الجزء 36

257 11 0
                                    

فضلًا عن معرفة كيفية فكها فكها.. مثل سحر اللوحة؛ تلك اللوحة التي قد رسموا عليها أنهار بابل كلها.. فإذا خالفهم الناس في أمرٍ يريدونه وضعوا إبرة في موضع أحد الأنهار في الرسمة.. فإذا فعلوا هذا توقف جريان النهر الحقيقي وغار ماؤه. وسحر المرآة.. فمن غاب له عزيز كان يأتي سحرة بابل ويقدم لهم ما يطلبونه.. فيسمحون له أن ينظر في المرآة ليرى ذلك الغائب على حاله التي هو عليها.. المشكلة أن سحر هذين الساحرين كان يبطل كل هذا وأكثر منه.

رائعة هي بابل.. بغضّ النظر عن مهمتي التي لم أكن متحمسة جدًّا لها.. كان لابد من رؤية برج بابل العظيم وحدائقها المعلقة.. ورغم أن هذين كان لا يدخلهما سوى ملك آشور وعائلته إلا أنك تعرف حكاياتي مع الملوك.. وتعرف أن آخر ملك زرته انتهى به الأمر راكعًا تحت قدمي يقبّلهما.. وكنت أعرف أن هذين الساحرين سيركعان تحت قدمي بدورهما وسيُقرّان لي بكل ما تعلماه منذ كانا أطفالًا يلعبان في المروج.

لكنني منذ أن بدأت أسأل عن "عزازيل" و"شمهازي" هؤلاء كنت أسمع قولًا عجبًا.. قيل لي إن لديهما مغارة على حدود بابل الجبلية.. وأن هذه المغارة يقصدها الآن نفر كثير من أهل بابل.. ومن يذهب إليها يُختبر اختبارًا غريبًا.. فلو فشل فيه يُطرَد ويعود.. ولو نجح فيه يدخل إلى هذه المغارة ويظل فيها سنة كاملة لا يخرج منها.. ولما يخرج.. يكون لديه من الفنون والعلوم ما يفوق عِلم أي ساحر في بابل أو خارج بابل.. ولا يتمكن أي ساحر أن يسخِّره كما يسخر عامة الناس.

لم تكن المغارة تُفتَح إلا يومًا واحدًا فقط في السنة كلها وتظل بقية السنة مغلقة فلا يقدر على فتحها أعتى الجبابرة.. وقد كان ذلك اليوم الذي تُفتح فيه تلك المغارة قريبًا جدًا.. لطالما كنت محظوظة.. وها أنا ذا يسوقني راع أُعجب بجمالي على حصانه ويتجه بي إلى تلك المغارة..

- ها قد وصلنا أيتها الفاتنة.. هذه هي المغارة.. لا أدري ما الذي يُجبر أميرة من أميرات الإنس أن تدخل إلى هذا المكان.

- لا شأن لك بهذا أيها الراعي.. انتظرني هنا.. فإن لم أخرج لك عد إلى ديارك.

- يمكنني أن أنتظرك العمر كله يا أميرتي.. فالديار من بعد رؤياك ستصير قبورًا.

يحق للراعي أن يقول هذا وأكثر.. فقد كان يحمل "فينوس" بنفسها.. دعنا منه الآن.. لم يكن منظر المغارة يوحي بأن لها شأنًا ما.. كانت مجرد فتحة صغيرة في الجبل.. وكان واقفًا أمامها رجال كثير ونساء.. وقد وقفت معهم حتى خرج لنا الساحران إياهما.. وليتني لم أرهما.

كانت المرة الأولى التي أرى فيها بشرًا أجمل منِّي.. ليس واحدًا بل اثنين.. وليستا امرأتين بل رجلين.. المرة الأولى التي يخفق فيها قلبي بهذه القوة.. منذ متى كان الرجال بهذا الجمال.. منذ متى كانت الرجولة بهذه القوة.. يبدو أن مهمتي هنا قد فشلت قبل أن تبدأ.. فمجرد النظر إلى هذين الرجلين كان ينسيني ما كنت آتية بشأنه.

دخلت المغارة مع الساحرين الوسيمين.. وقد أبقى ما رأيته بداخل المغارة شفتاي مفتوحتان من الدهشة.. كيف يمكنني أن أصف شيئًا كهذا.. في البداية حتى يمكنني أن أنقل لك ما رأيته يجب أن تلغي كل الصور التي في ذهنك عن الكهوف والمغارات التي تكون دائمًا ضيقة.. هذه المغارة كانت واسعة كالقصر.. سقفها بعيد جدًّا عن رؤوسنا.. يجري أمامنا نهر أوله عند قدمي وآخره في الأفق.. ينبع من نبع ماء عذب قريب.. الجدران تبدو وكأن بها شيئًا مختلفًا.. فهي ليست صمَّاء ككل الصخور.. بل هي مليئة بالشقوق الصغيرة الدقيقة جدًّا والتي تُظهِر الشكل العام للجدران من بعيد وكأنها مزخرفة.. كانت هذه هي أول صورة قابلَتْها عيناي.

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن