السابع عشر
دخلت حجرتها تبكي بإنهيار مما جعل فتاتها تستيقظ صارخة فزعة مما يحدث، سارت ناحيتها بخطوات ثقيلة ضمتها إليها ليمتزج بكائهما ويشكلان حلقة من البؤس والتشتت، وبالخارج كان والدها يصنع حلقة أخرى مُدبرة لجلادينها يهييء المحاكمة لتخرج.
اجتمعوا بمنزل الوالد كأنهم ينتظرون سقوطها ويتحينون زلاتها ليختبئوا بذنوبهم خلفها.
أختها وزوجها وأخيها وزوجته يلجسون على الكراسي بإنتظار إلقاء الحُكم، وأبيها علي كرسي حول طاولة السفرة المواجهة لحجرتها يرمق الباب بقسوة مناديًا (حنان حنان)
ضمت فتاتها المزعورة وخرجت تتخبط في ارتباكها وجزعها.. همست داخلها (يارب ماليش غيرك)
حين رأتهم اندهشت كيف جاءوا بتلك السرعة؟
ارتعشت من النظرات المصوّبة تجاهها مظهرًة ما يكنونه وتفصح عنها بملامحهم، نظرة واحده مشفقة غاضبة التقطتها من بينهما وكأن تلك الرحمة بعينيه أثارت داخلها زوابع من حزن وبكاء فهبطت دموعها تباعًا تتوسله وتشكوه، هي نظرات زوج أختها أحمد، لكنه كان منتظرًا مثلها ما تؤؤل إليه الأمور..
صرخ والدها بإنفعال (عاجبكم عمايلها..؟)
تلقف بلال كرة الغضب بحقد (إنتِ جايه تفضحينا وتعرينا يا حنان.؟)
مصمصة نظرات زاجرة من زوجة أخيها اكتفت بهما وكان ذلك يكفي حنان حقًا، أما أختها فقد ألمتها بالاشمئزاز المنطلق من نظراتها والقرف الذي رسمته علي ملامحها... وزوجها كان صامتًا بفطنة ينتظر بحكمة ما يحدث.
همست بقوة واهية نائية عن نظرات الجميع (محمود كداب أنا متجوزتوش)
مال فم زوجة أخيها وهي تقول مستنكرة (هيكدب ليه..؟)
واجهتها حنان بضعف (علشان موافقتش اتجوزه)
هاهي أختها تخرج عن الصمت (محمود ميعملش كده)
تلك كانت القشة التي قسمت ظهرها كما البعير، تخوّنها..؟ تُكذب قولها وتتهمها بينما ظهر الجاني مثاليًا ولا يستحق..
زوجة أخيها بحقد (اكيد شجعتيه يتبلى عليكي كده.؟)
حملقت فيها حنان بذهول قبل أن تدور حول نفسها كمن لسعته النيران...بعدها صمتت تبتلع المفاجآت تنظر حولها دون وعي ضجيج خيبتها فيهم صنع لها حاجزًا زجاجيًا من الدموع شوش رؤيتها وصم أذانها عن ثرثراتهم حتى جاء القرار الحاسم الذي جعلها تفيق (محمود هييجي بكرة بالمأذون ونكتب الكتاب)
قالها بلال بعزم لتصرخ فيه خالعة ثوب الضعف والمهانة (لا.... مش هيحصل)
نهض بلال مزعورًا يدفعها بحماقة وهو يصرخ (هو بمزاجك)
نهض أحمد أخيرًا من مكانه يمسك عنها بلال يخبره بهدوء بعد أن أرسل نظرات مطمئنة لحنان (خلاص يا بلال مينفعش كده)
تراجعت خطوتين للوراء قائلة بحسم (خلاص همشي)
هتف والدها (مش هتعملي الي عملتيه وتمشي ببساطة، بكره الظهر هيجي ونكتب الكتاب)
هدأها أحمد طالبًا منها برزانة الدخول (ادخلي ياحنان دلوقت)
اندفعت حنان تجاه والدتها حانقة تسأله (مش هو ده محمود الي رفضته زمان وضغطت عليا وسافرت.؟)
أجابها والدها والسخرية تعتلي ملامحه(دلوقت ابن الكلب ده فضحنا بسبب عمايلك ومش هيفوتها)
هتفت بندم والحزن يأكل ملامحها (ياريتني كنت فضحتك زمان واتجوزته ولا سافرت اجبلك فلوس)
اهداها والدها صفعة ودفعة زلزلتها وجلعتها تضع ابنتها الصارخة جانبًا وتصرخ بهم كاشفة الحقائق(اه ما أنا كنت البيضة الي بتبيض بيضة دهب زمان ودلوقت خلاص فتخلصوا مني)
ارتبك الجميع وتشتت نظراتهم التي التقت جميعًا علي وجه حنان القاسي وعزيمتها الواضحة (كلكم استغليتوني وحطمتوني علشان احلامكم ورغباتكم ولما رجعت عايزه حضنكم ملقيتش غير القسوة والطمع)
حاول بلال انهاء الأمور والهروب بخجل مما ستدلي به حنان في تلك المواجهة.
هتف أحمد ينهي الحوار والجدل (خلاص يا جماعة استهدوا بالله.. ثم أشار لحنان (ادخلي لو سمحتي بكره نتكلم)
صرخت بإنفعال تحذرهم (مفيش كلام... خلاص)
دخلت وشيعها سُباب والدها ولعناته وتأكيده لها بتهديد (لما نشوف يا ست حنان كلام مين هيمشي)
غادر الجميع وبقيت هي تبكي حتى جف ينبوع قهرها، تود لو هاتفت محمود ولعنته الف مرة ثم بصقت عليه، الغبي حتى صرح الذكريات التي له بقلبها هدمها وصرخ فوقها بالآسى، دمر كل شيء وتلك بقايا الحب العالقة بقلبها لملمها بكفاه المخضبتان بالأذى... ماذا بقيا لها.؟ حلو الذكريات كان له مذاق السكر حيت تسقيها الحياه علقمها المر.. مفعوله كان سحرًا يدب في روحها الحياة
ماذا ستفعل.؟ علي جثتها أن ينالها...
أفاقت علي رنين رسائل تصلها تباعًا..؟ ازاحت الهاتف ضائقة قد يكون هو..
زادت الرنات بإزعاج انتشلها من خلوتها لترفع الهاتف لعينيها وترى.. كان من آخر..
(حنان أنا مصدقك، أوعي تستسلمي لضغط محمود)
ضغط زوج أختها علي جرحها بقوة فانهمرت دموعها، من بين شهقاتها ويأسها شكرته
(متشكرة يا أحمد كتر خيرك)
(امشي ياحنان اهربي وخليهم يخبطوا روسهم فالحيط)
كتبت بيأس (اروح فين بس.؟ كنسلت إقامتي خلاص وقدمت استقالتي)
فاجئها بتدبيره (أنا رتبت كل حاجه روحي الشقة الي قولتلك عليها وكمان رتبتلك شغل من بدري فمدرسة (.....) ليا واحد صاحبي هناك هيساعدك)
(مش عارفة أشكرك إزاي..؟)
(لا شكر علي واجب ولو احتاجتي حاجه اعرفي ليكِ أخ اسمه أحمد رقبته سدادة)
ها هي يد الرحمة تمتد لها لتعينها علي خبث العالم، أحدهم حمل لها ذرة من إشفاق وأعانها دون مقابل.. فلترحل وتترك كل شيء خلفها فليذهبوا جميعًا بشرورهم للجحيم فلا ود لمن لم يصنه.
نهضت من فورها تلملم حاجاتها بسرعة وتستعد لتبدأ رحلة جديدة من حياتها فهل يرأف القدر بها.؟
*********
فكت ضفيرتها الطويلة لتتناثر خصلات شعرها حولها في فتنة طاغية جعلته يبتلع ريقه متمتًما ونظراته تحاول جاهدًة الا تستقر عليها فتذوب مقاومته (استغفر الله وحسبي الله ونعم الوكيل أنا مني لله كان لازم احطه فكيس النسكافية)
تحركت حوله كالفراشة، تتخلل خصلات شعرها الطويلة أحيانًا وترتب غرتها فوق جبينها حينًا آخر مما جعله منتبهًا لها بتلذذ يستمع بما يحدث لها وتحررها بفعل ما تناولته وأخرجها من شرنقتها لتطير حوله.. بنشاط تطلعه علي روحها.
هتفت براء بنصف ضحكة مغوية (شغلي أغنية عايز أرقص)
امسك هاتفه وبحث فيه لم ترحمه مما هو فيه، جلست ملتصقة به تمد رأسها لهاتفه فالتفت يتأملها ويرتشف من رحيق قربها..
سألته بإندهاش (في إيه..؟)
عاد لهاتفه متمتمًا بتنهيدة (ولا حاجه)
مدت اناملها تقلب في هاتفه، خصلاتها تنزلق من كتفها إليه تتبعثر حول أنفه فتزداد وتيرة أنفاسه وتتلاحق، فيترك لها الهاتف ويبتعد قليلًا هامسًا بتوتر (خدي جيبي الي عيزاه)
تناولته تبحث فيه حتى وجدت ما تريده ويشبع شعورها بالنشوة والسعادة
سألته ذات يوم : ما هو داء الولع؟..
كان الجواب صدّه..
ساق الدلال ساق الدلع..
مفاتيح هواه صدّوا..
و مشيت أوشوش في الودع..
ولا جاني ليا ردّه..
إلي فتح باب الوجع..
واجب عليه ردّه...
قالت متمايلة في دلال وانسجام مع كلمات الأغنية(تعرف إني بحب منير.؟)
أجابها بإبتسامة رائقة(عارف)
عبست مستفهمة دون أن تترك تمايلها (منين)
أجابها ببساطة (أنا أعرف كل حاجه عنك)
انتبهت له تخبره بجدية (مش بفهمك)
خطف هاتفه منها قائلًا (مش مهم المهم تحبيني)
تلونت ملامحها بالخجل الذي سرعان ما نفضته وأقتربت تحاول أخذ هاتفه مرة أخرى (هات بقا خليني أسمع)
اعترض بضيق بدأ يزحف إليه (لا كفاية قومي نامي بقا)
فوق الآريكة جلست علي ركبتيها ومالت ناحيته تحاول تخليص الهاتف من بين يديه ضاحكة مستمتعة بالحرب الصغيرة الدائرة بينهما كانت هي لاهيه منشغلة بمعركتها العبثية كان هو يجاهد ليستجمع قواه ويتغلب على أفكاره التي تسوقه للقرب منها وختمها بصك ملكيته، يحاول الانتصار علي رغباته تجاهها والتي تعينها هي بما تفعله، كادت تسقط لولا أنه امسك بها وشدها ناحيته لتسكن بين ذراعيه واضعة رأسها علي صدره تلهث.. همست وجسدها يتراخى (اشمعنا أنا.؟)
ضمها إليها بذراع والاخرى كان يمسد بها خصلاتها لتهدأ (مبنخترش يا براء.. ) ثم ابتسم يخبرها بدفء (لو هختار برضو كنت أختار أحبك)
رفعت نظراتها المهتزة تفضي إليه (بشوف فعنيك كلام كتير)
انامله ارتفعت تمسد خدها وتبعد خصلاتها وهو يهمس مقتربًا من شفتيها التي تدعوانه بجرأة لامتلاكهما (كل الي فيهم ليكِ)
اخفضت نظراتها تخبره ودمعة تفر من عينيها بحزن لا تعرف مما نبع (خايفة محبكش ومرتحش خايفة من كل حاجه)
همس بيقين وكفه تهبط لتمسد ذراعها العالي (ربنا مش هيخذلني يا براء انا متأكد)
من بين تثاؤباتها همست (يارب)
جذب انتباهها من غفوتها التي كادت تسقط فيها يعترف بدموع تعلقت بأهدابه(من زمن معدتش عليا ليلة حلوة كده..)
مالت ملامحها المتراخية بإبتسامة ناعمة دافئة ليكمل مسترسلًا تختطفة نشوة القرب والأمان بأحضانها (وكأني معاكي برجع أعيش الي معشتوش وأحس الي محستهوش)
انامله أحاطت ذقنها ورفعته إليه ليواجه نظراتها الناعسة متوسلًا بضعف نادرًا ما يظهره (متخذلنيش يا براء اديني الفرصة، الدنيا قست عليا بما فيه الكفاية وحرمتني من كل الي بحبهم متعينيهاش عليا)
بحركة عفوية ضمته إليها بقوة واهية وتغيّب تسقط فيه رويدًا رويدًا مستجيبة لتوسله، تخبره كما اسمها جواب همسة، وحنان نبع من قلبها تجاهه.
ذهبت للنوم فضمها إليه بقوة يقبل مقدمة رأسها بحنو وابتهاج شاكرًا الله علي منحه تلك السعادة القصيرة التي تعينه علي القادم.
حملها بين ذراعيه وسار بها للحجرة، وضعها علي الفِراش الصغير ودثرها جيدًا ثم جلس بجانبها يرتب خصلاتها ويلملمها ليحبسهم في ربطة حتي لا يزعجانها أثناء النوم.
فتحت عينيها تهدية ابتسامة زائبة في النوم، تسقط في بئر الغفلة، ممتنة لحنانه ورقة قلبه معها ثم غابت في نوم ثقيل ..
خرج واغلق خلفه، يدخن سيجارًا قبل أن يجاورها ويذهب خلفها للأحلام..
شيطانه يوسوس إليه ليذهب وياخدها، يمتلكها لتكون له للأبد ولا تهرب،يلقي بذرته في أرضها علها تنبت فتزهر حياته وتستسلم هي.
أفاق من شروده علي طرقات خافتة، يعرف صاحبها جيدًا، نهض يستقبله
سأله بحياء وابتسامة كسرها التوتر عاصم حين فتح وكشف الباب عن وجهه (نمتوا)
ادخله جلال قائلًا (براء نامت ادخل)
دخل عاصم واغلق جلال الباب وسحبه بكلماته للمطبخ (تعالى جوا نشرب حاجه)
طاوعه عاصم ودخلا، صنع جلال فنجانين من القهوة وبعدها جاوره حول طاوله صغيرة بالمطبخ.
سأله عاصم (إنت الي عملت كده فمروان)
أخبره جلال بحقد (كويس مقتلتوش)
ابتسم عاصم وهو يتأمل ملامح جلال المغلقة (عمرك ما حكيتلي ازاي وامتى ولا حتي اشمعنا براء)
تناول رشفة من فنجانه قائلًا بنظرات تضيق علي وجه عاصم مستفهمة (جاي ليه.؟)
يكره أن تغوص روحه في أوحال الماضي، يكره أن يُظهر ضعفه ويفشي بما يعتمل صدره ويتعارك من أفكار داخل رأسه، براء كانت ولا تزال نقطة ضعف لم يُطلع أحدًا عليها. هي سره الصغير وأمنية قلبه وشمس الأمل التي تمناها أن تشرق بحياته.
ارتبك عاصم اهتزت ملامحه بالتردد والإحراج، ليبتسم جلال ابتسامة منقوصة عاصم طيب القلب كما والده هربت جيناته من جينات أمه الكريهة البغيضة لينال كل شيء من والده، رغم تحذيرات والدته بالابتعاد وتركه لكنه لم يسمع لها يومًا وتشبث به، لو كان غير ذلك لما نبذ حقده عليه ولا تركه دون أن يثأر من أنوار فيه، كما أنه وصية والده ووعده الذي اعطاه لأبيه أن لا يتركه.
مد عاصم كف مرتجفة بورقة يطلب من جلال أخذها.
ملامح جلال تسأل ويده تعصي القبول حتى يفهم
همس عاصم كأنه ينتصر (عقد بيع الشقة ليك يا جلال)
اعتدل جلال يخفي المفاجآة وارتباكه يطلبه المواصله عبر نظراته
انحنت نظرات عاصم بخجل وهو يخبره متأسفًا (حقك بعد كل الي حصلك، أمي كتبتهالي خايفة عليها منك وانا بعتها ليك)
اهتزت لوهلة نظرات جلال وهو يسأله ساخرًا يحاول سحق الضعف الذي انتابه (مش خايف.؟)
(لا) قالها بقوة ثم استفاض (أنا ماشي)
ارتبك جلال تلك المرة سأله بقلق لوّن ملامحه (رايح فين..؟)
حكى عاصم بضيق ونبرات يائسة (محتاج أبعد يا جلال)
هز جلال رأسه متفهمًا دون كلمة، أصاب عاصم هو يحتاج الابتعاد الخروج من عباءة خاله وأنوار، الهرب من حقد مروان ومروة... الخروج من قوقعته وشعوره بالذنب تجاه أخرى سحقها ضعفه أمام سطوة والدته.
توسله.
أمسك جلال بالورقة وشرع في تمزيقها ليمنعه عاصم متوسلًا (لا ياجلال)
(مش عايز)
قالها جلال برضا تام وأصرّ عاصم بكبرياء (دا حقك وتعويض)
(ربنا هيعوضني مش إنت، أنت مالكش ذنب)
عاد عاصم يطلب بحزن (أرجوك هبقا مرتاح)
ترك جلال الورقة ثم طلب (طيب خليه معاك)
وافق عاصم علي مضض، طال الصمت بينهما وإن كانت نظرات عاصم مليئة بالكلمات التي تتحرك بها شفاهه ثم يبتلعها مرة أخرى في إحباط ويأس
سأله جلال وهو يراقبة بعين خبير (عايز تشوفها)
ابتسم عاصم لتفهم أخيه، هز رأسه بالموافقة دون كلمة ليُخرج جلال من جيبه ورقه ويعطيها له ( كنت محضرهالك... عارفك هتسأل ناولها له
دا العنوان أنا رايح بكره أنا وبراء مش همشي غير لما تيجي)
الامتنان قفز من نظرات عاصم وهو يتلقف الورقة بين أنامله بجوع شديد ورغبة تتراقص علي ملامحه الجامدة.
نهض يأمره بجمود (قوم روّح بقا عايز أنام دوشتني)
نهض عاصم ينظر إليه بقوة واضطراب جعل جلال يسأله بعدم صبر (عايز ايه تاني..؟)
لكن عاصم اندفع ناحيته بصمت احتضنه بقوة جعلت جلال يتنازل عن جموده ويحاوطه مبادلًا له الحضن الأخوي الدافيء.. كلاهما لا يجيد غزل الكلمات والتعبير فتمسكا بفعل عفوي قد يعبر عما يجيش داخل كل واحدًا منهما.. أفاق جلال كارهًا لحظات الضعف تلك. هاربًا دفئها الذي لفح برودة وصقيع مشاعره فذابت عطفًا، دفعه زافرًا (يلا يا بابا باصصلي فالليلة الي هباتها فالشقة ولا ايه..؟)
انسحب عاصم بصمت وترك الآخر يحرق صدره بالسجائر حتى تعب واستسلم لأفكاره المتنازعة وغادر ليتمم ما أوحى به شيطان الرغبة والأماني إليه.
************
ابتعد جفناها المتثاقلان، تتفحص ما حولها بضعف وغير إدراك قليلًا، حتى اعتنقت تلك النظرات الحائمة وجهه النائم في سعادة
كان مبتسمًا في نومه ابتسامة انتقلت إليها علي الفور كالعدوى، شاركتها أناملها وارتفعت تمر علي ملامحه ببطء.
ثانية اثنان ثلاثه.... أُبطل مفعول السحر.. دفعها الواقع من لحظة تشوش الإدراك واضطرابه، اعتدلت شاهقة بفزع..
همست براء بإرتعاش ونظراتها تترامى حولها للفوضى المحدثة في الحجرة ونوم جلال بجانبها (حصل ايه وليه نايم هنا ؟)ثم نظرت لما ترتديه لتكتمل الصدمة،
خرج سؤالها مرتعشًا (ازاي حصل ده..؟) تململ جلال بتعب يجاهد ليفيق من نومه، نصف اعتداله وبعدها
مسح وجهه بكفه ينفض آثار النوم عنه ليقول بهدوء مستفزًا لها (معرفش إنتِ قولتيلي تعالى نام جنبي)
استنكرت بتوتر وعقلها يصور لها الأف الصور لما حدث في الحجرة (أنا...طب إزاي.؟ )ابتلعت ريقها بتوتر تسأله بحذر مشككة(حصل ايه بالضبط.؟ ...)رمقها بنظرة خبيثة قبل أن يسألها بهدوء وابتسامة متلاعبة (عايزه بالتفصيل ولا اختصر)تلحفت بملاءة الفراش بعدما أدركت ما ترتديه قائلة باضطراب وفزع (اي حاجه)ابتسم بسعادة وهو يقرّ (يبقا بالتفصيل)قفز من مكانه فجأة، جلس علي ركبتيه أمامها محاولًا تمثيل الأمر وعلي ملامحه ابتسامة متلاعبة (لقيتك كده بتقوليلي قرّب و...صمت يتأملها بجرأة
فتوترت أكثر، تراجعت بجسدها وهي تشجعه بخجل امتزج بخوفها من صمته (و.... ايه..
انحنى يلثم شفتيها بقبلة ناعمة ابتلعت شهقاتها، وذابت معها من رقتها ثم قال بتسلية (وبوستيني كده...)
ابتعدت أكثر حتى نهضت علي ساقيها تستنكر (أنا.. مش معقول)
تعجب قائلًا وهو يتأملها بتلك النظرة التي وترتها (هو أنا هتبلى عليكي)
أخفت رأسها في خجل امتزج بالتأنيب والحزن وربما بكاء خافت، فانتشلها مغيظًا لها (زعلانه علشان البوسة أمال لوحكيت الباقي)
رفعت رأسها تسأله بعجز ونبره مبحوحة (باقي ايه تاني)
بعدها أحاطت وجهها بكفيها منغمسة في البكاء، أول الأمر تركها تخرج انفعالاتها وبعدها نهض وأقترب منها يهدأها (خلاص اهدي)
زاد بكائها فضمها إليه يربت عليها برفق ضجِرًا (أنا جوزك هو أنا واخدك فالحرام)
زادت شهقاتها وزادت معها هدهداته وربتاته المهدأة ثم قالت بتقطع (اخر حاجه فكراها لما عملت نسكافية)
تمتم بإبتسامة متسلية (واه من النسكافية، أكاد من فرط الجمال أذوب)
لحنها مترنمًا متذوقًا لتبتلع شهقاتها وترفع إليه عينان نديتان بفعل الدموع مندهشتان منه، نظر إليها يسألها)(ايه بتبصيلي ليه..؟)
ابتسم وأنامله تداعب ذقنها يخبرها بوقاحه (اكيد علشان الواد يطلع شبهي)
اتسعت عيناها بدهشة عظيمة عندما وصل إليها مغزاه.. هربت من أمامه تحاول استيعاب ما حدث ووصلت إليه أمور حياتها حيث أنها خطت في الطريق الذي لا رجعة منه.
تركها جلال ببرود تام وجلس يدخن سيجاره هامسًا (ادخن بقا علشان أروقلها)
بالخارج هي تعصر ذاكرتها عصرًا حتى يسقط منها أحداث الليلة الماضية ربما تجد بين عصارتها تكذيبًا لما يقول لكنها لم تفعل غير ذلك الألم الذي يمسك برأسها ويثقله يحبس عنها الأفكار، كلما نظرت لمنامتها القصيرة العارية تتأكد من أنه صادق تماما هي سلمت وهو قَبِل بترحاب.
أمالت رأسها للخلف مغمضة العينين من شدة الألم والنزاع ..تجمد جسدها وتصلب حين تسللت أنامله الباردة تتخلل خصلاتها تدلك رأسها وصدغيها بحركات دائرية منظمة ومجدية.. همس بنبرة جعلتها تستسلم (استرخي واهدي)
لا يريد تركها لأفكارها وبكائها وأحساسها بالندم والخزي، خير ما يفعل أن يقتحمها حتى ترضخ وتسلّم وتتقبله.لن يتركها لنفسها ولومها يمزقها وتغوص ويفقدها..
ما فات كان نقطة في بداية صفحة فليكملانها ليصلا للنهاية
*************
نهض من نومه علي رنات متتابعة مزعجه للهاتف، تأفف بضيق من إزعاج المتصل وإلحاحه.. حين رأي اسم المتصل لعنه الف مره قبل أن يصب الغضب فوق أذنه (عايز ايه عالصبح..؟)
كتم أحمد ضحكاته وهو يخبره بجدية زائفة (حنان جايه عندك ياريت تديها المفتاح)
(دا وقته يعني..؟) وصاه أحمد مُذكرًا له بجدعنته وأصله
(مش هوصيك بقا يا مالك، خلي بالك منها وساعدها لو احتاجت..)
صرخ به مالك ساخرًا (هو أنا وصي عليها..؟ مالي انا ومال مشاكلك واخت مراتك)
هادنه أحمد (كلك ذوق وابن أصول وصعيدي جدع)
أغلق لاعنًا له وطرقات الباب تصله واضحه (اهي جات غور بقا من وشي)
اغلق الهاتف ونهض متعسرًا، رتب ملابسه وصفف خصلاته المبعثرة وبعدها اتجه للباب يسب صديقه ويلعنه.
فتح الباب لتطلع عليه بخجل سأئلة بإرتباك تعثرت فيه حروفها (صباح الخير)
سألها بضيق وضجر رسمته ملامحه (إنتِ حنان)
هزت رأسه بإرتباك وهي ترمقه بزعر (أيوه)
دفع إليها المفتاح قائلًا بحدة وملامح متجهمة(خدي... ثم تابع بنفور (لو عايزه تسألي عن حاجه أو مساعده متخبطيش عندك الحارس ومراته ناديلهم)
تناولته منه بصمت متفاجئة من ردوده وجفائه، معاملته السيئة وكانه ينقصها ذلك.
استدارت بعد أن صفع الباب بوجهها وتركها حائرة لا تعرف أي شقة تقصد وما بيدها ينتمي لأي باب.. تنهدت متجهة لباب تركم في ثناياه التراب وبدا متهالكًا عن الآخر، وضعت في قلبه المفتاح وأفلح في اقتحام قفله وانفتح.. تنفست براحة وحمدت الله أنها لن تضطر لسؤال هذا الغبي المتعجرف مرة أخرى.
دخلت الشقة وأغلقت خلفها انزلت فتاتها، لتتمكن من رؤية وفحص الشقة كما يجب.. لتقيّمها وتعرف من أين ستبدأ.
*************