❤️الواحد والاربعون❤️

3.3K 120 3
                                    

أحِبُكَ..
هكذا يظُنّ قَلبي،
أمّا يقيني؛
فإنَكَ نبضُه..
           سمر الجيزاوي
الواحد والأربعون
مُعلقة بين السماءوالأرض، يغوص قلبها داخل صدرها دقائق ثم يعود على هيئة أنفاس متلاحقة، تضع كفها موضع قلبها وتهمس (كن بخير علشاني يا جلال) ثم تغمض عينيها مستسلمة للإحتراق بلهيب الفقد، تتساقط دموعها بغزارة عاجزة عن إطلاق صراخاتها أو لفظ تلك الجمرة من صدرها.. فقط ترجوه كل ثانية أن يبقى بخير لأجلها.. يتجافى جنبيها عن المضجع فتظل جالسة رغم الألم.. تُجبرها إسراء على التمدد أحيانا،
لكنها ترفض الطعام والحياة حتى يأتيها أحدهم بخبر يقين عنه، فتلجأ إسراء للمحاليل المغذية، أسبوع مرّ لا أحد يعلم عنه شيء عاصم يمتنع عن الحديث ويتهرب..
بكت براءة بحرقة أول الأمر، صرخت، طالبت بحضوره لترضخ أخيرًا وتزعن لصمت خانق وإبتعاد.. وجفاء، تظل قابعة بحجرتها وحدها في الظلام لاتكف ولا تمتنع عن الاتصال وإرسال الرسائل... أفكارها السوداوية تجمعت وتكاثرت حتى إلتهمتها وأصبحت خلال أيام جسدًا بلا روح.
حتي جاء عاصم، استقبلته إسراء بجفاء وقسوة، جلس صامتًا خجلًا من إسراء ونظراتها، مرتبكًا من نظرات عباس.
صرف عباس إسراء المتحفزة وانتبه لعاصم يرجوه بنبرة مثقلة بالهم والخوف(فين جلال يا ابني) إبتلع عاصم ريقه قبل أن يهتف بآسف (في الحبس)
تسارعت أنفاس عباس من المفاجآة، ليستطرد عاصم راحمًا له (متهم بضرب  أمي)
اندفعت إسراء تاركة كل شيء تصرخ بوجهه تحمله الذنب كاملًا بقسوة(إنت السبب)
قاطعها عباس بغضب (إسراء) فتقهقرت مكفهرة الوجه، تحبس دموعها قسرًا ليسأله عباس بهدوء (احكيلي الي حصل وطمني علي ابني) قالها عباس بحنان أبوي وخوف مزق تماسكه، لانت ملامح عاصم قليلًا، حمحم ليجلي صوته قبل أن يحكي ماحدث تفصيلًا.
ذِكر اسمه كان كفيل أن تعتدل وتدب الحيوية في جسدها الواهن، إقتربت من باب الحجرة تسترق السمع لتنهار أرضًا ببكاء صامت مع آخر ما تفوه به عاصم، اندفعت للخزانه ترتدي ملابسها وتتهيأ للخروج مُطالبة برؤيته الآن
حوقل عباس بصوت مسموع وعصاه تضرب الأرض بحركات رتيبة، بينما إسراء منكمشة تبكي بشدة دون أن ترحم نظراتها عاصم الذي حاول تجاهلها لكنه لم يفلح، صبغت المرارة حلقه ولونت نظراته، ليقول عباس (خير خير... كله يتحل المهم نشوفه ونطمن عليه)
نهض عاصم مستأذنًا المغادرة لتستوقفه براءة التي خرجت من الحجرة للتو (عايزه أشوف جلال)
أحنى عباس رأسه مشفقًا لتهتف موجهة كلماتها لعاصم المُنتظر ( لازم أشوفه دلوقت )
تبادل عاصم النظرات مع عباس وإسراء ليقول عباس بإستسلام (كلنا هنروح دلوقت)
لايريدها عباس أن تذهب وتراه هكذا، ولا يريده أن يضعف ويستسلم للمحنة حينما يراها بتلك الحالة لكن لا مفر.

طوال الطريق ترمق الشوارع بلهفة، تتلفت حولها بنظراتها سؤال واحد(متى نصل)
دقائق مرت أوشك فيها رصيد صبرها على النفاذ، جلسوا بالحجرة في انتظاره
وحدها  كانت واقفة مستندة على الحائط بظهرها، تفرك كفيها بتوتر، منتظرة قدومه لا مكان يحتويها الآن، ترفض الجلوس وكأن ما بقيَّ لها من صبر سينفذ إن فعلت..نظراتها تعتنق باب الباب بلهفة وضياع وانتظار يمزقها كل ثانية
، عباس يستند علي عصاه بتعب وإسراء منكمشة تبكي كعادتها، حتى تحرك مقبض الباب فانتفضت براءة تلهث بإنفعال شديد كأنها تخوض سباقًا مع الزمن تباطئ في دخوله وقف يلتقط أنفاسه قبل أن يواجهها بثبات، قلبه ينبأه بوجودها وإن كذّبت عيناه
حين ولج تعلقت نظراتها المهزوزة بتلك الأساور التي تقيده وقد خلعها عنه الشرطي سريعًا
نهض عباس ليعانقه بدفء باثًا في روحه الشجاعة والثبات، يخفي عنه ضعفه وحزنه مواسيًا لها بكلمات لم يسمع نصفها فعقله مع تلك الواقفة التي تتأمله بجوع..
كذلك فعلت إسراء حتى جلس بجانبهما يتبادل القليل من الكلمات تحت نظرات براءة.
من وقت لآخر يسرق منها نظره تفيض حنانًا وإشتياق ثم يعود ليحني رأسه بإنهزام..
اندهش الحضور باديء الأمر من انعزالها لكن سرعان ما تفهموا الأمر وتسللوا للخارج تاركين لهما حرية اللقاء بإنفراد دقائق قليلة، نهض في إستعداد
رفع رأسه يهمس برجاء خافت ملتاع (براءة)
أوجعه أن يراها لأول مرة بتلك الحالة
أغمضت عينيها وركضت لأحضانه مُلبية ندائه ونداء قلبها، ترتمي بين ذراعيه باكية بحرقة أوجعته، ضمها بقوة رافعًا لها عن الأرض وهو يهمس سالبًا من رائحتها عدة أنفاس (وحشتيني)
رفضت تركه أو التوقف عن البكاء، مما جعله يربت على ظهرها بحنو مهدئًا لها، لتبتعد أخيرًا عنه دون أن تترك المكوث بأحضانه، تأملت ملامحه المجهدة ونظراته الخاوية وما يملئها من ضياع،جروحه التي لم تندمل  إرهاقه الواضح وذبوله.. أراحت جبهتها على جبهته هامسةً(قولتلك متروحش يا جلال وإبعد عنهم.؟)
أحاط وجهها معتذرًا (أنا آسف إني بعدت دا كله عنك سامحيني)
تهدج صوتها وهي تهمس (معلمتنيش غير أحبك، نسيت تعلمني أعمل إيه لما تغيب عني.. قولي أعمل إيه بالله عليك)
انهارت فأجلسها وجلس بجانبها يهدئها ببشاشة نبعت من ثقته بالله (اطمني ربنا مش هيسيبنا أبدًا)
انحنت تقبّل باطن كفيه، تبللهما بدموعها هامسة (لو فضلت هنا كتير مش هتحمل أشوفك كدا، ولو غبت أكتر عني مش هسامحك، إحنا متفقناش على كدا)
طرق الباب، فشخصت نظراتها بفزع وقد أذّن مؤذن الفراق، أقتربت تضمه بقوة لا تريد تركه ولا إنتزاع جسدها من بين ذراعيه، حتى أبعدها عنوة ونهض للشرطي الذي وقف خلفه وهي واقفة تمسك بكفه لا تريد تركها كأنها ستنتزع حياتها إن فعلت
أفلت يدها بعد أن أهداها نظرات مطمئنة عطوفة(اجمدي وخلي بالك من إسراء وعباس) همسها قبل أن يودع الجميع ويبتلعه الزحام..
فهل تفعل.؟ روحها تسللت لصدره حينما عانقته.سكنت بين ضلوعه وتركتها جسدًا خاويًا. تشعر أنها تحولت لعِطر سلبه وغادر لتبقى هي دونه ودون أي شيء.
منذ دخل حياتها عنوة، لأول مرة يفترقان بهذا القدر ربما يطول الفراق لا تعلم لكنها تعلم أنها لن تغفر إبتعاده عنها ببساطة
**************
جلس مالك أمام عبير واضعًا ساق فوق الآخرى، يطالعها بتعالي بغيض على نفسها..
يداعب الصغيرة مرة ويغازل زوجته مرة متجاهلًا وجودها حتى إحترقت واكتوت بغيظها، صرخت (مالك عيزاك تكلّم أحمد)
رمقها بقسوة فأخفضت صوتها في تأدب معتذرة، ليعتدل قائلًا (وأنا مالي.؟)
تنهدت تشعر بصدرها يغلي كمرجل لكنها صمدت بعجز وهي تقول بوداعة كلفتها الكثير (إنت صاحبه وهتأثر عليه)
ابتسم مالك معتذرًا منها ببرود متشفيًا فيها بفظاظة (آسف الي غلط يتحمل)
رمقت عبير حنان الجالسة بأريحية متلذذة بأفعال زوجها وإن مرّ طيف من شفقة ناحية أختها، هتفت عبير (إنت قولتلي هتفكر)
بدّل مالك كلماته متجاهلًا غضبها وثورتها المزيفة (بالمناسبة إحنا اتفقنا على حاجه متنفزتش)
تذكرت عبير اتفقها معه لتنهض من مكانها متجهة ناحية حنان التي نظرت لمالك بتوجس فهز رأسه لأن تصبر.. انحنت عبير تقبّل رأس أختها معتذرة (أنا آسفة حقك عليا) ابتسم مالك بظفر.. هتف وهو يفرك كفيه ببعضهما (حنان ليها فلوس عندك.؟)
اضطربت حنان، وجّهت نظراتها رافضة ليتحاشاها متابعًا (كل الي أخدتيه من تعبها وشقاها يرجع)
ارتجف جسد عبير من المفاجآة، حملقت فيه مذهولة من طلبه، لتُنهي حنان الأمر (أحمد جابلي كل فلوسي)
شعرت عبير بالصدمة تطعنها في صميم قلبها، رددت وهي تعاود الإرتخاء على الكرسي (أحمد جابلك فلوس)
أجابت حنان بحدة (أيوة يا عبير من بدري)
مرر مالك لسانه داخل فمه مستمتعًا ليقرر بعدها وهو يضم جسد حنان (حنان لما قلبها يصفى وتقبل إعتذارك هكلّم أحمد)
قالت حنان بخجل وإمتنان له تردعه عن مواصلة إذلالها (خلاص يا مالك كلمه قلبك أبيض)
قرص وجنتها مازحًا تحت نظرات عبير النارية (علشان خاطرك إنتَ بس يا حبيبي)
تلونت وجنتاها بخجل من تدليله ليتركها مقررًا الاتصال بأحمد الآن والذي اتفق معه مسبقًا كيدًا في عبير..
_أبو حميد ازيك
_زي الفل أخبارك إنت
_عايز أكلمك فموضوع يا غالي
_أأمرني حبيبي
_رجّع مراتك بقا بيتها وكفاية
_مرات مين يا عم بس، قولي مبرووك أحسن
_خير ياابني
_هتجوز ياصاحبي.
راقب مالك عبير قد أسود وجهها وهي كظيم.
ليسأله _مفيش أمل يا أحمد دي أم عيالك
_هفكر ولو إنها متضمنش بياعه.
_ماشي يا أحمد حقك وأنا هستنى ردك.
لانت ملامح حنان بإشفاق وحزن متأثرة بما نال عبير من أذى نفسي.
نهضت عبير على الفور مستأذنة ليوقفها مالك (اقعدي اتغدي)
(شكرًا) همستها مهزوزة قبل أن ترحل وتغلق خلفها. قهقه مالك مُعجبًا بخطته التي لامته عليها حنان (إنت شراني)
مال يسرق قبّلة من خدها وهو يقول بصدق نبض له قلبها بعنف (فالي يخصك بس ياحنون)
(بقولك ما تيجي نطلع نتعشى بره) طلبتها على استحياء ليهتف بقبول ورضا (يا سلاااام بس كدا نطلع طبعًا)
نهضت بحماس وهي تشير لكنزي (يلا يلا نلبس) بقيَّ هو مكانه منتظرًا يقلّب هاتفه بإهتمام.
************
فرك وجهه بكفه الشاغرة والشرطي يقوده لحجرة التحقيق، اصطدم جسده بجسد صلب جعله يرفع نظراته الناعسة بإعتذار (آسف)
كان هو أول من نطق (جلال إيه جابك هنا.؟)
اصطدمت نظراته الزائغة بملامح يوسف القلقه وسؤاله المندهش، غمغم جلال بإرهاق ومفاجآة (يوسف)
في آخر الممر كان يقف عاصم وعباس في انتظاره، نقّد يوسف الشرطي واستأذنه ليقف معه لبعض الوقت، أجاب جلال بوهن (الموضوع يطول شرحه) امتنع جلال عن الحديث، تقدم تاركًا يوسف مكانه، الذي غادر ليستفسر بنفسه ربما يستطيع مساعدته.
بعد مرور وقت طويل طرق يوسف باب الحجرة، سلّم عليهم بترحاب شديد ومودة صادقة، ضم جلال وطمأنه، ثم أشار لعاصم الذي تبعه للخارج، ربت يوسف على كتفه بإبتسامته الرزينة قبل أن يناوله ورقة وكارت صغير (دا محامي هتروحله أنا هكلمه هييجي لجلال) إعترض عاصم بأدب (في محامين)
استطرد يوسف بحنو (اسمع بس يا ابني علشان لازم أمشي دلوقت، أنا وصيت عليه متخافش أي حاجه يحتاجها هيلاقيها وبزيادة متشيلش هم حاجه، الكارت دا يفضل معاك لو احتجتم حاجه )
تناوله منه عاصم بإمتنان ليتذكر يوسف قائلًا (آه ممكن رقمك بس علشان لو جات فرصة أكلمك اطمن عليه)
أوضح عاصم بإرتباك (جلال معملش حاجه)
شعر بالضيق لأجل أخيه فاحتوى يوسف ارتباكه ببشاشته المحببة وطيب أصله قائلًا (إنت بتوضح لمين ياابني، أنا متأكد من غير ما أعرف تفاصيل)
تركه يوسف مودعًا بعدما رتب كل شيء قدر المستطاع، آسفًا على صديقه، قلقًا لأجله.
بالداخل كانت نظراته تفتش عنها، سؤاله معلق لا يستطيع لفظه خارج شفتيه... يستمع لكلمات عباس المواسية بنصف وعي
قلبه يهمس بالشوق والعتب، فقط لو جاءت لو رأها وضمها وأخذ منها قوة تعينه على المواصلة...
هناك كانت هي نايمة تُعطي ظهرها لإسراء وتهمس بوجع (مش قادرة أشوفه كدا يا إيسو) ربتت إسراء على كتفها مطمئنة (ربنا يفك كربه)
همست بلوعة وعقلها يمرر لها صورته(وحشني أووي وزعلانه منه أووي)
أوضحت إسراء بشفقة (لا متزعليش منه غصب عنه)
استدارت براءة توضح بدموع لا تتوقف(زعلانه منه علشان سابني، وزعلانه منه عليه... مكنتش أحبه أشوفه كدا)
مسحت إسراء دموعها قائلة (هيبقا بخير جلال قوي أنا متأكدة)
نامت بعدها بدموع متجمدة على خدها بعدما تعبت وأرهقها البكاء والإشتياق.

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن