❤️الأربعون❤️

3.6K 120 2
                                    

الأربعون..

لم أعلم بحضورك إلا...
عندما اضطربت نبضات قلبي
وسمعت صوت كقرع الطبول
من أيسر صدرك.
                          سمر الجيزاوي
بحث في أروقة المشفى بصبر يسأل عنها كل من يقابله حتى أخبروه بوجودها في إحدى الغرف..لم يستغرق الأمر كثيرًا ولا تردد للحظة في الذهاب إليها والإطمئنان عليها هو خير من يعرفها ستبكي وتنزعل مؤنبة نفسها وهو لا يريد ذلك، يحق لأخته وأمه الصغرى أن تفعل ما تشاء وتتفوه بما تريد دون ذرة شك واحدة في نواياها. وإن ظلت غصة ماضية عالقة لايهم، هما منه وليس لهم بعد الله سواه.
دموعها عنده تساوي الكثير ولا يقدر على رؤيتها أو تركها لتجلد ذاتها
طرق الباب منتظرًا إذنها الذي لم يتأخر كثيرًا، فتح الباب بقدمه شاكرًا تركها له مواربًا ،تأمل جلوسها أمام النافذة تحتضن ركبتيها في إنكماش تنظر بغير هدى للمارة، لمح أناملها ترتفع لتمسح حبات من الدموع مسترسلة على وجهها..فتقدم مبتسمًا بحنو مُتجهًا إليها يحمل كوبين من القهوة المفضلة لها،وقف على مقربة قائلًا ومازالت هي لا تهتم بمن دخل ولا تعيره انتباهًا منشغلة بأفكارها الخاصة
(قولت أكيد عايزه تشربي قهوة دلوقت)
حين وصلها صوته قفزت من جلستها تردد اسمه بلهفة (جلال) عانقته مدفوعة بشوقها له وإعتذارها المؤجل، بينما ظل هو يمسك بكوبي القهوة منتظرًا أن تنتهي(طيب القهوة)
إبتعدت تتأمله قائلة (كنت فين.؟)
أعطاها كوبها قائلًا وهو يجلس (بتمشى شوية)
أمسكت كوب القهوة متذكرة بخجل كلماتها له، جلست بجانبه صامته مخنوقة العبرات ليبتسم لها هامسًا بحنو يزيل عن قلبها ألمه بدفء عاطفته ورقة قلبه (أنا مش زعلان..)رفعت نظراتها الغائمة بسحابات الدموع تسأله على إستحياء (بجد)
أشار بحاجبه لها وإبتسامة متألقة تتراقص على ملامحه المجهدة (لا بحق وحقيقي.. ثم نهض متجوّلًا في الحجرة وهو يقول(عارفك إنك بتسحي دموع قولت أجي أقعد معاكي شوية)
تركت كوب القهوة وتقدمت تحتضنه بعدما تركه هو جانبًا وادلها عناقها وهو يربت على ظهرها مُهدئًا (خلاص  يا إيسو أنا مش زعلان)
انتحبت وهي تطلق إعتذاراتها بسخاء من بين تهدجات بكائها المرير وإنهيارها الذي آلمه (أنا آسفة والله أنا خايفه عليك.. أنا ماليش غيرك)
همس بصوت متألم مخنوق بغصة بكاء (أنا آسف تعبتك كتير معايا)
إبتعدت تهمس برجاء أشبه بهذيان (بالله عليك يا جلال ما تقول كدا و تزعل مني)
مسح دموعها بكفيه هامسًا (مش زعلان أنا فاهم ومقدر) نظرت للأرض تستجمع كلماتها قبل أن تعاود البكاء وهي تتأمله (والله ما كنت أقصد)
أحاط وجهها هامسًا بإبتسامة غلبت وجعه (عارف دا أنا مربيكِ يا إيسو.. إهدي كدا وكفاية دراما)
جلسا متجاورين يرتشفان القهوة من وقت لآخر تطالعه إسراء بنظرات تطلق زخات الآسف والندم فضربها بخفه على رأسها معاتبًا بحاجبين منعقدين (خلاص بقا)
عادت إليها ابتسامتها من جديد ممتنة له ولصفاء قلبه ومودته، شاركته بعض الثرثرات التافهة، استمع لها بصبر غير متزمت او منزعج بل يشاركها أحيانا كما يفعل دائما.
ضمدت جروحه وكدماته من جديد وأعطته بعض المسكنات التي طلبها ثم غادرا سويًا للبيت..
حين ولجت قدماه للشقة تحلى بالصمت منتظرًا، يكتفي بهزة رأس لإسراء عن عمد حابسًا صوته، ليرى هل سيأتي بها قلبها أم لا.. وضع كفوفه داخل جيوب بنطاله يعدّ بحماس وترقب وعيناه لاتفقدان أثرها ١٢٣..كانت هي تفتح مُطلة من باب حجرتها، عزف قلبها نغمة خاصة فتبعتها مستمعة ما تمليه عليها لتجده في النهاية أمامها، لا يبتسم لكن عيناه تفعل.. مترقبًا بصبر.. لكن أنفاسه ثائرة ملهوفة تسبقه إليها وتعانقها في إشتياق، إستأذنت إسراء منهما لتأتي بوالدها من المقهى القريب بينما ظل هو مكانه دقائق معدودة تبادلا فيها العتاب والآسف ليترك كل شيء خلف ظهره مدفوعًا بعاطفته المشتعلة تجاهها يضمها بقوة، يعتصر جسدها بين ذراعيه هامسًا بلوعة (هو إنتِ فاكره نفسك تقدري تبعدي تاني)
بادلتها إشتياقه هامسة بتأكيد (لا مقدرش عارفه)
إبتعدت تخبره بشغف، نظراتها تلتهم ملامحه بحب( أنا اتحرمت من كل حاجه فحياتي.. مش عايزه اتحرم منك)
صوتها تهدج بالبكاء ليأخذها بين ذراعيه برفق قائلًا(مفيش حاجه هتحصل متقلقيش)
أبعدت وجهها تتفحصه قائلة (أكلت.؟ خدت علاج.؟ كنت فين.؟) تنهد قائلًا (أكلت وإسراء ادتني علاج وكله تمام)
أخبرها بإبتسامة وهو يربت على خصلاتها (عباس هيجي وهيسمعني كلمتين، هتقعدي فأوضتك لغاية ما يخلّص وبعدين هجيلك تمام)
زوت ما بين حاجبيها في إعتراض لم تنطقه ليهتف بجدية وتحذير (براءة)
أومأت بطاعة (حاضر) أدخلها الحجرة لتستقر على فراشها جالسة وهو أمامها على ركبتيه، سألها وعيناه تنظران لموضع جرحها(الجرح كويس.؟)
هزت رأسها بتأكيد قبل أن يخبرها بطمأنينه(اسراء شاطرة)..
دخول عباس وإسراء جعله ينهض من جلسته ويقبّل مقدمة رأسها بحنو ثم يندفع متنهدًا يستقبل ما سيناله بترحاب.
تبادل النظرات مع عباس قبل أن يطلب من إسراء وعيناه لا تبرحان وجه جلال المرتبك (اعمليلنا قهوة يا إسراء)
حك جلال أذنه تلك الحركة الملازمة له حين يرتبك بشدة وتشوب عواطفه شيئًا من خجل
ابتلع ريقه وتبع عباس الذي أشار بعصاه للحجرة بنظرة غامضة، تحشرجت أنفاس عباس بسعال جعل جلال يندفع ناحيته بلهفة يسنده ويمسّد صدره بحنو ونظراته تجوب وجه عباس بقلق.. هدأ قليلًا يلتقط أنفاس متسارعه.. همس عباس بجدية وهو يحدج جلال بطرف عينيه (كنت فين.؟)
تلعثم جلال واضطرب من نظرات عباس، تنفس ببطء قبل أن يقول بحذر(كنت فالبيت  مع عاصم)
هتف عباس بجدية وهو ينحني ليخلع نعليه لكن يد جلال كانت الأسرع والأخف، ساعده ليخلعها عنه ويتمدد فاردًا ظهره( استأذنتني قبل ما تمشي.؟)
أجاب جلال بآسف كتلميذ معاقب (لا)
دخلت إسراء بالقهوة بعدما استأذنت ليقول عباس برزانة اختلطت بحدته وهو ينظر لهما بغضب (لما أموت هتعملوا إيه.؟)
هتف جلال بغصة وعيناه تحيطان عباس بعناية وإمتنان(بعيد الشر عنك، العمر الطويل ليك)
حذرهما بغضب وهو يحتويهما بنظرة طويلة تجلّى فيها العمر بنكباته وانتصاراته..رمقهما كأنهما أغنى وأثمن ما امتلك يومًا (متتكررش) تحذيره كان شديد اللهجة
لفظا بالطاعة في احترام وتوقير (حاضر)
سرّب إسراء للخارج بإشارة صامته من يده فخرجت علي الفور بينما أشار لجلال أن يجلس بجانبه ففعل، نظر لعينيه قائلًا (قلبك فيه حاجه.؟ ) فِهم جلال سؤاله فابتسم هازًا رأسه مؤكدًا (ولا عمرها هتكون)
أوضح عباس بنبرة متأثرة (من يوم ما جيت هنا وأنا شايفك ابني ليك حق عليَّ زي ما ليا حق عليك) انحنى جلال يقبل ظاهر كفه معبرًا بإمتنان (ربنا يباركلنا فعمرك)
(أوعى تزعل من إسراء ولا تشيل منها متضيعش عمري هدر يا ابني دي ملهاش غيركم والدنيا جات عليها) قالها بتوسل وتحشرج جعل جلال يقترب مُقبلًا رأسه قائلًا بصفاء (لا محصلش حاجه خلاص)
أكد عباس بنبرة عميقة (هنا بيتك وأنا فضهرك فالي تختاره.. ماهو أنا مربتكش غلط يا ابني أنا ربيتك عالصح)
التمعت عيناه بالدموع التي لا يراها سوى عباس ومؤخرًا براءة، ليشير عباس لساقيه بتأفف وعبوس ابتسم له جلال (اتنيل دلكلي رجلي الله يقرفكم)
اتسعت ابتسامة جلال وهو يقترب مدلكًا ركبتيه لكن عباس أوقفه بإستياء قائلًا (روح لمراتك والله ما إنت نافع فحاجه)
خطا جلال خطوتين ناحية الباب ليتوقف ويستدير مُحدجًا عباس بمودة حقيقية وشكر لم ينطقه لسانه ليخرج بعدها طالبًا من إسراء الاتصال بمالك ليأتي بزوجته ليسهروا جميعًا، رحبت إسراء بالفكرة مستعيدة حماسها وحيويتها، ممتنة لقلب جلال، مُحبةً لطيبته.
داخل الحجرة كان يسأل براءة المتوترة (محتاجه حاجه.؟) بللت شفتيها هامسة بخجل (كنت محتاجه إسراء تساعدني فحاجه)
اقترب منها مُلبيًا لملم خصلاتها بحنو (قوليلي وأنا أساعدك لو أقدر) رمقته بنظرة غامضة قبل أن ترفض بإستياء (لا)
ضيّق عينيه على وجهها المتورد بحياء قبل أن يقول(عامة لو الي فهمته فأنا للآسف مش هقدر) نظرت إليه بإستفهام ليقول بشقاوة بينما يحك رأسه (أنا لاااا للآسف، علشان كدا نادي إسراء) عضت شفتيها بخجل وهي تهمس لتردعه(جلال)
نهض عازمًا علي تركها يخبرها بجدية (هنادي إسراء تساعدك فالي عيزاه)
خرج وتركها لينادي إسراء طالبًا منها مساعدتها فيما تحتاجه، مبتسمًا لأفكاره التي اتخذت منحنى آخر منذ عدة أيام، واحتياجه المُلحّ للإقتراب منها والإكتمال بها.. بعدما اكتمل حبها له أخيرًا.. وهو انتظر تلك اللحظة كثيرًا خبأ مشاعره ولهفته خلف واجهة أب مراعي مهتم لينال قلبها وبعدها يبدأ فصلًا آخر من حبهما.
*************
بعد مرور ساعات بحجرتهما
نائمة فوق ذراعه الأيسر بينما ذراعه اليمنى تتولى تطويقها وضمها لصدره، ظهرها مقابل صدره، ملّس جلال على خصلاتها بحنو، وهو يسألها (منمتيش ليه.؟) أمسكت بكفه المستقرة فوق معدتها هامسة وهي تعتصر عينيها رغبةً في السيطرة وإبتلاع الألم (الجرح تاعبني جدًا ياجلال) نهض من استرخائه، يدير جسدها ناحيته برفق قائلًا(مقولتيش ليه.؟)
أسبلت جفنيها تقول بأنفاس خرجت ثقيلة من مكمنها(عارفه إنك تعبان مش عايزه اقلقك) رفع خصلاتها عن وجهها معاتبًا( كان لازم تصحيني، هقوم أجهزلك إبرة مسكن)
تململت بضيق والألم ينتشر ليلتهم جسدها.. لا تملك راحة في نومةً معينه فتنامها.. الإنكماش يؤلمها وفرد جسدها يؤلمها فتتلوى  تناول الدواء وشرع في تجهيز الإبرة، ونظراته تركض إليها من وقتٍ لآخر حتى انتهى وإقترب منها ليفرغ محتواها في الجهاز  الموضوع بظاهر كفها..
سحبها لتستقر بأحضانها يربت فوق خصلاتها بحنو ورقة، يتمتم ببعض الآيات القرآنية لتنتشر السكينة بصدرها وتهدأ ثورة أنفاسها
ارتخى جسدها المتصلب فسألها (بقيتي أحسن..؟) أجابته بتأكيد (آه الحمدلله)
تأفف معاتبًا وهو يقرص أنفها (مش تسيبيني أخدها أنا الضربة يا بنت)
أجابته ببساطة دون النظر لوجهه (وقتها كنت هتعب أكتر) هتف بعاطفة صادقة (بس أنا كدا تعبان أكتر بكتير )
(هو إنت ممكن تبعد وتسيبني) سألته بإضطراب وقلق تراقص على ملامحها، ليطمئنها بمشاكسة رقيقة (دا فأحلامك.. لكن خليني أسألك مش يمكن إنتِ تعمليها.؟)
فرقت بين جفنيها واعتدلت قليلًا، ترفع رأسها لتواجهه بإبتسامة رقيقة (لا)
زوى ما بين حاجبيه يطلب توضيحًا (ليه)
رفعت كفها لخده الأيمن تعانقه بدفء وهي تهمس بتغريدات قلبها الصب أمام عينيه (أنا حاسة إني كنت بحبك من زمان مش دلوقت بس، وكأنك نصي التاني الي كان تايه عني ولما لقيته اكتملت بيه وظهر الحب فمتشكش في ارتباطي بيك ولا تستهونه، يا جلجل)
مسد شفتيها بإبهامه هامسة بتوق شديد (طب أنا أحاسب على الكلام الحلو دا ولا جلجل الي في الآخر)
ضيقت عينيها قائلة بمرح وهي تبعد كفه (لا تنام علشان ترتاح)
استنكر بإمتعاض (بالله هو بعد كلامك دا في نوم)
هزت رأسها بتأكيد وهي تقرص خده بمشاكسة (أيوه في نوم ياجلجل)
أشارلها وهو يجذبها برفق لتستقر رأسها على صدره محاطة بذراعيه (تعالي يلا مكانك)
إلتصقت به في حماس ورغبة الإستكانه بين ضلوعه تُقبل دقات قلبه مسامعها.
********
بمنزل مالك
اتجه للحجرة يسأل عنها صغيرتها التي تعلقت بأحضانه (ماما فين.؟) رفعت حنان رأسها تخبره بوهن (أنا هنا يا مالك)
وضع الصغيرة جانبًا وانحنى يطبع قبلة على مقدمة رأسها متسائلًا(ايه الكسل دا يا بطل) ألقت رأسها على الوسادة تخبره بإنهاك (شكلي هاخد دور برد)
حركها من نومتها مُحمسًا لها (قومي يلا جايبلك أكل)
نهضت بتثاقل، أقتربت تحيط عنقه بدلال قائلة(الزوج الحين رزق والله)
فركت جبهتها بعينين ناعستين ليحيط خصرها ويرفعها من فوق الفِراش ببطء ثم يضع أقدامها على الأرض قائلًا (طيب يلا)
سحبها خلفه للصالة الواسعة حيث مكانهما المفضل أمام التلفاز فوق الآريكة الواسعة التي تحتويهما وتشاركهما اللحظات حلوها ومرها، أبدل ملابسه بآخرى بيتيه مريحة.. ثم رص أطباق الطعام وجهز العشاء ومازالت هي منكمشة تعاني ألآم مبرحة بكامل جسدها وأنفها محمر بشدة، سحبها لتجاوره والصغيرة أمامهما تصفق بحماس للطعام الشهي..
فتحت حنان عينيها تتأمل الطعام وهي تقول بصدق رغم وهن نبرتها (أول مرة فحياتي حد يجهزلي الأكل والله)
فرد ذراعه خلف كتفيها وضمها قائلًا بود (وأكلك كمان يا بطل)
أراحت رأسها الثقيل على كتفه وتناول هو مهمة إطعامها هي وصغيرتها والثرثرة  التي لا تخلو من مزحاته المحببة.
سألته بدهشة وقد بدت أنها تهذي (هي علا سابت الدلع دا إزاي.؟ )
هتف بجدية وهو يطعم الصغيرة بفمها (فاكرة علا كانت بتتدلع كدا، دا كانت بتاخد فوق دماغها)
(ليه.؟) سألت متعجبة من كلماته شديدة الجدية، ليجاوبها ببساطة منمقة بإبتسامته الدافئة (علشان أنا محبتش علا)
زوت ما بين حاجبيها بتفكير، ليؤكد بصدق (أيوه الي فهمتيه صح)
ابتسمت هامسة بتنهيدة (كل حاجه عندك بسيطة)
أكد وهو يناولها الطعام بفمها في دلال(هي بسيطة فعلا بس إنتِ الي مصعباها)
لملم الأطباق ونظّف المكان بعدما أعدّ لهما عصيرًا طبيعيًا طازجًا، ثم جاء به ليضعه علي الطاولة الصغيرة وجاورهما في الآريكة متدثرين بغطاء خفيف يقيهم برودة التكييف التي تشتد من وقتٍ لآخر.
(هو أحمد رجّع عبير يا مالك.؟) قالتها وهي تضع رأسها على كتفه ليقول بتأكيد (لا)
سألته بتردد (متعرفش ناوي على إيه.؟)
أخبرها بجدية وهو يمسك بهاتفه يقلّب فيه بإهتمام(أحمد راح شغل في السعودية ولما يرجع تكون اتأدبت ويرجعها)
رفعت رأسها تسأله ونظراتها تهرب لهاتفه(بتكلم مين.؟)
رفع حاجبه مُفكرًا قبل أن يخبرها بترقب (مس بتاعة كنزي) انتفضت متحفزة تسأله بحدة (بتكلمها ليه.؟)
تردد بإضطراب ثم أجابها بصدق (هي الي كتبت) زحفت بجسدها قليلًا تلتقطه من بين أناملها مقررة تأديبها.، سألها بحاجبين منعقدين (هتعملي إيه.؟)
دفعته برسغها في بطنه محذرة (خليك بعيد)
ثم نظرت للمحادثة بإهتمام لولا كلماته المقتضبة الجادة معها لأحالت ليلته سوادًا
(لو سمحتي لما تحتاجي حاجه ياريت تكتبيلي أنا مش مستر مالك.. المرة الجاية هعمل لحضرتك بلوك)
فغر فمه مندهشًا، قبل أن يستنكر تهورها بإمتعاض(ايه دا الي عملتيه.؟)
ضمت شفتيها بغضب قبل أن تدفعه في صدره بالهاتف صارخة (دا أقل واجب)
نهضت جالسة على ركبتيها مقررة تركه وحده والذهاب لحجرتها لكنه سحبها من ذراعها ناحيته ليسألها (دي غيرة دي.؟)
دفعت ذراعه بغضب قائلة (سميها زي ما تحب.. ثم قالت بغيظ( أنا مش علا)
انسحبت لحجرتها تاركة فتاتها وسط مكعباتها ، صفعت الباب بقوة جعلته يعض باطن شفتيه في قهر كارهًا تلك العادة ناقمًا عليها متوعدًا لها.
بعد مرور ساعتين كان مالك نائمًا وبجانبه الصغيرة بعد أن قرر تجاهلها وتركها، فجاءت مرغمة إليه أبعدت فتاتها واندست هي بينهما بعد أن جفاها النوم واحترقت بإفتقادها لأحضانه.. رفرف بشفتيه فوق جبينها بقبلة دافئة دون كلمة أو عتاب، استقبلتها ذراعيه مُرحبة كأنها تنتظرها وتفتقد دفئها، الآن يمكنها أن تنام براحة قريرة العين مرتاحة الصدر.
وهو واصل نومه بهدوء دون مشاغبة أو مزحة ثقيلة قد تبعدها عنه، ناسيًا ما حدث إلا أنها الآن بجانبه.
****
أخبره عاصم أن والدته تستغيث به من بطش مروان، تريده ليأتي ويفك أسرها ويعطيه أموال أُخته التي طلبها.. نهاه جلال عن الذهاب وأمره أن يتركهما ليقتلان بعضهما لكنه رفض وإمتنع في غضب ، طلب جلال منه عدم الذهاب وحده وأمره أن ينتظره حتى يصل قبله ويمكث بالقرب منه حتى إذا ما إحتاجه لبى بسرعة، ذهب جلال ومكث غير بعيد حتى يأس من مجيء عاصم، هاتفه ليطمئن لكنه تفاجيء بهاتفه مغلق، قرر الصعود وتفقده وسؤال أمه عنه..
صدره ينقبض بضيق غريب مفاجيء، جعله يتوقف عدة مرات غير قادر على الصعود والمواصلة... لكن قلقه وخوفه على عاصم دفعه لأن يفعل.. وصل للشقة فوجد بابها مفتوح على غير العادة.. تقدّم يتفحصها بنظراته شاعرًا بالخطر، قبل أن يمرق للداخل
وقعت نظراته على جسد أنوار مُلقى بإهمال وحولها بركة من الدماء الفائرة التي لا تتوقف عن الإندفاع من رأسها..
اندفع ناحيتها يرفع رأسها مصعوقًا برؤيتها شاخصة البصر تحدق فيه بذهول وإستنجاد غير قادرة على النطق تشير بذراعها ناحية الباب..
إرتجف متخبطًا في صدمته لا يعرف ما يجب عليه فعله.. انتفض حين وصله صوت مروة الصارخ من خلفه وقد جاءت من الخارج للتو (عمتي.. قتلتها)
ترك جلال جسد أنوار المتراخي واستدار يردد بذهول وعيناه تتفحصان كفاه المخضبتان بالدماء مغمغمًا بهذيان (قتلتها..!)
لم تدم صدمته سريعًا،  تجمع سكان البناية القليلين حول الباب تتأرجح نظراتهم ما بين الصدمة والإشفاق.. بينما مروة لا تتوقف عن نحيب الثكلى ونعته بالقاتل
كيف مرت الدقائق لا يعرف.. وماذا حدث بالضبط لا يتذكر.. أفاق على وجوده بقسم الشرطة يتم استجوابه والجميع حوله ينددون بفعلته الشنعاء، يطالبون بالعدالة.. تتهمه مروة مرة بالتهجم عليهم ومرة بجريمة قتل زوجة أبيه لأغراض دنيئة وهو وسط كل ذلك صامت متحامل لا يتفوه إلا بقليل من زاد الكلمات المختصرة حتي أودعوه في زنزانه باردة مظلمة منتظرين أن يُفتى في أمره.
*******
بعد مرور يومان
تململت في إنزاعاج، تضرب رأسها في الوسادة في قهر قبل أن تنتفض فزعة صارخة بإسمه (جلال) استيقظت إسراء تشاركها فزعها، تربت على كتفها هامسة وكفها تمتد لتمسح حبات العرق عن جبينها البارد (براءة)
تفحصت براءة الحجرة بدقة كأنها ستعثر عليه في زواياها، ثم التفتت لإسراء تحملق فيها متسائلة (جلال فين.؟)
أخبرتها إسراء بإشفاق (دا كابوس أكيد متخافيش) شردت براءة تكرر تفاصيل الكابوس على عقلها لتهتف بصوت متهدج (جلال مش كويس يا إسراء)
ربتت إسراء على ظهرها في حنو هامسة (اهدي دا كابوس)
لملمت ركبتيها لصدرها وأحاطتهما بذراعيها قائلة (جلال فيه حاجه أنا حاسه)
تنهدت إسراء بقلة حيلة مما يحدث خاصة وأن غياب جلال طال كثيرًا ولا أحد يعرف مكانه حتى عاصم إمتنع عن الحديث وأخبرهم أنه لا يعرف عنه شيئًا، أشارت عليها إسراء (قومي اتوضي وصلي يا براءة وادعيله لو في ضيقه ربنا يفكها عليه ويرجع بخير)
هزت براءة رأسها موافقة متحمسة للفكرة التي اقترحتها إسراء علي الفور قامت لتتوضأ وتصلي داعية الله أن يرده إليها سالمًا ويربت على قلبه بلطفه.
*****
في الصباح
سحبه الشرطي لحجرة الضابط لوجود زيارة له، تعجب أول المره ودقت طبول الخوف في أعماقه.. أغمض عينيه متنهدًا براحة حينما لمح عاصم يقف متأهبًا، اندفع ناحيته يتفحصه بإهتمام، مفتشًا في جسده (إنت كويس.؟) هتف عاصم بقلق توسد نظراته (متقلقش أنا بخير)
لمح جلال جروح وجهه وذراعه المضمده ومرفوعه لصدره قائلًا (كنت فين.؟)
ابتلع عاصم ريقه قائلًا (كنت في المستشفى)
بصق جلال من بين أسنانه بسبه خصّ بها مروان، ليربت عاصم على كتفه مُهدئًا (المهم إنت) رفع جلال نظراته يخبره بصدق(أنا معملتش حاجه) ربت عاصم على ركبة جلال موضحًا (عارف، مفيش غيره الي عمل كدا)
انحني جلال للأسفل بآسف ليطمئنه عاصم (هي لسه عايشه بإذن الله تفوق وتتكلم)
توجس جلال في نفسه خيفة أن تبدل أنوار كلماتها انتقامًا منه وتتهمه بدناءة أنه من تعرض لها بالأذي لذا تلحف بالصمت المغلق في انتظار حارق لمصيره، ليخبره عاصم (أنا اتهمت مروان فمحضر رسمي وإن شاء الله يلاقوه)
تنهد جلال بعذاب ينازع رغبته في إبلاغ براءة ورؤيتها للإطمئنان عليها، لكنه يصمد بصبر خوفًا عليها.. داخله يتمزق من فرط اشتياقه لرؤيته وضمها بين ذراعيه.. لا يهمه سواها فقط، عقله لا ينشغل بسواها ماذا يفعل.؟
احتياجه لوجودها يميته أكثر من تلك الزنزانه الباردة شديدة الظُلمة سينجيه الله يعلم ذلك ويثق به.. لن يخذله لطالما كان قوته وعونه يربت برحمته على قلبه كلما قست الحياة عليه، يثق بعدله ولطفه لن يتركه لأيادي الشر تجتثه من تحت الأرض.
حذره جلال بعد أن زفر نفسًا متعثر بالسعال(متبلغش إسراء غير لو اتعقد الموضوع هما مش ناقصين)
حك عاصم أنفه يخبره بتردد(اتصلت وسألت عليك كتير وأنا بلغتها إني معرفش)
سأله بلهفة ونظرات تتوسل التكذيب (براءة كويسه.؟) اكتفى عاصم بهزة رأس غير مطمئنة فمسح جلال وجهه مستغفرًا.. ليطمئنة عاصم مرة أخرى بربتاته الحانية قائلًا (فكر فنفسك دلوقت، جبتلك أكل وسجاير خلي بالك من نفسك يا جلال)
تنهد بأسى قبل أن يغمغم بضياع(هي نفسي)
اضطر عاصم للمغادرة  بعدما عانقه بدفء ومودة، ورثى حاله بنظرات مشفقة متوجعة.
ليعود جلال لمحبسه مختنقًا، ينزوي بأحد الأركان الباردة تاركًا الطعام لزملائه في المكان وقد زهده مكتفيًا بسجائره التي مررها له عاصم، يغمغم بيأس(اعملي حاجه كويسه واحده فحياتك يا أنوار واحده بس يمكن تخليني انسى)
*********
هاتفت عبير والدة أحمد متملقة السيدة الطيبة، مُدعية أنها تطمئن على أخبارها وتبلغها برغبة طفليها في رؤية جدتهما ، واشتياقهما الشديد لها والصراخ بإسمها ليل نهار فإضطرت لمحادثتها، لكنها كاذبة أرادات معرفة أخباره والتواصل مع والدته لتلطف الأمر وتضغط عليه ليردها قبل أن تنتهي شهور عدتها، فقد سئمت السكن مع والدها قليل الصبر كثير الطلبات... وأخيها وزوجته المستغلين لها دائمًا، ضاقت شقة والدهم ما عادت تتسع  وفيتشاجرون يوميًا ببؤس
سبب لها الإختناق فقررت الإقدام على تذليل العقبات أمامها واختارت أن تبدأ بوالدته لمعرفتها أنها طيبة وقد تساعدها ولا ضرر من بعض التنازلات وإن احتاج الأمر لإعتذار لا مفر
هي لم تعد تحتمل.. أخبرتها السيدة أن زوجها خارج البلاد منقولًا من شركته لعمل هام قد يستغرق عدة أشهر..
عضت أناملها غيظًا تؤنب نفسها على تهورها، لو لم تفعل لكانت الآن معه.. اغلقت الاتصال وظلت تفكر بمن تلجأ لحل تلك المعضلة وتليين رأس أحمد والسماح لها بالعودة لشقتها ولم تجد سواهما (مالك وحنان)..ماذا ستفعل وكيف سيستقبل هذا المجنون كلماتها هل سيساعدها حقًا أم سيتفنن في تأديبها..؟
أمسكت هاتفها تحاول ببؤس محادثته وطلب الإذن بزيارتهما لأمر طاريء وليته يوافق ويرحمها من التذلل له.
#انتهى

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن