العرب بين الأمم

9 0 0
                                    

‏لا تزالُ العربُ عربًا ما لبِست العمائمَ وتقلّدتْ السّيوف.
والعرب بين الأمم بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها.

قالت العجم: توّج من «التاج»
وقالت العرب: عُمِّمَ من «العِمامة»
فالعمائم تيجان العرب.

قال المتنبي:

وَفي صورَةِ الرومِيِّ ذي التاجِ ذِلَّةٌ
لِأَبلَجَ لا تيجانَ إِلّا عمائِمُه

وأنشد احد الشعراء لعبد الملك بن مروان:

يعتدل التاج فوق مفرقه
على جبين كأنه الذهبُ

قال له عبد الملك أتمدحني أم تذمني؟

قال: الشاعر ولمَ أذمك يا مولاي؟

قال: فإن التاج من صفات الأعاجم، أما نحن فعندنا العِمامة.

يقول سُحَيْم بن وَثيل:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني

ويقول آخر :

فجاءت به سبط البنان كأنما
  عمامته بين الرجال لواء

ويقول جرير :

تلوث عمامة وتجر رمحا
كأنك من بني عبد المدان
وقال غيلان بن خرشة للأحنف بن قيس : يا أبا بحر ما بقاء ما فيه للعرب ؟ قال : إذا تقلدوا السيوف وشدّوا العمائم واستجادوا النعال ولم تأخذهم حمية الأوغاد قال : وما حمية الأوغاد ؟ قال : أن يعدوا التّواهب ذُلا، وقيل : جمال الرجل في عمّته وجمال المرأة في خُفِّها (النعل) وسئل أبو الأسود الدؤلي عن العمامة فقال: هي جُنة في الحرب ومكنة من الحر ومدفئة من القر ووقار في الندى وواقية من الأحداث وزيادة في القامة.

وقيل لأعرابي : إنك تكثر من لبس العمامة  فقال: إن شيئا فيه السمع والبصر لجدير أن يوقى من الحر والقر.

ومن أسمائها : المكورة والعصابة والـمِعْجَر والـمِشوَذ والمقطّعة والتلثيمة، وهذه الأسماء مأخوذة من هيئة وطريقة تكويرها على الرأس، فمن الناس من يشدها، ومنهم من يرخي طرفا منها بين كتفيه أو على أحدهما، وهذا الجزء المتدلي يسمى ( العَذَبة والذؤابة والزوقلة ) ومنهم من يصغر حجمها، وبعضهم يميلها، وبعضهم يجعلها مستقيمة معتدلة، وقد سمى العرب هيئات العمائم بحسب أشكال الإعتمام، فمن ذلك "الميلاء" وهي التي تمال إلى أحد جانبي الرأس، و" القفداء" وهي التي لا عذبة لها، و" العقداء" وهي المعقودة من الخلف، و" العجراء" وهي الضخمة المكورة.

واشتهرت في القديم عمائم رجال صارت مضرب الأمثال في الهيبة وعلو المنزلة، كعمامة أبي أُحَيْحَة سعيد بن العاص بن أمية الأموي القرشي المعروف بذي العمامة، الذي ذهبت عمامته مثلا لجمالها ومهابته فيها فقيل: ( أجمل من ذي العمامة ) وقد عرف بذلك لأنه كان إذا لبس العمامة حرمت على كل رجل غيره اعترافا بعلو قدره، كما اشتهرت أيضا عمامة المُزْدَلف عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو من سادات العرب وفرسانهم المعدودين، وقد عرفت عمامته بالمفردة، ومن المعتمين الملك حُجر بن الحارث آكل المرار الكندي والد رائد الشعر العربي امرئ القيس.

واشتهر من المعتمين المخضرمين ( الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ) الزِّبْرِقان بن بدر التميمي، وكان سيدا في الجاهلية عظيم القدر في الإسلام، وإنما قيل له الزبرقان لأنه كان حسن الوجه ويلبس عمامة مزبرقة بالزعفران، وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه معلما بعمامة صفراء يوم بدر، وكان مصعب بن الزبير يتعمم العقداء، وهو أن يعقد العمامة في القفاء وكان محمد بن سعد بن أبي وقاص يعتم الميلاء، وفي هذا قال فيه الفرزدق:

ولو شهد الخيل ابن سعد لقنعوا
   عمامته الميلاء عَضْبا مُهَنَّدا

نوادر الأدب العربيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن