الثلاثون

2.7K 95 1
                                    

الثلاثون
جاءت ثائرة، تغمغم بسباب، تطرق بابهم في غضب متدثرة بالجنون، تلمع عينيها ببريق التهور والتوعد البغيض
قطب جلال من رنين الجرس المُزعج المُنفر للمسامع، تبادلا النظرات هو ومالك قبل أن ينهض ويفتحه وخلفه مالك متحفزًا، أبصرها جلال أمامه بهيأتها الشيطانية، عينيها الماكرة تغرق في الكراهية والبغض.. اندفعت للداخل دون إذن تتخطاهما في عربدة جنون (كويس إنك هنا) سلّمت عليهم بنظراتها الحاقدة قبل أن تشمل إسراء المتعرقة بجزع نظرة خبيثة مُهينة
(خير.؟)رماها جلال بإنتظار
قالت وهي تطالعهم بالحقد (عاصم فين يا وش المصايب) مد جلال ذراعه يحجز جسد مالك الذي اندفع حين نطقت بعدائية وهجوم (معرفش) أجابها ببساطة وهدوء رغم التوتر السائد.وخروج براء على صوت عمتها التي وقفت متصلبة بخوف ما إن طالعت هيئة عمتها وجلال فهي باتت تعرفه جيدًا.
قزفت كلماتها الممزقة باليأس (أخوك باع الوكالة ومشي)
استنكر جلال بذهول متخبطًا في صدمته، لتباغته أنوار بفظاظة (مفيش غيرك الي قواه يا ابن...)
صمتت تبتلع سبتها البذيئة حين هتف جلال بحدة لبراء وإسراء (علي أوضيتكم)
نظرا لبعضيهما في خوف وإرتعاد ليكرر بنفس الحدة (قولت جوه)
ابتسم مالك بشيطنة، يمرر نظراته الشامتة علي صفحة وجه أنوار بتلذذ وفي رأسه تختمر فكرة جنونية ساقتها إليه المتعة.
امتثلتا الفتاتين في وجل يتضرعان أن يمر الأمر بسلام، بينما جلست أنوار دون إذن وكررت سؤالها وقد عاد إليها هدوئها (عاصم فين..؟)
أغلق جلال باب الشقة ونظر لمالك نظرات صامتة تلقفها مالك بنظرات مرحة لعوبة، إقترب جلال منها يخبرها بصدق وعقله يضج بالأفكار (معرفش مكانه ولا أعرف إنه باع)
ضحكت ضحكة مقيتة أثارت إشمئزاز الجميع (وأنا هصدقك.؟)
أخرج جلال سيجارًا وأشعله في برود وهو يؤكد بفظاظة (براحتك)
انسحب مالك دقائق وعاد يمسك بين كفيه حبلًا يهيأه لشيء تحت نظرات أنوار التي شابها الإهتزاز والتوتر مما يحدث حولها من نظرات غريبة وتدبير ماكر غير مفهوم
(منك لله) قالتها بحرقة عظيمة ليأتي سؤال مالك التالي (قولتلي ياجلال إن دي مرات أبوك.؟) أكد جلال بإبتسامة متسلية تمر بوجهه فينبت في جفافها المرح (أيوه)
حرك مالك الحبل الغليظ وهو يسأله من جديد بينما خطواته تلتهم المسافة الفاصلة ببطء ثقيل درامي (هي دي بقا أم عاصم.؟)
أومأ جلال بنصف ضحكة خبيثة ليقرّ مالك (طب إيه بقا مش هنتسلى.؟)
إرتجفت أنوار من نظراتهما، جف حلقها وانكمشت ليسألها مالك (جايه ليه بقا بيت إسراء.؟)
هتفت بشجاعة منحورة وهي تنظر للحبل الذي هيأه مالك علي شكل مشنقة (إسراء هي وأبوها السبب أكيد يعرفوا مكانه)
هتف مالك وهو يشير برأسه لجلال كي يتقدم (قولتيلي)
تقدم جلال وسأله وهو ينظر للأعلى (النجفة هتتحملها.؟)
قيّم مالك جسد أنوار بنظرة سريعة قبل أن يجاوب ببرود(يادوب)
سألتهما أنوار وهي تهب واقفة في فزع (إنتوا تقصدوا إيه..؟)
ضحك مالك قائلًا وهو يقترب منها أكثر (القصاص يا أم عاصم)
لهثت بخوف ونظراتها تتراقص علي وجهيهما في جنون وفزع، إبتعدت فأقتربا منها ليحرك مالك المشنقة وهو يغني (يا أختي عليها مجات رجليها مجات رجليها)
ليرمقها جلال بنظرة متشفية مرعبة قبل أن يقطب في إعتراض (ما نرميها أحسن ونقول إنتحرت)
رفض مالك بتسلية وهو يتقدم من أنوار التي تتقهقر في فزع (لا احنا نشنقها أو نكتم أنفاسها بعدين نرميها)
عصت حنجرتها اليابسة زعرًا أن تطلق صرخة قوية، لفظها الأمان فخرجت متقطعة تقطر إستغاثة.
أكد جلال وهو يقترب منها (حلو موته بمزاج)
ركضت بما سمحت لها ساقيها المتأكلة بالرعب، ابتعدت تجرجرهما غير مستوعبة الجنون والتهلكة التي ألقت نفسها بهما في تهور
وغنى مالك بشماتة (مجات رجليها مجات رجليها)
خانتها شجاعتها فسقطت أرضًا تلتقط أنفسها محملقة فيهما مترقبة ما يفعلانه بينما نظراتهما تضج بالمرح والجنون
(إبعدوا عني...)
(إنتِ الي جيتي إحنا مالنا) أكد مالك وهو يجلس أمامها علي ركبتيه لتتوسله بصراخ ضعيف واهن (سيبوني أمشي)
سأل جلال بجدية كاذية (إيه رأيك يا جلجل.؟)
(لا) قالها جلال بملل، ليقول مالك وهو يرمش في وداعة كاذبة (قلبه أسود جلجل)
لتنهض أنوار في شجاعة بائسة وتندفع دافعة جسد مالك تتعكز في عجز عن الركض، لم ينهضا ليمنعانها تركها تفر هاربة تشيعها كلمات مالك (متجيش تاني)
(مجانين) نطقتها شبه صارخة لينهض مالك في عزم، يحيل بينها وبين الباب فشهقت بعنف متراجعة، هددها مالك بشر (أنا مجنون ، لو جيتي ناحيتهم تاني هعمل منك بطاطس محمرة يا أم عاصم ومش هاخد فيكِ يوم)
وقفت متصلبة ترمش في ضعف ليصرخ بها يؤكد كلماته(فاهمة ولا أبدأ من الآخر علطول)
هزت رأسها في إستسلام، طمعًا في الحرب من هذا الجنون الذي سقطت في دلوه، أبتعد مالك عن الباب ففتحته بكف مرتعشة وخرجت راكضة، تلعنهم وتسبهم. انطلقت ضحكات مالك وجلال تمزق السكون من حوليهما لتخرجا براء وإسراء مندهشتين تتطلعان إليهما بدهشة.
*********
دخلت الحجرة، جاورت عفاف متسائلة وهي تتأمل الحجرة والجالسين بإهتمام (هو مفيش مدرس عربي هنا يا مس عفاف.؟)
عدلت عفاف من عويناتها قائلة(لا إزاي ماهو مستر مالك موجود)
أجلت حنان صوتها تخبرها بإرتباك (أقصد حد غيره).
شملتها عفاف بنظرة متفحصة قبل أن تسألها بفضول(ليه هو مستر مالك ضايقك؟)
تهربت حنان بنظراتها تكتم تأفف مزدجر قبل أن تؤكد بإبتسامة مزيفة (لا خالص عايزه حد سلس في التعامل)
رفعت عفاف حاجبها غير مقتنعة مندهشة لتخبر حنان بحرص (في مستر هاني)
تهللت أسارير حنان وهي تسألها بتلهف شديد (بجد فين طيب..؟)
أشارت عفاف لأحدهم المنزوي بأحد الأركان في عمل وجهد غير منتبه للنظرات التي أحاطته في فضول، بسرعة إعتذرت حنان منها شاكرة واندفعت ناحية الزميل تستشيره في بعض الأمور،غمغمت عفاف بإستياء (مش وش نعمة) جاءت صدفة وجاورتها تسأل عما قد فاتها فأخبرتها عفاف.
جلست أمام هاني تستشيره في بعض الأمور وتسأله عن بعض المعلومات التي حُجبت عنها، رحّب بها كثيرًا في لطف غير باخل بما في جعبته من معلومات، تبادلا الضحكات الصغيرة الرسمية مما جعل الزميلاتان تنتبهان في ترقب غافلين عن الآخر الذي دخل الحجرة بهيمنة تتلكأ نظراته علي الموجودين ببحث حتى وجدها تبادل آخر الضحكات والإبتسامات. استشاط غضبًا وحنقًا من سخاء ابتساماتها، حديثها الذي بدا له مفعم بالرضا والقبول،تقلّد الغضب وإندفع يسأل هاني بصرامة مُتجاهلًا وجودها (هاني هستأذن ساعتين كده ممكن تشيل الحصة بدالي)
هز هاني رأسه بالموافقة قبل أن يلتفت لحنان ويسألها (عندك حاجه..؟)
أجابته بإبتسامتها (لا فاضية) تجاهلا الآخر الواقف متبادلان الحديث بأريحية (خلاص تعالي أوضحلك الشغل في الحصة)
وافقت دون أن تلتفت للواقف أمامها ينفث لهيبًا وغيظًا لو طالها لأحرقها (تمام جدًا)
إستأذنته مُغادرة تلملم أوراقها مستعدة، دق جرس إنتهاء البريك فهتف مالك فيهم(يلا يا جماعة كله علي حصصه)
أطاع الجميع حينما همت هي بالمغادرة خلفهم استوقفها ندائه (حنان)
إستدارت محاولة التماسك، إلتهم المسافة الفاصلة بينهما وهو يسألها (شغل إيه الي هيوضحهولك هاني.؟)
أجابته ببساطة (لا عادي شوية حاجات مش فهماها) استنكر مالك بفظاظة وغلظة (يا شيخة..؟)
رفعت نظراتها مستفسرة عن سبب سخريته ليعاود سؤالها (مسألتنيش ليه..؟)
أجابت بملل وضيق (مش حابه..؟)
اتسعت عيناه ذهولًا قبل أن يلملمه ويستهزء بها (لا والنبي) زفرت بسأم من وقفتهما وأسئلته قبل أن تخبره (أنا حرة اسأل الي عايزه اسأله، شايفه شغله بسيط وحلو وحابه اتعلم منه)
رمقها بنظرة مستفزة منفعلة (أنا استأذنتلك يلا عالبيت)
فغرت فمها مندهشة من تحوله رافضة بعناد (لا مش همشي إحنا اتفقنا فالشغل أنا حرة)
جذبها من ذراعها وهو يخبرها من بين أسنانه (أنا بقول يلا، وموضوع هاني نشوفه فالبيت)
حاولت التمسّك برأيها في عناد لكنها لمحت صدفة قادمة فتراجعت وتقدمته في ضجر، مستسلمة حتى لا يشتبكان في شجار بغيض،ويصبحا عرض للجميع وعلكة تلوكها الأفواه
هتف مالك وهو يقود السيارة بنصف انتباه (هننزل نشتري شوية حاجات)
عقدت ذراعيها مستفهمة(حاجات إيه..؟)
أهداها نظرة سريعة وهو يخبرها بجفاء (هدوم ليكي )
صرخت في تهور رافضة بقسوة (أنا مش عايزه حاجه بلاش تعيش الدور)
ابتلع كلماته القاسية، زفر بضيق محاولًا السيطرة علي غضبة حتى لا يؤذيها (مش بعيش الدور ولا حاجه إحنا متفقين إنه مش علي ورق بس الجواز دا بالنسبالي) ضغط علي كلماته يوضح لها بنود اتفاقيتهم يذكرها بما يتوجب عليها فعله وأنها نالت ما أرادته ولم ينل هو شيء.
أكمل بفظاظة (مش عايزك تلبسي أسود لما أموت أبقا البسيه)
رمشت تستوعب هذيانه بعقل تلسعه سياط الجنون والتوهة، عضت علي نواجذها موضحة (أنا بلبسه بره لإني بحبه)
غمغم بإستهزاء وصل لمسامعها (أنا لا شايف بره ولا جوا)
نفخت بغضب ليسترسل بصوت واضح (إهدي واسمعي الكلام، هنشتري ونروّح)
سألته بسخرية وهي تتأمل ملامحه المنكمشة بضيق (إن شاء الله هختار أنا ولا حضرتك.؟)
فهِم مقصد كلماتها، ابتسم يخبرها بحبث ووداعة كاذبة (لا اشتري علي ذوقك عادي)
تنهدت براحة فأكمل ليغيظها ويخجلها مستمتعًا بحمرة وجهها الشهية (مش كله)
أحنت رأسها تغمغم بشبه بكاء مغتاظ مقهورة (يارب دا طلعلي منين ده.؟)
صمت تاركًا لها بعض الوقت تلتقط فيه أنفاسها دون صخب مِزاحه، طلب منه عباس إحضارها ليراها ويتحدث معها رغم خوفه من تلك المقابلة لكنه مستسلم للقرار واثق في مودة خاله،غير أنه لن يتركها تذهب بملابسها السوداء تلك، رغم أناقتها الملموسة لكنه يبغض هذا اللون ولا يريده،هو رجل الألوان بمزاجية مُتقلبة صاخبة كيف له أن يتحمل.
تشاجرا كثيرًا دون سبب واضح سوى أنه عناد، رغم ثقته بذوقها لكنه تعمّد إغضابها ومشاكستها، يعطيها ما أختاره ويدفعها لغرفة القياس ويجلس هو منتظرًا واضعًا ساق فوق آخرى بغرور، ينتظر خروجها فيعلن بعد تفحصها القبول أو الرفض.
سئمت من رفضه المتوالي بحماقة فاندفعت خلفه بعلاقة ملابس تريد ضربه بها في غيظ
هدأها مالك ممتصًا ضحكاته (خلاص خلاص روحي يلا)
التقطت أنفاسها وعادت لحجرة القياس حينما خرجت أطلق صفيرًا راضيًا وأقترب منها يخبرها (تحفة) أحمرت وجنتاها في خجل وإرتباك من إطرائه وإلتهامه لها بنظراته، عادت لتبدله بعدما أنهى هو الدفع وعاد إليها يسحبها خلفه قائلًا (تحبي تتغدي إيه..؟)
قالت بضيق وقلق(اتأخرنا علي كنزي)
أخبرها بإهتمام (متقلقيش هنعدي نجيبها، وناخد أكل معانا)
قالت رافضة (عندي أكل فالبيت جاهز عالتسوية مش عايزه حاجه)
أومأ صامتًا، صعدا السيارة وانطلقا دون أن يتكلم أحدهما فقط يسترقان النظر في غفلة من بعضيهما ثم يعودان لصمتهما وشرودهما من جديد.
في المنزل سارعت بتجهيز الطعام في خفة ونشاط، كلما تذكرت مواقفهما الطريفة المرحة اليوم تبتسم بعذوبة، حينما إنتهت من إعداده إقتربت من فتاتها تخبرها (نادي عمو مالك يلا يتغدى معانا)
انطلقت الصغيرة بفرحة بعدما فتحت لها باب الشقة، ارتدت إسدالها فوق البجامة ووقفت تنتظره، حينما تأخرت عودة الصغيرة، أمسكت هاتفها وأرسلت إليه رسالة
:كنزي عندك
:اه
هاتها وتعالي نتغدى.
:مليش نفس وعندي شغل.
براحتك.
تركت الهاتف علي الآريكة ودارت في الصالة بإنفعال وغيظ مكتوم من رفضه وجفائه حينما تعبت جلست مكانها تهز ساقها بتوتر وتفكير عميق.
بعد مرور عدة دقائق كانت تحمل صينية مرصوص عليها عدة أطباق، تغادر بها لشقته
نادت الصغيرة فلم يأتيها الرد سوى منه  (تعالي يا حنان كنزي نامت)
دخلت تبحث عنه بعينيها حتى وجدته علي الآريكة يجلس بنصف إعتدال يتابع الحاسوب بإهتمام بينما الصغيرة بجانبه نائمة في هدوء
وضعت مابيدها علي الطاولة دون كلمة يبتلعها الخجل من فعلتها.
من خلف زجاج نظارته الطبية رمق ما جلبته معها في إهتمام قبل أن يعود بنظراته للحاسوب شاكرًا بغلظة (مفيش داعي تعبتي نفسك)
فركت كفيها بتوتر هامسة (لا عادي قولت أجيبه علشان تكون علي راحتك يمكن مش حابب تاكل معانا)
خلع نظارته مُغلقًا حاسوبه والتفت إليها وهو يمسد ما بين عينيه في إرهاق قائلًا (مليش نفس) حركت فمها بحرج قبل أن تخبره (خليه عندك في الثلاجة)
شرد قليلًا برغبة قليلة في مواصلة الكلام، لتحصل هي علي انتباهه هامسة (كنت عايزه اتكلم معاك فموضوع)
انتبه لها مُرحّبًا بإهتمام وهو يعتدل رغبةً في الإستماع لها والإنصات (اتفضلي)
سلبت نفسًا قوي قبل أن تهمس بصوت يملؤه الحرج (عارفه إنك وقفت جنبي ونفذت اتفاقنا... صمتت تشحذ شجاعة تُكمل بها لتخبره (وأنا لسه منفذتش) فهِم مقصدها فصمت ينتظر كلماتها بملامح مغلقة
فأكملت (أنا بجد مش مستعدة ممكن تديني وقتي)
نهض يخبرها بتفهم (براحتك يا حنان معاكي كل الوقت) ابتسمت ممتنة له، تنفست براحة بعد أن زال الثقل عن صدرها، قرّب الطاولة الصغيرة ينظر للطعام مغمغمًا (محشي)
سألته بإبتسامة مترددة وهي تلمح رد فعله (مبتحبوش)
رمقها بنظرة طويلة محفوفة بالأسرار قبل أن يهمس لها (لا بحبه طبعا، بس بقالي فترة مأكلتوش وكان نفسي فيه).
اتسعت ابتسامتها فرحة، تخبره ببشاشة (بالهنا والشفا أكيد مش زي بتاع والدتك بس هيعجبك)
على ذِكر والدته أصابته غصة فسعل مغمغمًا من بين لهاثه(والدتي)
ناولته كوب الماء الموضوع جانبًا في قلق فتناوله مرتشفًا له، حين زال السعال واسترد عافيته أخبرها بسخرية (والدتي مش بتاعة محشي ياحنان) قطبت في استفهام غير منطوق ليسألها (اقعدي طيب كُلي معايا)
همست في حياء رافضة (لا هاكل بعدين)
ألحّ عليها بشدة متوسلًا لها مستلًا وداعته في وجهها (اقعدي طيب ناكل سوى)
جلست علي مقربة منه تشاركه الطعام بخجل وتوتر، بينما هو تجاهلها منهمكًا منشغلًا بتناول الطعام الذي ما إن تذوقه حتى شعر بجوع حقيقي طفا علي السطح مُطالبًا بإلتهام الطعام في شغف.
بينما كانت أفكاره تهرع لفكرة الصبر عليها ماذا إعرف جلال برضوخه سينال منه حقًا بعدما كان وسخريته منه لأنه يصبر علي براءة
********
هبطت دراجات السلّم بتؤدة، تقبض علي مسبحتها وعينيها تدوران حولها بحثًا عن سبب لدقات قلبها المتعالية بعنف منذ الصباح، وضعت كفها علي خافقها متسألة بقلق(في إيه..؟) أفاقت من غمغماتها علي تهليل الحاجة وسؤالها الضاحك (مشوفتيش يوسف.؟) انتفضت راكضة للآسف بسرعة تسأل من بين لهاثها المجنون (هو جه.؟)
ضحكت السيدة بإستمتاع وهي تقرص وجنتها بحنو قائلة (يبقا مشوفتيهوش)
تلفتت حولها بلهفة وإشتياق (هو فين.؟)
أخبرتها الحاجة بمودة وهي تتأمل جميلة المشتاقة (طلع أوضته بعد ما نزل وملقكيش) هرولت ناحية الدرج راكضة تملأ روحها رغبة في عناق طويل وأنفاس باردة تطفيء داخل صدرها نيران الإشتياق الملتهبة، علّ رؤيته تنزل علي قلبهابالبرد والسلام بعد ليال وحدة وهواجس قاتلة، في نهاية الدرج وقفت تلتقط أنفاسها ونظراتها تعتنق الباب في لهفة، نهاية ليال السهد والخوف خلف ذلك الباب..
فرت دمعة رضا وحمد إبتهاجًا بعودته سالم قبل أن تندفع ناحية الحجرة مهرولة، توقفت منحنية تلتقط مسبحتها التي وقعت من فرط إرتعاشة جسدها ووهنه، حين إعتدلت لتقترب وتطرق الباب إصطدمت به وقد خرج هو الآخر بحثًا عنها غمغمت بإشتياق مفرط وعينيها تلتهمانه (يوسف)
همس ضاحكًا وهو يمسح وجهه بالمنشفة المُحيطةً عنقه (أهلًا بالكسلانه، صح النوم)
ابتسمت هامسة حين تشبعت نظراتها به وبملامحه (حمدالله علي السلامة)
نزع المنشفة وأحاط بها عنقها هي هامسًا (الله يسلمك..) ارتبكت من نظراته، فركت كفيها بتوتر لعين ابتلعها وغيبها عن حضرته، شردت مترددة، تتنازع الرغبات المحمومة في صدرهاوأنفاسها اللاهثة، سألها قاطبًا مُتحيرًا في أمرها (في إيه.؟)
هزت رأسها تنفض فكرة صارخة بعقلها وهي تهمس بخيبة تراقصت بنظراتها اللامعة (لا مفيش) سألها بإبتسامة شقية قفزت علي شفتيه (إيه هنفضل واقفين كده.؟)
تراجعت خطوة وهي تخفض نظراتها بضيق بينما تخبره بنبرة فقدت حماسها (لا هنزل أساعد الحاجه)
إبتعد قليلًا يخبرها بجدية (طيب استني في شوية حاجات خديها تحت وإنزلي وأنا جاي وراكي) أومأت بصمت ورغبة فاترة محمومة بالضيق وكآبة النفس، دخلت الحجرة باحثة بعينيها عن مقصده حتى وجدته علي الفِراش صندوق متوسط الحجم ملفوف بعناية، لفّت مسبحتها حول معصمها وهمت بحمله ليفاجئها بدخوله وهمسه الدافء من خلف ظهرها (خلي بالك) هزت رأسها بطاعة وحملته مستديرة ليقف حائلًا يعاتبها بلطف وإبتسامة رقيقة(إيه ياست جميلة المقابلة دي) حملقت فيه مندهشة مضطربة الخاطر، تود عناق طويل ويمنعها خجلها من ذلك أن تكون أول من يبادر وأقترب منها ينزع الصندوق ويضعه جانبًا وهو يسألها بعتاب لطيف مزق صمودها (إيه مفيش وحشتني، مفيش حضن ليوسف)
ارتمت بين ذراعيه تحيط جسده بكلتا ذراعيها،ممزقة رداء الخجل، تمرغ وجهها في صدره كقطة كان موائها همسًا مشتعلًا بحرارة الإشتياق(وحشتني)
بادلها الهمس بآخر ناعم غارقٌ في الرقة (إنتِ وحشتيني أكتر) إبتعدت بعدما إرتوت روحها، ونشرت السعادة أشعتها داخل قلبها المتعب بالفراق، مسح بقربه آلام الليالي الظلماء حين كانت تجلس تناجيه ربما تحمل له ذرات الهواء همسها، وأشواقها المشتعلة
توصي النجوم كل ليلة أن تغادر إليه تؤنس لياليه ولا تنسى أن تضع في أذنها همسات له تخصه بها كرسالة.
قرص وجنتها بأنامله هامسًا (هروح أشوف جلال وهرجع علشان ننزل نشتري فستان الفرح) لمعت نظراتها فرحة وأشرق وجهها الوضاء رضا، فأبتسم لها هامسًا بحرارة أنفاس راغبة لا تقوى علي الإبتعاد (آخر الأسبوع الفرح) هزت رأسها غارقة في خجلها متوردة الوجه في حياء بهي يثير في نفسه ألف رغبة،
في مجرة العشق لا وجود ولا إحساس بوقت. الوقت مجرد أرقام تتقافز باكية من التجاهل فاللذة هي سيدة اللقاء والإغتنام حارسها المطيع،جذبها الزمن غاضبًا ألقاها في الواقع خارج حدود حجرته لكن ما يعنيها أنها أرتوت شحذت الهمة وإمتلأت بالرضا والتشبع، سقطت في غيبوبتها، تساعد في صنع الفطور بإبتسامة كغزل متأنق.
تحلّقوا حول سفرة عامرة بشتى أنواع الطعام، إختار أن يجاورها يهمس لها كل حين بإبتسامته الخلابة فتغيب عنهم وتحلق في سماء العشق بجناحي الهوى.
في بداية المساء بحث عنها فأخبرته والدتها أنا بالمطبخ، وقف خلفها يهمس مُعاتبًا (مجهزتيش ليه..؟)
إستدارت منتهبة له، ابتسمت وهي تهتف (ممكن أطلب طلب)
أجاب بلهفة وهو يقف أمامها (عنيا إطلبي)
أخفضت نظراتها تخبره ببعض الخجل (تسلم عينيك ياحبيبي) خفضت صوتها آخر جملتها حياء وتأدب، تقييدًا لمشاعر مبعثرة
فأقترب يستفسر بغيظ حارق (بتقولي إيه)
رنت إلي مقصده من تكرار السؤال،فتجاهلته  إرتبكت أكثر لكنها تماسكت تخبره دون أن تروي ظمأه للإجابه وتُهرس هي وقتها بين رحى الهوى (مش عايزه اشتري أنا الفستان) قطب مُتحيرًا، تهجمت ملامحه ليخبرها بضيق (ليه يا جميلة)
أخبرته بنصف إبتسامة (هو ده طلبي)
أخبرها بحيرته، وعدم فِهمه للأمر (ليه.؟)
همست برجاء خافت متهربة من نظراته(مكن تجيبه إنتِ) عبس وتولى في إعراض، لا تروقه الكلمات غائب عن فِهمها، لتوضح أكثر بنبرة لينة (عيزاه منك علي ذوقك إنت الي تحب تشوفني فيه)
تهدم سور الجهل، إرتوى عقله برحيق الفِهم فإبتسم يخبرها بمشاكسة(إفرض معجبكيش) أكدت بشغف (لا هيعجبني أكيد) أثار ضيقها بكلماته (أنا بفترض مفيش عروسة مبتخترش فستانها)
تنحنحت قبل أن تهمس بحرارة (أنا أخترتك إنت ودا كفاية عليا، عايزه أشوفني  بعنيك إنت ياوسف)
عقد ساعديه أمام صدره يهتف بتهجم وهزة رأس يائسه محاطة بزفرة حارة (بقول نقدم الفرح)
سخطت متفاجئة (أكتر من كده.؟)
رمقها بنظرة غامضة وهو يندفع للخارجًا مقررًا دون أخذ رأيها أو الإلتفات لندائها (هكلم الشيخ رضوان)
أجفلت من جديته نادته معترضة (يوسف)
وقفت يوسف يهددها (ولا كلمة ولو نادى عليكي هتقولي الي يشوفه يوسف)
عقدت حاجبيها في رفض غير مُعلن ليجبرها بنبرة حادة (جميلة هتقولي كده)
زفرت مستسلمة لعناده المفاجيء فإبتسم لها برقة وخرج عازمًا علي ما أراد وليخضع الجميع هو لن يتحمل الإبتعاد ويرتشف كأسه المرّ، وهي التي أمامه كنبيذ مُسكر لذة للشاربين.
********
أرخي الليل ستائرة، فنهض جلال من جوار عباس الذي عاد للمنزل بعافية منقوصة
(يادوب نلحق نسافر) قالها جلال وهويتنزع عينيه من علي جسد عباس الواهن، برغم قلقه المستعر وخوفه من مفارقته لكنه مُجبر بوعده ليوسف بحضور حفل الزفاف.
حاول عباس إثنائه (خليك بكره يا ابني)
أجاب جلال وهو يبتعد خطوات عنه(مش هينفع أنا حجزت خلاص)
سألته إسراء التي جلست مكانه بجانب والدها (والعربيه ياابني.؟)
قال وهو يلوح لهما (خليها هتحتاجيها هنا كتير دلوقت) تأففت إسراء من عناده زاهدة النقاش الذي لن يجدي طائل.
سأل براءة التي وقفت في إنتظاره (جاهزة..؟)
أومأت بصمت بارد فحمل عنها الحقيبة الصغيرة وسبقها للخارج وهي خلفه.
بينما كان القدر يخبيء لهما هدية ستغير مجرى حياتهما وستقلبها رأسًا علي عقب .

بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن