مرّت أربع أسابيع على آخر مرة رأته فيها ، أي شهرٌ بالتحديد منذ آخر مرة تكلما و قررت حينها أن تُبعده عن حياتها...
لكنه و منذ تلك الليلة لم يُغادر تفكيرها.
بالرغم من أنها قد حاولت جاهدة أن تُشغل تفكيرها و تبقي نفسها ثابتة لأقصى درجة ، إلا أن كل محاولاتها ذهبت سدًى فمع كل هذا كان سوبين يجد طريقه إلى عقلها.تدرّبت على أغانٍ جديدة.
كتبت ألحان جديدة.
تقربت من أمها و أخيها أكثر.
أصبحت تتجوّل كثيرا مع بين.
طبخت مأكولات عديدة.
لكن ، مع كل هذا ، كان اسم سوبين لا يزال موجودا.
في نهاية اليوم هو من يستمر في التردد في خلايا عقلها و تفكيرها.بين قد عرف بقصة سوبين بأكملها ، سخر منها في بادئ الأمر لكنه تفهّمها ، رغم أنه لا يفقه شيئا في أمور الحب و غيرها ، لكنه يفهم جيدا مشاعر آري.
الخوف من أن تمنح الحب لشخصٍ ما ، و الخوف من أن تتلقاه..
آري لطالما رأت العلاقات البشرية كلها بكونها قائمة على مصلحة ، أيًّا كانت العلاقة فلا بد أن تكون هناك مصلحةٌ ما.
و لا يمكنها تغيير وجهة نظرها هذه بعد أن كبرت و هي تراها في كل مكان.
لا يمكن لـسوبين ، بكلامه و إزعاجه المستمر ، بتصرفاته و رسائله أن يُغير وجهة نظرها الّتي شابت عليها.النّفس البشرية بحد ذاتها كائن معقد.. و الشيء الّذي يعقدها هو التفكير و العقل.. فهو شيء يتفرد به كل شخص و بهذا فالجميع مختلفون.. حتى لو اتفقت جماعة على وجهة نظر معينة فستتبقى هنالك ثغرات و فواصل تُبعدهم عن بعض.. إذا حاولَ شخصٌ ما التقرب من شخص آخر فعليه أن يفكّر إن كان سيكون كافيا لهذا الشخص ، إن كان سيتقبله مثلما هو..
العلاقات البشرية هي معيار من نوعٍ ما يساهم في تحديد مدى تحقيرك لنفسك. فما تفكر فيه و أنت في علاقة هو "هل أنا كافي بالنسبة لهذا الشخص؟"
هذه المفارقات و المُقارنات التي تحدث بدواخل كل شخص لا يمكن للطرف الآخر أن يراها.. و بالتالي لا يمكنه الإجابة عنها و التخفيف من قلق الشخص المستمر، أعني ، لا أحد مسؤول في هذا.. فالعلاقة هي ما ترسم هذا النوع من المسؤولية القاتلة الّتي تطمس و تقلل من شأن الذات.
العلاقات هي المسؤول الوحيد.لذا فإن آري تحاول تفادي هذا النوع من العلاقات ، لا تريد أن تغرق في دوامة تجعلها تشكّك في مدى قيمتها الذاتية.. لا تريد أن يصل بها الأمر لأن تحتقر نفسها و تذلها في سبيل الشخص الآخر.
اجل هي واقعة في حب سوبين.
و أجل هي تحبه جدا ، لن تُكذِب هذا.
لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تعذب ذاتها بالخوض في علاقة فقط لمجرد أنها تحبه.
الحب ليس سببا كافيًا لتغيير تفكير المرء.لكنها فكرت في إحدى المرات حينما كانت تتسكّع مع بين بعد المدرسة
"إذا كانت العلاقات كلها قائمة على المصلحة ، فما تفسير علاقتي أنا و بين و الّتي تندرج ضمن العلاقات الأخوية؟ هل لأنني أشعر بالراحة معه؟؟ هل راحتي الشخصية هي ما جعلتني أوثق علاقتي مع أخي الصغير؟ لكن إن كان الأمر كذلك فما مصلحته هو؟"و فعلا لم تستطع التوقف عن التفكير لذا سألت أخاها
"بين لماذا تستمر في التسكع معي بينما تملك الحق في الرفض؟"لكن إجابة بين كان مختصرة و بسيطة. "لأنكِ أختي"
أخت؟ و هل هذا مبرر كافٍ؟ العائلة؟؟ اجل ربما العائلة سبب منطقي.
خمنت آري حينها ، ربما الأمر ليس بسيطا هكذا ، ربما بين شعر بالانتماء في وجودها ، و وجد شخصا يتقبله لهذا هو يوافق على التسكع معها..
لكن فكرت مجددا ، هو يملك أصدقاءًا بالفعل ، و يملك أمه أيضا.
و آري تفوقه عمرًا كذلك فلا يبدو الأمر كما لو أنه يشعر بالانتماء في وجود شخص مختلف عنه في نواحٍ كثيرة.ربما الأمر كما قاله حقا ، ربما الامر فقط هو لأنها أخته.
لكن ان كان الأمر كذلك.. ألا يعني هذا إذًا أنه يفعل شيئا لا يحبه؟ أو أنه يُجاملها فقط لانه لا يستطيع قول لا بما أنها أخته ؟
لكن بين ليس شخصا هكذا..
تنهدت آري حينما فكرت بكل هذا ، هي قد كانت مستلقية في غرفتها تتأمل السقف فوقها ، لقد كانت تُذاكر قبل لحظات فهي في فترة امتحانات لكن بسبب تلك الملاحظة الغبية الّتي كانت معلقة في الجدار المقابل لمكتبها هي لم تستطع التركيز. و لم تَقوى على إزالتها و رميها.
تلك المُلاحظة الّتي كُتب فيها "أحبك"دُقَّ باب غُرفتها بخفة ثم دخل أباها و قال "فلتأتي لتناول شيء ما ثم عودي للمذاكرة ، غدا آخر يوم امتحانات على كل حال"
ابتسمت بخفة و لحقت به.
"آري ألا تظنين أنك تقسين على نفسك قليلا؟" تكلم أبوها فور أن جلست آري قبالة طاولة الأكل.
"ماذا تقصد؟" تكلمت بينما تحشر لقمة كبيرة في فمها.
هي تعلم جيدا ما يقصده لكنها تفضل ادعاء الغباء.
نظر لها ولدها دون أن يتكلم ، حاولت هي أن تُبقي على تلك الابتسامة الّتي في وجهها لكنها لم تفلح في هذا.كان يُطالعها بذلك النوع من النظرات الّذي يجيده الآباء ، فتسبر الأغوار و تقرأ الأفكار.
لم تستطع هي مقاومة هذه النظرة لذا انزلت عينيها لطبقها و ابتلعت طعامها ثم قالت "إني أقوم بعمل جيد ، أصلحتُ علاقتي مع أمي و أصبح لدي أخ الآن ، و بين أخٌ رائع بالفعل."
"ليس هذا ما أقصده"
"أبي أعلم بالفعل ما قصدته لهذا أنا أقول هذا الكلام ، أنا أملك حياةً جيدة و هادئة.. لا أريد أن أفكر في أي شيء آخر ، سبق أن أخبرتك أن وجودك في حد ذاته يعني لي الحياة كلها ، و الآن بتّ أملك أمي و بين أيضا.. لا أحتاج شخصا آخر ، حتى لو كانت مشاعري لا تُصدِّقني في هذا الخصوص أنا لن أهتم لها ، فما عليها سوى أن ترضخ"تنهد والدها بخفة ثم قال "مشاعرك التي لا تصدقك هي الّتي ستعكر صفو حياتك لذا فأنتِ من عليكِ أن ترضخي لها ، لا هي."
"لا تقلق ليست سِوى مشاعر مؤقتة ستزول مع الوقت" أجابته آري بابتسامة خفيفة ثم واصلت تمضغ طعامها.مشاعر مؤقتة تقول.. إذا كان الأمر كذلك لاستطاعت رمي تلك الملاحظة في سلة النفايات.
لو كانت أحاسيسها مؤقتة فعلا لما أعادت عزف تلك الأغنية في كل ليلة ، و كل يوم ، حتى لو أرادت نسيانها و تجاهلها هي تجد نفسها تعزفها مجددا و مجددا ، كما لو أن الأغنية تُطاردها فعليا.
أنت تقرأ
الإستثناء الوحيد || C.SB
Fanfiction*متوقفة مؤقتا بسبب كون الكاتبة مكروفة في سنتها الأخيرة بالثانوية* بعد قصة حب والديها الفاشلة.. هي لم تعد تصدّق بوجود شيء اسمه "حب" ، وعدت نفسها ألاّ تغني ابدا أو تنطق باسم الحب طالما أنه ليس موجود. لكن ستجد من يكسر وعدها هذا.. بدءًا من رسائله المجهو...