الثالث والثلاثون

2.7K 91 1
                                    

الثالث والثلاثون
استقبلته بركة بندائها الضاحك (الغزيه صحيت بتدور عليك يا جلال) ضيّق جلال عينيه قبل أن يُفسر لبراءة الكلمات (قصدها مروة) حملقت فيه أول الأمر متعجبة قبل أن تكتم ضحكة أفلتت منها، اندفعت مروة ناحيتهما بكامل أناقتها توجّه سؤالها له وحده (كنت فين، صحيت ملقتكش)ثم تأسفت لبراءة بملل (سوري يا براءة مشوفتكيش)
إمتقع وجه براءة في صمت هز ثباتها، بينما عض جلال نواجذه في حرقة من كلماتها
جلس حيث أعدت بركة الفطور، أجلس براءة بجانبه قائلًا (كنا بنتمشى،في حاجه.؟)
نظرت للوجوه بترقب قبل أن تبتلع ريقها، وتجاوره ملتصقةً به، غير عابئة بما يدور حولها، نهرتها بركة بصلابة مستنكرة مافعلت بعد أن حدجتها بنظرة زاجرة (اختشي)
نظر براءة وجلال لبعضيهما يكتمون ضحكة مستمتعة، فأحتدت مروة وصرخت (إنتِ مالك يا بتاعة إنتِ)
فض جلال الإشتباك بكفه، قائلًا لبركة يهدأها(خلاص يا بركة)
دبدبت بركة متأففة، قبل أن تنهر براءة دون خجل أو مواربة (سيباها يا حزينة)
مطت مروة شفتيها في دلال مفتعل، وهي تميل هامسةً لجلال بميوعة(قولها كفايه بقا ياجلال)
مال جلال ناحية براءة يهمس بإبتسامة رائقة ومرح مُقلدًا بركة الواقفة متخصرة بتحفز (إيه رأيك يا حزينة.؟)
شعت إبتسامتها، خطفت نبضة  بهمسها التالي (تيجي أخطفك وأحل الأزمة)
حدجها بنظرة مندهشة، قبل أن يضيّق عينيه ويسألها وقد غاب عن الجميع (تخطفيني.؟ موافق طبعًا) ضحكت بمرح أربك دقاته، وجعله يهمس (ضحكتك دي أحلى من ألف سيجاره والله)
قطبت تسأله تفسيرًا (قصدك إيه.؟)
أفاقا من همساتهما الجانبية علي صراخ بركة (بتقولوا إيه.؟)
بينما تجمدت مروة غيظًا وحنقًا من أفعال جلال وتجاهله لها، لكنها أكملت عنادًا وشرعت في تناول الفطور غير متنازلة، وضع جلال كوبًا واحدًا من الشاي تبادلاه هو وبراءة في إعتيادٍ وصمت مما جعل مروة تسألهما (إنتوا بتشربوا مع بعض ليه.؟ مفيش كوبايات.؟)
أجابها جلال وهو يقرّب الكوب من فم براءة لتأخذ حصتها (بنحب نتشارك كل حاجه)
عضت مروة باطن شفتيها، مشتعلة بحقدها وحسدها. تعمدت بعد ذلك أن تلمس كفه وتتلاقى معه، ليبتعد ويدس ما حملته أنامله في فم براءة، بعد ذلك إمتنع عن تناول الطعام طالبًا من براءة أن تفعل وتُطعمه هي مُعللًا أن يده تلوثت.
تركت مروة الطعام، تكاد تحترق من شدة النفور والغيظ، رحلت لحجرتها وتركتهما ليهمس جلال لبراءة (قولتيلي هتخطفيني إمتى وفين.؟)
دست براءة الطعام بفمه هامسةً (المكان الي تحبه) أزاح خصلاتها عن جانب وجهها، هامسًا بعشق (عايز أتخطف جوا قلبك ينفع)
توقفت عن دس الطعام بفمه، أحنت رأسها مُفكرة وهو يتأملها بصبر وعشق، حتى همست وقد عادت بنظراتها إليه بضحكة مرحة (قلبي مش فاضي، سيبني أخطفك بطريقتي) توردت خجلًا لذيذ
تجمدت ملامحه على توردها.، مرر ظاهر أنامله على خدها بشغف ، وهو يهمس (مش هقبل أقل من قلبك ) أشاحت مرتجفة، دقات قلبها تتقافز في جنون، سايرها في خدعتها، لُعبتها الماكرة وانطلاقها لأول مرة(أنا موافق علي أي حاجه منك، بس أمتى وفين) همسها برضا، ليميل سارقًا قُبلة من خدها المتوهج بالخجل
أغمضت عينيها تتشعر وقعها، خطواته الرقيقة نحوها، لتقول وهي تستعد للنهوض  (خليها سر) لملمت الأطباق وساعدها هو بصمت يترقب بشغف، يُفكر في مقصدها وما تعنية كلماتها، لقد تحدثت بجدية كلما لو أنها ستفعل حقًا، تعلق هو بالآمال، ظل طوال اليوم منشغلًا رائق البال حتى جاء المساء، اختلى في حجرتيهما إستعدادًا للنوم، تمدد بكسل على الآريكة الجانبية ينتظر قدومها من الخارج، لم يدرك إنه غفا إلا حين شعر بحرارة أنفاسها تعتنق ملامحه وتضمها في إشتهاء،أول الأمر ظن نفسه يحلُم، حرّك أنامله في غفلة منها، يلمس جديلتها ليتأكد
تلهث بشدة من فرط إنفعالها، إنتظر بصمت بشغف وإنبهار، تخلصت فتاته من عقدة الإقتراب، فكت قيودها وألقتها تحت أقدامه،ستُلقي بتعويذتها علي قلبه المتعب، ستروي شوقه من رحيقها وقد جاءت إليه راغبة، مشاعرها تهمس وتشي بما يعتمل داخل صدرها وتضيق به، انحنت تلثم جانب لحيته، واحدة وآخرى، ويدعو هو الله الثبات وألا يفيق ويعكر مزاجها ألا يتهور .. حتي خطفته كما هددت، لثمت شفتيه في جرأة خدرت حواسه، ليتوقف العالم من حولهما وتتجمد عقارب الساعات، لن يفلتها سجنها بين ذراعيه، قيّد جسدها.. لينال شهقة ناعمة خجول  من بين شفتيها اللتي ترتعشان بالذنب، وتنفرجان في خطيئة(إنت صاحي.؟)
اتسع فمه بإبتسامة كفلقة الصبح وهو يهمس بمرح وتنهيدة هائمة (لا أنا مخطوف)
أخبرها بضحكة وهو يفتح عينيه ليراها بوضوح (حمدالله علي السلامة تعبتيني)
رشفة واحدة بدلت ميزاجيته، كأنه لم يظمأ يومًا، مرر أنامله على وجهها وبداخله تشتغل ألف رغبة، هل حان الوقت ليقطف ثمار حبه.؟
وقد سئم تجرع الصبر.؟
قفزت علي صوت مروة وطرقاتها، ليعقد جلال حاجبيه في ضيق، سابًا تلك الحاقدة التي سرقت لحظته وحرمته، اندفعت براءة للباب تفتحه، بعد أن تركته بإرتباك، تخفي كل شيء إلا أذيال خجلها مازالت تتعلق بوجنتيها، ظل هو مكانه آملًا في عودتها من جديد، حتى تأخرت وتسلل النوم لأجفانه، بعد منتصف الليل جاءت إليه توقظه برفق(جلال)
فتح عينيه ينفض الكرى ينظر إليها مُفكرًا هل كان حُلمًا..؟ عاتبها بملل (إتأخرتي) همست معتذرة وهي تسحبه لينامان على الفِراش (مروة كانت خايفة وصممت أنام معاها)
(وجيتي تاني ليه، الليل خلص)
قالها بضيق وهو يبتعد عنها في زهد يأس، لتحيطه بذراعيها هامسةً بصدق (معرفتش أنام من غيرك)
ظل علي جفائه وضيقه، وتباعده لتستسمحه بنبرة متحشرجة ورجاء حار(متزعلش علشان خاطري)
لان قليلًا، زفر بيأس غير قادر علي عتابها، ولا يتحمل قسوته عليها أولاها وجهه قائلًا بحدة(متكرريهاش)
ابتسمت مؤكدة براحة(حاضر)
سحبها لأحضانه، حيث مكانها بجوار قلبه،، نامت قريرة العين هادئة البال وقد عادت لموطنها، أمانها ومأمنها، تبعها هو لعالم الأحلام بعد أن لاقى جسده الراحة،بعد نومة الآريكة القاسية وانتظاره الشغوف لها.
في الحجرة الآخرى كانت مروة تُعلن يأسها من هذا الثنائي، وفشلها في مهمتها لأخيها، الذي حاول تصبيرها أكثر من مرة لكنها صممت علي إنهاء الأمر والعودة فلم تعد تطيق المكوث هنا وقد أصبحت أضحوكة يستهزء بها جلال،وتخدعها براءة.
أخبرته، بما تفعله براءة من خلف ظهر جلال وحديثها مع غريب، وصداقتها له، مما جعل مروان يحثها علي الصمود حتى تأتي له بكامل المعلومات، سيضرب هو حتى يُنهي الأمر.
لن يتركهما سيشرب من دمائهما إن إحتاج الأمر وهذا المخادع عاصم لن يرحمه.
هاتف براءة كان سهلًا ليس صعبًا للدرجة التي تجعلها تقلق، فلتفعل وتتشفى فيها
*****
هتف بلال بضياع وهو يجلس مرتخيًا علي أقرب كرسي، يبتلعه القهر (الناس مش راضيه تصبر علي فلوسها)
سألته زوجته بقلق وهي تطالع إنهيار زوجها(يعني إيه.؟)
غطى بلال وجهه بكفيه في آسف وهو يحكي بحزن عميق (المكان بيخسر والديانة هيحجزوا عالمكان والسيولة خلصت)
سألته زوجته التي تقدمت منه مضطربة الخاطر(والحل...؟)
رفع نظراته المهزوزة برجاء لم ينطقه، يستسمحها (لازم تبعيي الدهب، ونبيع الشقة دي كمان)
انتفضت بزعر حقيقي، نظراتها تحوم في أرجاء الشقة برفض وإستنكار كأنها تروي ظمأ لأيام ستأتي وتشتاقها (شوف حل تاني يا بلال.؟)
انكمش في إرهاق هامسًا بضياع (للآسف أنا طمعت وضيعت كل حاجه)
وخلف باب الحجرة كانت عبير تسترق السمع بقلق، تتنازع داخلها رغبتان الأولى تقديم المساعدة والآخرى الهروب قبل أن يطلبها صراحةً ووقتها لا تعرف بماذا تُجيب.
سألته زوجته بحرقة (هنعيش فين يا بلال.؟)
رفع رأسه يخبرها بإستسلام (عند بابا)
أيقنت في قرارة نفسها أن الحياة عادلة بما يكفي، هي الآن تسلبهم ما أخذوه بسيف الحياء من حنان، تعصرهم بالبلايا، لتصفي ندمهم، تأتي بحق حنان وسنون عمرها فلا منتصر الجميع مهزوم.
جلست عبيرة متململة، الأمواج تُلقي بأفكارها على شواطئ مُظلمة، أين تذهب وكل الأماكن تضيق وهذا أحمد تركها غير عابيء، لفظها من حياته بسهولة كأنه يبصقها.
فأين تذهب وماذا تفعل..؟
********
هجرت الحجرة حتى لا تلتقي به، عيناها تخونها وتهرب زاحفة ، كلما تواجدا في مكان واحد  فأختارت أن تنزوي بعيدًا، وحيدة في الحديقة الخلفية في أحد أركانها، تأكل شطائرها دون شهية، تبكي بصمت، قلبها يمتليء فقدًا وحزنًا وخواء.. ماعاد قلبها يتحمل كل تلك التعاسة، غريبة وحيدة وشاردة، كطائر  مهاجر لايسعه فضاء الكون ولا تحتضنه الأرض، هائم ملّ السفرووعثائه  يبحث عن وطن في القلوب.
عمروا الحزن في قلبه وشيدوه مدنًا حتى أحب الترحال.
تركت شطائرها جانبًا، لم تتحمل إنطباق أضلعها بالحزن، ولا تخمة روحها بالإفتقاد ، الصبر دواء مرّ إرتشفته لسنواتٍ طويلة
حتى دخل عالمها هو.؟ جعل لصبرها حلاوة ولأيامها هدف وإن كان مزيفًا، مروره كعطر إلتصق بروحها كلما هربت منه، عاد إليها
غطت وجهها بكفيها في بؤس وكآبة وضياع، يهتز جسدها ببكاء وألم.
يراقبها كل يوم وكل ساعة لا يفعل سوى ذلك
يرهقه صمتها وإبتعادها ينشطر كلما رأها هكذا،لماذا لا تتكلم، لا تبوح.؟
ذهب إليها جلس بصمت ثم ضمها بقوة،يدرك أنها تحتاج ذراعيه الآن وهو أكثر من مُرحب لن يبخل ولن تستغني نفسه.
رائحته تعرفها وكيف لا وهي عالقة بروحها، استسلمت للغرق تشبثت بقارب نجاتها وإن كان مجرد وقت (كلميني فهميني إيه واجعك يمكن فاهمة غلط)
إبتعدت تمسح وجهها بمشاعر متضاربة. همست بحشرجة وصدق زائف (مفيش)
توسلها بضعف وهو يتأمل ذبولها وضياعها (علشان خاطري يا حنان خلينا نقعد ونتكلم)
حدجته بنظرة طويلة كأنها تحفره داخلها، لتبتعد في خجل هامسة (حاضر)
تبسمت روحه، أضاء وجهه وإزداد جاذبية خطفت قلبها ليقول بإشراق(بجد)
هزت رأسها دون كلمة وهي تنظر أمامها ليهمس كعادته بمرح (قشطة)
استقامت، رحلت دون أن تبادله كلمة، سرقت مع صمتها مرحه وبشاشته، شيّعها بنظرات متوجعة تنزف وهو لا يعرف أي طريق يسلك.
في المساء تجهزت لإستقباله، جسد بلا روح فقد شغفه وتوارى خلف تراب الآسى.
نظرة واحدة منه لها قرأ فيها سطورها، وحكايتها، تنهد بيأس مما يحدث وقد انهارت جدران صموده، ماذا تظن به.؟ تتهيأ كعروس لكي يأخذها وتهرب من عذاب ضميرها.؟ أم تجلد ضميرها بما تفعله..؟
جلس هامسًا بإختناق (إلبسي ياحنان)
إرتبكت، لكنها قالت بثبات زائف مستنكرة (ألبس.؟)
دون أن ينظر لها زعق بها (فكراني جاي علشان كده) دفع إليها بحجاب مُلقى أرضِا بإهمال.
أفاقت من سكرتها علي صوته يدوي داخلها بعنف، أحاطت جسدها بالحجاب ثم قالت وهي تنظر إليه (أمال عايز.؟ مش ده اتفاقنا برضو)
نظر إليها بقوة وصوت دوى في أعماقها(إتغير)
انتفضت، صرخت دون وعي (بمزاجك)
نهض، أقترب منها يخبرها بقسوة (أيوة)
ضمت جسدها بذراع وبينما كان الأخر ترتفع كفه وتمر على ذبول وجهها بتعب، لانت نبرته وغشيه الهم وهو يهمس بالتالي (كلميني فهميني زعلتي ليه.؟)
(علشان) ... تقطع صوتها متذكرة بإرتجاف ما أتعبها، لتقول بوهن (مش عارفه، بس أنا موجوعه) نطقتها بصوت خافت موجوع.
جذبها لأحضانه، ضمها بقوة حابسًا لها بين ذراعيه وهو يهمس (متفكريش فالي يضايقك، أنا وأمي حكاية طويلة مش هتفهميها ولا تستوعبيها، يمكن ملكيش ذنب بس للآسف دي حياتي، طلعي نفسك براها) إرتخت بعطف، لانت تبادله الحضن ممتنة رغم كل شيء، أبعدها عنه قائلًا (تعالي نروح مشوار هتفهمي كل حاجه، وهترتاحي)
سألته نظراتها الهزوزة عن المكان ليربت على كتفها (متقلقيش، واثق هترتاحي)
ذهبت للحجرة تبدل ملابسها بينما ظل هو ينتظر مجيئها بعد أن أيقظ الصغيرة وساعدها في إرتداء ملابسها،ليغادرا بعد ذلك لمنزل خاله الذي كان بإنتظاره..
إستقبلتهم إسراء بفرحة، كشفت جزء من الغمة، وبدلت ملامح حنان، قرص مالك وجنة إسراء مازحًا بشقاوة (بطتي الحلوة)
نفضت إسراء كفه بغضب، تزجرة بضيق (اهلا بالثقيل)
أشار لها أن تُدخل حنان حجرة والدها وتعود إليه ففعلت، تباطئت خطوات حنان بقلق ليحثها هو (مستنيكي)
تعجبت مما يحدث لكنها وافقت وسارت خلف إسراء بوجل، التي ما إن أدخلتها وساعدت والدها في الإعتدال حتي خرجت تاركةً باب الحجرة مفتوح ترى من خلاله مالك وفتاتها (الف سلامة علي حضرتك)
مدت كفها المرتعشة لكف عباس الخشنه، فربت عليها عباس يطمئنها أولا(إزيك يا بنتي عامله إيه.؟) لانت ملامحها، بدت أكثر راحة وهدوء، إنزاح حمل ثقيل من علي قلبها حين همس لها الرجل بدفء، جلست علي أقرب كرسي ليسألها الرجل (مالك عامل إيه معاكي.؟)
همست بإقتضاب (الحمدلله)
نظر لعينيها بقوة هامسًا مندهشًا مما يقرأه في سطور عينيها(شبهه، بتكملوا بعض، نصين تايهين وميعرفوش إن إكتمالهم فوجودهم مع بعض) حمحمت تجلي صوتها بخجل قبل أن تطلب توضيحًا (مش فاهمة حضرتك تقصد إيه.؟)
أوضح الرجل برزانته المعهودة وطيبة قلبه (لما جه وقالي هتجوز علشان أخلف حسيت تربيتي له ضاعت هدر، كل الي عملته وبعمله معاه إتهد، بس كل مرة كان يجيني فيها بعدها كنت بشوفه لأول مرة كأني معرفتوش، مالك صحيح كدب عليكي بلسانه بس نظراته ليكِ وإحساسه بيكِ صادق)
استمعت بإنصات ليقول الرجل بأسف لا يخلو من ضيق (مالك إتربى فغربة بعيد، كانت أمه فشغلها وإنتِ فاهمة الغربة وقيودها، نداهة بتخطفنا، رجع مالك وصمم يكمل جامعته هنا وإشتغل وفضل بين هنا وهناك، فضل بين اتنين واحد منطوي وحيد  لسه في الغربة وواحد هنا بيجتهد وينجح، وعلا كانت بنت صاحبة والدته وبينهم مصالح..
ووافق لانه تايه قلب مش علي بر، وإنفصلوا لإختلافهم)
سألته بقلق (حضرتك بتحكيلي ليه.؟)
ابتسم بحنو هدهد وجعها ودثرها بالأمان، أخبرها بإنزعاج (أختي قاسية شوية اتحملي، متفلتيش يد مالك وتسبيه يغرق فتوهته، صدقيني يا بنتي هو أعقل مجنون وأجن عاقل، جواه قلب يساع الدنيا بس مش عارف وخايف ووحيد، هو أصدق كداب ممكن تقابليه، لوسمحتيله يدخل قلبك هتفهميه، مالك ميتقرأش بس يتحس هو أكتر واحد هيديكي الي عايزاه ، فاقد الشيء هو الوحيد الي يعرف قيمته وبيديه)
إرتبكت أكثر، سقطت في الحيرة فسألته بإستغاثة (أعمل إيه.؟)
أجابها بإبتسامة مشجعة(غمضي عينك وشوفيه، اقفلي الباب علي أفكارك وسيبي القدر يكتب الحكاية ويكملها زي ما بدأها.)
ابتسمت تفتح نوافذ قلبها بإنطلاق، أراحتها كلمات الرجل، ربتت علي أوجاعها وأنارت لها الطريق، شتان بينه وبين أخته.
صاح مالك بغيظ(إيه يا عباس رغي رغي، قولها مالك عايز دلع من الي اتمنع... قلبه اشتكى من قلة الهشتكه.)
تأفف الرجل بإستغاثة هامسًا لحنان (روضي بقا يا بنتي الله يعينك)
خرجت من الحجرة بعد أن طلب عباس الصغيرة ليلعب معها ويتركهما قليلًا ينفضان ما علي قلبيهما من غبار، سعل مالك بشدة جعلت حنان تسأله بقلق (لسه الكحة بتتعبك)
أجابها بتعب (اه بالليل)
غمغمت بحنو(الف سلامة عليك)
صمتا طويلا، لتسأله بعد أن لاحظت ضيقه وحزنه (تحب نمشي لو متضايق)
إجابها هو ينظر للسماء فوقه (دا أكتر مكان بيريحني، أنا بس كنت عايز أسألك سؤال)
حارت في أمره، تفقدت ملامحه المنغلقه بتوتر قبل أن تأذن له(اتفضل)
شملها بنظرة مشتعلقة قبل أن يعود للسماء قائلًا بجدية عكس كلماته(بالنسبة للعرض الي كان قبل ما نيجي ده.؟ في جيم أوفر ولا خلاص فرصتي راحت)
ضربت جبهتها بيأس، قبل أن تهمس بضحكة متقطعة (مفيش فايدة)
انفعل قائلًا من بين أسنانه (هو الراجل ده قالك إيه.؟ علشان أنا صارف ومكلف وجايبله مانجا)
شاركته المرح بعد إنفراجة الهم(قالي إن الفرصة مبتجيش كتير، استنى فرصة بدل ضايعة)
هز رأسه متنهدًا بيأس وهو يهمس (ماشي يا مِس)
(هترجعي الشقة.؟) سألها بإهتزاز وقلق
لتقول بخجل (زي ما تحب)
اتسعت إبتسامته وهو يهمس بإقرار (يبقا ترجعي الليلة)
ضربت خدها مُقلدة، بمرح (الليلة ياعمده الليلة)
ذاب، لمعت عيناه بعد الذبول، أضاء وجهه ليجذبها بذراعه ويضمها إليه في إشتياقٍ وإمتنان، إستجابت، تتجرع قسمتها من عطفه وحنانه، مطمئنة في وجوده، وقد عادت روحها إليها بعودته.
**********
أحضرت ورقة وقلم، جلست يلتصق ظهرها بظهره، تستعد للكتابة بينما تأفف هو بضيق(ليه القعده دي..؟ ماتيجي جنبي)
ضحكت تخبره مرح وهي تُلقي بجديلتها خلف ظهرها فأخذها هو وأراحها على كتفه زافرًا بقنوط منها
(مش هعرف أكتب هتلخبطني لو كنت جنبي)
خاب مسعاه، استسلم قائلًا (إكتبي يلا ورايا)
هيأت القلم للكتابة منتظرة كلماته التالية، تشاركا ما سيحضرانه للمنزل متحاورين في مدى أهمية كل صنف وما يحتاجانه، حتي هتفت هي برجاء، وعفوية (جلال ممكن نجيب نسكافية زي بتاعك)
توتر جسده، إستدار يستنكر طلبها (نعم!)
زمت شفتيها حانقة تخبره بيأس (بيخفف الصداع، التاني ده مش حلو)
عاد لوضعية جسده يكتم ضحكته، مستلًا سيف الجدية في مرح وتعاطف (لا طبعا)
سألته مستاءة رفضه(ليه طيب...؟)
إرتبك تاهت إجابته، غير مصدق طلبها ليتهرب منها بلباقة(النسكافية غلط علي صحتك)
زفرت بقنوط، تخبره بحدة (مش غلط، هشرب إيه لما أصدع)
استدار قليلًا يسألها بغضب مفتعل(مين قالك بيخفف؟) قالت دون إهتمام (ما أنا جربته) تمتم بضيق (كانت تجربه سوده)
تعكر صفوها، تراجعت بغم (خلاص مش عايزه)
تنازل هو طمعًا في رضاها وعوده الإبتسامة لوجهها وداخله يعلم أن السر ليس في المشروب، فليتركها في وهمها (خلاص جيبي)
رفضت بكبرياء (خلاص مش عايزه.؟)
خاف من الفكرة، اتشحت نبرته بالقلق (إنتِ زعلتي.؟) عادت لمرحها سريعًا رغبةً في رضاه، وحتي لا تجلب الهم لقلبه(لا متقلقش)
عاد ينظر أمامه يملي عليها بشغف، مُذكرًا إياها ما نسيته(نسيتي حاجه مهمة) قالها بعاطفة ونبرة خافتة مشتعلة لتسأله بترقب (إيه..؟)
ابتسم بصدق، ومشاعر لا تنضب، قال هامسًا (فستان الفرح)
فغرفت فمها بدهشة، توقفت عن الكتابة مُلتفة إليه تسأله (بجد.!)
هرب منها ومن نفسه، لألأ تلتقي النظرات فيضعف(ايوه)
همس وهو يُخرج ورقة من جيبه مطوية بعناية، عرفتها هي على الفور فعادت لجلستها تأخذ نصيبها من الهرب كما فعل
(في حد سابلي ورقة تحت المخدة متعرفيش مين.؟) أجلت صوتها قبل أن تهمس بإرتجاف (لا)
فتحها يوضح لها ما كُتب علي سطورها (بتقول إنها بتحبني، وإنها متقدرش تعيش من غيري وإن حياتها إبتدت لما قابلتني).
تأثر كأنه يقرأها لأول مرة لا كررها ألف مرة حتى حفظها عن ظهر قلب وحفرت داخله.
أخبرها بشقاوة ما في نفسه، يرجوها وهو يعيد طيها بعناية (نفسي تيجي هي وتقول، مش عايز بيني وبينها واسطة ولو ورقة وقلم)
صمتت إلا من صوت أنفاس يعلو فيصله، إستطرد بمشاكسة (أقولها إيه يا براءة بما إنك صاحبتي؟)
فاقت علي سؤاله فإضطربت، وتشتت أفكارها، لتهمس بتقطع (مش عارفه)
(تفتكري هي لسه محتاجه مني رد.؟) سألها بإبتسامة متحيرًا هو الآخر في سؤاله لتُجيبه (عادي)
إبتلعت ريقها تستعيد توازنها ليصفعها بمزاحه الثقيل (تفتكري إنها مروة.؟)
شهقت بنعومة مستنكرة فظاظته، وغلظة كلماته، تخلت عن هدوئها وإلتفتت تضربه بالدفتر دون كلمة ليتابع مُبتلعًا ضحكاته يخبرها ببعض الجدية وقد إلتفت يواجهها (قوليلها جلال مبيحبش الكتابة، خليها تيجي وتقولي بنفسها وهي واقفة قدامي)
إخترقت نبرته حصون قلبها، فهمست بضعف(يمكن متقدرش)
(هو عمل كل حاجه علشان تقدر) قالها وأنامله تُبعد خصلاتها عن وجهها المكسو بالخجل ليهمس أمام شفتيها (قوليلها هو مستني ومش هييأس، صابر ومش هيمل صاحب وأب وأم  وأخ وأهل، مستنيها دايما مهما هي بعدت، ولا ألف ورقة ترضيه.. يرضيه إنها تقولها ويسمعها ويحسها)
هزت رأسها بالموافقة، ليطبع قُبلة على مقدمة رأسها في حنو، ويضمها بقوة زافرًا اليأس مع أنفاسه وقد إقترب أخيرًا.
*********
عاد بفستان زفافها الذي انتقته هي وأحضره هو، متفقًا مع يوسف، أدخله الحجرة واضعًا له علي الفِراش حتي إذا ما عادت رأته، ولينظر رأيها ويتأمله، مشاهدًا فرحتها في نظراتها
ووصلته الرسائل تباعًا دون تباطؤ، حبس أنفاسه وقرأ ليشتعل بها وتتدفق الرسائل إلي هاتفه، ويقع هو في فخ الإهتمام، بعض لقطات الشاشة لمحادثة براءة مع شخص مجهول.
بعدها وصلته رساله صوتيه بصوت مروان البغيض (مبرووك يا صاح، سمعت إنك هتعمل فرح، صحيح تبقا فأيدك وتقسم لغيرك، مرة تجيلك ومرة تجيلي ومره الله أعلم فين.؟)
أرسل إليه جلال رسالته (ياحيوان أقسم بالله ما هسيبك)
جن جنون جلال، أحمرت عيناه من شدة الغضب، دار حول نفسه بثورة حبيسة جدران قلبه ليفيق علي رنات الهاتف وقد قرر مروان اللعب بمتعة، أجاب جلال يسبه ويلعنه في جنون، يتوعده ليضحك مروان ببرود قائلًا(والله حقك بس نفسي أسألك مش مالي عينها إنت ليه ياجلجل.؟ تكلم غيرك وتهرب مستغلة تعبك وتجيلي)
نطقها جلال بصبر وثبات زائف حتى لا يفوز عليه مروان (براء أنضف منك )
استنكر مروان هازئًا (حتى إسأل كده.؟ ياعم دا إنت أول بس ربنا خدك يومين مشيت)
دارت الصور، قفزت الكلمات تتشكل أمامه وقد فَطَن إلي سر إسراء وبركة، لكنه لم يكن ليُعطي هذا الحاقد فرصة لن ينصره (عارف ياحبيبي)
ضحك مروان بهستيريا قبل أن ينطق بتشفي (بس عايز أشكرك إنك سبتلي البونبوناية بورقتها، بالختم ياجدع، ثم ضحك بقوة يستفزه أخوك قام بالواجب متقلقش كمل إنت بقا)
طار عقله عند تلك النقطة، من غيره يعرف حتى براءة لا تعرف أنه لم يقربها؟أوهمها أنه إقترب، كيف علم إلا إذا... تصاعدت ضحكاته في الخلفية كنغمة حزينة في جنازة وقد أيقن أنه وصل لمبتغاه أخيرًا ببساطة.
انتهى كل شيء نهاية لم يكن ليتوقعها حتى في كوابيسه،خرج يطلب بركة يسألها فأجابت رغم شعورها بالخطر وإرتجافها من هيئته ونبرته حتى أنها بكت فتركها، وهاتف إسراء التي حاولت تهدأته لكن دون جدوى إنفلت كل شيء فحكت له ما حدث ومجيئها بصحبة عاصم، حاول عباس إيقاف عضبه، إمتصاصه لكنه فشل، أمره أن يأتي إليه فرفض، توسله أن يفكر جيدًا ولا يدع الشيطان يقوده، ولا يعطي الفرصة لمروان بالإنتصار فصمت ليكن أخر ما نطقه قبل أن يغلق هاتفه (أنا تايه، وموجوع) ثم جلس مكانه منهارًا بعزيمة متكسرة، تمدد تحت الشجرة فوق العشب الندي فاردًا ذراعيه بتعب ومن بعيد كانت بركة تراقبه بضياع وجزع.
دخل المنزل بملامح مغلقة، مسودة كأنه كظيم، هدر لمروة بقسوة (لمي حاجتك وأمشي)
بللت شفتيها تحاول الإعتراض لكنه قطع عليها الطريق مُهددًا (إمشي أحسن لك دلوقت) وضعت براءة كفها موضع قلبها شاعرةً بالخطر، نائية بنفسها بعيدًا عنه وشظايا الثورة المشتعلة بنظراته.
أشار جلال لبركة أن تلملم أشياء مروة وتطردها من المنزل، فإستجابت بحماس
دخل الحجرة منتظرًا يستمع لرسائل عباس الصوتية التي ما يأس من إرسالها، يحاول جاهدًا معه.
حين دخلت ترك الهاتف، ونظر للفستان نظرة مودعة خاوية، متحسرة على ضياعه وضياعها
يطارد أحلامه في نظرة جادت بها نفسه المتقرحة من شدة الألم، لم يكن ليفوتها تهربه منها ولا حسرته .
تقدمت تبتلع ريقها بصعوبة وقد جف فجأة، وهربت الدماء، سألته بحذر (حصل إيه ياجلال)
سألها بهدوء ملعون، وصلابة، نظراته تخترقها وتفتت عزيمتها(قال مشيتي وأنا تعبان يا براء.؟)
(قال كلمتي غيري يابراءة.؟)
رباه ما هذا الوجع الذي ينبثق من نظراته، أين غادرت روحه وتركته في قعر الظلام يهوي ببطء للجحيم ، لو قالت لم أفعل لصدقها، لأخفاها عن العالم وهرب بها بعيدًا عن تأمرهم اللعين (كلهم قالوا مشيتي)
هزت رأسها بهستيريا ودموعها لاتتوقف،بماذا تجيب، هدوئه يربكها، تقهقرت بزعر أول الأمر، لكنها سرعان ما عادت لوعيها مندفعةً لأحضانه، كيف تهرب وهو أمانها وحصنها  (ممكن تسمعني وتفهمني)
خرجت حارة متوسلة تتعثر في شهقاتها المكتومة، ليصمت بجفاء، ملامحه منغلقة نظراته تتعثر كلما حاول أن ينظر إليها فتعود خائبة مهزومة.
ابتلعت ريقها تهمس بإرتعاش موضحة، ثرثرت كثيرًا، بررت، شرحت ولم يستمع لكلمة،
كان أكثر ما يخيفها صمته
مرر كفه المرتجفة على خصلاتها يسألها بضعف، بعدم تركيز وهذيان مرير(ليه يابراءة ليه..؟)
يشم رائحة روحه تحترق وينصب لها العزاء،رمق فستان الزفاف المُلقى بألم قبل أن يبتعد دافعًا ذراعيها عنه بعنف، تحت نظراته بحسرة داس بأقدامه فوق الفستان بإستهانة،لطخه بالوحل، كما فعلت هي
واجمًا يشيع روحه لمثواها الأخير، دون كلمه أو نظرة عتاب،أي عتاب وأي كلمات لقد ذبحته سلمته لمروان ببساطة.
أسمعها رسائل مروان والمكالمة التي قام بتسجيلها، ممتن هو لتلك الخاصية التي إحتفظ بها سرًا علي هاتفة، صرخت دون وعي (كداب والله كداب حتي إسأل عاصم)
علي ذِكر الآخر انهزمت، رحل ولا أحد يعرف مكانه، ليواجهها بشراسة دافعًا لها كلما إقتربت، يطردها بعيدًا عن جسده في نفور كأنه نجس (عاصم رجعك، قالك إيه.؟ قالك أخويا مسكين قالك حرام مريض)
إقتربت تحتضن وجهه بكفيها تتوسله أن يهدأ، تبوح بسر قلبها بقوة وأمل مفقود  (لا لا... أنا رجعت علشانك، علشان بحبك والله العظيم بحبك)
هزت رأسها تنتحب برجاء وتضرع، ليدفعها بعيدًا مُلملمًا كفيها، غير عابيء بإعترافها، ألقى الخذلان بظلاله فوق روحه وانتهى.
(معادش يفرق يا براءة) قالها ببرود قاتل كأنه يتشفى  نزل على قلبها كجلدات تدمم روحها،
ثم وضّح لها بإبتسامة ساخرة إرتدت ثوب الحداد (كنت خايف عليكي من نفسي)
انتحبت بضعف قبل أن تقول بصدق وعي تحاول الإقتراب منه(والله...
كمم فمها بغيظ، وهو يدفعها للحائط في عنف صارخًا(لمسك..؟)
أبعد كفه عنها فقالت (لا أوعى تصدقه، محدش لمسني غيرك)
فجر مفاجآته فوق رأسها (أنا ملمستكيش يا براءة، مقدرتش.. كنت عايزك برضاكي)
حملقت مذهولة، دموعها تتساقط كشلال ليؤكد بهزة رأس وضياع (أيوة مقدرتش)
ثم أحاط ذراعيها بكفيها ودفعها عدة دفعات للحائط يسألها (مروان عرف منين ده يا براءة.؟ )
توقفت عن النحيب، مشتتة، نظراتها تزوغ بضعف تمكن منها بعدما نطقت ذاهلة (صدقته..؟)
كل شيء توقف علي إجابته، إحساسها بالعالم وما حولها، حين خيّب آمالها بالصمت قالت بصوت خرج عميقًا (لو كلامك صح، وهو كلامه صح تقدر تتأكد من ده)
قالتها وكفها تشق مقدمة ثوبها البيتي في تأكيد وثبات، كأن روحًا أخرى تلبستها،
لملم خيبته وخذلانه، تماسك وإقترب يصفعها لأول مرة ، دفعها لتسقط متهالكة وخرج هاربًا، تطارده شياطينه.. تركها دون رجعة.
**********
بقيت بركة تراقبها، تشاركها البكاء دون أن تفهم، تساعدها دون سؤال، أحيانًا تنظر لها بشفقة متسائلة ما الجُرم الذي فعلته لتنال عقاب كهذا من رجل قلبه يسع العالم أجمعه،
تجلس على الأرضية الباردة نظراتها مُعلقة بالباب، لاترمش كأن سيفوتها إن فعلت، شاخصة في إنتظار يلتهمها ببطء، ينهشها دون رحمة، قلبها لا يتوقف عن العويل، يصرخ داخلها، أحيانًا يؤنبها وأحيانا يجلدها دون رحمة، عقلها إتخذ موقف الشامت ظل يُخرج لها الصور، يعيد عليها الكلمات والأحداث، يعذبها ويشقيها.
توسلتها بركة وهي تجلس مقتربة منها(قومي نامي)
ضمت ساقيها لصدرها ثم أحاطتهما بذراعيه تخبرها بجلد(مستنية بابا)
اختلطت لديها الرؤيا، تشابك الواقع مع الحقيقة، لكنها لا تكذب ما تعرفه وتقرّه نفسها أنه والدها، هي الآن تنتظر صفح الأب وحنان الأم وتفهّم الصديق وقلب العاشق ربما يعود.
أراحت ظهرها للحائط ترفض أن تغلق بركة الباب كأن إغلاقه سيمنعه من المجيء، سيفصل روحيهما،بعد إلحاح نجحت بركة في إقناعها بالتمدد علي الآريكة ليسرقها النوم..دخل متسللًا، سألته بركة بفزع وقد تغيرت ملامحه، عيناه محتقنتان ووجه مجهد كأنه بكى حتى نضبت بحور دموعه.
تنظر لخصلاته التي أسقطها مُتخلصًا منها كأنه يتبرأ من جلال القديم بكل ما فيه
كادت بركة تصرخ وتوقظها، لكنه توسلها بنظراته وأنامله المهزوزة التي وضعها علي فمه علامة أن تصمت، غادر للحجرة لملم ملابسه بسرعة، قبل أن تخطو قدماه خارج الحجرة نظر لفستانها نظرة أخيرة وأَبِق إلي حيث لا يعلم أحد.
ركضت بركه خلفه تسأله، فرفض أن يُجيب، تحلى بالصمت الثقيل البارد، يغيب عن واقعه  بالشرود فلا تملك إلا التقهقر وتركه.
حين توقفت توقف هو وإستدار يهمس بنبرة لا تشبهه(خلي بالك منها)
ثم انتفض، يتخلص من ذلك الإحساس يفيق من سكرته ورحل....
أصابها الجنون حين علمت، أخذ ملابسه ورحل دون وداع،دون عتاب إكتفى منها بسهولة. سألت الحوائط والأبواب عنه،
توسلت الأرض أن تبوح لها أين استقرت أقدامه وتضرعت للهواء أن يحمل لها بعض أنفاسه تدثرها. حاورت الخزانه كمجنونه تسألها حين آتى كيف حاله.؟ ولماذا رحل.؟
رن الهاتف، مسحت دموعها واندفعت ربما هو، تأوهت بخيبة عظيمه حين وجدته هاتفه هو قد تركه أو استنغنى لا تعلم، لكنها أجابت علي عباس إستقبلت صوته بالبكاء والرجاء
(هو فين..؟ مشي ليه.؟)
صمت الرجل إلا من حشرجة أنفاس غاضبة، فأكملت بنحيب (خليه يرجع يا عمي أرجوك، فهمه إني مظلومة... أو قولي مكانه وأنا هروح)
(اهدي يا بنتي) رجاها عباس بحنان أبوي
لكنها واصلت بضياع عقد لسان عباس (طيب اسأله أروح فين.؟ لمين..؟) أنا.. أنا...
صمتت محملقة في الخزانة لتقول بعد أن إستجمعت شجاعتها وعاد وعيها (كنت عايزاهم يسيبهولي، والدنيا تنسانا)
ثم هتفت لإسراء متيقنة من سماعها (إسراء عارفه إنك مبتحبنيش وزعلانه بس والله قوليله يرجع وأنا مش هزعله تاني والله ما هزعله)
توترت إسراء، إرتبكت بإشفاق وهي توضح (أنا بحبك يا براءة كلنا بنحبك متخافيش جلال هيرجع)
تركت الهاتف من يدها وسقطت علي الأرض فاقدة للوعي بإرهاق، متخلية عن الواقع متعزية عنه بالأحلام التي قد يشاركها فيها ولم يخيب ظنها زارها طيفه، آتى إليها يضمها ويربت على خصلاتها يهمس لها ألا تجزع هو موجود بجانبها فإطمئنت وغاصت في نوم عميق، بينما نقّدت بركة طبيب الوحدة الصحية وغادر بعد أن أعطاها بعض المهدئات والمغذيات.
عالناحية الآخرى كان عباس يصرخ لإسراء (أخوكي فين.؟)حين يقول أخيها تعلم أن الأمر جلل
هزت رأسها تؤكد بصدق (بجد معرفش مكانه مقالش)
زفر الرجل بإحتراق وهو يردد بإستغاثة ملهوفة (لا حول ولاقوة إلا بالله.. لا حول ولاقوة إلا بالله.)
انتهى

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن