أحاط وجهها بكفيه هامسًا وعيناه تنبضان بألم لا تفهمه(أنا آسف)
اهتزت لضياعه لتوهته ووجعه، سالت دموعها غزيرة على كفيه، ليستطرد (معرفتش احميكي منه)
هالها إحساسه بالذنب، إرتجافته بالندم ودموع عينيه العزيزة التي انحدرت، همسه المبحوح بوعد صادق حار(والله لاجبلك حقك منه) قالها بشحوب وعزم أخافها
حملقت تحاول استيعاب مايحدث، لتتمالك نفسها وشفتيها المرتجفتان وترفض خوفًا عليه من نفسه وقد فهمت أخيرًا معاناته (لا) بدا كأنه لم يسمع في عالم آخر، هزت جسده بقوة تشبثت بها، تحاول إثنائه (مش عايزه غيرك، سيبه لشره)
نظر إليها بصرامة، متوحش النظرات وهو يقول بعناد وعزم (لا)
ثم نهض تبخر من أمامها كأنه حلم، توارى راكضًا عن عينيها هاربًا من تأثيرها، لم يبتعد كثيرًا هو فقط اختفى من محيط نظراتها، يتابعها حتى تصل سالمة، ظلت هي تحاول أن تستوعب كلماته التي نطق بها ولا تعرف ماذا تفعل..؟ الأمور تزداد تعقيدًا ووجعًا، ماذا سيفعل.؟ لأول مرة تخيفها نظراته، تقرأ فيهما عنفًا وقسوة غاشمة أخافتها عليه كثيرًا..
عادت مغيبة لا تبالي بنداء بركة ولا ثرثراتها، جلست في ركنها شاردة تضم ساقيها لصدرها في حماية وخوف، ليته يأتي ويتأكد من صدقها ويترك مروان وشأنه أمثاله ستقتلهم شرورهم.
ليته يعود، أسبلت أهدابها بدعاء حار، تطلق زخات الدموع من عينيها متحسرة على حالها والشقاء الذي يطاردها..
*********
جلست حنان علي مقربة منه تستمع للدرس بصمت، تتحاشى النظر له لكنها متواصلة معه  عبر سمعها.. سمعته يهتف بضحكته التي تسرق قلبها(فهمتي ياقمر تمام، أنا مبسوط جدًا) اقتحمت جلسته بعدما وضع سماعاته جانبًا وانشغل باللاب توب، جلست أمامه حول الطاولة تحاول محاورته وكسر العزلة التي يحيط بها نفسه (حلو شغلك)
(شكرًا) لفظها دون أن يُعيرها انتباهًا، ثم رفع نظراته يخبرها بخبث (دا كان رأي البنوته برضو) مطت شفتيها مُفكرة قبل أن تخبره برأيها(بس أنا رأيي متعودهاش عليك كده خلي حاجز واضح بينك وبينها)
رمقها بنظرة أربكتها، وهو يقول بغلظة (أنا مطلبتش رأيك)
تعرق جبينها خجلًا من فظاظته وإحراجه لها لتعتذر قائلة (تمام شكرًا)
ابتعدت عنه خطوتين ثم وقفت متراجعة تهتف بحنق(مش دي بنت الست الي جات تشكرك انهردا علي شغلك مع ابنها)
أغلق الجهاز وأجابها بلامبالاة (آه..)
قالت ساخرة (مع إن أنا إلي بدرس للولد)
أسند صدغه على قبضته قائلًا بتوضيح (أنا فهمتها دا علي فكرة ومنتقصتش تعبك، الولد بقاله مدة معايا فعلا في الدرس لما درستيله مستواه اتغير، قولتلها إنك بتتعبي معاهم ومجهودك يحترم لولا إن شغلك حلو مكانش إتحسن)
عضت شفتيها غيظا لا تجد ما تقوله (شكرًا.. ماهي اقتنعت وبعتتلك بنتها) قالتها بتهكم
ليهز كتفه لا مبالي(مش مشكلتي قولت الي شايفه، بعدين إنتِ مركزة مع البنت ليه.؟)
استرخى قليلًا يخبرها بنظرة تقييميه وبرود (شاغله نفسك بالبنت ليه.؟ تحبي أقولها إنك تدرسيلها)
شعرت بالإهانة والخجل من تصريحاته المبطنة والتهكم الواضح في كلماته(أنا مش فارق معايا) رمقها بنظرة مشككه قبل أن ينهض قائلًا(أنا نازل محتاجه حاجه.؟)
(رايح فين.؟) قالتها بإندافع لامت نفسها عليه ليقول بعدم اهتمام متجاهلًا (هقعد شوية مع إسراء وخالي) قالها بنبرة فقدت حيويتها كأنه مثقل بالهموم ويريد أن يُلقيها هناك ويعود.
تعللت بإضطراب(كنزي مستنياك تتعشى معاها، وتقعد معاها شوية)
أشاحت بعيدًا حتى لا يكشف لهفتها على وجوده ليقول ضائقًا(خليها تتعود يا حنان وأنا أتعود) رحل دون كلمة، فاقدًا المرح والشغف، نظراته منطفئة بحزن عميق يأكلها ويؤجج مشاعر غريبة تجاهه، تكاد تلمح طيف استغاثة وعتاب كلما نظر إليها لكنه يسارع بتخبئتهما والتعامل بجفاء وصلابه، يمرر لها دائمًا بتأكيد أن الأمر عاديًا لا يشكل فارقًا لديه،يتسلل لحياة الوحدة والعزلة رويدًا رويدًا
بداخلها تنمو رغبة غريبة في إحتضانه ، في الربت على ظهره بدفء.. تريد ضمه بقوة دون كلمة، أن تنتزع حزنه وتهديه حبًا وعطفًا يليق بقلبه المكسور على الدوام، تراه طفلًا مشاكسًا يغضب ويثور، يخاصمها ولا تريد إلا أن تخبئة داخلها وتمنحه الأمان، تلك المشاعر تكبر داخلها وتتفرع أحيانًا، كلما رأته هكذا تفقد السيطرة حتى تظن أنها يومًا ستفعل ما يروق لخيالها اللعين.
في المساء  ببيت خاله كان يقف في الشُرفة يسند ذراعيه على حافتها صامتًا شارد الذهن منطفىء علي غير عادته.
عبرت تنهيدات محطمة النفس شفتيه وهو يطالع السماء بصمت، يشارك النجوم حيرته، يبحث بينهما عن نجمة واحدة كان يريديها بحياته تنير ظلمة أيامه لكنها بخلت واستغنت نفسها
سأله خاله بقلق وهو ينظر لملامحه العابسة وشروده الواضح، مرحه المفقود (في إيه يازفت.؟)
حك مالك رأسه يخبره بضياع وقلة حيلة تكبله(والله ما أنا عارف ياخال، من ساعة ما عرفت إنها لسه بتدور عايزه ترجع قلبي مقبوض وحاسس إني تايه)
حدجه عباس بنظرة ثاقبة مشتعلة بالمكر قبل أن يقول(مفيش توهة ولاحاجه تروح هي يجي غيرها)
عقد حاجبيه في صمت لا يروقه الكلام ليزم شفتيه مقرّ بطفولية(أنا عايزها هي، ثم أخفض رأسه يعترف بخجل(من يوم ما شوفتها عند أحمد وأنا عايزها هي، وأقنعت أحمد يبجها للشقه الفاضية علشان أفهم ليه هي.؟ وبرضو مفهمتش)
ابتسم خاله قائًلاوهو يمد عكازه لكتف مالك مازحًا(كنت شاكك برضو)
ثم تابع بإحباط وألم حقيقي(مش عارف أعملها إيه.؟)
قال عباس بفطنة وهو ينظر لألمه بتعاطف(طمنها خليها تثق فيك يا ابني)
تأفف مالك قائلًا بسخرية (يعني أعملها إيه.؟)
أوضح عباس برزانة وفطنة (الست الي زي حنان عايزة أمان وثقة إديهملها تاخد قلبها وروحها، دي واحدة كل حاجه حواليها مزيفة يمكن هي كمان اضطرت تزيف مشاعرها فوقت من الأوقات علشان تقدر تكمل)
تنهد مالك بآسف)
ليعود عباس ويلكزه موبخًا في حدة(أصبر يا أخي اتعلم من جلال شوية،ميبقاش نفسك قصير، ؟)
قال مالك مازحًا وهو يلوح بكفه مستأنسًا حديثه(أكل العسل حلو بس النحل بيقرص ياخال)
عاد الطمأنينة لقب عباس مع عودة المرح لصوت مالك فسأله (قولتلها علي الي قولته دا.؟)
استنكر مالك بفظاظة  (لا ومش هقول)
هدر فيه عباس بغضب وضيق (قوم روح يلا جتكم خيبه، جبتولي المرض)
قبّل مالك رأسه ضاحكًا وخرج بعد أن ودّع إسراء وإطمئن أنها لا تحتاج شيئًا .
بعد مرور ساعات
من الليل نهضت، تروي ظمأها ولا ضرر من أن تطمئن أنه قد عاد فهي دخلت حجرتها وأغلقت عليها حتى نامت قبل عودته..
بحثت بعينيها في أرجاء الشقة الواسعة حتى رأته ممدًا على الآريكة في الظلام، تقدمت منه مشفقة، سحبت من بين أنامله الهاتف بعدما غفا وهو يشاهد شيئًا ما، وضعته جانبًا ودثرته بغطاء خفيف، مررت كفها على خصلاته وهي تتأمله بإبتسامة،رائع هو يدخل القلب دون استئذان، ابتسامته المشبعة بمرحة نور أيامها.
حين تململ سحبت كفها بسرعة ونهضت راكضة لحجرتها، لكن هيهات كان مستيقظًا
تنهد بقلة حيلة ويأس قبل أن يغرق في نومه القليل الذي يتخلله الأرق
قبل الفجر..
جاءته الصغيرة تجر خلفها لُعبتها، همست وهي تمرر أناملها على وجهه بعفوية (لوكا.. لوكا) فرّق مابين جفنيه يُطالعها، فإبتسمت الصغيرة وانكمشت متقوقعة على ذراعه اليسرى، ضمها إليه بسعادة سرعان ما تبدلت لقلق وحشي هاجمه حينما لمست شفتيه جبهة الصغيرة المتقدة التي أيقظتها في هذا الوقت.. انتفض يهمس بإسمها في قلق(كنزي)
ظلت الصغيرة منكمشة لا تقو على الكلام ولا الحركة، مستسلمة للحمى، إعتدل يتفحصها، ثم حملها بين ذراعيها وغادر لحجرته وضعها على الفِراش بلطف وإبتعد يفتش عن جهاز الحرارة الخاص به، حين وجده سارع بفحصها وهو يلملم خصلاتها المبعثرة حول وجهها برقة ويبتسم ليطمئنها وكما ظن حرارتها مرتفعة للغاية.
رمى الجهاز وحملها بين ذراعيه، متوجهًا بها ناحية صنبور المياه، غسل لها وجهها وقدميها، ثم ملّس بحنان على خصلات شعرها..
أغلق المياه وضمها متأسفًا على حالها يرتجف خوفًا عليها، تعلقت ذراعي الصغيرة برقبته هامسة (بابا) ابتسامته يشوبها الجزع
تنهد بوجع وقلق وهو يعود بها للفِراش، دثرها جيدًا وعاد للبراد فتش عن أدويتها المعتادة حتى وجدها وبعض لاصقات الحرارة التي رأي حنان ذات مرة تستخدمها..
تمدد بجانبها يقرأ الإرشادات ودواعي الإستعمال لكل دواء والوصفة... استخدم لاصقات الحرارة وأعطاها دوائها ثم ضمها يربت على خصلاتها هامسًا(احكيلك حدوتة)
هزت الصغيرة رأسها بالموافقة ليبتسم هامسًا بتثاؤب(كان يا ماكان كان في أمير وحيد عايش في القصر لوحده، مفيش حد بيسأل عنه ولا بيكلمه... في يوم من الأيام شاف الأميرة قلبه اتعلق بيها وقرر إنه يجيبها تعيش معاه بس هي مكانتش بتحب القصر ولا الأمير عايزه تهرب وتمشي بعيد
سألته الصغيرة بوهن(ليه هو مش طيب.؟ )
لثم جبهتها هامسًا بصدق(الأمير طيب والله وشكله حبها، وعايزها تكمل بس هي مش بتحبه،)
نامت الصغيرة مطمئنة البال بين ذراعيه، بينما ظل هو ساهرًا حتى ذهب قلقه عليها وإرتاح لإنخفاض حرارتها.
إرتفع صوت أذان الفجر فنهض بعد أن دثرها جيدًا، توضأ وصلى ثم جلس يذكر الله ويحمده، تمدد فوق سجادة الصلاة يدًا تحت رأسه والأخرى فوقها حتى سحبه الإرهاق للنوم.
نهضت حنان تبحث عن صغيرتها، حتى وجدتها كما وضعها مالك نائمة فوق جبهتها لاصقة حرارة وهو ينام أرضًا،همست توقظه برفق(مالك.. مالك) قبل أن تندفع للصغيرة
أزاح ذراعه عن عينيه، ثم إعتدل، سألته حنان وهي تنظر للصغيرة(هو حصل إيه)
ذهب مالك للصغيرة تلمس جبهتها ثم أجابها(كنزي جاتني بالليل وكانت حرارتها مرتفعة) ضمتها بقلق وهي تسأله بحدة(مصحتنيش ليه.؟)
تنهد بضيق قبل أن يخبرها بصبر(مرضتش أقلقك، عملتلها كمادات وإديتها الدواء والحمدلله زي ما إنتِ شايفه هي تمام)
قالت بحدة لم تتخل عنها (عرفت الدواء، والجرعة)
تحلي بالصبر وهو يخبرها بهدوء (آه عرفت كله مكتوب عليه)
حملت فتاتها وغادرت تحت أنظاره وتأففه من أفعالها الحمقاء.
في نهاية اليوم، داخل المدرسة بحثت بعينيها عنه فلم تجده، ارسلت إليه بتردد (إنت فين.؟)
(مكانش عندي حصص روحت أطمن علي كنزي وأشوف حرارتها)
هو دائمًا مهتم بالصغيرة لا ينسِ ولا يمل، كل يوم يمر تراه يرتبط بها أكثر، وقفت بالخارج تنتظر قدومه كما أخبرها،إقتربت السيارة لتتفاجيء بمعلمة كنزي جالسه بجانبه، رمقتها بنظرة حادة أخجلتها وأربكتها لتسارع بالتوضيح (معلش يا مدام حنان مستر مالك أصرّ يوصلني)
إمتقع وجهها، صعدت بجانب فتاتها صامتة واجمة دون تعليق، تجاهلها هو، تبادل الأحاديث مع معلمة كنزي بمرح يبخل به عليها، كلما ضحكت الآخرى اشتعلت نيرانها هي وزاد تجهمها، قضمت أظافرها بحركة مضطربة سرقت انتباهه في لحظة خاطفة، أربكته فإنحرفت أفكاره وسقط تركيزه، أنفها أحمرت بشدة كأنها على وشك الإنفجار.. رماها بنظرة غامضة في مرآة السيارة قبل أن يودع معلمة كنزي التي ألقت سلامًا عابرًا لها لكنها أشاحت في نفور مكشوف متجاهلة الرد
إنتقلت حنان جواره، محمرة الأنف في غيظ مكتوم وغضب يتأجج داخل صدرها، أذنها تطن فلا تسمع ثرثرات الصغيرة ولا صوته هو، منعزلة مع أفكارها الخاصة التي تظهر متراقصة على ملامحها... تعجب منها تركها لعزلتها مكتفيًا بنظرات قليلة من حين لآخر
وصلا فهبطت من السيارة مندفعة دون كلمات لكنها فعلت ما يخشاه ويدعو الله منذ رأي هيئتها إلا تفعل، صفعت باب السيارة بقوة جعلته ينتفض مغمغمًا من بين أسنانه المطبقة (مش هسيبك، كله إلا العربية)
ركن سيارته وحمل الصغيرة التي تركتها في فورة غضبها وتبعها، وصلت أولاً وهو خلفها يغلي مما فعلته يتمنى لو إقتلع رأسها الآن
ترك الصغيرة وأبدل ملابسه لأخرى بيتيه
خرج ليجدها تصرخ في هاتفها منفعلة بجنون(في إيه يا عبير.؟ متصلة تسأليني وتحلفيني أحمد في حاجه من ناحيته ليا ولا لا خانك ولا إيه، ومش عيزاني أصوت فوشك، إنتِ اتجننتي.. سيبيني فحالي)
جن جنونه، إندفع ناحيتها بغضب ملعون، سحب الهاتف فشهقت مرتعبة، مرر إليها تهديدًا صامت بنظرات مشتعلة قبل أن يمسك بالهاتف ويصرخ بأختها(اتهبلتي متصلة تسألي مراتي سؤال زي ده.؟ إنت واحدة مهزقة وتستاهلي الطلاق، ولو محترمتيش نفسك ياعبير وإنتِ عرفاني من بكره هقوله يتجوز وبعينك ترجعيله)
إسترخت حنان، جلست منهارة تُخبيء وجهها بين كفيها مستسلمة تشعر بالخزي مما يحدث، رغم دفاعه عنها وحمايته لها..
رمى الهاتف متوعدًا (تحظريها وإياكِ تردي عليها الحيوانه دي)
بكت بحرقة، نهنهت بضياع، صمت حائرًا يطالعها بصمت وإشفاق، عالق بين عواطفه التي تدفعه تجاهها وأفكاره التي تجلده بألا يفعل، تركها وغادر ضاربًا باب حجرته بغضب لا يقل عن غضبها شيئًا.
********
مرت الأيام ثقيلة عليها، لن تكذب لو قالت أنها إشتاقته بشدة، إشتاقت مرحه الدائم، تشعر بالخواء والغربة بدونه، يتعلل دائمًا بالعمل ليبتعد عنهما..أو يعزل نفسه بحجرته وحيدًا
لا يأكل مما تصنعه شيئًا، يزهد الإقتراب منهما ولا يلتفت. تأففت بضيق مُفكرة في طريقة تستقطبه بها من جديد ليعود، لو ظل هكذا ماذا هي بفاعلة.؟
جاءت تختبىء خلف الإرتباك والحرج توضح (هاني كان بيعزمني على فرحه) زحفت نظراته للنافذة في هروب (تمام وأنا مسألتش)
غرقت في الحرج من ردوده الباردة وتجاهله على الدوام، ليقول وهو يعزف عن النظر إليها في ألم(لو عايزه تروحي روحي)
(لوحدي) قالتها بإندافع، نبرة خرجت بائسة لائمة في أطيافها رجاء، قال بنفس الهدوء والحزن(حاضر يا حنان هروح معاكي) إحتدت عليه في يائس (لو مش حابب فأنا متعودة) فشلت في إثارته في إزهاق بروده (براحتك) قالها وهو يمسك هاتفه منشغلًا في لمحه منه أن الحوار انتهى، عقدت ساعديها ترمقه بغضب بينما هو صامت من وقت لآخر يحدجها بنظره ميته..
لكنها إشتاقته بحق، سئمت تلك النسخة الباردة منه، تريده بحيويته ومرحه الذي يملأ حياتها لا يروقها هذا الصامت الحزين، تلك النسخة لاتليق به.
******
هاتفته بركة بإلحاح، جعل القلق يتصاعد داخله.. أمسك الهاتف مُجيبًا بصبر، استقبلت صوته المتردد بصراخ حاد منفعل (إنت فين.؟) إبتلع ريقه الذي جف رعبًا من نبرتها (في إيه براءة فيها حاجه.؟)
نقّلت بركة نظراتها بين براءة المنهارة والهاتف (كانت نايمة وفجأة صحيت تسأل عليك، بتصرخ ياجلال.. بعدين...)
سقط قلبه، انحبس السؤال داخل حنجرته لا يقدر على لفظه.. ثواني استجمع فيها شجاعته وصرخ يسألها(جرالها إيه.؟)وقف وسط النيام داخل الباص، يدور حول نفسه بضياع
لفظتها صريعة القلق(مبتتحركش)
كان قد إقترب وصوله، صرخ بإنفعال ونظراته تركض أمامه بغير هدى يكاد يجن من فرط قلقه، كلمات بركة خناجر حادة تغرس بقلبه (هاتيلها الدكتور بسرعة)
فعلت كما أمرها، جاءت بالطبيب مهرولة تتلفت حولها تلعن تأخره، بينما هبط هو الباص ركضًا، يطلق ساقيه للرياح فتحركه بوقود الزعر والفزع، لايشعر سوى بالهواء ينحبس داخل رئتيه فيضطر للوقوف ملتقطًا أنفاسه ثم يعاود الركض.. حتى وصل رمى ما بيده وإندفع لحجرتها، لا يعلم كيف ركض كل تلك المسافة دون أن يهتم أو يعبأ،
سقط أمام فراشها يلتقط أنفاسه وبركة تخبره (الدكتور بيقول لو متحسنتش تروح المستشفى)
نظر لبركة بضياع قبل أن يضم كفها الباردة لصدره مُعتذرًا، يلملم غرتها عن جبينها البارد المتعرق، تركته بركة وخرجت مُغلقة خلفها ليظل هو بجانبها يمسح على خصلاتها هامسًا بعتاب(ليه كده يا براءة) دا أنا قوي بوجودك ، مكمل علشان إنتِ جنبي،تملمات،أنفها إلتقطت رائحته فحركت شفتيها بإسمه (جلال)
بلل سبابته مياه ثم مررهما على شفتيها الجافة هامسًا (أيوه يا براءة أنا هنا)
كأنه أعطاها الإذن لأن تفتح عينيها فلا يستحق سواه أن تتخلى عن الظلام لأجل رؤيته، ولا تحتاج بصرها إلا لرؤيته،وإن كانت بصيرتها بوجوده أقوى. دبت الحيوية في جسدها الرخو أمدتها رؤيته بالقوة لتنتفض جالسة تحيط وجهه بكفيها هامسة بسؤال مندهش(دا مش حلم)
أخبرها وهو يبعد كفيها مُقبلًا (لا مبتحلميش)
تخلت عن هدوئها، إحتدت نظراتها، تفحصته بأعين مزعورة وتفاصيل الكابوس تتكرر في ذهنها، فتشت صدره متسائلة (إنت كويس.. إنت بخير.؟)
إرتعب مما هي فيه، أمسك كفيها اللتان تعبثان بجسده وثبتهما موضحًا (أنا كويس إهدي)
ثم بكت، بإنفعال أربكه، تشهق متوسلة (قول إنك كويس وإنه كان كابوس)
حملق مذهولًا نهض متثاقل الجسد، أخذها بين ذراعيه يهدأها(اهدي اهدي، أنا هنا والله)
(مش هتسيبني.؟) أغمض عينيه يُجيبها (مش هسيبك إطمني وإهدي)
ضمته هي تلك المرة بقوة كأنها تدمغه بجسدها، بخوف وشوق يهمس اسمها في لوعة وشجن، عادت تتلمسه كالمجذوبة، تتأكد من وجوده، إعتصرها الألم حينما لمحت رأسه الحليقة، أحاطت وجهه بكفيها تهمس بهذيان(وحشتني..)
لم يكن أقل منها شوقًا، بقدر لحظات الخوف والزعر الذي عاشه نثر قبلاته على وجهها،لو طال لقبّل خصلاتها جميعًا، تأوه ببطء لايعرف كيف يسيطر على مشاعره تجاهها، ضمها بقوة حامدًا الله على السلامة ثم أبعدها تلتقط أنفاسها المتحشرجة، يحميها من عاطفته المشتعلة وعشقه الحارق
ساعدها حتى إعتدلت على الفِراش وضعها عليه برفق، جعلها تتوسله حين إبتعد قليلًا (خليك متمشيش تعالى جنبي)
فعل كما أرادت وهل يقدر علي فعل غير ذلك، تمدد أخذًا لها بين ذراعيه، يتركها تقبله كما شاءت، تتلمسه كيفما أرادت لتتأكد، كانت تبتعد قليلًا لتنظر إليه غير مصدقة، تقترب أحيانًا وتلثم شفتيه ومرات أخرى لحيته..
(كده تقلقيني عليكي يا براءة) همسها بلوعة وهو يعتصرها بين ذراعيه للمرة الألف، لتقول بإبتسامة واهنة وصدق (تهون الدنيا طالما إنت مش فيها ياحبيبي)
رفعت عينيها تهز رأسها بهستيريا وتفاصيل الأيام الماضية تعود لتصطف في ذاكرتها (مصدقني صح.؟)
تجهمت ملامحه بقسوة، أحاط وجهها بكفيه في إنفعال يُقحم كلماته داخل عقلها(أنا مشكتش فيكي من الأساس علشان أبقا مصدقك ولا لا، لاعاصم ولا كلام مروان يفرقوا معايا ولا مستني ، إنتِ حتة مني، بنتي عارفك وحافظك زي خطوط كفك)
سقطت دمعتان وهي تسأله بحزن (أمال سبتني ليه.؟)
مرر كفيه على وجنتاها هامسًا بإبتسامة (مين قال يا كل عمري أنا مسبتكيش لحظة كنت جنبك ومعاكي، أمال مين كان بيقرألك قرآن )
نظرت للحزن المارق بعينيه فقالت(أمال زعلان ومخاصمني ليه يا حبيبي)
ضمها إلي صدره متأوهًا بلوعة، يهمس لها بوجع(زعلت علشانك، علشان أديتيله الفرصة يأذيني فيكِ، علشان أهنتي نفسك وإنتِ مظلومة.. كل حزني وزعلي كان علشانك)
همست بقلب مكلوم (قولتلك خد حقك مني وإتأكد ولا تبعد وتوجع قلبي بغيابك)
همس بعذاب متذكرًا لحظة طلبت منه أن يمتلكها(قلبي اتقسم نصين لما طلبتيها، حسيت كل الي عملته معاكي بيضيع)
طبع قبلة على رأسها وهو يستطرد (حرّمتك عليا رغم لهفتي عليكي، هاجي بعد كده أخدك علشان كلام، كده بشك فيكِ وفطهارتك وأنا لا يمكن أعمل كده، أموت قبلها يابراءة) وضعت كفها المرتعشة على فمه تمنعه الإسترسال (بعيد الشر عنك ياحبيبي) ربما هو يحلم أو يهذي وربما تلك السيجار التى عبق بها صدره السب، لكنه يلمسها يسمعها، صوتها عميقًا يزلزل كيانه المتهدم، كلماتها كانت الصفح لأيامه الماضية، أملًا مشتعلًا للغد
همست بإرتياح ودموعها لا تتوقف (أنا بحبك أوووي ياجلال )
أحاط رأسها بين ذراعيه يهمس بتراتيل العشق وتعاويذه
(وأنا قلبي معرفش غيرك، متزعليش مني مكنتش عارف أسامح نفسي إني سيبتك مرتين مره لما رميتي نفسك ومرة لما غيبت)
عادت لشفتيه، تلثمهما في جرأة وهي تهمس (عمري ما أزعل منك) 
أراح جبهته فوق جبينها وهي تهمس متشبثة به(كنت بتيجي وتاخدني فحضنك كل يوم صح قولي إني متجننتش بيك ولا الدوا كان فيه مشكلة؟)
هز رأسه بإبتسامة يؤكد بنظرة لامعة (أيوة صح، مقدرش أبعد يابراءة )
همست متأثرة متذكرة شعورها بالخوف وقتها(كنت بخاف أفتح عيني تمشي، وأخاف أغمض مشوفكش،)
شاكسها وهو يقرص وجنتيها بحب بعد أن أبعدها يتأملها بإشتياق(طلعتي آروبة يا ست براءة اهو، خلاص مفيش دوا تاني ركزي معايا)
قالت ضاحكة أمام عينيه التي تلتهمها بجوع(بركة قالتلي إني مجنونة، متعرفش إني حاسه بيك وبشم ريحتك)
عادت شفتيه تجوبان وجهها بغير مرسى ولا هدى، بجنون لم تتذوقه منه يومًا
(براحة عليا يا بنت مش هستحمل كل الحب دا، خايف أكون أنا الي اتجننت)
ضمته بقوة تخشى إفلاته، تغمض عينيها في راحة ورضا تشبعت به روحها حتى أخذها النوم لعالمه..
انهى اتصاله بعباس ومالك، مستمعًا لتوبيخهما بصبر حتى أحس بإستيقاظها،
وقفت مرتبكة، مترددة لكن نظراتها لا تحيد ولا تكتفي من النظر إليه، أغلق الاتصال وهتف (صح النوم) ملامحها جامدة، تعكس على صفحتها فزعًا لا يفهمه (جلال إيه الدم الي فهدومك دا) لعن غبائة سقوط وعيه،وسهوه عن تبديل ملابسه فبرر بإرتباك متهربًا يتحاشى مقابلة نظراتها(وقعت) قطبت متشككة قبل أن تصارحه مندفعة ناحيته(إزاي وقعه هتعمل كده.؟)ثم شهقت مستطردة (التيشرت كله بقع دم)
ضم شفتيه مُفكرًا قبل أن ينحني وتسحب كفه البساط الواقفة فوقه، اهتزت الأرض تحت أقدامها، خانها الثبات وقعت لكن ذراعاه كانتا درع الحماية ومتلقفها، وجهها يلامس وجهه وهو يهمس(وقعت كده)
ابتسمت هامسة متأثرة بقربه وأنفاسه الهادرة (كده أنا الي وقعت)
كفه لملمت الخصلات المتناثرة حول وجهها وهو يهمس بتأثر وعاطفة مشتعلة (طول الوقت كنت مستنيكي)
لثمت لحيته النامية هامسة (خلاص مش هتستنى)
أجلسها فوق فخديه يحيط خصرها بذراعيه بينما جبهتها تستريح على جبهته العريضه، تلاحقت أنفاسه بضعف من هذا القرب وهو يهمس ربما يثنيها عن تفحصها جسده ويلهيها عن بقع الدماء المتناثرة  (عايزين نسافر لعباس)
إبتعدت قليلًا مُفكرة قبل أن تتوسله بخفوت وجدية مشككة في نواياه(جلال إبعد عن مروان)
إبتلع ريقه مُتهربًا من نظراتها يتحاشى عيناها المترصدة (هنروح لعباس)
ببداية بكاء رجته خوفًا مما تلمحه بنظراته (جلال مش هتحمل حاجه تحصلك، إنت عارف إنه كداب خلاص سيبه)
سايرها مضطربًا (حاضر)
عادت لتحذيره من جديد بقوة(جلال لو حصل مش هسامحك.. أوعدني)
نظر لعينيها بعمق، قاطبًا حاجبيه بتفكير قبل أن يجمع شتات أفكاره ويعدها بقلق (أوعدك)
قالهابصدق،  هو فعل ما يريده وانتهى..
****'*'
جلست منهكة الجسد، متعبة قبل أن تدخل إحدى زميلاتها صارخة (إسراء الحقي)
انتفضت تسألها بفزع وهي تثبت سماعات أُذنها(حصل إيه.؟)
(ابن عمتك جه عامل حادثة) قالتها فركضت إسراء للخارج مرددة اسمه (مالك)
أمسكت الأخرى من ذراعها موضحة (دخلوه عمليات علطول يا إسراء)

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن