الجزء 47

179 9 0
                                    

400 قبل الميلاد 660 – بعد الميلاد

ستنظر إلى خريطة عالمك بتمعًّن.. ستبحث في أرجائها عنِّي.. لكنك لن تجدني.. رغم أن عالمك يحترق عن بكرة أبيه.. لكنك لن تجدني.. فأنت تنظر إلى الخريطة الخطأ.. ها أنت ذا تتدارك نفسك وتزيح هذه الخريطة الجغرافية جانبًا وتفتح خريطة أخرى.. خريطة تاريخية.. وتنظر في أرجائها بتمعُّن.. ومرة أخرى لم تجدني.. هنا تقرر أن يتخذ بحثك صبغة رقمية.. فتفتح أقرب جهاز كمبيوتر إليك وتنظر إلى شاشته الحديثة في اهتمام.. ها أنت قد أحضرت الخريطة التاريخية إلى الشاشة.. وكنوع من التأثيرات الرقمية المحببة إليك أوقد لك الكمبيوتر نيرانًا في أماكن بعينها من الخريطة.. نظرت إلى النيران بعين اتقدت حماسًا.. أنت تراني الآن.. تراني أزحف على خريطة عالمك ببطءٍ.. صغيرًا كنتُ في البداية.. حتى تقع إحدى نقاط الخريطة بين أنيابي.. فألتهمها.. فيكبر حجمي.. ثم أزحف.. ثم ألتهم فأكبر.. ثم أزحف.. وأوقد النيران.. وأنفث السم من بين أنيابي في كل مكان أجول فيه.. لقد عرفتَ الآن إلى من تنظر.. لقد كنت تنظر إلى "سيربنت".. الثعبان.

بدأت الزحف أول ما بدأت في بابل.. الأرض الملعونة.. قبل أكثر من أربعمئة سنة من ولادة المسيح.. كان هناك يهود كثيرون.. شُرِّدوا من فلسطين.. وأُخِذوا إلى بابل عبيدًا مذلولين.. ناقمين حاقدين.. كارهين لأنفسهم ولدينهم ولربهم.. يحملون التوراة في أيديهم بعد أن سقطت من قلوبهم.. ماعادوا يصدّقون بكل الوعود وعدهم بها ربهم.. لقد أصبحوا عبيدًا الآن.. نساؤهم حلال ودماؤهم حلال.. تحطمت بلادهم ومقدساتهم وأحلامهم.. وعملوا بحسرتهم تحت أقدام أجنبية بابلية قاسية.. حُرِقَت أرضهم وحرًقت قلوبهم وحُرِقَت كرامتهم.

وفجأة لاح الأمل.. كانت الغيمة البابلية السوداء التي حطت على تاريخهم على وشك الزوال.. وانهزمت ممكلة بابل على يد مملكة فارس.. وسمح الفارسيون لليهود أن يعودوا إلى بلادهم.. وقبل أن يعودوا إلى رشدهم وإلى توراة ربهم.. فتحت فكيَّ عن آخرهما.. ونفثت نفثة مسمومة شيطانية تلقّتها قلوبهم المريضة بترحاب..

واجتمع كبراؤهم بكبرائهم.. وخرجوا للعالم بكتاب مقدس جديد تفوق قدسيته قدسية التوراة.. وضعوا فيه أشد عقدهم وأفكارهم سوادًا ممزوجة بأشد سمومي فتكًا.. خرج "التلمود" إلى العالم كشيطان مريدٍ وضع التوراة تحت قدمه.. وقالوا إنما التلمود هو الأسرار الشفهية التي تلقاها موسى من ربه.. وسموا هذه الأسرار الشفهية "الكابالا".. ثم ألقى موسى الكابالا إلى خاصته منهم.. فألقاها الخاصة إلى الخاصة.. حتى قرر خاصة الخاصة أن يكتبوها لئلا تضيع.. ولما كتبوها صارت كتاب التلمود.. من الرائع أن ترى أناسًا مخلصين لأفكارك التي بثثتها في نفوسهم.. من الرائع أن أصعد إلى هذه المنصة المقدَّسة وأنظر إلى هذا التلمود الموضوع عليها بعناية.. يتملكني الفضول لأقرأ..

" إن الله لم يعد يلعب مع الحوت ولم يعد يراقص حواء كما كان يحب أن يفعل.. فأنى له أن يلعب ويرقص وقد تسبَّب في دمار الهيكل.. لقد أمسى في كل ليلة يزأر كالأسد ويقول تبًّا لي لأني سمحت بخراب بيتي.. سمحت بخراب الهيكل.. لكن صبرًا أيها اليهود.. فالله لديه ما سيسركم.. صبرًا فإن المُخَلِص سوف يأتي.. من بين جنبات الظلام سيأتي.. وسيعيد بناء هيكل الرب.. لكن أيها اليهود.. لن يأتي صاحبكم إلا إذا انتهى حُكم الغوييم.. أنتم أيها اليهود وحدكم البشر.. أما غيركم فهم غوييم.. والغوييم ليسوا بشرًا.. بل هم حيوانات.. حيوانات قد سخَّرها الإله لخدمتكم.. وإنما صوَّرها على هيئة بشرية ليتسنى لها القيام بهذه الخدمة.. اعلموا أن قتلكم الغوييم هو قربان إلى الله.. ولو أن أحدكم رأى واحدًا من الغوييم قد وقع في حفرة.. فليس عليه إلا أن يردمها بالصخر.. حتى يموت الغوييم.. واعلمن يا نساء اليهود.. لو خرجت إحداكن من حمّامها فرأت كلبًا أو حمارًا أو رأت واحدًا من الغوييم أو خنزيرًا أو بُرصًا فقد تنجست وعليها أن تستحم مرة أخرى.. ولو كان أحدكم أيها اليهود طبيب ا ماهرًا فلا يعالج الغوييم.. وإن كان طبيبًا فاشلًا فليعالج الغوييم حتى يكون في علاجه هلاك هذا الغوييم"

"إنما يسوع الناصري ابن زنا.. وإنما حملت فيه أمه وهي حائض سفاحًا من العسكري بإنذار.. وإنما يسوع الناصري كذَّاب ومجنون ومضلل وساحر ومشعوذ ووثني ومخبول.. واعلموا أنما الراهبات المسيحيات مومسات.. وأن القساوسة الرهبان المسيحيين مخنثون.. وأن الكنائس إنما هي بيوت دعارة"

"أيها اليهود.. لمّا يناكح الرجل البالغ طفلة صغيرة فلا شيء في ذلك.. ولو كان عمرها ثلاث سنوات.. الأمر كأنك تضع إصبعًا في عين.. وأن تناكح ولدًا صغيرًا فهذا لا يعتبر عملًا جنسيًّا فاحشًا تخشاه"

لم أدرِ أن سُمّي في قلوب هؤلاء القوم قد وجد سكنًا أعجبه.. لقد تعدوا ما أردت لهم أن يكونوه.. لقد أفسدوا دينهم تمامًا.. سأعترف أن بني إسرائيل قد أبهروني.. لقد وعدهم ربهم في التوراة الأصلية بأن مُلكَهم سيعود لهم مرة أخرى بعد أن يُطردوا من بلادهم.. وأنه لما يعيد لهم مُلكهم سيُرسل لهم نبيًّا يُعرَف بالمسيح.. يحكم العالم بالعدل.. من عرش النبي "داوود".. ولما حقق الله لهم وعده وانهزمت بابل وأعادهم الله إلى أرضهم في فلسطين.. وجددوا المسجد الأقصى الذي بناه أبو البشر "آدم" وصلى فيه "إبراهيم" و"إسحق" و"يعقوب".. ثم جدده "سليمان".. والآن جددوه بأنفسهم وصار اسمه عندهم الهيكل.. هيكل سليمان.. ولما جددوه وصلت إثارتهم إلى ذروتها وانتظروا نزول المسيح الموعود على أحرِّ من الجمر.. والذي سيحكم العالم من عرش "داوود" في الهيكل.

ولما خرج فيهم المسيح "عيسى" بن مريم.. رفضوه.. وقالوا إنه ابن زنا.. ولما رأوه يموت على الصليب أمام أعينهم .. ثاروا.. وقالوا إن هذا إلا محتال.. فقد مات ولم يحكم العالم من عرش "داوود" كما قالت النبوءة.. لم يدرِ أحدهم أن النبي "عيسى" الذي أُرسِلَ إليهم كان المسيح الحقيقي الذي قالت عنه نبوءة التوراة.. لم يدرِ أحدهم أنه لم يكن ابن زنا بل كان نبيًّا.. ولم يدرِ أحدهم أنه لم يمت على الصليب كما رأوا وإنما رفعه الله إليه.. وأنه سيعود في نهاية الزمان ويحقق نبوءة التوراة ويحكم العالم بالعدل من عرش "داوود" في فلسطين.. لم يدرِ أيٌّ منهم هذا.. لقد تملكهم التلمود حتى صاروا يتنفسونه.

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن