رمَــادِي 23

9.7K 651 1K
                                    

أستـغفِر اللّـه العظِيــم وأتُـوب إلَيــه

🥀

فِي أحضانِ اللّيلِ الساكِن، وَتحتَ ضَوءِ القَمر الفِضيّ،
وَجد الغُرابِيّ نفسَه يُجلِسُ يـوث علَى طاوِلة خشبِيّة
فِي زاوِية هادِئة مِن الشّرفةِ المُلتصِقة بإحدَى المحلاّت
التّجارِية، حيثُ تستطِيع إستِنشاق الهوَاء الطّلق.

كانَت اللّيلَة بَارِدة قلِيلاً، لَكن الأجوَاء الهادِئة وَالهالَة
المُضيئة لِلحَدِيقة أضفَت لهُمَا لَمسةً مِن السّكِينة.

إنعكَست صوَر الشُّجَيرَات الخضرَاء وَأشعّة الأضوَاء
الذهَبيّة علَى وَجهِها المُثقَل بِالهُموم حِين رَفعَت رأسهَا
تُحدُّق بِه وَهوَ يضعُ أمامَها كُوبًا مِن العصِير الطّبِيعِيّ
يُشاطرُها الجُلوس بِهالتِه البـارِدَة، مِمّا جعَل عَينَيها
تَبدُوَان أكثَر عُمقًا وَجاذِبيّة.

«خُذي! إشـربِي هذا»

كانَت نظرَاتُ عَسلِيّةالعَينَين تتأرجَحُ ببُطء
علَى الجالِس أمَامَها، تُتمتِمُ بِكلِمـاتٍ مُشوَّشة بِفعلِ
الكُحولِ وَالمُخدّرَات. ذاك القُرص الذي تناوَلَتهُ جعلَها
بِحالةٍ مِن الخُمولِ وَالإسترخَاء، بعدَ أن كانَت تُعافِر
لأخذِ حقِّها مِن ذرّاتِ الأوكسجين.

كمّشت أنفها بإشمِئزَازٍ حِينَ داهمَتها رائِحةُ المَشروبِ
الخاصّ بالتّخلّص مِن آثارِ الثّمالَة فأزاحتهُ بيدِها
جانِبًا تُخاطِبُه بثُمـول مُترنّحـة

«يـعع! إنّـهُ مُـرِيـع.. إشرَبـهُ أنت»

مَعَ نظرَاتِه الثّاقبَة لهَا، زفَـر بِغضبٍ طفِيف يُعيدُ
خصلاَتِ شعرِه للخَلف. لكنّهُ سُرعانمَا أخذ نفسًا عميقًا
وَأمسك بكوبِ المشرُوب ضدّ الثّمالَة بَين يدَيه
لِيعلُو صَوتُه قلِيلاً عن نبرِه المُعتـاد.

«لِماذا هُنا؟ مالذِي كُنتِ تفعَلِينهُ بِمكانِ سيّءِ السّمعَة
كَذاك يـوث؟! ثمّ ما لَعنـةُ تِلك الأقرَاص؟!
مِن أين حصلتِ علَيها؟!»

ضحِكت بوَجهِه بِسُخرِية، لا وكأنّهُ يشتعِلُ غضبًـا.

«وَماذَا فِي ذلِك؟ إنّها تمَامًا كتِلك التِي أجبَرتنِي
علَى تناوُلِها، أوَتعلَم؟ إتّضحَ أنّ تِلكَ الأقرَاص كالنّعِيم! لَقد
شعرتُ بالإنتِشَاء بِمُجرّدِ النّظرِ إلَيها، مَابالُك بِارتِشافِها؟»

إتّسعَت عَيناهُ غيرَ مُصدّقٍ لِقَولِها لِيضرِبَ
علَى سطحِ الطّاوِلة مُقترِبًا مِنها بِغضب، ثمّ يُحاوِل
التّكلّم بأقلّ نبرَةٍ يمتلِكُها، حِين وعَى علَى نفسِه
أنّهُ بِمكانٍ عامّ، وأنّ الوَقت مُتأخّر.

 رمَادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن