الفصل العشرون ( فقدت وعيها )

322 32 0
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" هناك دموعٌ تهبط على الأزهار فتُذبلها، وهناك دموع أخرى تهبط على الأزهار وتُنضجها ... فتشبث بتلك الدموع، ولا تجعل أحزانك تُسيطر على حياتك ... بل إجعلها سببًا في زيادة قوتكِ ومثابرتك "

________________________

صرخة مدوية هزٌت أرجاء البناية ومن شدة قوتها أحس بروحه وهي تخرج من موضعها مع ذاك المشهد الذي يتمثل أمامه، والذي لن ينساه ما دام على قيد الحياة ...

تحطمت أوداجه وخفت صوته وصراخه مرة واحدة لينخرط بدوامة من البُكاء المرير والدموع الساخنة التي تحرق وجنتيه، حاول الوثوب عن الأرض بأطرافٍ مُرتجفة وجسدٍ بالكاد يحمله، تحرك بخطواتٍ مُتهملة نحو والده الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة جِراء تلك الجُرعة التي لم يكن من المُفترض أن يأخذها، فما إن أدى سُلطان مهمته الشيطانية حتى ترك المنزل هو وأشقائه وبقي هو وحده يصارع لحظة الفُراق والندم يلتهم أحراشه ...

وضع يده المُرتجفة على كف والده المُثلج الذي إجتمع مع شحوب وجهه بعد أن فارق الحياة، احتضن كفه وقرٌبه نحو وجهه لتنهمر دموعه الساخنة على هذا الكف الحنون، كم شعر بالعجز في تلك اللحظة، فهو لم يستطع إنقاذه، لم يستطع إنقاذ من كان ينقذه دائمًا ... بل وحتى شاهدهم يقتلونه بدمٍ بارد وبلا رحمة ...

خفق قلبه بسرعة وإزدادت دموعه وهو يهتف بخفوتٍ وهزيان متوٌسلًا لوالده كيف يستيقظ، يتوُسل له كي يفتح عينيه كي يعده بأنه سيحميه منهم مجددًا، لا يُحب شعور القهر الذي يشعر به، ولا يتخيل حياته وحيدًا مجددًا ...

انتهت توُسلاته بإطلاق صرخة أخرى وصل طنينها إلى جميع سُكان البناية، حتى أن الجيران اقتحموا المنزل بعد أن وجدوا الباب مواربًا، فقد تركه سُلطان وأشقائه بعد رحيلهم وبعد ارتكابهم لتلك الجريمة ...

وجدوه يتوسٌط الفراش مكامعًا لراحتي والده ودموعه تنسكب بغزارة رافضًا فكرة أنه ترك هذه الحياة، حتى أنه تجاهل جروح وجهه وجسده من شدة ما كانت جروحه الداخلية أشد قساوة ... بل هي حتى لا تُعادل تلك الجروح على وجهه ....

آفاق من شروده على صوت القرآن الذي يغمر أركان المنزل، كان وجهه ذابلًا فاقدًا لمعاني الحياة وعيناه حمراء بدموعه الجافة التي انتهت، فكان كالصنم في مجلسه الذي يتمركز بإحدى الأركان ينظر أمامه بشرودٍ غارقًا بطيف ذكرياته ومعاناته التي تزيده ألمًا، فكان مُتغيبًا عن العالم في تلك اللحظة، حتى أنه رفض الحديث مع من أتى مراسم العَزاء، ورفض الاستماع لمواساتهم ... ولا يزال يرفض ما يحدث حوله ....

على جهة أخرى، وفي ذاك المنزل الذي جمع العديد من الجيران وبعض الآقارب المتشحٌين بالسواد وعلى وجههم الضيق الشديد، فجميعهم قد اتفقوا على أن المتوٌفي شخصٌ جيدٌ له العديد من الأفضال على الجميع، وبعضهم كذلك يشفق على حالة مُراد داعيين الله أن تتحسن حالته النفسية مع مرور الوقت، خاصة بعد أن لاحظوا جروح وجهه والتي ظنوا أنها من إحدى الجدالات، فلم يتحدث مراد مع أي أحدٍ منذ ما حدث ... وصِدقًا، لا يُريد التحدث حتى ...

فوق النجوم ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن