الجزء 43

222 11 0
                                    

وجبل الهيكل كلمة يهودية تعني الحرم القدسي؛ لأن الحرم القدسي في عُرف اليهود قائم على أنقاض هيكل سليمان.. أي أن جناح الفرسان كان بجوار المسجد الأقصى.. تمامًا كما أردت له أن يكون.

دعني أعلمك أمرًا قبل أن نسترسل في قصة الفرسان.. أنا شيطان كما لابد أنك قد فطنت.. ومعنى أنني شيطان أي أنني أجري من ابن آدم مجرى الدم.. تأتيني أفكاره وكأنها كتاب أفتحه على أي صفحة أشاء.. ليس هذا فقط بل إنني أعدل على أي صفحة أريدها وأناقش ابن آدم فيها حتى تتملكه.. كان سهلًا جدًّا أن يقتنع "هيو" بكلامي.. وسهلًا جدًّا أن يقتنع الملك "بالدوين" بكلام "هيو".. وسهلًا جدًّا أن يقتنع ثمانية رجال بكلامٍ غريبٍ يحدثهم به "هيو".. كل هذا سهل.. سهل لأنني "بافوميت".. سهل لأنني الشيطان.. سهل لأنني ألتف بأفكار ابن آدم كما تلتف الحية حول صيدها.. بل أكثر من ذلك ياصديقي.. أكثر من ذلك.

لم يسجل التاريخ حالة واحدة حمى فيها فرسان الهيكل أي حاج.. بل أي إنسان كان.. لقد أمضوا أيامهم الأولى في القدس يفعلون شيئًا آخر لا علاقة له بأي حجاج ولا صليب ولا فرسان.. لقد أمضوا أيامهم الأولى في الحفر.. الحفر تحت الحرم القدسي نفسه.

- أنت أيها العجوز.. لم لا تقترب لتلقي نظرة على الحفر بنفسك.. لِم تقف على طرف الساحة هكذا.

- لا عليك منِّي.. استمر فيما تفعل.. وإن لم تجد ما وعدتك به فتعالَ واقتلني.

- بل إنني سأشرب من دمك يا "بافوميت".. لقد بدأت أقتنع بسخف الأمر كله.

لم أكن أستطيع الاقتراب من ذلك المكان أبدًا.. لو اقتربت منه احترقت كما تحترق الشياطين.. ضيقت عيني العجوزتين وتذكرت أيامًا.. أيامًا في غاية المرارة..

كنت أقف في هذا المكان ذاته.. قبل ألفيْ عام فقط.. كانت أيامًا فقدَ فيها معشر الجن والشياطين كل شيء.. منذ فجر الخليقة ونحن نفعل ما يحلو لنا متى يحلو لنا.. نلعب بالبشر كأنهم النرد.. نحرّكهم كأنهم قِطع شطرنج.. نأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمائلهم ونجري فيهم كما تجري السفن.. حتى رأينا رجلًا من الإنس ألجمنا كما تُلجم الكلاب من أحناكها.. ملك لم يأتِ مثله قبله ولا حوله ولا بعده.. رجل يسمونه "سليمان".

كنت خادمًا من مردة الجن البنائين.. وهؤلاء كان يستخدمهم الملك "سليمان" لبناء كل ما لا يقدر على بنائه بنو الإنسان.. والشيء الأساسي الذي كنا نبنيه هو القصر.. قصر سليمان.. لم نكن نفهم كيف يحكمنا هذا الرجل بالضبط.. كيف يكلّم الطير ويكلم النمل.. كيف يركع تحت قدميه ملوك الجن يمرغون نواصيهم في التراب من أجله.. نحن الذين أنزلنا السحر على بني آدم.. نحن الذين لو رآنا بنو آدم لفزعوا وماتوا من فورهم.. كيف يُفعَل بنا هذا؟ كيف نُجر على وجوهنا كالبهائم.. كيف لإنسان واحد أن يزيحنا عن الدنيا بنظرة واحدة؟ لم يكن سليمان ملكًا.. ولم يكن ساحرًا.. بل كان نبيا.. نبيًا دعانا فكفرنا.. فلما كفرنا تسلط علينا فسخًرنا من أكبرنا إلى أصغرنا.

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن