قصة الأصمعي والأعرابي والآية "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ":

21 2 2
                                    


قال الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع على أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه وبيده قوسه، فدنا مني وسلم وقال: ممن الرجل؟

قلت: من بني الأصمعي.

قال: ومن أين أقبلت؟

قال الأصمعي: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن.

قال الأعرابي: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟

قال الأصمعي: نعم.

قال: فاتلُ عليّ منه شيئًا.

فقرأ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)

فقال: يا أصمعي حسبك.

ثم قام إلى ناقته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما، ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول: “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ” .

قال الأصمعي: فمقت نفسي ولمتها، ثم حججتُ مع الرشيد بعد فترة، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفتُ فإذا بالأعرابي وهو ناحل مصفر.

فقلتُ له: ألستَ فلاناً؟

قال: ألستَ الأصمعي؟

قلت: نعم ما الذي صيَّرك إلى هذا؟ فأخذ بيدي وقال:

اتلُ عليّ كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت: نفس الآيات من سورة الذاريات.

فقال: الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقًا، هل غير ذلك؟

قلت: نعم يقول الله تعالى: “فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ” الذاريات (23).

فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف، ألم يصدقوه في قوله حتى ألجأوه إلى القسم؟

وظلَّ يرددها، فما انتهى من الثالثة حتى فاضتْ روحه معها.

نوادر الأدب العربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن