الفصل الخامس

3.7K 150 7
                                    

الفصل الخامس
حبك كان نغمتي العذبة في سينفونيه الحياة القاسية.
__________
رفع عينيه يطالع القادم بإبتسامة مستهلكة قبل أن يسبقه الهتاف إليه وهو مازال مسترخيًا في جلسته يتابع حشو سجائرة بتلذذ وعناية :اي رياح طيبة أتت بك يا ابن الشيخ.
خلع يوسف الكاب الخاص ببدلته الرسمية وجاوره في الجلسه عينيه تتابع ما يفعله :مش هتنضف بقا.
مرر جلال لسانه على سيجاره مستمتعًا قبل أن يشعلها قائلًا ببعض التركيز:لا... دي الحاجه الوحيدة الصح في العالم ده.
نصحه يوسف بإشفاق :ياابني صحتك.
هتف به جلال ساخرًا، ناهرًا له وهو يستنشق من سيجاره :بس يالاااااا احنا مش فالجيش.
أمسك يوسف بذراعه لائمًا :اطفيها الله يخرب بيتك هرجع للكتبية محشش وريحتي حشيش.
زفر جلال بضيق وقد فقد استمتاعه للحظة، أطفأها وانتبه له بسأم :جاي علشان تفصلني صح.
:لا أنا جايلك فموضوع مهم وعايزك مركز..
هتفها لينال بعضًا من تركيز جلال وحضوره بينما كان هو متوترًا يلوح التردد بنظراته.
اعتدل جلال ساحبًا ساقيه الممدودة على الطاولة أمامه وأعتدل يسأله بينما يحك ذقنه النامية: خير.
أخطأ يوسف حين بدأ بالوعظ فنال اكبر ابتسامة ساخرة من صديقة :كفاية كده عذوبيه واتجوز ياابني وخلف واستقر.
نظر جلال بعمق لملامح يوسف المهزوزة، بنظرة ثاقبة ارتشفت توتره هتف ساخرًا :اشتغلت خاطبة..؟
زفيرًا أطلقه يوسف، بينما نظراته جابت الفضاء الفسيح حوله بملل قبل أن تستقر على جلال :اسمعني.
اتكأ جلال بظهره للكرسي، نظر حوله قبل أن يستحث الأخر :ايه كمل..
:جايبلك عروسه..
لفظها بسرعة كأنه في سباق، ليكمل بشجن :بنت كويسه ومحترمة وعايزه تعيش.
مال جلال ناحية سيجاره احتضنها بين أنامله ورفعها لفمه وبدأ في اشعالها تحت نظرات يوسف المندهشة، التي سرعان من بددها جلال بهزره :حاسس الي بيتقال ده محتاج سيجارة الحشيش... سحبً نفسًا والتفت ليوسف:ما تعيش معاك ياعم..؟ .
زاد ارتباك يوسف، لمست كلماته أمنية يرغبها بشدة، هربت الكلمات من على فمه أما نظراته فبدت زائغة، أشفق جلال لأول مرة من ضياع يوسف وهمه البادي على ملامحه انتبه له :يوسف ايه الموضوع..؟
تنهد يوسف قائلا :مفيش عادي شايف حالك مش عاجبني والبنت كويسه بس ظروفها مش كويسه.
قطع جلال استرتسال كلماته بهمهمة :امممم.. طيب تمام أشوفها.
رفع جلال حاجه مستلذًا عذاب الجالس أمامه والذي بدا له من شحوب وجهه وسقوط كلماته في بئر الصمت.
نهض يوسف متهربًا من نظرات جلال الثاقبة يؤكد بإستسلام :تمام يبقى الإجازة الجاية.
غادر كما جاء لكن جلال استوقفه :مش عايز حشيش...والله ياابني هيريحك.
اهداه يوسف نظره مستهينة زاجرة قبل أن يعاود السير صارخًا به :هبلغ عنك وارتاح منك.
ضحك جلال مؤكدًا :هشرب فالسجن عادي.
ضرب يوسف كفًا بكف وابتعد عن صديقه الذي بدأ يغني ويهزي من فعل الحشيش.
_________________
بعد مرور يومان
فراقه كان كنبضة انحنت عن مسارها فأحدثت بقلبها تعبًا وضيقًا، لياليها كانت قاسية، سرها كان ثقلًا ضاقت به فأين هو ليقوي عزيمته.؟!
خرجت من حجرتها على صراخ والدتها وأختها تهاني، وقفت في منتصف الطريق وقد أدركت أن أحدًا ما قد أخبرهم بوفاة عامر، انفطر قلبها لرؤية والدتها جالسة أرضًا تصرخ بقوة منادية بجلل(ولدي)
تلفتت السيدة ناحية جميلة تسألها، تستوضح الأمر غير مصدقة :جميلة بيقولوا أخوكِ مات...؟
وقفت مكانها متصلبة تنظر لوالدتها المريضة بإشفاق ولأختها بلوم وسخط، لم تنطق فنهضت والدته متعثرة تهزي :اتأكدي يا جميلة، روحي للشيخ رضوان.
أغمضت عينيها منهكة، ماذا تقول.؟ لما هربت الكلمات.؟
من خلفها تهاني تؤكد بقوة دون شفقة بأمها:مات يا أما أنا روحت للشيخ ووراني الورق.
دفعتها والدتها صارخة بعدم تصديق :كداااابه..
جحظت عينا تهاني بصدمة مستنكرة :أنا يا أماااا
هتفت السيدة بجميلة تتوسلها تارة وتزعق بها تارة :روحي للشيخ يا جميلة، يمكن كدب.
لكن ملامح جميلة أكدت ما قيل، بكائها جعل والدتها تهتف بإستنكار :كنتِ عارفه إن أخوكي مات يا جميلة.؟
اندفعت تحتضنها مهدئة :للبقاءلله يا أما عامر شهيد.
صرخت الأم بوهن وقلب مفطور :ضهرنا اتكسر يا جميلة.
قبلت جميلة رأس أمها مقرة بدموع:إنا لله وإنا إليه راجعون.
كانت جرعة الألم والفقد كثيرة على قلبها المنهك المهزوم من الحياه، دارت بها الدنيا حتى أسقططتها في غياهب الظلام تاركة خلفها صرخات أبنتيها الفزعة.
أيام عصيبة مرت عليها، خارت قوى والدتها وإنهار جدار تماسكها مرة واحدة، التزمت الفِراش بعد أن كبلها الحزن وسرق صحتها الضعف والمرض، بقيت جميلة ترعاها وتحاول التخفيف عنها، لكن هيهات فكلتاهما مكلومتان.
_________________
لم يكن المكوث ببيت أختها مريحًا خاصة بعد عودة زوج أختها وإصراره أن تكمل إقامتها ولا تغادر، ما كان يزيد من سوء الأمر هو نظرات أختها الغامضة وتوترها ومراعاة عدم اجتماعهم وعزلهاهي وفتاتها دائما، اقصائهما عن مجلس العائلة أو تجمعهم على طاولة طعام، والذي تعلله دائما أختها بأنها تريدها أن تبقى على راحتها، لكنها ما عادت لتنفرد وحيده في حجرة مغلقة وتُعزل عن العالم، لذلك قررت أن تغادر، استجمعت شتاتها وخرجت لتخبر أختها لتفاجئ بزوج أختها فابتسم بتحية
:مساء الخير يا أحمد.
:ازيك يا بنتي عامله إيه فينك..؟
:موجوده اهو.
:مبتطلعيش تقعدي معانا ليه.؟
:معلش علشان تاخدوا راحتكم.
:عيب متقوليش كده إنتِ صاحبة بيت.
:متشكرة يا أحمد ربنا يخليك.
:بصي هروح أعمل شاي وهاتي بنوتك وتعالي احكيلي الدنيا عامله معاكي ايه.؟
:يوه عملت حاجات ياما.
ضحك الاثنان مما جلب ريبة أختها راكضة في اندفاع ناحيتهما تسأل وهي تقلب نظراتها في وجوهيهما:خير ياحنان طلعتي من أوضتك ليه في حاجه.؟
ارتبكت حنان وقد شعرت أن السؤال في باطنه تأنيب لخروجها، أجاب أحمد ونظراته اتجهت لزوجته تلومها:خبطت عليها تطلع تقعد معانا شوية.؟
أراد إنقاذها من توتر ومشاحنة امتلى بها الجو، لكنه لا يعرف أنه صب وقودًا على نار مشتعلة بالصدر.
أفسحتهما لتنسل من بينهما إلى المطبخ قائلة بجفاف:تمام.
أرادت حنان الانسحاب والعودة لحجرتها لكن أحمد أصرّ بنبل :يلا يا حنان..
لم تجد أمام رغبته إلا الرضوخ والموافقة ما جعلها توافق رغبتها في معرفة أختها أكثر والتوتر والخوف الذي تغرق فيه منذ عاد أحمد.
جلست تحتضن فتاتها لا يتكلم سوى أحمد
:احكيلي عملتي إيه.؟ في أيام كورونا والدنيا عملت فيكِ إيه.؟
أخرجت من صدرها تنهيدة مشحونة بالعواطف وتقلبات المشاعر قبل أن تهمس بنبرة مختنقة وغصة ألم :كانت أيام صعبة والله، معرفش إزاي مرت بس الحمدلله.
همستها وهي تبتلع دموعها التي سكنت مقلتيها فإستسلام لتلك الذكرى الموجعة، للحق أحمد أول واحد سألها عن تلك الأيام.
:اتصابتي..؟
هزت رأسها قائلة بأسف :للأسف ودخلت الحجر الصحي ١٥ يوم.
ضم شفتيه متأسفًا، بينما نظراته كانت تحيطها بشفقة وحزن قبل أن يواسيها :الحمدلله إنك بخير.
تمتمت خلفة :الحمدلله..
:أحكيلي الوضع كان عامل إزاي هناك.
هتفها مراقبًا وقد شعر بحاجتها للحديث والبوح بكل ما عانته.
:هي كان....
قطعت أختها تواصل الحديث قائلة بضيق :ما خلاص بقا..
زجرها زوجها بنظرة مستنكرة، بينما حنا انكمشت تراقب بصمت.
تبدلت نبرة أختها لأخرى مهادنة دون أن تمنع الغيظ والحنق أن يركضا من نظراتها تجاه حنان:مش حابة تفتكر الأيام دي.؟
عاجلها زوجها بسؤال :هو إنتم كنتوا تعرفوا إنها اتصابت..؟
هزت أختها رأسها برفض جعله يركل الاستنكار من نظرته بينما كلماته خرجت تقطر سخطًا :معقول..
احتدت أختها ونظراتها تصعق حنان الجالسه بإستكانه:هي مقالتش هنعرف منين.
ارتبكت هنا وتوترت من الحديث الذي اتخذ مجرى الشاحنة والجدال العقيم فسارعت بالتوضيح :فعلا أنا مقولتش...ومحدش كان يعرف.
رمقها أحمد بإعجاب، قبل أن يقول بإطراء :إنتِ قوية والله يا حنان تبقى في الغربة وتتصابي وتعيش  كل ده لوحدك، إنتِ فعلا بطلة.
نهضت أختها من جلستها متأففة حانقة، وجهت كلماتها لحنان :مش هتنامي يا حنان، بنتك نامت.. ختمتها بإشارة للفتاة الغافية داخل أحضانها.
ابتلعت حنان ريقها بإحراج شديد، لتنهض من جلستها موافقة :فعلا هقوم أنا.. ثم وجهت كلماتها لأحمد :تصبح على خير .
:وإنتِ من أهل الخير يا حنان.
شيع ذهابها بصمت قبل أن ينهض ويغادر هو لحجرته لتلحق به زوجته.
هتف وهو شارد :والله أختك حنان دي طيبة ومتستاهلش البهدلة دي كلها.
سألته بإنفعال ونظرات مشتعلة :بهدلة ايه ي واحده عايشه فنعيم.
ضب كفًا بكف متعجبًا قبل أن يسألها وقد أخذته من شروده :بالله إنتِ مصدقة الي بتقوليه ده..؟
صرخت به وهي تجاوره في الفراش :إنت بقا مالك وشاغل نفسك بحنان ليه.؟
حملق فيها مندهشًا من كلماتها التي وقعت كالصاعقة فوق رأسه لكنها تابعت متاجله ساخرة لصدمته :متشغلش نفسك بحنان يا أحمد هي مرتاحه وبلاش تسألها كتير علشان بتضايق.
عقد ما بين حاجبيه يسألها بصدق وندم :بجد معرفش إنها بتزعل..
قالت بخبث مراقبة ملامحه :اه..
تمدد على الفِراش متمتمًا :خلاص مش هتكلم تاني.
حصل من ملامحها على ابتسامة رضا وتنهيدة راحة قبل أن تتمدد بجانبه.
قبل أن تغمض عينيها وصلتها رسالة على هاتفها كانت من زوجة أخيها
(خلي بالك من حنان، أختك مش ساهلة كده وناعمة زي الحية متقعديهاش مع أحمد جوزك طيب، أنا بوعيك علشان أنا أدرى واحدة بحنان.)
في الحجرة الأخرى كانت هي منكمشة لا تدري انتفاضة جسدها تلك كانت بفعل البرد أم من شدة الخذلان الذي شتت كل ذرات جسدها فأنهكه، لمحت في نظرات أختها اليوم عبر كرهًا لوح لها ثم تدثر بالحنق والسخط،
أختها تغار منها على زوجها أو ربما تخشاها ولا تثق بها هذا ما أدركته على مدار الأيام الماضية وأكدت أفعال أختها شكوكها اليوم.
لذا عزمت على المغادرة في صباح الغد غير آسفة على علاقات واهية حتى صلة الدم لم تكن كافيها لتقويها.
*******
مرضت والدتها مرضًا شديدًا، احتلت أختها وزوجها الدار، بات الأمر ثقيلًا على نفسها، قيدوا حريتها في بيتها، تحبس نفسها داخل حجرتها مع والدتها لساعات طويلة، منعزلة تخشى على والدتها من شجارها مع أختها حتى الطعام لا تتناوله لكي لا تحتك بزوجها المتحرش الذي يضايقها مرارًا وأختها لا تعي وإن وعت، ابتسمت بمرارة فأختها ستلومها هي، ليس بعيدًا أن تتهمها هي بتحريضه أو الكذب عليه لتنال منه.
كانت أمها حصنها وملاذها درعها الذي تتشبث به وعمود قوتها والآن ترقد لا حول ولها ولاقوة.
مسحت دموعها ونهضت من مكانها تسترق السمع بعد أن أحست ببعض الأصوات المتزاحمة خارجًا، تنهدت بقلة حيله حينما أتضح لها أن الصوت الذي تسمعه ماهو إلا صوت عماد البغيض، يبدو أنه جاء ليسهر مع أخيه كعادته منذ أن اقتحموا الدار وأصبح البيت مستباحًا تطأه أرجل الكلاب.
جلست أرضًا بإنهاك، تسند ظهرها على الباب خوفًا وترقبًا، تفكر ماذا ستفعل.؟
اتشتكيهم للشيخ رضوان.؟
أستقرت الراحه في نفسها لذلك الخاطر، ارتدت ملابسها بسرعة، مقررة الذهاب بأقصى سرعة.. لكن قبل أن تخطو سمعت عماد يهتف بتشفي ضاق به صدرها :متعرفوش الي حاصل.؟
تسألت أختها بإهتمام :خير.؟
ازداد صوته علوًا عن عمد وهو يقول بفرحه خبأت بين حروفه:بيقولوا يوسف أتصاب في كمين ودلوقت في المستشفى العسكري والله أعلم حي ولا ميت.
انتفض جسدها بقوة، شهقتها العالية حطمت ثبات جسدها فأرتعش، رفعت كفها لفمها تكتم همسه الذي ينحر قلبها ويقيد دقاته (يوسف)..وقفت تدور بالحجرة، الفزع يتملكها كمن شبت في جسده النيران لم يستطع النطق فقط روحها تستغيث.
رفعت كفيها تخبئ وجهها، بكت بحرقة لأجله، تمزق القلب رعبًا عليها، عدلت ملابسها وأطمأنت لنوم والدتها الذي قد يطول بفعل العلاج  ثم وضعت حول جسدها شال والدتها الأسود وغادرت  مندفعه..
استوقفها عماد بهتافه البغيض:واه ازيك يا دكتورة على فين العزم.
رمقته بنظرة نارية إحتقنت بالكره، اندفعت أختها تباغتها قبل أن تختفي من أمامها :رايحه فين يا جميلة.؟
أجابت بعزم وقلبها لا يقو على الانتظار:عند بيت عمي الشيخ رضوان.
دفعتها أختها بحقد:لا مش وقته.
صرخت جميلة بنفاذ صبر :لا أنا أروح براحتي وقت ما أحب إنتِ ملكيش حكم عليا.
بغل دفعت الأخت جميلة زاعقة بغضب حارق:لا دا كان زمان دلوقت مش هسيبك على حل شعرك كفاية أمي سابتك لما اتفرعنتي عليا.
وصل غضبها الحلقوم، أكان ينقصها الصراع مع أختها.؟
عقلها لا يتسع الآن لنقاش، تريد فقط التحقق مما قال هذا البغيض الذي ينظر لما يحدث بتسلية.
هادنت أختها قائلة:سبيني دلوقت أروح ابقا لما نرجع نتكلم.
تخصرت أختها رافضة :لا..
لما تعد تحتمل وكل الفزع يجسم على صدرها، أفكارها تركض إليه بجنون.. دفعت أختها بقوة وغادرت لا تعلم ما حدث لها جراء الدفعة، وإن يكن ما حدث فهي تستحقه.
هو فقط من يهمها في هذا العالم بعد والدتها .
لم تجد في ذهابها خلاصًا أو راحة، الدار يخيم عليه الحزن والصمت، الأهل والأقارب متراصين في بؤس، اندفعت تسأل عن والدته بإهتمام :الحاجه فين.؟ .
أشاروا لمكان جلوسها، ركضت ناحيتها ما إن رأتها السيدة حتى اعتدلت تستقبلها بحنان بين ذراعيها تبث لها حزنها :عرفتي الي حصل يا جميلة ادعيله يابنتي.
شددت جميلة من ضمها وهي تحاول التماسك وعدم الانهيار، جلست بجانب السيدة تحاول أن تستجمع شجاعتها وتشحذ قوتها:حضرة الضابط بخير اطمني..
بكت السيدة بشدة أرهقت قلب جميلة، ظلت بجانبها تحاول تهدأتها وطمأنتها ولا تعرف هل تهاتف هي روحها المعذبه وتطمأنها على الحبيب أم والدته... مكثت بجانبها ترعاها حتى تأخر الوقت
نهضت تستأذن المغادرة والعودة صباحًا لتطمئن لكن السيدة منعتها :خليكِ معايا يا بنتي متهملنيش للفكر والقلق.
حاولت جميلة الرفض لكن شئ ما عقد لسانها، صمتت لبرهة ثم قالت بصوت خافت متقطع :مش هقدر.
أمسكت السيدة بكفها تستجديها :اقعدي مفيش حد موجود غيرنا الناس كلها مشيت هتهمليني لحالي.؟
انحنت جميلة تحضنها بمودة هامسة ببكاء عالق :لا هبات معاكي يا خالة.
انقضى المساء والقلق يأكل روحيهما لا أحد يتصل أو يرد على اتصالهم المتكرر لتطمئنتهم، ساعدت الحاجه للوصول لحجرتها والامتثال لبعض الراحة قليلًا.. تمددت بجانب السيدة حتى غادرت في غفوة فرضها التعب، نهضت تبحث عن مرحاض قريب لتتوضأ، في طريقها وقعت نظراتها على حجرته، وقفت تطالعها بحنين ودموع غلبتها، فكرت أن تدخلها لكنها تراجعت، استندت على الحائط بجزعها تفكر وعينيها لا تفقد الأثر، بحياتها كان لها حلمان فقط تحيا من أجلهما، الأول كلية الطب والثانية فهو.
مابال أحلامها تتلاشئ وتتركها وهي التي تحيا لأجل تحقيقها. قادها قلبها للحجرة دخلتها بقلب يرفرف سعادة، فتحتها فأستقرت الرهبة في نفسها، رغم الخوف والحذر بقلبها نبض يعلو بإسمه فيطمئنها ويقودها ناحية ما يخصه، تأملتها بشجن، دارت فيها بشغف، لمست محتوياته بقدسية، فتشت كتبه ودفاتره بفرحة غامرة، تشممت رائحته قربتها من قلبها وبكت.. وتلك كانت لحظة جنون منها لاتدري عواقبها، لحظة تنحى فيها العقل  جانبًا بينما أحتل القلب موضع القيادة
تركتهم بأماكنهم وخرجت لتتوضأ ثم عادت أفترشت سجادة الصلاة الخاصة به وصلّت بخشوع، بين بيدي خالقها توسلت أن يحفظه ، ودعت أن يعود سالمًا معافى، استقر في قلبها اليقين فنامت أطمأنت فغفت دون أن تدري.
في الصباح عاد، استقبلته والدته بالحمد، والأحضان.. اعتلي الدرج يريد الراحة قليلًا من عناء السفر، استأذن الجميع، دخل حجرته بوهن فتح أضواءها بإنهاك، لتصدم عيناه بها نائمة منككشة على سجادته؛ ارتد للخلف متفاجئًا، تقهقر وداخله يهمس :جميلة..
عاد من حيث أتى وأغلق الباب، لاشئ يزعجه سوى دقات قلبه المضطربه العالية،وهذه الفرحة اللذيذة التي تخدر حواسه
نظر حوله لايدري ماذا يفعل الآن، فاهتدى إلى أن ينادي أخيه بصوت عالٍ مُحدثًا بعض الجلبه والضجيج مما يجعلها تستيقظ وتغادر دون أن يسبب ذلك لها إحراجًا.
حدث ما خطط له واستيقظت على صوته، دارت كالثور حول نفسها لا تعلم تضحك لعودته سالمًا أم تبكي من وجودها هنا، لامت نفسها على نومها ولكن هل لومها الأن وتوبيخ نفسها سينقذها .
تحرك من أمام الحجرة، شعرت بإبتعاد صوته ففتحت الباب بمواربة لتطمئن، شعرت بالأمان فخرجت مندفعه للدرج تكاد تتعثر، من خلفها هو يتابعها بملامح جامدة،ويقين بأنه فقد قلبه للمرة الأولى.
***************
انتهى


بنكهة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن