الفصل الثامن
هتف بها وهو مستلقيًا يشاهد التلفاز
:حنان انزلي هاتي حاجه الأسبوع، الورقة عندك عالسفرة.
نظرت إليه بغير رضى،قائلة :حاضر.
أمسكت بالورقة تقرأ مابها، ضمت شفتيها تكبح غضبها وحنقها من الطلبات المبالغ بها
أمر بغلظة ومازال على جلسته وقد شعر بما يدور بعقلها:الحاجه غليت دي يادوب كد الي خلصتوها إنتِ وبنتك.
مسحت وجهها تتمالك أعصابها من الإنهيار بوجهه ليرمي كلماته بلا مبالاة :بعدين أنا كان عندي سكر يكفيني شهر إنتِ النسكافيه بتاعك ليل نهار وبنتك اللبن خلصوا مخزون شهر
ليس بجديد عليها ما يحدث فهي عاشته مرارًا وتكرارًا، جلست فما عادت تقدر علي الوقوف لا تستطيع تحمل ما يحدث، أخيها غائب لا يرد ويتجاهل اتصالاتها عمدًا، وأختها مختفية
وجهت سؤالها لأبيها :بلال فين ما بيردش..؟
أجابها ومازال تركيزه فيما يسمع :عايزه منه إيه.؟
اجابته بهدوء:عايزين نتكلم في الشقة والفلوس.
رفع حاجبه يخبرها بضيق:ما كفاية ضغط عليه يا حنان، احتاج الفلوس وأخدهم هيعملك إيه يعني.
كل ملامحها استنكرت المنطوق، حملقت فيه والصراع داخل عقلها يدور مما يوقعانها فيه من تأمر لعين،أبتلعت دموعها وهتفت بحدة:وأنا دلوقت محتاجاها محدش قاله يتصرف من ورايا.
رماها بسهم سام :هتذليه بفلوسك مش ده أخوكِ الي كان بيشيلك كل إجازة.
ختم كلماته بإقرار :خدي أجازتك وامشي يا حنان من غير ما تزعلي حد منك.
يريدونها أن ترحل تكره كل شئ وترحل أن تتعبق رأتيها باليأس وترحل ما عاد وجودها يعنيهم.
نهضت من مكانها حملت فتاتها انتشلتها من غرقها في اللعب وغادرت تجر ساقٍ خلف الآخرى، هي محمومة بالخذلان والخداع حتي الهذيان لا تقدر عليه من شدة الألم.
وقفت أمام الباب تلتقط أنفاسها، لن تستطيع الخروج ومواجهة العالم وهي غاضبة وحزينة،
أنقذها من حمتها صوت هدر من خلفها يحمل إسمها، صوت أحيى داخلها بساتين من زهر، نشر في خلاياها دفء غريب
:حنان.
وقفت ما التفتت، قطع المسافة بينهما وكرر همسه وهو يتأمل وقفتها بحنين جارف، واجهها ومازال يردد بدهشة :حنان..
مرت علي ملامحه سريعًا قبل أن ترد :إزيك يا محمود.
فغر فمه منشدهًا يخبرها بإبتسامته الجذابة:ازيك يا بنتي عاش من شافك.
ابتسمت براحة غريبه قائلة :ازيك إنتَ يا محمود أخبارك إيه.؟
أخبرها بتلقائية ومازالت نظراته تتفحصها:ازيك إنتِ ياحنان مش مصدق والله،إيه الصدف الجميله دي.
ثم وجّه انظاره للصغيرة قائلا:نسخة صغيرة من حنان.
ابتسمت حنان ممتنة له وللصدفة الي أعادتها لسنوات جميلة.
طلب منها أن يحمل فتاتها قائلًا:هاتي عنك رايحه فين.
أعتذر لكنها أصرت :لا والله هاتيها..
حملها وهبط قبلها وهو يعاود سؤالها :رايحه فين.؟
أجابته :السوبر ماركت.
:تمام وأنا كمان رايح يلا.
رفضت :معلش يا محمود مش عايزه أعطلك.
رفض بمشاكسة:إنتِ بخيلة ولا إيه.؟ بقولك رايح أجيب لماما شوية حاجات.
وافقت رغمًا عن عقلها المكتظ رفضًا بكل اللغات.
بينما هو تاه في الذكرى
حنان حبه الأول ومالكة النبضة الأولى، صديقته المقربة.. ذهب كل هذا وبقيت الصدف من تجمعهما ليتقابلا بسلام فاتر..
_____________________
غادرت لمنزل الشيخ رضوان تريد الحديث معه في أمر حضور زوج أختها وأهله واحتلالهما البيت مما سبب لها الضيق وقلة الخصوصية
استوقفها قائلًا بسخرية تعرفها:ازيك يا ضكتورة.
تعمد تبديل الحروف فليتحمل ما سيناله
وقفت مكانها ترمقه بنظرات قوية لا تحمل انكسارًا:خير يا أستاذ عماد.
وقف قبالها متابعًا بنظرات وقحة :البقية فحياتك.
تعففت عن الرد ودت لو قالت :ابتهل إلي الله أن لا يبقى أمثالك، لكنها تمتمت :البقاء لله وحده.
قيّمها بنظرة وقحة قبل أن يهتف بإبتسامة منتشية :سمعت إنك سيبتي كلية الطب.
ابتسمت قائلة بقوة ونظراتها تواجهه بجرأة:سبحان الله يا أخي أنا سبت الطب وإنت مسبتش الوساخة.
لملم ابتسامته المفترشة وجهه ورمقها بحدة غاضبًا من لزوعة كلماتها وصدمته في عدم إنكسارها، ليهتف ببرود :دا إنتِ لسه متعرفيش وساختي، بكره أعرفهالك كويس يا دكتورة
ضغط علي كلمة دكتورة عمدًا لتجيبه بإحتقار ملأ نظراتها:أنا بقول خسارة عبيها فبرطمانات وبيعها بدل ما تتدلدق منك، وترازي فخلق الله
انتبهت علي نداء يوسف من خلفها :جميلة
ظلت نظراتها القوية تبارز نظرات عماد الغاضبة،
رمقه من خلفها ساخرًا لينظر إليها مشيرًا لعنقه منحنيًا يهمس بفحيح خبيث:هقتلهولك.
انتفضت ولاح الضعف والاهتزاز بعينيها لكنها استجمعت شجاعتها وقوتها رامية إليه بسهمها :تبقي الأسُود أسُود والكلاب كلاب ولو إني مش عايزه اظلم الكلب
ضم قبضتيه مغتاظًا،يطحن ضروسه بغضب ويتمنى لو نال منها.
ابتعدت تجيب يوسف الذي عاجلها بسؤاله عن سبب وقفتها مع عماد :واقفه معاه ليه خير..؟
احتدت عليه:هقف ليه مع سي زفت يعني هو وقفني زي ما إنت عملت دلوقت عن إذنك.
لم يبد أن شئ من ثباته تغير أو ملامحه، ربما لم يفهم سبب حدتها لكنه لم يبال فهو يعرف ما تعانيه تلك الفترة.
جلس عماد يرمقهما بنظرات قاتمة مشتعلة بالحقد والكراهية، يقسم أن شيئًا ما يدور من وراء ظهره في الخفاء بينها وبين يوسف عدوه اللدود، غامت عيناه بذكرى فائته، حينما أقنع أخيه وتهاني بالحديث مع والدتها حينما تخرج جميلة ليقنعاها بأمر بيع المنزل.
كانت تهاني أول من تحدث بلطف مبالغ فيه:أما عايزه أطلب منك طلب.؟
:خير يابنتي.؟ انتبهت السيده بإهتمام للنظرات المصوبة تجاهها
ابتلعت تهاني ريقها وتابعت بتوجس فهي قبل كل شئ تخشى عودة جميلة الآن
:أستاذ عماد بيقول أن البيوت القديمة جايلها أمر إزاله فإيه رأيك لو هديناه وبنينا عماره وعملنا فيها دكاكين نسترزق منها .
شهقت السيدة مستنكرة طمع تهاني والذي ليس بجديد، صوبت تجاهها نظرات حادة باغضة للأمر قبل أن تقرّ:ههد بيتي ليه.؟ إحنا اهو عايشين.
حاولت إقناعها وهي تتبادل النظرات مع عماد وأخيه الجالسان بصمت وترقب :كده ولا كده هيتهد يا أما..
اشاحت السيدة بغضب تحاول أن تدير الحوار بعقلها لينتشلها عماد من شرودها:فعلا يا أم عامر دا قرار جديد يخص البيوت القديمة وبعدين تبنيه أحسن،وتحاولي تأجريه تأكلي منه عيش.
جرت اناملها علي المسبحه بقسوة تلعن داخلها ذلك التجمع البغيض، رفضت بعزم :لما ييجي يحلها ربنا،
ثم وجهت كلماتها لتهاني تخصها منهية الجدل والحوار :بعدين البيت ميخصكيش يا تهاني ده بيتي وهكتبه باسم جميلة.
استنكرت تهاني منتفضة :أزاي يا أما وأنا هتاكلي حقي...وورثي من أبوي.؟
نظر كلا من عماد وأخيه لبعضهما مستشعران القلق والتوتر
لتهتف السيدة بضجر :دا مش ورث أبوكي يا تهاني دا بيتي.
نهضت متجهة ناحية والدتها ومشاعرها تتأرجح مابين الغضب والاستنكار :وأنا هتحرميني من حقي فيكِ.؟
مالت السيدة في إشاحة وإعراض تخبرها بقوة :ملكيش حق يا تهاني، حقك أخدتيه لما أتجوزتي بس جميلة يانضري لسه طريقها طويل.
صرخت نافرة، يتصاعد غضبها وحقدها عنان السماء :ما إنتِ علّمتيها ودلعتيها وخدت حقها.
أجابت السيدة بوهن وإرهاق مما يحدث:لسه مشوارها طويل.
هتفت تهاني شامتة :بتك سابت كلية الطب خلاص.
رغم المفاجأة ووقعها قالت السيدة بمؤازرة :محبتش تحتاج لحد، بس لازم تدخل الجامعة.
لمعت عينا عماد بظفر، وانتصار فأخيرًا يمكنه أن ينال من تلك المتعالية حاول تهدئة الجو والاصطياد في الماء العكر :اهدو يا جماعة ميصحش كده.
هتف أخيه :ليه كده يا حماتي دا ظلم.
قال عماد بثبات :بجدد عرضي تاني يا أم عامر جوزيني جميلة.
هزمت السيدة نظراته الواثقة ببغضها الذي أعلنته:بتي مش ريداك يا عماد وطول ما أنا عايشة مش هغصبها علي حاجه.
ثم تابعت بتعب حل عليها من تلك المناقشة والتجمع البغيض الثقيل علي نفسها.
:يلا عايزه أصلي وأفطر المغرب يلا.
دارت تهاني حول نفسها بغضب مكتوم لا تدري ماذا تفعل، اندفعت للحجرة تجلب ملابسها بعد أن أشار إليها زوجها :يلا يا تهاني هاتي عبايتك ويلا بينا.
نظر عماد وأخيه لبعضهما بإشاره غير مفهومة وشفرة حلها كان في خطوات عماد المتقدمة
نهضت أم عامر ليأتيها عماد من خلفها مكممًا فمها بينما اتجه أخيه حيث زوجته يحاول تعطيلها حتى لا تخرج قبل أم ينتهي عماد من الأمر.
حدث ما أراده ووقعت السيدة مفارقة الحياة بفزع، سلمت روحها لبارئها شاكية
انحني عماد يحملها بين ذراعه يذهب بها لحجرتها وضعها فوق فراشها ورتب كل شئ ليظهر طبيعيًا.
ثم خرج من الباب الخارجي للمنزل دون ذرة ضمير واحده تأنبه، بينما هتف زوج تهاني ليقوم بمدارة الأمر :متشكرين يا أم عامر بتطردينا.
ما إن أبصر تهاني حتي هلل :نامت وسابتنا يا تهاني بتطردنا.
سحبتها تهاني خلفها وغادرت.
عاد لواقعه وأبيه يهمس في أُذنه حيث جلس بجانبه يتلفت حوله :ها ايه الخطوة الجايه يا حزين الشيخ المغربي قرّب ييجي.
زفر عماد بضيق قائلًا وأفكاره تتشعب في كل اتجاه :مش عارف بس المسافة قصرت قوي وقربنا.. ثم النفت لأبيه يحذره بأعين تضخ الشر والتوعد ضخًا :بس أوعى تجيب سيرة لتهاني ولا لابنك المسطول ده.؟ دا ممكن يفضحنا.
هز الرجل رأسه بتفهم وخوف وعيناه تدور حولهما في قلق.
********
نهضت من رقدتها علي لمسات أشبه برفرفة فوق ذراعها العاري، نفضت النوم سريعًا وهي تتطلع حولها بتيه حتى اصطدمت به مقابلًا لها، تملك الفزع منها ابتعدت تغطي جسدها من نظراته الجريئة التي تتفحصها وتلتهم كل ما تطاله، ابتلعت ريقها الذي جف بفعل المفاجأة، من بين أنفاسه اللاهثة همست :مروان...
اهداها ابتسامة قبل أن يقترب مبادلها الهمس:لقيتك مطلعتيش قولت أدخل أنا.
:عايز مني إيه.؟ همستها بإرتعاش وتيه.
أجابها ببساطة :عايزك وطالما مفيش جواز أجبر أبويا يجوزنا غصب عنه.
توسلته بدموع محتجزة :حرام عليك يا مروان أنا زي أختك.
ضحك قائلًا :لا مش أختي.. وبعدين عيزاني أسيبك لعاصم.
استعدت لنوبة بكاء وصراخ حارقة بعد أن تهمس بتقطع :مالي أنا بعاصم..
لملم أبتسامته واستبدلها بقتامة وغضب قائلًا:عارف إنك عيزاه وبتكلميه ورفضاني أنا.
استنكرت ورأسها يهتز في رفض:والله أبدًا.
تناولت خمارًا من جانبها فصرخ يوقفها :لا متحاوليش.
بكت حينما قبض علي الخمار يحاول نزعه، فتملصت منه ونهضت قافزه تاركةً له الخمار، اتجهت للباب تحاول فتحه لكنها قبل أن تصل تفاجئت بمن يغلقة من الخارج.
شهقت تحاول أن تستوعب ما حيك حولها من خبث وما نُسج من مؤامرة، أمسكت بمقبض الباب باكية متوسلة بينما ساد خلفية الحدث ضحكته العالية وشماتته.
مال قليلًا علي فراشها هاتفًا بعزم أرعبها:صدقيني أنا قررت وخلاص..فخليها بالتراضي.
جلست تضم جسدها إليها في تعب وإنهاك، تفكر ربما كان كابوسًا مرعبًا، لكنها لن تستسلم للغرق فيه ستحاول لتنجو... نظرت حولها علها تجد حلًا أو مخرجًا
نهض مروان سار ناحيتها جلس قبالتها يخبرها وكفيه تستريحان علي ذراعيها تفركانهما وهو يتوسلها متصنعًا البراءة :يلا بقا يا بيبو.. علشان الوقت.
علي الناحية الآخرى كان هو ينازع كابوسًا من نوع خاص، جعله يفيق من نومه متصبب عرقًا
سار بخطوات ثقيلة تجاه المطبخ، جلس حول الطاولة يستجمع شتاته، بعد ذلك الحلم المزعج والذي لا يفهم معناه، استرجع أحداثه وشفتيه تحتضن سيجارًا ثالت ورابع وخامس لا يهم عددها كل ما يهم أنه يحترق معها وتمنحه نسيًا مؤقت
(الحلم)
لكمة وآخرى امتزجتا بصراخه الذي يحطم الصمت والثبات :هي حصلت إنك تعتدي عليها.؟
حاول الآخر التماسك والنهوض لكن عاصم لم يمهله رد فعل، عاجله بفعل امتزج بسخطه وانتقامه! بدا كأسد مطعون وحانت لحظة انتقامه.
تاه عاصم في خواطره وماضيه، وضع كفيه على رأسه يحاول أن يستوعب كل هذا الشر المحيط به، بينما كان الجالس في ركن الشقة المتابع لما يحدث غارق في الاستمتاع ، يتجهز لأن ينهي الأمر، دهس سيجاره واكتفى من دور المشاهد لكل ما يحدث، أحاطت نظراته ذلك الذي يحاول جاهدًا النهوض والمتابعة، نظراته متقدة كجحيم، ينصهر فيهما الغضب، بخطوات متمهلة قطع الطريق بهدوء يناقض أشتعال عينيه، سحب مسدسه من جيب بنطاله وصوبة ناحية الآخر وحين هيئ سلاحه للقتل التفت عاصم بفزع يحاول استيعاب جنون جلال.انتهى