خالد و الأعرابي

46 3 0
                                    

يحكى أن عمر إبن الهيثم و الذي روى هذه الحكاية ، أنه خرج ذات مساء مع الأمير خالد بن عبد الله القسري و لم يكن معهما  أحد ، فبَصُرى بأعرابي قادم من بعيد فأشار إليه خالد فأقبل الأعرابي و هو لايعرفهما  ، فقال له خالد : إيه يا أعرابي أضنك غريبا  عن البلدة  ، قال : نعم. قال : و ما أقدمك؟
قال : جئت قاصدا رِفْدَ هذا الرجل الكريم خالد بن عبد الله ، قال : وهل تعرفه؟
قال : لا ، لا والله مارأيت قط.
قال : أجئته بوصاية أو زُلفى؟
قال : لا والله غير أني قلت فيه ثلاثة أبيات من الشعر و إنْ كنت غير شاعر.
قال : هل لك أن تُسْمِعني إياها لأكون لك من الناصحين.
فأنشد الأعرابي :

إليك بن عبد القيس أقبلت راغبا
                    لتجبر مني ما وهى و تبدد

فلو كان في الدنيا من الناس خالد ٌ
                       لِجُودٍ بمعروفٍ لكنت مُخلدا

فلا تحرمني منك ماقد رجوته
        فيصبح وجهي كادح اللون أربدا

فقال له خالد : إنه شعر طيب يمكن لك أن تقابل به الأمير.
و في اليوم التالي و خالد في مجلسه أقبل الأعرابي و لم يتعرف على خالد لإختلاف الملابس و وجود الحرس.
فقال له خالد : هل جئتنا بوصاية؟
قال : لا والله ، و لكني قلت ابياتا من الشعر إن أذنت أن أنشدها.
قال خالد : قل ولكن بشرط أن يكون الشعر لك غير مسروق.
فبدأ الأعرابي في الإنشاد و لكنه ما إن أنشد البيت الأول حتى اسكته خالد و قال له : إيه يا أعرابي إنه شعر قديم أحفظه منذ طفولتي و أُكمله لك ، و انشده البيتين الأخيرين فأصيب الأعرابي بالإحباط و إكْتنفهُ الخجل ، و خرج و لم يتكلم ، فأوعز خالد لأحد خدمه و كان ذكياً أن يتعقب الأعرابي دون أن يشعر به و ان يسمع تعليقه على الأمر و ان يعيده إلى خالد فخرج الخادم في إثر الأعرابي فسمعه يحادص نفسه بأبيات من الشعر يقول فيها :

ألا في سبيل الله و ما كنت أرتجي لديه
                          و ما لاقيت من نكد الجد

دخلت على بحر يجود بماله
              و يعطي كثير المال في طلب الحمد

فحالفني الجد المشوم لشقوتي
                 و لازمني نحسي و فارقني سعدي

فلو كان لي رزق لديه لنلته
                       و لكنه أمر من الواحد الفرد

فإستعاده الخادم إلى خالد الذي أمره بإنشاء الأبيات ثم قال له : كم تطلب ؟
قال : عشرة آلاف.
قال : أمرنا لك بها كطلبك ، و بمثلها لِما روعناك و قطعنا أملك ، و مثلها لمدحك إيانا على الغيب.

نوادر الأدب العربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن