«اضرِب يا موتُ فلن نرحلْ
فالنخلةُ لا تخشى المِنجل
نسقطُ إنّا حتّى تفنى أنتَ
وإنّا لا نتزلزل»«لا فخرَ في العُمرِ مثلَ فخرِ أهلِ الشُّهـ ـداء»
_
استيقظتُ عند الفجر، لست أعي متى انزلقتُ هكذا ولكنّي ما زلتُ أحضن هادي. وجهي باردٌ خلاف جسدي، بشكلٍ مُلفت، لا بدّ أنّ الثّلج يتساقط في المنطقة الجبليّة حتّى يصيبنا بردٌ كهذا في وقتٍ كهذا، سيكون الشّتاء قاسياً. انسللتُ من تحت الدّثار بعد إنزال أخي عليه برفقٍ لأتوضّأ وأصلّي.
تفاجأت بحرارة الماء، لقد انخفضَت بشكلٍ كبيرٍ خلال ساعاتٍ قليلة. عندما أتممتُ صلاتي كنتُ أرتجف، زحفت إلى فراش هادي الدّافئ ولكنّي تنبّهت قبل احتضانه مجدّداً إلى أنّي قد أفزعه من برودة أطرافي. تكوّرتُ على نفسي استجلاباً لدفءٍ سريعٍ وغفوتُ على هذه الحال.
عندما انتبهتُ من النّوم بعدها كان الضّوء الأبيض يملأ الغرفة قادماً من النّافذة. الشّمس محجوبةٌ خلف ستارٍ غليظٍ من الغيوم ولكنّها تحبس دمعَها، ولا بوادر عن أمطار في الأفق.
تحرّك هادي قليلاً فاستحوذ على تركيزي، كنتُ على وشك استحضار همومي حول تدهور صحّته إذا ما أصرّ الطّقس على إتحافنا. ابتسمتُ عندما فتح عينَيه وسألتُه: "استيقظت؟" ابتسمَ بدوره، قربّتُه منّي وطبعتُ قبلةً على جبينه، مسحتُ على رأسه وهمست: "أحبّك أكثر يا صغيري". شعرتُ بالفخر لعدم نسيان ذلك. التهمَت ابتسامتُه نصفَ وجهه. قبّلتُه ثانيةً وسحبته إليّ لأحضنه من جديدٍ ثمّ أغمضت عينيّ، لستُ مضطرّاً للنّهوض منذ الآن والبرد لا يساعد.
تكلّم هادي ففرّقت أجفاني، سأل: "كم السّاعة يا أخي؟". يريد أن يُبقي رأسه دافئاً لذا لم يرفعه ليقرأها بنفسه، كتمتُ ضحكتي وأجبت: "الثّامنة إلّا..." شهق "لا تهلع، لن تذهب إلى المدرسة".
-ولكن... جامِعَتُك!
-أساتذتي يشاركون اليوم في مؤتمرٍ مهمّ، الكلّيّة مفتوحةٌ للمتابعات الإداريّة فقط.
-آه، طيّب، (حضنني) ولماذا لن أذهب؟
-البرد شديد، على ضوء نوبة الأمس لا يمكننا المخاطرة.
-حسناً... (دفن وجهه في صدري) لم أشعر بالبرد طيلة اللّيل، أنتَ يا أخي مِدفئةٌ عالية الجودة.
-أنت أيضاً مدفئةٌ عالية الجودة.