الفصل التاسع عشر ( جشع الأبناء )

377 26 6
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" للمعاناة جانبها من الفرح، ولليأس نعومته، وللموت معنى "

_______________________

كتلة من المشاعر المتناقضة تجتاح جسده في تلك اللحظة، فهو يشعر بالاشتياق ويرغب بضمه والارتماء بأحضانه مدى الحياة حتى لا يرحل مجددًا، فما إن رآه ماثلًا أمامه بابتسامته التي بدأ يتناساها من قلة رؤيتها، فهو لم يره منذ ثلاثة أعوامٍ متواصلة، وقبل تلك الأعوام لم يكن يراه سوى نادرًا ... يكتفي فقط بمحادثته على الهاتف رغم أن والدهم يُرسل إليهم النقود شهريًا ...

- بابـــا !! ..

هتف بتلك الجملة بقلبٍ يخفق من السعادة، حيث تبعها بانقضاضه على والده صالح الذي التقفه بين أضلعه ليُمسد على خُصلات شعره أثناء اطمئنانه عليه وعلى أشقائه ...

استمعت بدور إلى تلك الكلمة التي لم تهتف بها مُنذ فترة طويلة؛ وثبت عن مقعدها كما وثبت سما هي الآخرى لتتجه كلتاهما صوب الباب بفضول جامحٍ ليتفقدا من هذا الذي ينعته زكريا بوالده ... أيمكن أن ... لا لا .. هذا لا يُمكن، فوالدهم لم يأتي ذاك المنزل مُنذ أن انتقلا إليه، إذا ما سبب مجيئه الآن ؟؟

تلك الأسئلة كانت تتداخل بذهنها وهي تقترب بخطواتٍ متلجلجة قُرب الباب حتى وجدته بالفعل، وعلى عكس ردة فعل زكريا، كانت حالتها ساكنة خالية من المعالم، لا هي سعيدة، ولا حتى غاضبة، فقط الجمود هو ما كان يُلطخ ملامحها، فإذا انزاح هذا الجمود فسيحل محله الغضب العارم وستجد صُراخها يغمر أركان المنزل ...

دلف صالح المنزل برفقة زكريا وأغلق الباب وراءه ليقترب بخطواتٍ هادئة صوٌب بدور التي ترمقه بإبهام، وضع يده على كتفها وأخذ يُربت عليها بحنانٍ تبعه بسؤالٍ :

- عاملة إيه يا بدور ؟؟ ..

تحلٌت بالصمت لوهلة قبل أن تُجيبه بجمودٍ رغم اشتياقها له هو ووالدتها :

- الحمد لله 

هكذا آجابت باختصارٍ قبل أن تتحرك من أمامه ببطء كادت معه تتجه إلى حُجرتها وتُغلق الباب عليها حتى لا يرى أحدهم تيهها وشعورها بالتناقض الشديد ...

لم تكد تخطو خطوة حتى وجدوا الباب يصدح مجددًا فاتجه صالح كي يفتح الباب وينصدم من رؤية ابتسام زوجته التي انفصل عنها منذ فترة طويلة، فهي والدتهم أيضًا ...

كانت ترميه بعوالم مُقتضبة وكأنها تعلم سبب مجيئه ولن تمهله هذه الفُرصة، فكانت تقول بتجهم :

- كويس إني لحقتك ... عشان أنا مش هسيبك تعمل إللي في دماغك

كبت شُحنة الغضب بداخله وهو يهتف بوجهها بحدة :

فوق النجوم ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن