الثالث والعشرون.
جاءت للمدرسة كما أخبروها، أدخلوها فصل صغير وأمروها بالجلوس انتظارًا لاختبار بسيط تخضع له ومن بعدها يتم قبولها بالعمل، جلست تقلّب في هاتفها بإنسجام... قبل أن يدخل الصف بهيأته المهندمة محمحمًا لينبهها بدخوله.. رفعت رأسها تطالعه بغيظ وغضب لم تستطع إخفائه، تركت هاتفها جانبًا وانتبهت له متمنية أن لا يكون هو من سيجري معها المقابلة.. بينما هو شغله سؤال واحد أين وضعت الفتاة.؟ سؤال تعلق بطرف لسانه ولم يستطع تركه ليسقط ويرتاح هو.. غامت عيناه بنظرة مشفقة وهو يراها مترقبة بخوف، دقائق تفرّس،فيها، ملامحها، ليقرّ أنها شفافة للغاية يستطيع قرأتها بسهولة والتنبؤ بما يدور داخلها، فعيناها البنية مرآة تعكس له ما يدور بعقلها.. سحب نفسه من أفكاره عنوة وبدأ يتناقش معها بجدية شديدة وحدة طفيفة.. وهي متمسكة بالصبر تبادلة الجدية متناسية ما يفعلانه في العمارة من مطاردات لبعضهمها البعض..
وضع أمامها ورقة مكتوبة وهو ينتزعها من أفكارها بالواقع (حلي ده..؟)
أمسكتها منه وقربتها بإرتباك شديد خائفة مزعورة وكل ما تعرفه تبخر، معلوماتها تفر هاربة.. وضع بجانبها قلمه الخاص لتبدأ تحت نظراته هي منكمشة تستجدي معلوماتها.. وهو يتأملها لأول مرة وجه مستدير شفاه صغيرة مطليه بالمرطب اللامع أنف صغير مزين بشامة سوداء علي جانبه الأيمن عينان عميقتان باللون البني كالقهوة التي يعشقها، حاجبان مهندمان بعناية... خصلات هربت من حجابها توشي بنعومتها ولونها الشبيه بالعينين..
فاق من تفحصه علي صوتها الناعم تخبره أنها انتهت... تسلّم منها الورقة ثم أشار لها ببرود.. أن تقوم وتشرح له درس (......)
غير مطلوب منها الشرح لكنه يريد ذلك وكفى، هو رجل يحب أن يسير عمله علي أكمل وجه، سألته ولسانها يمرعلي شفتيها يبللهما معلنًا إرتباكها (لازم..؟)
أشار برأسه في برود لتنهض وتبدأ، شهيق زفير.. أغمضت عينيها لتصفي ذهنها ثم بدأت متجاهلة وجوده حتى لا يسيطر الارتباك عليها وتسقط في فخه.. تشعر أنه يريد طردها ويتحين الفرص لرفضها.. رغم استمتاعه بطريقتها لم يُظهر ذلك بخل عليها حتي بالإعجاب صدّر لها ملامحه الجامدة ونظراته التي لاتُفهم مما سبب لها إزعاجًا كاد يوقفها أو يربكها.. لكنها تماسكت وواصلت.. ليقف في منتصف عملها منهيًا الأمر بغموض مما سبب لها الحرج والضيق.
لملم أوراقه ونظراته المبعثرة حولها وغادر بعد أن منحها كلمة لا تسمن ولاتغن من جوع (هنشوف ونرد عليكي)
هي قليلة حظ صاحبة أبشع صدف، تلك التي القتها مع هذا المغرور وجهًا لوجه.. أمسكت بحقيبتها وغادرت فقد اضطرت للإغلاق علي فتاتها النائمة.
وورحل هو لمكتب صغير منزوي يصحح اختبارها وعقله مازال منشغل بالصغيرة التي تُشبه أمها كثيرًا تلك المائعة صاحبة صوت كإسمها.زوجان من العيون يراقبنه بإهتمام واحدة هائمة والأخرى مترقبة بفضول
(أبو دم تقيل)
(يالهوي علي جماله)
لكزتها عفاف موبخة بملامح امتعاض(بس يا أختي ليسمعنا كلمتين من لسانه الزفر)
أخرج أفكاره ليجدهما متربصتان به تسجلان كل شاردة وواردة عنه.. نفخ ضائقًا بهما ثم غادر يتمنى لو ينتهي اليوم سريعًا ويعود ليرى الصغيرة ويطمئن عليها..
لايعرف كيف ولا متى.؟ تعلق بها لتلك الدرجة كل ما يعرفه أنها تأسره، معها يضحك من قلبه متخليًا عن صلابته.. يفارقه الغرور, تلك الواجهة التي يتمسك بها عن عمد حتى أتقنها
يصد بها الناس عنه ليعيش كما يحلو له، لكنه لا يسلم يظل حديثهم الدائم ومحط ثرثرتهم.
تزامن وصلهما في نفس الوقت، أول الأمر رفضت مشاركته المصعد لترضخ بعدها بالموافقة، وقف يدس كفوفه في جيب بنطاله متجاهلًا وجودها ليحدث مالم يخططان له، انطفأ نور المصعد وتوقف فجأة.. (يخرب بيتك)
صدرت منها شهقة عالية تحمل استغاثة، أسرعت لهاتفها تنيره وجسدها يرتعش في خوف بينما ظل هو مكانه باردًا متجاهلًا يوزع نظراته بلامبالاة..
لهاث قوي، وبداية اختناق جعلته يهتم ويرقبها بعناية سألها بقلق وقد زادت حالتها سوءًا (في إيه إنتِ كويسه)
أخذت شهيقًا قويًا تتوسلة بأعين دامعة (اتصل علي حد يشوفه.. أنا عندي فوبيا من الأماكن المغلقة)
(طيب اهدي مفيش حاجه دلوقت يشتغل)
وأقترب يفحصها، بينما هي تسلب الأنفاس سلبًا بزعر تملك منها..
لتسقط بعدها فاقدة الوعي، انحنى في صدمة يناديها بإسمها (حنان)
زفر هو تلك المرة بقوة لايدري ماذا يفعل..؟
حاول إفاقتها بعدها عاد المصعد للعمل لكن لا جدوى مما دفعه لأن يحملها بين ذراعيه ويخرج بها مترقبًا ما حوله.. تذكر أنه يحمل نسخة من مفتاح شقتها حاول إخراجه فلم يفلح.. تأفف بضيق لكن صوت الصغيرة المتسائل من خلف الباب جعله يهتف (افتحي يا كنزي)
ظل منتظرًا محاولات الصغيرة حتي فشلت مما دفعه ليحاول هو..
حين انفتح الباب وضعها علي أقرب آريكة وأشار للصغيرة الواقفة بوجوم وقلق (هاتي برفيوم ماما)
ركضت اختفت عن نظراته وعادت به، قرّبه من أنفها فرمشت بعينها مستعيدة وعيها..
تركها علي الفور وغادر لكن قبل أن يرحل انحني يطمئن علي الصغيرة (كنتي لوحدك.؟)
هزت رأسها بالموافقة ليميل طابعًا قبلة ويضمها إليه في اعتذار ثم ذهب.
____________
اندفعت إسراء لداخل حجرته غير مصدقة هتاف بركة، وخلفها كان والدها يركض بنفس الإنفعال والترقب غير مصدقين، متلهفين لرؤيته، حينما وجدوه يحاول النهوض اندفعا إليه فرحين (حمدالله علي السلامة)
(صح النوم)
تعجب من وجودهما قائلا بصوت خفيض مُنهك (إنتَوا جيتوا أمتي)
سأله عباس وهو يجاوره مطمئنًا عليه (إنت كويس)
نظر حوله فالتقت نظراته بنظرات بركه التي ابتسمت منادية له (جلال)
بادلها الابتسامة بأخري يطمئنها حتي تتوقف دموعها المسترسلة،هز رأسه محاولًا النهوض (أنا بخير)
(رايح فين..؟)
حاول عباس منعه فجسده منهك للغاية، أزاح جلال إبر المحلول من ظاهر كفه متسائلًا عنها (فين براء..؟)
نظرا لبعضهما في حيرة وقلق استشعره جلال فسارع بالسؤال مرتجفًا (حصلها حاجه..؟)
ليأتيه الرد من آخر وصل للتو ودخل مُسرعًا حين استمع لصوته (لا محصلهاش حاجه هي بس تعبت لما تعبت إنت ونايمة)
التقت نظراتهم فوق وجه عاصم المبتسم بإنتصار.. متفاجئين من وجوده.. ارتبكت إسراء وقد سُلطت نظرات عاصم عليها بإشتياق مفضوح..
نهض جلال قائلًا (عايز أشوف براء)
أقترب عاصم يساعده علي السير، يمسك بذراعه مما جعل إسراء الواقفه تغادر الحجرة بسرعة وخلفها والدها الذي لم يرحب بعاصم ولا وجوده، تكدر عاصم وغامت ملامحه بالآسى فشعر بأنامل جلال تمسك بمعصمه في مساندة امتن لها قلب عاصم المتخبط.
(سلامتك)
(تعبت نفسك وجيت ليه)
أوقفه عاصم يهبره بصدق (مينفعش أعرف بتعبك ومجيش)
(مين قالك..؟)
ابتلع عاصم ريقه يخبره بإضطراب (قلقت عليك فكلمت براء وبلغتني)
اقتنع جلال بكذبته، وسار مستندًا عليه حتي وصل إليه وقد تركت الحجرة وسارت هي الآخري متوجهة إليه، قابلتها إسراء بوجه لايبشر بخير، غاضبة تسكن نظراتها الآف اللعنات تخطتها مكمله سيرها للخارج حيث يجلس والدها وقد اختار الإنفراد بنفسه
رغم طيبته ورزانته لا يستطيع التغافل عما حدث لابنته وما عانته، تدمرت نفسيتها بسبب عاصم ووالدته.. طفلته التي رباها ألا تهتم، تخجل الآن من مرضها وتتوارى بإستحياء وكأن الأمر صنيعة يدها...
تركه عاصم منسحبًا حين التقى ببراء في منتصف الطريق، رأته بإبتسامته الحنون أدركت أنها اشتاقته وأفتقدته بشده.. تأملها بملامح متعبة ونظرات زائعة، خانه جسده مرة فاستند علي حافة كرسي قريب.. أشار لها قلِقًا من بكائها فأقتربت ببطء جعل صبره ينفذ، فألتهم هو الخطوة وجذبها إليه..يضمها لصدره بقوة مُنفسًا عن إشتياقه، أحاطه بما يمتلك من قوة وفعلت هي المثل مما آثار تعجبه منها.. ليبعدها متسائلًا (بتعيطي ليه.؟)
بماذا تخبره أنها نادمة.؟ أنها تركته وذهب لبراثن مروان وكاد أن يأكلها لولا عاصم... أنها تجاهلت كل هذا الحب وغادرت.. رفعت نظراتها تحاول إخباره (أنا آسفة.....
عقد جبينه مندهشًا أسفها ليقطع حديثهما عاصم بحمحمته (جلال اقعد ارتاح شوية)
لبى جلال.. لكن سحبها معه لتجلس ليعترض عاصم بمزاح (سيبها تعملي شاي وتعالى)
تركها جلال مُرغمًا جلس بجانب أخيه بينما ذهبت هي، ليمسك عاصم هاتفه ويحذرها (متحكيش لجلال حاجه محدش فينا هيقوله مشيتي.. أرجوكي مش عايز أخويا يتعب تاني)
قرأتها بتنهيدة عميقة، يضايقها أنها تحبس عنه ما حدث، يتأجج صدرها من الكتمان، تريد أن تحكي له وتخبره أنها عادت تلك المرة نفسها ولأجله.
خرج عاصم بعدما نال ما أراده من تحذير لبراء، استجمع شجاعته المفقودة متجهًا حيث تجلس إسراء ووالدها.. وقف يستأذن والدها الذي تغيرت ملامحه حين رآه (ممكن اتكلم مع إسراء..؟)
نظرت إسراء لوالدها مهتزة، لكنها ليست متفاجئة تتوسله ألا يتركها لكنه شجعها بنظراته وطمأنها ثم وقف يخبر عاصم بحدة (تمام بس إياك تزعلها)
أكد عاصم بنبرة مختنقة (متقلقش)
رماه عباس بنظرة قاسية ثم انسحب تاركًا لهما، فهو يعلم أن تلك المواجهة ستأتي يومًا منذ أن افترقا، أشاحت إسراء مرتبكة ترفع كفها المرتعشة تتحسس سماعة أذنها بقلق تذكر نفسها وقلبها بجرحها منها، لمسه هو وأشفق عليها في ألم، جاورها علي الأرض وهو يخبرها بصدق (وحشتيني)
عينان محتجزتان خلف حائط صلد من الدموع رمقته بهما في إحتقار امتزاج بعدم تصديقها ليتجاهله هامسًا (أنا آسف..؟)
سمحت لدموعها أن تنهمر، بكت بحرقة وكأنه أعطاها الآذن حين انتهت هتفت به (ببساطة كدة)
عيناه الدامعه أهدتها نظرة متصدعة بالحزن (حقك عليا)
رفعت كفها تتحسس سماعات أذنها قبل أن تصرخ به في وجع (إنت عارف عملت إيه.؟)
أخبرته بنبرة متعبة مشروخة بالبكاء (إنت خليتني أكره نفسي كل ساعه وكل يوم)
حاول التبرير لكنه فشل أمام إنهيارها (أنا...
(إنت اتخليت عني، سبتني)
حاول الإقتراب منها لكنها ابتعدت نافرة تذكره (سبتها تعايرني، تقولي إني معاقة... زرعت جواك إني ناقصة)
همس بصدق (أنا بحبك)
توجعت بآه (الي يحب يشوف حبيبه كامل يشوف عيوبه مميزات، أنا محبتش نفسي وأنا معاك بالعكس كرهتها)
تأسف بتوسل حار (سامحيني أنا آسف)
نهضت قائمة تخبرة بتشفي (أنا مش هسامحك عمري)
اندفعت مغادرة منهية الحوار، يعلم أن طريقه معها صعب وطويل وهو يستحق..
رمقه عباس بحدة وهو يأخذ بيد فتاته ويدخلها في حماية جعلت عاصم يظل مكانه وحيدًا منشغلًا بالذكريات.
عاد جلال بعد أن غادر المنزل للإقامة مع زوج خالته وابنتها ليعود بعدها متقربًا منه ورويدًا رويدًا أدخله تلك العائلة الصغيرة الهادئة، لتبدأ قصة حبه مع إسراء الفتاة الهادئة الجميلة تبدلت حياته وبارك جلال تلك العلاقة متمنيًا أن ينتشله من والدته ويبعده عنها.. حتى علمت أنوار، حينها أعلنت الحرب علي جلال وزوج خالته لكنه صمم علي وجود إسراء بحياته وانتهج الضغط علي والدته بكل الطرق حتي رضخت لكن لم تسلم إسراء من مكرها ولم تكف أنوار عن بخ سمومها في أذنه..
ضيقت علي الفتاة حياتها نعتتها بالمعاقة وذلك لأنه أخبرها أن إسراء ترتدي السماعات ولا تسمع بدونها، لم تترك فرصة إلا واشعرته بفداحة هذا المرض ونقصها..وأسمعت إسراء مصمصات مشفقة وتوبيخ حاد ومعايرة.. حتى انتهى الأمر ولم يستطع الصد عنها
فهربت هي وأبيها بعيدًا عن ضغطهما، بعدما أخبرته أنها تكرهه...
ضَعُفَ يعلم، تنازل وتركها كما ترك حياته لوالدته تدريها يعلم أيضاً لكن يريدها أن تسامحه حتى يسامح نفسه.
*******
اعتلى درجات السلّم متعبًا بعد سفر طويل، زاحم التعب شعور بالاشتياق لها فوقف أمام باب حجرته ينازع رغبة تملكته بالطرق علي بابها وإيقاظها متحججًا بأي شيء، لكن سرعان ما قتل تلك الرغبة ودخل لحجرته منتظرًا الصباح ورؤيتها، وضع عباءته التي كانت علي كتفيه تقيه برودة ذلك الوقت علي مشذب جانبي وبعدها أضاء الحجرة ليبدل ملابسه والذهاب للنوم، استدار يجلس على فِراشه ليخلع نعليه.. لتتسع عيناه دهشةً ويتوقف لدقائق مستوعبًا مايراه أمامه ويتسنى له رؤية تلك المنكمشة داخل سريره، توقفت الكلمات في حلقة وتخبطت مابين أن يتركها ويرحل أو يوقظها موبخًا بقسوة علي تلك الفعلة.. مما جعله متحيرًا في أمره، عاجزًا عن فعل شيء ولا يستطيع أن ينتزع عينيه منها ولا التوقف عن تأملها.. تنام بإسدالها وذلك حمدالله عليه سرًا.. لكنها لم ترحمه وتخلت عن غطاء رأسها تاركةً خصلاتها الطويلة تتناثر حولها.. تململت وأستوعب هو..
نهضت منتفضة ما إن أبصرته واقفًا يعطيها ظهره.. جف حلقها غير متوقعة وجوده ولا اسعفتها الكلمات لتعتذر.
(نايمة هنا ليه..؟)
نبرته تزيت بالقسوة والحدة، لتخطو محتضنة مصحفها تبحث عن مبرر لفعلتها لكنها لم تجد علي لسانها سوى الحقيقة (مكانش جايني نوم وووو.
أعطاها وجهه مضيقًا عينيه في انتظار، لم يمنع نفسه لحظة أن ينبهر بطول خصلاتها ونعومتها، يشبه شعر والدتها الذي لطالما انبهر به وهو صغير.. بقيت هي تتململ في وقفتها منتظرة كلماته وعفوه
أخفض نظراته بإحباط متسائلًا (وووايه.. في مشكلة فأوضتك يعني)
مطت شفتيها تخبره بإستياء لعدم فهمه (لا)
ليأتيها قراره قاسيًا كما نظراته (تمام متكرريهاش)
يده أشارت لها بالخروج، فأطاعت والدموع تتجمع في مقلتيها إحراجًا وحزنًا من قسوته.. ليوقفها بسؤال (إنتِ بتطلعي كده من أوضتك.؟)
لم تفهم ماذا يعني.؟ تطلعت لنفسها بإندهاش مستنكرة لتقول بعدها (اه)
صرخ عليها دون مبرر تفهمه (نعم..)
استدارت برأسها مندهشة ليخبرها بجفاء وتحذير (إنتِ مش عايشة لوحدك هنا)
استفهمت بحدة جاهدت لتحرج طفيفة مراعية (هو أنا مالي يعني)
أشار لخصلتها التي خلبت لبه (من غير حجاب.؟)
تنبهت، أعطته مصحفها متزمتة وبدأت في لملمة خصلاتها أمامه بخجل ثم أكملت مداراتهم بحجابها المتساقط علي كتفيها.. حين انتهت أهدته نظرة بائسة متناولة مصحفها وهي تهمس (كده تمام)
رمقها بحاجب مرفوع وهو يخبرها بإقتضاب (تمام)ثم أخبرها بحسم (هنروح ونطلع ورق علشان تقدمي للجامعة)
(مش عايزه)
(مش بمزاجك دا قرار مفيهوش نقاش، بعد ماتخلصي جامعتك ليكِ حريتك)
استفسرت بحزن ومازالت تحتضن مصحفها (حريتي من إيه بالضبط يا حضرة الضابط.؟ )
جلس يخلع نعليه هاتفًا بسخرية لاذعة (إنتِ فاهمة)
هزت رأسها بثبات متفهمة تريد الهرب (تمام الي تشوفه )
فتحت الباب وغادرت الحجرة مغلقة بابها بعنف وغضب لا يساوى ذرة واحدة مما تشعر به الآن، حرائق مشتعلة بصدرها... لاتنطفيء.
في الصباح تلكأت في النزول ريثما يتناول هو فطوره ويغادر خاصة أنها اليوم صائمة وبميزاجية سيئة لاتتحمل بعد ليلة الأمس.
طرقات علي الباب جعلتها تعتدل لتنهض متجهة لفتح الباب، قابلتها الحاجه بوجه باسم وسؤال عاتب(منزلتيش ليه...؟)
ثم تفحصتها بأعين مهتمة (فيكِ حاجه..؟)
ابتسمت جميلة ممتنة لرفق وحنان السيدة (لا أنا بخير بس صايمة انهردا)
(تقبل الله) قالتها السيدة ثم أخبرتها بعتاب (يوسف سأل عليكي)
بسمة مريرة لونت شفتيها لتهمس بدموع محتجزة (سألت عليه العافية)
استشعرت السيدة بفطنتها بأن شيئًا ما قد حدث بينهما لتربت علي جميلة داعية (ربنا يريح بالكم)
أممت جميلة خلفها لتقول السيدة ببعض الارتباك (تهاني تحت وعايزه تشوفك أطلعها.؟)
تنهدت جميلة بآسى قبل أن تأذن بتوعد فبينهما حديث طويل(خليها تطلع)
هزت السيدة رأسها رغم خوفها علي جميلة وضيقها من وجود تهاني هنا، تخشى شرها علي ابنها وجميلة.
هبطت السيدة تخبرها بأن جميلة تعاني من وعكة صحية ولا تستطيع النزول ويمكنها أن تصعد هي لها..
استقبلتها جميلة بصمت وترقب لتلك الزيارة خاصة أنها لم تأت للمباركة، تركتها تتجول في الحجرة بعينين ممتلئتان بالحسد والحقد.
(ازيك يا جميلة..؟)
(ازيك يا تهاني)
تجلس مكانها دون حركة أو رد فعل منتظرة أن تدلي تهاني بدلوها
(يوسف جه عندي وقالي أجي من وقت للتاني أطمن عليكي ومسيبكش)
رغم دهشتها لكنها همست بإنكسار (فيه الخير)
جاورتها تهاني في الجلسة تتأملها قائلة (قولت أجي اطمن واسألك عملتي إيه في الي وعدتيني بيه.؟)
رمقتها شذرًا بإزدراء وهي تسألها بوجع (الأول قوليلي يا تهاني إنتِ قولتي ليوسف ايه عني تاني)
تململت تهاني في جلستها تخبرها بإرتباك (مقولتش حاجه بس الي عرفتيه)
سألتها جميلة (متأكدة.؟)
نهضت تهاني تدور بالحجرة مخبئة ارتباكها ونظراتها المهتزة (ايوه)
أخبرتها جميلة بمرارة (الي أنا حساه مش كده)
(يعني إيه..؟)
أجابتها جميلة بمرارة صبغت كلماتها وأردتها مورد الهلاك (يوسف..
علي ذكر اسمه جاء ليطمئن عليها ويسألها إن كانت تحتاج شيئًا والنقاش في أمر جامعتها
تردد قليلًا قبل أن يقترب من الباب عازمًا علي رؤيتها، لتصله كلماتها المتألمة رغًما عنهقطعت كلماتها متنهدة بالعة وجعها لاتريد مشاركته مع تهاني لتقول بلوعة (الله يسامحك بنيتي بيني وبينه سور)
مصمصت تهاني معترضة (ما خلاص اتجوزتيه ايه تاني)
صرخت بها جميلة موبخة مظهرة سوء نوايا تهاني وحقدها (عملتي كده ليه شككتيه فيا..؟ مكفكيش الورقة..)
صرخت بها تهاني منفعلة (هيفرق بإيه دلوقت..؟)
(يا بجاحتك، هيفرق معايا أنا وإنتِ عارفة.. أنا الي عيني مشافتش إلا هو وقلبي الي مطلبش غيره وهو دلوقت شاكك فيا..)
مصمصت تهاني منزعجة متأففة من كلمات أختها لتقول بحسم (بقولك ايه يا جميلة أنا قولتلك علشان البيت وإنتِ وعدتيني خلاص كده)
ارتجف قلبه بين ضلوعه يتخبط مما سمعه، وإعترافها بما تكنه له وتخبئه وأخرجته الآن،
فرك جبهته بإرتباك غير مصدق لما سمعه.
انتهى