❤️السابع والاربعون❤️

2.5K 85 0
                                    

السابع والأربعون
أثقل ليلة مرّت على قلبه،طويلة ومظلمة يركض مابين شقته وتهاني والساعة المعلقة فوق الجدار، يراقب تحرك عقاربها ببطء.
كلما تحركت الدقائق ضُخ الجنون في أوردته فهام في كل مكان يناجي الله ويرجوها أن تكون بخير.. جريح ينزف قلبه وتلتهمه أفكاره..براح الكون لايسعه وهواءه لا يكفيه ليطفىء به ناره.. لم يعرف أنه أحبها بهذا القدر ولا أنها تغلغلت داخله هكذا ليجري عشقها منه مجرى الدم.. تلك الصغيرة أخذت قلبه معها حيث كانت وتركته يعاني.
تلحف بالقوة ومرغه الجنون في رماد ثباته المحروق وهو يمسك بتهاني قائلًا(أزاي متعرفيش مكانها.؟)
أغمضت عينيها وقالت متحسرة وجسدها يئن وجعًا(معرفش أكيد مش هيقولي مكانها)
ضغط يوسف فكها بقوة وهو يزرع نظراته القاتمة بنظراتها المهزوزة قائلًا(احكي كل حاجه بالضبط من أولها.، إنتِ متعرفنيش.. مشوفتيش غير يوسف الي هنا )
هزت رأسها بأعين متسعة ليبتعد واقفًا يحثها بغضب( يلا)
ضمت جسدها بذراعيها تحكي بوهن ووعي متصدع، ترمقه بحذر من وقت لآخر حتي انتهت فعاد لسؤالها(فين المكان الي قولتلها تروحه.؟) أضاءت أفكارها بسؤاله لتسارع مُخبرةً إياه به، سحب يوسف سلاحه واندفع يعميه الغضب مُقررًا البحث حوله.. في طريقه أوقفه عيسى (تليفون عماد فتح يا يوسف)
جذب يوسف الهاتف الخاص بتهاني من بين كفي أخيه ورفعه اتصل به عدة مرات دون إجابة..
مُلقى عماد بإهمال تتناوب عليه الحمى بشراسة فتلتهم قوته وترديه جسدًا فاقد الوعي.. تطلعت جميلة للهاتف المُلقى تنير شاشته بصوت مكتوم.. تلفتت حولها تبحث عن شيء يساعدها في فك قيودها.. بعد طلوع الفجر وإنقشاع الظلام..
جرّت جسدها الواهن متألمة من خشونة الأرض واصلت بتماسك حتى وصلت للهاتف.
حمدت الله إن عماد قيّد ذراعيها من الأمام حيث يمكنها إلتقاط الهاتف بسهولة..
قرأت الاسم جيدًا فتهلل محياها بأمل.. ابتلعت ريقها ونظراتها تحاوط عماد الساكن بحذر وحيطة..
أمسكت بالهاتف مرتجفة، تفتح الاتصال لتُجيب بهمس خافت متهالك بالبأس (تهاني الحقيني)
سقط قلبه وهو يستمع لنبرتها، ارتجفت كل خلاياه غضبًا ليصرخ باسمها في لهفة(جميلة.؟ إنتِ كويسه.. إنتِ فين.؟)
تدفقت كلماته تعبر أسوار الخوف، تتمرغ في وحل الجزع.... كأن صوته أفاقها بكت بحرقة متهالكة مزقت بها أضلعه فوهن قلبه واشتعل رأسه بالحرائق... (يوسف إلحقني..
انتفضت حين دفعها عماد بقدمه وأخذ منها الهاتف شاتمًا، وصلته صرخاتها المتألمة فضاق صدره وتقطعت أعصابه ليصرخ مُهددًا (لو فبطن أمك هجيبك ياكلب، وهدفنك.. إياك تمس شعره واحده منها)
قهقه عماد منتشيًا بزئير الأسد، يخبره بهمس محموم ولذة جنون (شعره واحده.؟ دا أنا مسيته كله يا يوسف) قالها من بين أسنانه بحقد، يستمتع بأنفاس يوسف وأذنه التي ترهف السمع لأنين بكائها وغمغمتها باسمه ليفيق علي همس عماد القذر (حلوة جميلة قوي يا يوسف ليك حق تحبها)
صوت السيارة جلب انتباهه ليسارع قائلًا بضحكة وقحة(استنى متقفلش غير لما تسمع) إقترب عماد يركل بطنها عدة ركلات متفاوتة القوة فيزداد صراخها ضراوة وقوة وهي تتوسله قبل أن تسقط في الوهن (ابني، يوسف)
كاد الهاتف يتحطم بين أنامله من شدة الضغط ، أنفاسه ثائرة تشبه الأعاصير في قوتها وصفيرها الكئيب المتوعد (هقتلك)
قهقه عماد لتهديده قبل أن يخبره بانتصار(سلام دلوقت علشان شكل مرتك بتسقط) قالها ثم أغلق الهاتف وألقاه في حفرة واسعه بجانب المعدات القديمة..
ظلت جميلها مسجية الجسد بوهن لا تقوى على الحركة، أنفاسها تخرج ضعيفة.. تنظر لما حولها بضياع قبل أن تنطق الشهادة ويغوص وعيها في الظلام.
هاج عماد متذكرًا تهاني، لاعنًا لها ليته قتلها تلك اللعينة وتخلّص منها..
أطلق يوسف عدة طلقات نارية، شقت الصمت المحيط به، طلقات تزئر صارخة مثله قبل أن يقوم بجمع الرجال المسلحين.
اقتحم رجلان المبنى رحب بهما عماد قبل أن يأمرهما (شيلوها وهاتوها)
فعل واحد منهم ما أمر والآخر لملم بعض الحاجات الخاصة به، وضع جسدها في السيارة
ليقول عماد بتحذير (يلا من هنا بسرعة)
إندفع يوسف وبعض الرجال المسلحين، يفتش المكان المقصود . وقف مكانه يتلفت حوله ليأتيه أحد الرجال راكضًا يخبره بلهفة(يوسف باشا لقينا شوية حاجات تعالى شوفهم)
هرول يوسف للمبنى القديم بقلب خافق، فتشه بنظراته التي صادت حجابها مُلقى أرضًا بإهمال
تناوله بسرعه، قلّبه بين كفيه بحنين جارف وعذاب يتدفق من نظراته.. إذًا كانت هنا.؟
شمل المكان بنظرة متوجعة مذبوحة بالزعر يتسائل (كيف قضت ليلتها هنا وحدها في الظلام تعاني وهي التي تعودت أن تندس بأحضانه، مسح وجهه مستعيدًا رباطة جأشه قبل أن يهتف برجاله (اقفوا فمداخل البلد ومخارجها أكيد مبعدش) تحرك الرجال بإذعان ملبين أمره في طاعة تولدت من الإحترام والتقدير، يشاركونه مصابه الذي يخصهم جميعًا.
دارت نظراته في المكان من جديد بعدما أضاء مصباح هاتفه يفتش عن أي شيء يخصها.. سقطت نظراته على ربطة شعرها، شهق بفزع ونظراته تركض لتلك الخصلات المتناثرة
انحنى يلملمهم بحسرة عيناه تتسع برهبة، يرفعهم ليتبينهم فيضيق صدره ولا ينطق لسانه، تلجمه المفاجآة، الحقير ماذا فعل بها.
جلس متهالكًا يردد اسمها بهذيان ورغبة في ضمها واحتوائها تنهشه.. صرخ دون وعي، صرخة .. صداها تردد في أذنه كنحيب ثكلى وعويل ذئب.
وهو يضم خصلاتها لصدره بوجع يفرض سطوته ويسحبه لدوامة ما ظن يومًا سيدخلها..
رفعهم لأنفه سالبًا منهم عدة أنفاس يتتبع رائحتها كدواء، تهدل كتفاه بحزن عظيم كسلطان طاغي متجبر أخضعه بخديعة.. نهض يقبض على سلاحه بكل عزم، يقسم لن ينتهي اليوم إلا وهي بإذن الله بأحضانه.
عاد غير الذي كان ملامح قاتمة لا تُقرء، يشتعل رأسه شيبًا بغير أوان، الحزن يحفر أخاديده في وجهه.. خطوط عميقة الأثر من توهة ترتسم على جبهته..
يقبض بكفه على حجابها وقد دس فيه خصلاتها التي لملمها.. إرتجفت نظرات جلال حينما وقعت على جزء من تلك الخصلات بين أنامله نافرة من القماشة وعلى كتفه وصدره آثار للخصلات المقصوصة.. توقفت الكلمات في حلقه من شدة الذهول وهو يربط ما يراه بحالة يوسف
حاول جاهدًا حتي خرجت كلماته مشوهة بالتلعثم (يوسف إنت كويس.؟)
هز يوسف رأسه بأن لا وهو يتركه ويخطو للداخل بسرعه يلملم شتاته ويتماسك بعيدًا عن الجميع.. مقصوصٌ هو كخصلاتها روحه في حالة فوضى وضياع
ركض لشقته مملكتهما.. دخل مندفعًا لفراش جمعهما يومًا وربط بينهما بحبلٍ غليظ.. فرد حجابها فوق الفراش بقدسية شديدة، ينظر لخصلاتها بحرقة وآسف، يمرغ أنفه فيهم ثم يبتعد مريحًا ظهره لحافة الفراش جالسًا بطاقة مفقودة بعد أن نهشتها أنياب الخديعة.
***********
أخبره واحد من رجاله أن المدخل الغربي للقرية محاط بالشرطة وبعض المسلحين، والمدخل الشرقي أيضًا، ليدرك أن يوسف كان الأسرع منه في تأمين مداخل ومخارج القرية الصغيرة وذلك ليس بعسير.. لن يستطيع الوصول، شعر بالحصار حوله يضيق والجرح ينزف بغزارة ويؤلمه مما دفعه لأن يُشير لهم بمكان قصي في الجبل، حجرة مبنية من الطوب الأبيض محاطة بسور عالي..
ترجل الرجلان ليحملا جميلة ويضعانها داخل الحجرة، وتبعهم عماد الذي أشار لهم بالوقوف خارجًا لحمايته.
أفاقت عن صوت أنينه المتألم فتغضنت ملامحها بالنفور والضيق، داعية الله أن يذيقه شتى ألوان الألم..
ألم بطنها يزداد تنقبض أحشائها وتشعر بأنها تُعتصر من الداخل.. ثم ينساب منها سائل دافيء لزج، ضمت ساقيها لبعضهما وقد أيقنت أن روح يوسف تطرق للمغادرة.. تهرب مما لاقت من ويلات فأرضها لفظتها متخلية.. تلك الأفكار أورثتها ضيقًا وصمتًا ثقيل.. يوسف هل سيسامحها.؟
وإن سامحها هل ستسامح هي نفسها.؟
ما مصيرها..؟ ليتها تموت و تغادر مع طفلها؟
شعر عماد بإرتجافتها، وتشنجها المتألم من وقتٍ لآخر فهتف بتعب (نفسي أعرف حبيتي فيه إيه.؟ وفيه إيه أحسن مني.؟)
سرقت من أوجاعها ضحكة مستهزءة تزداد كلما رمقت حقده، تغزي بسخريتها عذابه فيشتعل أكثر.. نطقت بما يجيش داخل صدرها بعاطفة أشرق لها وجهها وأضاء رغم المعاناة (يوسف فيه كل حاجه تتحب.. عيني مشافتش ولا هتشوف غيره)
يزداد السائل الدافيء فيغمرها، المكان يدور وعينيها زائعة، ربما هي النهاية لا تعلم لكنها تريدها سهلة وياليت وجه يوسف آخر ما ترى.
نهض يمسك بجرحه، يترنح بإرهاق.. عينيه ترسل لها ألف وعد بالإنتقام.. وهي تُزهِق ألف دمعة لا لغير أنها تريد حبيبها في تلك اللحظة... حين إقترب غمغمت بالأدعية..
أنفاسه العفنة ضربت وجهها وأصابتها بالغثيان والتقزز، ملامحها تكرمشت يعتصرها النفور. مرر أنامله في خصلاتها القصيرة فتحركت رأسها غير عابئة بالصخور حولها.
إزدادت أنامله خشونة إصرارًا على رفضها وتململها، مرر أنامله على وجهها وشفتيها برغبة مستعرة كالجحيم، بينما هي تهز رأسها ولا طاقة تُعينها على النهوض، كأنها روح دون جسد.. جسد فقد إرادته وحريته تحت ساقي الوهن.. وحبال الألم قيدته.
قبض علي فكها يعتصرة بزمجرة قوية، تألمت ودموعها تسترسل على خدها فيخفف قبضته لا شفقة إنما تلذذًا..
هبطت أنامله لجيدها الناعم عن قصد، تجولت بحرية ونظراته تراقبها بتمتع.. تحركت لمقدمة صدرها فإرتجفت وتعالت غمغمتها رغم الوهن (يارب).. تستغيث بقوته وترجوه أن لا يمتحنها فيما لا تستطيع عليه صبرًا
جسدها يتحرك كلما تحركت أنامله، يندفع ناحية التراب كأنها تخبئه منه، تقطع على يده الطريق ، بينما هو يضحك بضعف...
عدّل وضع جسدها بعنف وانحنى ناحيتها، وكلما أقترب شحنت قوتها وصرخت برفض..
إشتد ألمه سكين مزقت لحمه فصرخ مبتعدًا عنها، التقطت أنفاسها حامدةً الله على النجاة من براثنه.
إبتعد عنها واقفًا يدور بالحجرة الصغيرة متألمًا كسيرًا بينما ابتسامة رضا تتراقص على ثغرها المرتعش.
هبط يوسف درجات السّلم متجهًا ناحية الحجرة التي تُحتبس بها تهاني، طرق الباب ثلاث طرقات منتظرًا ثم فتحه، دخل ليجدها منكمشة مكانها نظراتها تتخبط حولها..
هتف بصلابة ونظراته فوق ملامحها ترصدها (تقدري تمشي يا تهاني)
رفعت عينيها تسأل بلهفة (لقيت جميلة.؟)
هز رأسه بالموافقة قبل أن يهددها (مش عايز أشوف وشك هنا فالبلد تاني)
سألته متشبثة بعطفه(هروح فين.؟)
أجابها يوسف بصرامة أخافتها(أي داهية)
قالها وغادر مُغلقًا الباب، منتظرًا خروجها ومغادرتها.. يوقن أنها ستوصله لشيء.. تهاني لن تخرج خاسره..
بعد مرور ساعة.. تسللت تهاني من الحجرة تتلفت حولها بحذر حتي خرجت من باب المنزل مندفعة بخطوات سريعة ناحية البيت
من خلفها كان يوسف يتابعها بنفس الحذر منتظرًا خروجها... حين خرجت لم تخلف تهاني ظنه سلكت طريق البلدة الغربي، وسط الزروع المترامية والجبال المتناثرة بينهم قطعًا من الحجرات المبنية بالطوب الأبيض محاطة بأساور متوسطة الإرتفاع.
منطقة جبلية يقوم الأهلي كل واحد بحجز قطعة وتسجيلها باسمه لتبيعها له الحكومة نظير مبلغ مادي..
دفعت تهاني حين وصلت الباب الخشبي للسور العالي، انتفض عماد بفزع وحركت جميلة أهدابها بأمل مغمغمة باسمه (يوسف)
اندفع الرجلان ناحية تهاني التي شهقت بفزع حين أمسكوا بها وأغلقوا خلفها ليدفعونها دفعًا للحجرة التي يجلس بها عماد..
إبتلعت سؤالها عن هويتهم حين أسقطوها علي ركبتيها أمام عماد الذي ابتسم بشراسة قائلًا(وه جايه هنا ليه.؟)
إبتلعت ريقها وأجابت بإرتباك (هقعد هنا، يوسف طردني من البيت والبلد ومبقاليش مكان)
حادت نظراتها لأختها المتكومة، إعتنقت نظراتها بعين خبير بقعة الدم التي تزداد تحتها ففغرت فمها ذاهلة وهي تنطق (جميلة بتنزف)
رمقها بالامبالاة وكلماتها عن طرد يوسف لها تتردد داخل عقله.. جذبته من أفكاره بتوسلها(سيبها يا عماد هتموت كدا)
حدج جسد جميلة قائلًا بهزيمة(خليها تموت.. عايزها تموت) صرخت تهاني باكية ونظراتها علي جسد جميلة الواهن(سيبها تروح لحالها)
أشار لرجاله (اربطوها.. جات لقضاها)
فعل الرجلان ما أمرهم به، ثم دفعوها ناحية أختها تحت نظرات عماد التي تسرّب منها التعب الشديد..
تأملت تهاني وجه جميلة المُلطخ بالتراب، وخصلاتها المقصوصة، رأسها التي تنزف نتيجة صدمة بصخرة تحت رأسها.. تأسفت على حالها قبل أن تنحني هامسة (جميلة)
عقل الأخرى ولسانها يرد بنصف وعي.. وإدراك ممزق (يارب... يوسف)
لعنت تهاني حظها العاثر، وخديعة يوسف لها، جاءت هنا لأجل الكنز الذي خبأه عماد بتلك الأرض بعد أن تتبعته لأيام طويلة لتكتشف في النهاية سره، حين أطلق يوسف صراحها مُهددًا ظنت أنها نجت ويمكنها أخذ الكنز والهرب به ومغادرة البلدة كما طلب منها.. لتصطدم بوجود عماد هنا ومكر يوسف أوقعها في شراك الموت.
بالخارج كان هو مختبئًا يهاتف أخيه وجلال الأقرب إليه.. في تلك البقعة المنعزلة.. وبعدها رجاله والشرطة ليتم الأمر قانونيًا ..
جلس بعدها يوسف منتظرًا لا يريد مغامرة ولا تهور قد يفقده إياها إن كانت هنا .. لكنه لا يطيق صبرًا علي ذلك.. نظر بحذر من السور الخلفي يستكشف المكان بنظراته، رجلان واحد على باب السور والآخر على باب الحجرة... عليه تدبر الأمر.
رنين الهاتف جعله ينحني حتى لا يُكشف أمر..
نظر الرجلان لبعضهما في شك.. خرج واحد باحثًا عن مصدر الصوت بينما بقيّ آخر.
أمسك به يوسف من الخلف مُهددًا (سيب سلاحك) رماه الرجل بعيدًا ليضربة يوسف بسلاحه في مؤخرة رأسه فيسقط أرضًا..
أقترب الآخر من باب السور في تحفز.. اندفع يوسف ناحيته بعدما عاجله بضربة علي وجهه شتته بها وأفقدته توازنه، دفعه بساقه فسقط أرضًا.. صوب ناحيته ا لسلاح في هجوم مباغت لتسقر رصاصة في ذراعه وآخرى في ساقه.
انتفض عماد من جلسته شاهرًا سلاحه، نهض واقفًا يترنح فتح الباب الخشبي واندفع ليجد يوسف أمامه واقفًا بشموخ عيناه ترسل له وعيدًا خاص.. (لو فبطن أمك هجيبك)
خلف يوسف كان جلال وعيسى ورجال الشرطة يأمرونه... (ارمي سلاحك وسلم نفسك يا عماد) حادت نظرات يوسف للحجرة يفتش عنها.. حتى وجدها مُلقاه يغوص جسدها في بركة دماء.. انخلع قلبه من مكانه ليبتسم عماد الذي تتبع نظراته قائلًا (ولدك كنه مش زيك يا يوسف.؟)
تقهقر عماد ناحيتها وأمامه يوسف يجاريه في خطواته، أمسك بخصلاتها المقصوصة ورفع رأسها واضعًا فوهة سلاحة في صدغها.
تأسف جلال حينما وقعت نظراته فوق جسد جميلة والدماء، أشاح عنها غاصًا في ضيقه وحزنه.. ابتسم يوسف بسخرية مريرة قبل أن يصرخ سلاحه لافظًا رصاصة مستقرها كتف عماد فسقط متخليًا عن جسد جميلة التي لحق بها يوسف على الفور.
حمل يوسف جميلة بين ذراعيه واندفع مهرولًا وقد فقدت وعيها تمامًا.. خلفهم تهاني
لتنطلق رصاصة آخرى مفاجئة تصحبها صرخة عماد وزمجرة آخر ما ندت بها روحه.. لكن رصاصته خابت فكانت من نصيب تهاني التي سقطت أرضًا تلفظ أنفاسها الأخيرة. ورصاصة الضابط صابت فكانت من نصيب قلبه..
وضعها بالسيارة وجلس بجانبها كلما فاقت همس لها بلوعة(أنا آسف) بأقصى سرعة ممكنة قاد جلال السيارة بجانبه عيسى..
حملها يوسف وركض بها للمشفى الخاص القريبة.. ليستلمها منه الممرضات فوق سرير مدولب ويركضون بها ناحية الداخل..
جلس يوسف متهالكًا يشيّع ذهابها بحسرةً وعذاب، يربت على كتفه جلال مؤازرًا من وقتٍ لآخر..
لتخرج الممرضة هاتفةً(عايزين دم بسرعة، اتأخرتوا عليها ليه.؟ دي بتموت.)
سقط يوسف مكانه متخبطًا، ليندفع جلال وعيسى ملبين (ممكن تاخدوا مننا أو قولي نجيب منين بسرعة)
بعد مرور ساعة دخل الحجرة يتابعها بنظراته سحب كرسي واستقر فوقه بجانبها.. انحنى أمامها تشاركه أنفاسه بإضطرابها القلق
همس برقة وهو يمرر كفه فوق جبهتها بحنو (جميلة)
رمشت بعينيها حينما تخلل همسه أحلامها وضمها ليدفئها، فتحت عينها حينما استقر الأمل بنفسها والأمان بوجوده(يوسف) غمغمتها بشك ونظراتها تترامى لما حوله، احتضنتها ابتسامته المداوية لوجعها وهو يهمس(حمدالله على السلامة)
(أنا فين.؟) قالتها بضياع وتوهة أوجعته، فانحنى يلثم جبهتها يطمئنها(إنتِ هنا معايا)
حاولت النهوض والإعتدال لتتأكد فساعدها برفق ثم جاورها يضمها لأحضانه بسهولة يدفئها بشوقه (اخيرًا جيت) همستها ممطوطة بيأس جعله يهمس (أنا آسف)
رفعت رأسها تتطلع إليه بنظرة تائهة لا تشبهها
أوجعت قلبه الصب، وأوردت روحه العاشقة مورد الهلاك.. لملم شتاتها بقبلات حارة متفرقة تهمس لها فوق وجهها بمدى عشقه لها وخوفه عليها..
هبطت دموعها حينما تذكرت خصلاتها، لملمهم بشفتيه في إعتذار وآسف.. أغمضت عينيه تهمس بنبرة مبحوحة عاجزة (حرمني من الي بتحبه فيا يا يوسف)
ضم رأسها بقوة يخبرها بعتاب امتزج برقته وحنوه (أنا بحبك كلك يا جميلة، مش دا بس)
تذكرت رابطهما، تسللت كفها لبطنها تتحسسها قبل أن تسأله (ابني كويس يا يوسف.؟)
أجابها برضا تام ونفس لا ينازعها الجزع (لله ما أعطى ولله ما أخذ.. ربنا يوهبنا غيره بإذن الله)
رفعت نظراتها تتلمس تكذيبًا فلم تجد إلا الصدق يصفعها، أسبلت جفنيها صامتة متذكرة ركلات عماد القاسية يعاودها الشعور بها من جديد فتصرخ برفض وذراعيها يصدان شيئًا وهميًا.
هدأها بهمسه الحنون (الحمدلله إنك بخير.. إنتِ كفاية عندي)
ابتعدت تخفي وجهها بين راحتيها متألمة تهتف بوجع، تلوم نفسها (أنا غلطانه مسمعتش كلامك.. إنت كان عندك حق مكانش لازم أعمل كدا، أنا شايلة ذنب ضياع ابنك يا ابن الشيخ.. ومحافظتش على الأمانه، ولا حافظت على نفسي علشانك)
أشفق عليها مما تعانيه، جذبها مرة آخرى يحاول معها بلين وقلبه يتمزق لأجلها(كله خير قولي الحمدلله.. ياقلب يوسف)
ضمته باكية حتى تعبت ونامت دموعها متجمدة على وجهها، نهض من جلسته وعدّل من وضع جسدها لترتاح.. ثم خرج يطمئن من ينتظره بالخارج..
************
فردت ذراعيها متثائبة تتذكر حُلم الليلة الماضية الذي جمعها به، ابتسمت بحالمية متذكرة القبلة التي نالتها منه،توردت وجنتاها متذكرة وقع تأثيرها في الحلم، نهضت واقفة ومازال علقها منشغل تهفو بشغف لواحدة حقيقة لكن أنى لها هذا.؟
سحبت منشفتها متجهة ناحية الباب تتمطأ بكسل قبل أن تصل لأذنها كلمات الأغنية فتزداد انتعاشًا وحماس
(شئ من بعيد ناداني
واول ما ناداني جرالي ما جارالي
ومش بايدي يابا ده مش بايدي يابا
ناداني من يميني ولسه بيناديني
بيقولي حصليني علي بلد العجايب
ناداني من شمالي
قال يام المهر غالي تعالي قوام تعالي
خدي من الحب نايب
شئ من بعيد ناداني واول ما نادالي جرالي ما جرالي)
انتبهت في تحفز، تردد كلمات الأغنية منسجمة مع كلماتها قبل أن تركض للخارج باحثةً عنه.
وجدها تفتش عنه فهتف وهو يضع الأطباق على الطاولة (صباح الفل يابيبو)
قفزت لمكان الصوت من خلفها، وجدته ينتظرها عينيه تبتسمان كما تفعل دائمًا كلما رأها، ركضت بإتجاهه ضاحكة، تعلقت برقبته مستمتعة بضمته القوية لها كأنه يدمغها بجسده لثمت جانب عنقه وهي تهمس بحرارة (وحشتني)
خفق قلبه من رفرفات شفتيها البريئة علي بشرة عنقه، أبعدها يبادلها أشتياقها بآخر مفعمًا بالقوة.. قالت مبتسمة (حلمت بيك امبارح)
(حلو ولا وحش..؟) لثمت خده بقبلة رقيقة وهي تقول بعفوية إمتزجت بخجلها (حلو جدًا) ضيق عينيه مشككًا (والله طب إيه..؟)
إبتعدت متهربة من نظراته تقول بإرتباك وحمرة خديها تهمس بما ترفض قوله (بعدين) هرولت ناحية الحمّام تغسل وجهها ونظراته في أعقابها...
بعد دقائق جاورتة لتناول الفطور تهتف متحمسة (حصل إيه بقا هناك.؟)
انقبضت ملامحه بضيق وهو يتذكر ما حدث لصديقه وجعله يأتي ليراها خوفًا وقلقًا عليها،
تجاهل قائلًا بتنهيدة أفشت كذبه(ولا حاجه..المهم طمنيني بقا إنتِ أخبارك إيه.؟ )
إرتشفت من كوبه في مشاركة معتادة وهي تقول (تمام بس أنا برضو عايزه أرجع معاك ياجلجل) أطعمها بفمها وهو يقول مُعتذرًا (معلش يا حبيبي هانت)
اقترح وهو يتأمل إشراقها وفرحتها بعودته(تحبي تطلعي.؟)
أمسكت بذراعه في رفض (لا عايزه أشبع منك مش هنطلع)
راوغها وهو يدس الطعام بفهمها في اهتمام(يا بنت ما هكون معاكي برضو)
(لاااا) قالتها قاطعة وهي تنهض واقفة، شملها بنظرة جريئة وهو يقول بشفاة مائلة في إعتراض (بس كدا غلط عليا وعليكِ لازم محرم) ضحكت قائلة وهي تلملم الأطباق (عمو عباس هنا إجازة من العيادة)
تبعها وهو يحمل بعض الأطباق في مساعدة (ياشيخة)
وقفت أمام البراد تدس بقايا الطعام داخلها بعناية، ليغمزها جلال قائلًا (طيب ماتيجي أحققلك حلمك الي مش راضية تقوليهولي)
رفرفت أهدابها في وداعة ومراوغة لشقاوته (أنا مش قولتله هتعرفه منين وتحققهولي)
سحبها من ذراعها لتقترب منه ثم همس بجرأة (تعالي نجرب ونشوف هيطلع زيه ولا لا؟) رمت جديلتها خلف ظهرها معترضة وهي تحدجة بنظرة لا تسكن بها الراحة(جلال إنت اتغيرت)
(التغيير دا أول صفحة في المنهج الجديد) قالها بإبتسامة مؤكدة فابتعدت عاقدة الساعدين تقول ممتعضة رافضة (لا عايزة القديم يا جلجل)
مط شفتيه قبل أن يتأفف موبخًا(جبانه يابيبو)
حمحمات عباس وسعالة المتحشرج جعلها تعود لحجرتها، ارتدت إسدالها وخرجت تجهز له الفطور تحت نظرات جلال التي تتبعها أينما ذهب، وجوده اليوم ألهاها عن أمر مقابلة مروان التي تمت بحضور عباس، فرحتها برجوعه أنستها تأنيب ضميرها وعذابها لأنها أخفت عنه الأمر وتصرفت دون علمه ورغبته.
غير أن تلك المقابلة أصابتها بخيبة عظيمة وندم جعلها ترجع باكية قهرًا على مخالفتها إياه.
غادر عباس للمقهى وتركه معها علي حريتهم
جلس ببجانبها يعبث بهاتفه، بينما بقيت هي صامتة مترددة.
مررت أناملها فوق جبهتها بإضطراب قبل أن تهمس بملامح منقبضة في خوف (ممكن أقولك حاجه مش قادرة أخبيها عنك)
ضيّق عينيه على ملامحها الشاحبة بزعر مقروء، ليقول متسائلًا بإهتمام وهو يحتويها بين ذراعيه ليطمئنها كما يفعل دائمًا(خير يا بيبو.؟)
لما تبادله عناقه، أفكارها تضخمت داخلها فالتهمت وعيها، قالت بتلعثم (أنا روحت عند...
انقطعت كلماتها بعضة لشفاهها السفلية في ندم وضيق
ابعدها قليلًا يتأملها بملامح انكمشت بفهم، نظراته اللامعة انطفأت وهو يهمس بشبه إقرار (روحتي لمروان صح..؟)
أغمضت عينيها تعتصرهما، قبل أن تفتحهما وتواجهه قائلة بقلق متخلصة من ذلك العبء(أيوه أنا روحت)
هز رأسه بجمود قبل أن يزفر متسائلًا وهو يتباعد عنها (طيب إيه المطلوب مني.؟)
أخافتها تلك النبرة، تمالكت وهي تقول (مش عيزاك تزعل.؟)
نهض يعدّل من ملابسه أمام المرآة مُجيبًا ببرود ونظراته تتبعها من المرآة (كنت خايفه تقوليلي أمنعك ، بس روحتي ومقولتيش فخلاص هيهم فأيه زعلي.. لو فارق من الأول مكونتيش روحتي)
انقبض قلبها وتجعدت ملامحها برفض لذلك البرود وتلك النبرة الجارحة المستهينة (مش فاهمة يا جلال)
استدار يشملها بنظرة خاوية يرقص الخذلان في ظلالها العتمة ليقول وهو يخطو ناحية باب الحجرة (ولا حاجه مقدرتيش متروحيش بس تقدري على زعلي فخلاص دا اختيارك)
فتح الباب وخرج منه بعدما سحب حقيبته التي جاء بها، يعلن بها الرحيل مجددًا، لحقت به مشتتة، تنظر لظهره بجزع، أوقفته متسألة بنبرة مخنوقة(جلال إنت ماشي)
فتح الباب قائلًا من بين أسنانه بغيظ (الكلام خلص يابراءة)
توسلته بحرارة ونظراتها تطوف على ملامحه بتضرع (ممكن تسمعني)
أغلق الباب من جديد وجلس بكل برود متسلحًا بالتجاهل، يرمقها بصبر (اتكلمي)
جاورته تحكي بإضطراب، تحاول إزالة أشواك جموده من طريقها إلي قلبه (حسيت محدش يستاهل يموت بندمه وحسرته، روحت علشان أسمع وأفهم.. لو هو طالب مسامحتي هديهاله محدش يستحق لو تاب بجد إننا منسامحهوش)
سألها بنبرة جامدة (خلصتي.؟)
رمشت قبل أن تهز رأسها بالموافقة، ليصرخ في إنفعال جنوني أرهب قلبها (أنا مش هسامح فيكِ، مش هسامح على لحظة كنت خايف فيها أخسرك زيهم، مش هسامح فوجعي وجعك.. مش هقدر.. أسامحه على إني خطفتك وأجبرتك تتجوزيني وأنا الي كنت بحلم باليوم دا.؟ وبعدّ الأيام والساعات.. أسامح على وجعك وخوفك وإنتِ بتقفلي عليكي الباب كل ليلة وأنا مش قادر أعمل حاجه.. ولا أسامح فدي.؟
قالها وهو يضع راحته بقوة فوق موضع جُرها القديم فانكمشت مزعورة..
ولا أسامح على حالتك وحالتي دلوقت قوليلي..؟
قالها بنبرة مهزومة انكسرت من ألمها وخوفها.. أغمض عينيه يلتقط أنفاسه وهو يجذبها لأحضانه يضمها مُربتًا عليها برفق، يهديء من خوفها.. فلا مكان لها سوى ذراعيه وهو لن يبخل، غضبه لن يغلب عشقه مهما حدث.
قبّلت موضع قلبه ثائر النبضات بإعتذار صامت أفشت سره نظراتها التي ارتفعت له، بقىَّ صامتًا يحتويها حتى هدأت ليقول بنبرة متحشرجة (الي عملتيه ممرش على قلبي مرور الكرام... وعليه أنا هرجع ومفيش بينا كلام)
(أنا آسفة ياجلجل) قالتها بضعف قيده، ليبعدها عنه متحاشيًا رؤيتها (لااااا خلاص)
دخول إسراء جعله يقف في استعداد ممسكًا بحقيبته، قابلته إسراء بنظرات متفحصة قبل أن تسأل (مالكم)
طبع جلال قبلة على جبين إسراء وودعها قائلًا بسرعة (سلام يا إيسو)
(إنت ماشي ليه مش قولت هقعد يومين)
قالتها إسراء بضيق تستوقف عبوره، ليقول دون أن ينظر لبراءة حتى لا يؤلمه قلبه (معلش أفتكرت حاجه مهمة)
غادر بغصة ألم، لتغلق إسراء الباب وتقف مقابل براءة تسألها بشك (قولتيله.؟)
هزت براءة رأسها بصمت ونظراتها تعتنق الباب الذي غادر منه بآسف، ليعلو تأفف إسراء الرافض، ثم توبخها بضيق (قولتلك متقوليش اقله دلوقت )
انسابت دموعها سخينة على خدها وهي تهمس بإرتعاش ومازالت نبضاتها الخافقة تتوسلة العودة (مقدرتش يا إيسو)
ربتت إسراء بحنو على رأسها مغمغمة بآسف (اتحملي بقا، مش هيعديهالك المرادي )
ثم سألتها بقلق(قولتيله قالك إيه.؟)
قالت براءة بغصة دموع حارقة ونظراته مازالت على الباب تنظر عودته (هو كدا ومقولتش أومال لو قولت..)
قالت إسراء بتأكيد ونظرة ثاقبة من خلال معرفتها بجلال(هيتصل يسأل حصل إيه.؟ هتقوليله.؟)
هزت براءة رأسه بقلة حيلة وهي تقول متحيرة(مش عارفه)
*********
تمطأت بكسل، برغبة ميتة في الإستيقاظ ومتابعة اليوم، النهار قصير ممل والليل طويل موحش.. حركت جسدها بوهن للجهة الأخرى من الفِراش باحثة عن ابنتها لتصطدم نظراتها بجسده يجاورها، انتفضت جالسه تهمس وهي تجذب جسده لتتبين ملامحه(مالك)
تأفف منزعجًا، يغمغم بضعف(في إيه يا حنان مسكتي حرامي)
اندفعت تقبل جبينة بلهفة وشوق لم تستطع مداراته بل نثرته بشغف (جيت امتى.؟ ومصحتنيش ليه.؟)
رفع ذراعه يجذبها لحضنه هامسًا(محبتش أقلقك) فتح عينيه حين اقتربت فلثم شفتيها بقبلة سريعة قائلًا (الليل كله تشخري على فكرة معرفتش أنام منك)
استنكرت فظاظته وهي تضربه على كتفه معاتبة(أنا)
نهض مُرغمًا ليجلس، وهو يؤكد بمشاكسة (ايوة.. بعدين دخلت ونمت جانبك وإنتِ ولا حسيتي) وضعت رأسها على كتفه هامسة بأسف شاركتها فيه ملامحها(أنا آسفة والله)
حدجها بعين واحدة وهو يطبع قبلة فوق خصلاتها متخليًا عن سخافته (بهزر معاكِ يا حنون.. دا إنتِ شخيرك سينفونية)
طبعت قبلة على خده وهي تحفزه للنهوض قائلة بحماس(قوم يلاااا نفطر سوى)
شاكسها وهو يتفحصها بنظرة جريئة (هو مفيش زكاة ولا إيه ياحنون.؟ دا أنا جاي أجمع الزكاة الي عندك كلها)
قهقهت بمرح قائلة وهي تدفع الوسادة الصغيرة لصدره في معاتبة لطيفة(عالريق كدا يامستر ميصحش)
حك خصلاته وهو يقول بتنهيدة هائمة (دا هو دا الي يصح يا حنون)
ابتعدت عنه واقفة تشير له ليترك الفِراش(قوم بطل كسل وبعدين نشوف تجوز عليك الزكاة ولا لا.؟)
حاوط كتفيها بذراعه متسندًا عليها وهو يهتف مستعطفًا لها بشقاوة(يا بنتي أنا تجوز عليا الزكاة، والصدقات ماشي وأي فعل خيري منك للمسكين المتبهدل الي هو أنا)
ضحكت قائلة وهي تدفعه للمرحاض قبل أن تدخل المطبخ (طلباتك كترت يامستر)
(إنتِ السبب طمعتيني وفتحتي عيني) قالها متصنعًا البراءة والعفوية وهو يعاود إليها من جديد، دفعته من صدره في رقة معترضة (والله! لا وإنت عينك كانت مغمضة الصراحة)
أقترب من جديد ملتهمًا المسافة الفاصلة يغمزها هامسًا وعينيه تعرف الطريق لما يريد بنظرة مشتعلة(أحب الصدقات لقلبي بتبقا عالريق) انحنى يسرق من بين شفتيها صباحه المفعم بلهيبه الخاص، وإمضاء يخص عبثه وجنونه، رفع رأسه يلتقط أنفاسه هامسًا (هندي أهو)
انسحب وتركها على ذهولها وانبهارها بما حدث للتو غير مصدقة، ترمش متحسسةً شفتيها بإبتسامة حالمة.. ليأتيها صوته المشاكس (حضري الفطار مش وقته دلوقت فاصل ونواصل)
أفاقت ضاحكة على كلماته، تتنقل في مطبخها بحماس شديد.. تصلها ضحكاته وملاطفته الصغيرة فتبتسم بفرحة غامرة، نشر بوجوده الدفء والمرح.. أحيا نهارها بصخبه وضحكاته.. تشعر وكأن الجدران تشاركها فرحتها به، لا تبتلع صوته ولا ضحكاته بل ترددها خلفه في صدى يصنع لقلبها أعذب سينفونية يدق راقصًا على نغماتها.
رصت الطعام على السفرة وعادت للمطبخ، بينما وقف أمام لوحة الحائط حاملًا كنزي فوق كتفيه يكتب لها رسالة صباحية (وحشتيني... مالك رجع بضحكتك الحلوة وصباحك الي زي السكر شكله هيبقى إدمان زي الحشيش كدا ياحنون والله..و ربنا يستر من السكر زيادة ياحنون) ثم رسم وجهًا يغمز تحت كلماته.
جلس وأجلس كنزي بجانبه، عادت إليهما لتجاورهما مفعمة بالحيوية والنشاط.. وقعت نظراتها على رسالته الصباحية فأدمعت عيناها وابتهجت روحها، ضحكت وهي تعيد قرأتها مرات ومرات تحت نظراته المحتوية المعانقة لكل ما فيها.. تنهدت متأثرة وهي تهمس بشفتيها دون صوت (بحبك)
هز رأسه مازحًا (صامت علشان الرقابة صح..؟)
قدمت له كوب الشاي فقال بمزاح يمنعها من تزويد السكر له (كفاية خدت منك سكر يكفيني يوم بحاله) هزت رأسها ومازال ثغرها الوردي يعانق الإبتسامة فمجيئة هو مجيء السعادة لقلبها العاشق
انشغلت بمراقبته ومتابعته بحب، لاهية متناسية تناول الفطور، مستمتعة بوجوده بينهما بعد كل ما مرّ.
انتهى

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن