الجزء 34

288 15 1
                                    

نظر بافتتان إلى جسدها شِبه العاري والمستلقي في استسلام عجيب على ذلك السرير الوثير ذي الأغطية الحمراء.. والذي تنبعث من حوله إضاءة حمراء خافتة لشموع صغيرة أضفت جوًّا محبَّبًا من اللذة.. اقترب من جسدها حتى دخلَ في مجال عطرها.. تنفَّسه في نشوة.. ثم غشيته الشهوة فتحركت يده بسرعة إلى شعرها فقبضت عليه في عنف رومانسي يجيده كما يجيد التقبيل .

اقترب وجهه من وجهها.. لفحتها أنفاسه الحارة.. نظر إلى شفتيها عن قُربٍ.. ليست هاتان شفتين.. إنما هذا توت أو ياقوت.. قبّلهما بعنف رجولي يعجب النساء.. نظر إلى عينيها.. هذه المرأة كل ما فيها جميل.. ظلَّ يقبِّل شفتيها ووجنتيها وعينيها حتى ثمل .

إن الكاميرا التي تصوِّر لك هذا المشهد تصوِّره لك عن قُربٍ متعمَّدٍ؛ فتارة ترى شفتيْ الفتاة وهو يقبِّلهما ببطء وتارة تركز الكاميرًا على عينيها الجميلتين الساهمتين في أمرٍ ما لا تدري ما هو.. ثم تقرر الكاميرا أن تلتف حول وجهها لتصورها لك من الخلف.. إن لها شعرًا أسود طويلًا يمسكه الرجل بقبضة يده القوية بينما شفتاه آخذتان في تقبيلها بحرارة .

بدأت الكاميرا تنزل شيئًا فشيئًا منذرة بمشهدٍ خلفيٍّ لجسد عارٍ فاتن يناسب جمال هذا الوجه.. وظلت الكاميرا تنزل ببطءٍ حتى تسارعت دقات قلبك المحروم وبرزت عيناك من اللهفة لما ستراه بعد قليل.. ثم اتسعت عيناك.. ولم يكن اتساعها عن شهوة ولا نشوة.. بل لقد اتسعت عيناك من الذعر.. فلما انتهت الكاميرا إلى نهاية شعر الفتاة لم ترَ ظهرها عاريًا كما هو مفترض.. بل لم ترَ شيئًا على الإطلاق.. لم ترَ إلا رداء الرجل.. ثم ابتعدت الكاميرا بسخرية شيئًا فشيئًا لتريك المشهد الكامل.. مشهد لرجل يقف ممسكًا برأس فتاة ويقبِّلها بنهمٍ بينما يستلقي جسدها بعيدًا.. على فراش وثير.. وأغطية حمراء.. وعزفت لك الكاميرا موسيقى رومانسية جميلة إمعانًا في السخرية.

لما شبع الرجل أبعد وجهه عنها قليلًا ونظر إلى الرأس المقطوع بتشفٍّ.. ثم رمى الرأس الجميل حتى اصطدم بالحائط بعنفٍ واستقر على الأرض.. وهو في رحلته هذه - الرأس- صنع بقعة من الدماء على الجدار متصلة إلى موضع الرأس الساكن على الأرض.. نظر الرجل إلى البقعة بلا مبالاة ثم اتجه بعيدًا عن السرير.. يمكنك أن ترى الأرضية الآن.. أرضية رخامية جميلة .. لكن أفسد جمالها بضع دوائر مرسومة عليها داخل بعضها البعض في شكلٍ مريبٍ.

مرحبًا بك في بابل مرة أخرى.. الأرض الملعونة.. نحن في عهد ما بعد النمرود.. لا تدع المشهد السابق يصدمك.. ولاتحزن على الفاتنة أبدًا فهي "إنانا".. وهي ملعونة في الأرض وملعونة في السماء.. ولا تستغرب من هذا الرجل ذي الرداء فهو "هازارد".. و"هازارد" هو أشد سحرة بابل فتكًا في ذلك الزمان.. وقبل أن نكمل المشهد لابد أن تعرف معلومة واحدة.. وهي أن هذا الساحر يلقَّب ب "مانزازو".. و"مانزازو" في البابلية تعني نكرومانسر.. ونكرومانسر تعني.. فلنتابع المشهد لنفهم أكثر..

وقف الرجل في وسط الدوائر.. كان يرتدي إزارا طويلًا أحمر عليه خطوط سوداء عريضة.. تنحدر على ظهره قلنسوة رداء الراهب المعروفة.. أخذ يتلو الكثير من التراتيل التي يرتفع فيها صوته حينًا وينخفض حينًا آخر.. وترتفع يداه فيها حينًا وتنخفض حينًا آخر.. ثم إنه خرج من الدوائر وتوجَّه إلى رأس "إنانا" الملعونة وأمسك بشعرها الجميل ثم انحنى بالرأس على الرخام وأخذ يفعل شيئًا عجيبًا.

وضع الرأس على الأرض وأخذ يحرِّكه في اتجاهات مختلفة ويضغط على مواضع معينة منه.. هذا رجل يعرف ماذا يفعل.. لم يكن بإمكانك أن تفهم ماذا يفعل إلا بعد أن انتهى مما يفعل ورمى الرأس بعيدًا مرة أخرى.. لقد كان هذا الرجل يكتب.. وقلمه كان رأس "إنانا".. ومُداده دمها.. بالطبع لن تفهم حرفًا مما كتب لأنه كتبه بلغة بابلية قديمة.. إن حروف هذه اللغة تبدو مخيفة.

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن