الفصل الثاني والعشرون ( عودة الحبيب )

313 29 1
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" تُشبه حياتنا ثمرة الفاكهة، فلطالما كانت حلوة المذاق ويُعيقها البذور... لكنك إذا انتفعت بتلك البذور .. فستُنبت منها ثمارًا عديدة"

_________________________

أقدام صغيرة تتحرك على هذه الملآة لتنضدم إلى باقي أعضاء جسده الصغير الواهن المتقوقع على إحدى جوانب الفراش، يضم رُكبتيه نحو صدغه كالجنين في بطن أمه، فلو كانت أمامه الفرصة للعودة إلى ذلك الجنين لما تردد لحظة، على الأقل لن تسحقه الحياة كما تفعل الآن، فلمَ عليه أن يواجه هذه الحياة الصعبة وهو لا يزال في نعومة أظافره ؟

رفع رأسه بعيدًا عن ركبتيه تزامنًا مع تغلغل هذا الصوت الرقيق طيات عقله المُنهك، وُضعت يدٌ حنونة على ظهره تبعها صوتٌ هاديء يُشبه الدواء الذي يُداوي الآفات ...

- مالك يا حبيبي ... قاعد كدة ليه ؟

لم ينبس الصغير ببنت شفة وبقي في حالة من الصمت يرفع معها رأسه لأعلى ببطء، فما إن رآه والده الماكث بجواره حتى ازداد ذعرًا، فهناك كدمة بنفسجية تتكوٌم أسفل عينيه الصغيرة وتجتمع مع جرحٍ طفيفٍ على شفتيه الوردية؛ قطب والده حاجبيه بغضب أردف معه مستنتجًا :

- إيه ده ؟! ... هُما إللي عملو فيك كدة ؟

أبعد الصغير وجهه عن والده ليُخرج تنهيدة حارقة تبعها بحديثٍ مُحملٍ بالقهر :

- عشان إنت عاقبتهم بسببي

أطبق الوالد على شفتيه بغضب مما فعلوه بصغيره، فكان يثب عن الفراش متفوُهًا بصرامة :

- أنا هوريهم إزاي يمدٌو إيدهم عليك

تشبث الصغير بذراع والده حتى لا يتحرك من جواره، فكان يتشدق بتوٌسل وأعين تحمل الرجاء :

- خليك جنبي ... مش عايزهم يزعقولك

جذب الوالد ذراعه بعيدًا عن الصغير وهو يهتف بنيرانٍ تشتعل بسببهم :

- محدش هيعملي حاجة 

كاد يثب عن الفراش مجددًا لولا يد الصغير التي تشبثت به مع كلماته التي ازدادت رجاءًا :

- يا بابا خليك جنبي ... أنا مش عايز أقعد لوحدي 

كادت الدموع تنبثق مع كلماته مما جعل والده يحاول إخماد ثورته ويجلس بجوار صغيره الذي لطالما يمده بالآمان، رسم بسمة هادئة على ثغره وهو يُربت على ظهر صغيره بحنانٍ جارف، فكأنه بتلك التربيتة يُخبره أنه سيظل جواره مدى الحياة ...

فوق النجوم ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن