الجزء 63

101 4 0
                                    

وبهذا غزت إنجلترا القارة الأمريكية غزوًا وحشيًا لا يعترف بحقوق إنسان أو بغيرها.. كانوا يقتلون الجميع بدم باردٍ أهوج.. الحقيقة المريعة التي يخفيها التاريخ الأمريكي أن تمثال الحرية في الحقيقة قد أقيم على حساب أرواح ملايين الهنود الحمر.. فالمشكلة التي واجهت الأوروبيين المستعمرين البيض هي أنهم وقعوا على أرض خصبة زراعية واسعة الأرجاء تحتاج إلى عددٍ كبيرٍ جدًّا من الأيادي العاملة.. ولقد حاولوا أول ما حاولوا بدلًا من أن يقتلوا الهنود الحُمر أن يستعبدوهم.

كنت ترى مئات الشاحنات المحملة بالأطفال الهنود الحمر والنساء.. وكان النساء أكثر أهمية.. لأنهم فضلًا عن العمل الشاق الذي يقومون به في الأراضي الزراعية فهم كانوا يمثلون متعة جنسية لا حصر لها للسادة البيض.

ومن يرفض من الهنود أن يتم استعباده كان يقتل.. والتاريخ يحكي آلاف عمليات حرق القرى وإبادة السكان كاملين فيها وتسميم الآبار حتى وصل رقم الهنود الذين تم قتلهم إلى 80 % من عدد الهنود الأصلي.. وهذا يعني رقمًا مهولًا يقترب في أكثر الإحصائيات خجلًا من الخمسين مليون هندي أحمر أو ربما أكثر من ذلك.

لكن الأرض كانت واسعة جدًّا ولا يمكن للهنود وحدهم أن يعملوا عليها.. كانت هناك ملايين الأفدنة تحتاج لمن يعمل عليها.. وهنا توجه المستعمرون البيض إلى أكثر قارة تنجب رجالًا أشداء أقوياء في هذا العالم.. توجهوا إلى إفريقيا.

عشرات الملايين من الزنوج تم حشرهم مقيدين بالأغلال في السفن الإنجليزية وتهجيرهم قسرًا إلى أمريكا ليعملوا هناك في الأراضي.. هؤلاء كانوا يشكّلون قوة عاملة عظيمة جدًا.. ومجانية.. والزنوج الذين سيقوا إلى أمريكا كان يموت أكثرهم إما جوعا أو عطشا أواختناقا من تكديسهم على بعضهم البعض بالمئات أو يموت من رصاص البيض الغزاة ذوي المزاج المتعكر.. كانت أكبر ملحمة لاإنسانية أقيمت في التاريخ كله..

حرب إبادة شاملة عرقية على الهنود الحمر وحرب استعباد شاملة على الزنوج.. وهكذا أقيمت أمريكا.. بلد الحرية والديمقراطية الرائعة.. حتى إن أبو الحرية الرئيس الأول "جورج واشنطن" نفسه كان يملك ثلاثمئة عبد وجارية في مزرعته الخاصة.. ولم يحرر واحدًا منهم قَط حتى وفاتهم.

إن "بوكاهونتاس" هي الصادقة.. و"جون سميث" هو الكاذب.. ولقد ذكر الكاذب في مغامرات متعددة من مغامراته قصصاً من وحي خياله عن فتيات يحببنه وينقذنه من الموت.. بالطبع حكاية "بوكاهونتاس" اشتهرت بعد فيلم ديزني الشهير لها.. والذي يحكي القصة من وجهة نظر "جون سميث".. أما وجهة نظر "بوكاهونتاس" فكان من المستحيل أن تعرفها لولا أنك قرأت كتابي هذا.

إن البوهاتان لا يكتبون.. لم يكتبوا تاريخهم في أي كتب.. إنما يحتفظون به في أدمغة الكويكروز.. وهم رجال حكماء يعرفون كل شيء.. حتى أتى اثنان من الهنود الحمر المعاصرين من الذين يحملون الجنسية الأمريكية وقررا أن يكتبا القصة الحقيقية ل "بوكاهونتاس" حتى يعطيا الحق لأهله.. لكن كتابهما هذا بالطبع تمت محاربة انتشاره ولم يشتهر.. حتى لا تسوَد الصورة اللامعة الجميلة التي أظهرتها ديزني في فيلمها الذي أصدرت منه جزئين.. ولا تظن أن الحكاية مروية في الفيلم فقط.. بل إنها مروية في جميع الموسوعات وكتب التاريخ العالمية بناء على وجهة نظر "جون سميث" فقط.. أما وجهة نظر الهنود الحمر فلا أحد حاول حتى أن يستمع إليها.

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن