الجزء 58

77 6 0
                                    

الجهة الشمالية للقلعة هي الهاوية.. هاوية على ارتفاع ألف قدم.. كل من أرسله "دراكولا" هناك من البويار ماتوا.. بعضهم مات من الجوع.. أو من الإنهاك.. وبالطبع رماهم كلهم في الهاوية.. ثم إنه شنَّ حملة قاسية جدًّا لاحق فيها كل البويار الساكنين في مملكة والاكيا.. نساؤهم وأطفالهم وشيوخهم.. كانت إبادة عرقية.. تعدت العروق إلى أصغر شعيرة بويار دموية تنبض في جسد أحدهم.. وبدأت أنياب "دراكولا" في الظهور.

على الجانب الآخر كنت أنا أقاتل في القسطنطينية.. كان "محمد الفاتح" حقًّا كما تصفه كتب التاريخ.. داهية حقيقية.. إن دهاء الفرسان يختلف عن أي دهاء آخر.. دهاء لا خبث فيه.. دهاء صاف.. كانت ملحمة تاريخية ليس بوسعي ذِكر تفاصيلها الآن.. لكننا حققنا هدفنا في النهاية.. وصارت القسطنطينية لنا.. بل صارت عاصمة المملكة الإسلامية العظيمة.

"لتفتحن القسطنطينية.. فلنعم الأمير أميرها.. ولنعم الجيش ذلك الجيش"

قال لي الأمير الفاتح في الميدان ناظرا إلى رأسي :

- "رادو" هل تضعون الحناء على شعور الرجال في والاكيا ؟

أمسكت بشعري الذهبي في استغراب ثم ابتسمت بفهم قائلًا :

- بل كنت أضع الحناء لسيفي ياسيدي.. لكن يبدو أن بعضا منها تناثر على رأسي.

كان رأسي مضرجا بدماء الأعداء.. لكن رأسي لم يكن مهما.. كان المهم هو الخبر الذي جاءنا به مرسول الدولة.. لقد أعلنت والاكيا التمرد على السلطان.. لقد تمرد "دراكولا".. فعلها وتمرد.. لم يُرد السلطان "محمد الفاتح" أن يعكر صفو انتصاره بهذا الخبر.. لذا فقد سكت.. وأنا أعرف الفاتح عندما يسكت عن مثل هذا.. يبدو أن الأيام تدخر لنا معارك جديدة.. معارك مع أولي القربى.

لكن "دراكولا" كان يفعل شيئًا آخر في والاكيا.. لقد تعدى مرحلة إظهار الأنياب وبدأ في مرحلة إخراج القرون والمخالب.. دعني آخذك إلى والاكيا لتشاهد بنفسك..

هناك خمسة رجال يلتفون على ما يبدو أنه رجل يصرخ.. وهم يتحركون في عنف وكأنهم يفعلون فيه أمرًا ما.. هاقد ابتعدوا عنه قليلًا وأمكنك أن ترى ما يفعلوه.. لقد ربطوا حبلًا في يده اليمنى وحبلًا في اليسرى.. وثالثًا في قدمه اليمنى ورابعًا في اليسرى.. وقام أضخم اثنين منهم بتثبيته وتراجع ثلاثة منهم.. هل ترى؟ إنهم يربطون أطراف الحبال في جياد.. والرجل يصرخ مستنجدًا بلغة لا تفهمها.. ثم إنهم وجهوا رؤوس الجياد إلى الاتجاهات الأربعة التي تشير إليها أطراف يديه ورجليه المتباعدة.. ثم إنهم وخزوا الجياد فتحركت ببطء ليرتفع الرجل عن الأرض صارخًا.. وظلت الجياد تتحرك تارة وتقف تارة والرجل يتمزق باكيًا.. ثم إنهم ضربوا الجياد بالسياط فثارت وتحركت بعنفٍ سريعٍ.. لتتمزق أطراف الرجل الأربعة وتجري كل منها مع جوادها.

وهاهو رجل آخر يمسكه رجلان مفتولا العضلات ويرغمانه على الركوع وهو يصرخ.. ويأتي رجلٌ آخر ماسكًا وتدًا خشبيًّا طويلًا مسننا ويطعنه به في دبره طعنه لا تقتل.. يحاول الرجل أن يفلت بلا جدوى.. ثم يقيدون يديه ورِجليه بطريقة معينة إلى الوتد.. ثم يتعاون الثلاثة رجال على رفع الوتد وتثبيته في فتحة بالأرض..

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن