الجزء 37

211 14 0
                                    

أخذنا الرجلان فأوقفانا على حافة النهر الجاري.. وطلبا منا طلبًا غريبًا جدًا.. يبدو أن هذا هو الاختبار الذي يقولون عنه.. طلبا منا واحدًا واحدًا أن نتفل في النهر ثلاث تفلات.. قالا إن هذا اختبارٌ صغيرٌ يعرفان به الساحر من غيره.. كنت الثالثة في الطابور.. تفل الرجل الواقف في بداية الصف مرته الأولى.. نظرت إلى الماء لعلي أرى شيئًا؛ فرأيت نقطة زرقاء تمضي مع النهر في جريانه.. ورأيت مثل هذا في تفلته الثانية والثالثة.. اقترب منه أحد الساحرين الوسيمين وطلب من أحد رجاله أن يأخذه معه إلى صخرة ما لست أذكر اسمها.

ثم تفل الرجل الثاني.. نظرت إلى المياه فرأيت نقطة حمراء تجري مع جريانه.. ورأيت مثلها عندما تفل الثانية والثالثة.. قال له أحد الساحرين الوسيمين بلهجة معاتبة:

- ليس هذا مكان لمن تعلموا السحر في مكان آخر.

وساقه أحد الرجال إلى الخارج.. والآن جاء دوري.. الآن فهمت الاختبار فابتسمت بثقة.. أنا لم أتعلم السحر في أي مكان.. تقلت ثلاث تفلات رقيقة في الماء.. ونظرت إليها فوجدتها كلها زرقاء.. وهنا أخذني أحد الرجال إلى تلك الصخرة إياها التي نسيت اسمها.

كانت صخرة ضخمة تقف بشموخ في وسط النهر.. وكانت مليئة بالشقوق الصغيرة إياها.. لكن هناك جملة قد كُتِبَت في أعلى الصخرة باللغة البابلية.. جملة تقول " من فُتن بنا فليس منا.. من فُتن بنا فقد كفر".. لم أفهم شيئًا ولم أكترث.. الجميل في هذه المغارة العجيبة أن فيها غرفًا منحوتة في الجدران.. أشعر أن هذه ليست مغارة.. أشعر أنها قرية صغيرة عجيبة.. عرفت معلومة أخرى لم أكن أدري كيف وصل غبائي لئلا يفكر فيها من قبل..

نحن لن نخرج من المغارة إلا بعد سنة كاملة لا ينفتح فيها بابها كما قال الأهالي.. فماذا سنأكل؟

كان الطعام هو النواشف التي لا تفسد.. مثل الزبيب والجوز واللوز التي يأتون بها بكميات كبيرة جدًّا ويخزنونها لتكون لنا طعامًا.. والشرب هو من مياه النبع العذبة.. هكذا فهمت كيف تدار الأمور هنا.. لكن بالنسبة لمهمتي فلا أدري.. كل هذا لم يكن بحسباني.. ثم إن الرجلين لم ينظرا لي لأكثر من ثانية.. أنا أعرف الرجال عندما ينظرون إليَّ.. أعرف كيف يتوترون لما يحدثونني.. لكن هذين الوسيمين أشعراني بأني جدار لا تأثير له على أحدٍ.. لكن لم يُخلَق رجل وقف أمام "فينوس".. ولن يخلق.

في كل يوم كان يمر عليً وأنا في هذه المغارة أعرف مقدار خطورة المهمة التي أُرسلتُ فيها.. علمت أن السحرة الذين كانوا يسخّروننا لخدمتهم إنما هم حثالة الناس يا "هازارد".. بل إن الحيوانات أطهر منكم يا "هازارد".. تعلمت أن قدرتكم الإعجازية هي في الحقيقة ليست قدرتكم وليست إعجازية.. إنما هي قدرات الشياطين الذين بعتم لهم كرامتكم.. عرفت في تلك المغارة معنى الإعجاز الحقيقي.. علمت أن الكواكب السبعة والشمس والقمر التي يُعلمنا سحرتنا أن نتقرب لها ونعبدها ما هي إلا أجرام وأن لها إلهًا واحدًا هو إله "إبراهيم".. وعلى مثل "إبراهيم" تكون المعجزات.. علمت أن كل ماتفعلونه وهم.. وكل ما تقولونه وهم.. علمت أن أولئك السحرة هم أضعف شيء وأن الشياطين هم أضعف شيء.. علمت لكل تعويذة ساحر تعويذة تفكها.. علمت أن "عزازيل" و"شمهازي" هي أسماء شريرة أشاعها السحرة عن الساحرين الوسيمين.. لقد كان اسمهما يبدو أجنبيًّا جدًّا وجميلًا جدًا.. كان أحدهما يدعى "هاروت" والآخر "ماروت".

"وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر"

أنتيخريستوسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن