١٣: أحلامٌ من قَشّ

802 64 157
                                    

ندعو أن يحمل العام الآتي البشائر
نصرًا لغزّة وتحريرًا لفلسطين
وخزيًا وهلاكًا للأعداء
وأمنًا وأمانًا لأمّتنا

_

«أوصي بتصويب البندقيّة والسّلاح والدّم والكرامة دفاعًا عن الإنسانيّة والإسلام، الّذي تختصره فلسطين».
شهيد القدس، الحاج قاسم سُلَيماني

_

أشرقت الشمسُ أخيرًا بعد ليلةٍ ظننتها لن تنقضي، فقدْ ضاق نفَس هادي فجأةً بعد منتصف اللّيل فاستيقظَ هلعًا. كان قد هجرني النّومُ من فرط التّفكير فهرعتُ لأنادي صافي ولكنّه دخل بالفعل ولم يغادر لعدّة ساعاتٍ تلَت إلّا لإحضار ما يلزم لمساعدته. في النّهاية طلبتُ منه إعطاءه المهدّئ الخفيف الّذي ذكره الطّبيبُ رضا سابقًا، كانت الوسيلةَ الوحيدة لتهدئته فخوفُه يزيد من مقاومة مجرى الهواءِ فيصعّب العمليّةَ أكثر.

كان المهدّئ لطيفًا فعلًا فلم ينوّمه ولكنّه جعله يسترخي تمامًا، وأشار صافي إلى أنّه لن يشعر بأيّ ألمٍ ولكنّه قد يسمعني، لذا جلستُ قريباً من رأسه وبقيتُ أحدّثه بينما يقوم الممرّض بما يجدُه ضروريًّا. بدت بعض الإجراءات دقيقةً ومؤلمةً ولكنّه بدا ماهرًا إلى أقصى حدّ، لم يؤمّن الطّبيبُ على ترك هادي بين يديه من فراغ؛ يداه أمينتان.

كون هادي مخدّرًا أراحني قليلًا، قليلًا فقط، فلا شيء أزال الغصّةَ من حلقي، ولا شيء حال دون شعوري بالاختناقِ كلّما تحشرجَت أنفاسُ أخي، ولكنّي لم أسكت، لم أُزل يدَه من يدي ولم أوقف حركتي الرّفيقةَ على رأسِه.

"لولا الطّوق الّذي يُبقي رأسك مرفوعًا ليحمي عنقَك لضممتك إليّ، صغيري، ولكنّ هذا أقصى ما يمكنني فعله الآن. يا حبيب أخيك، ليتني فديتُك بنفسي كي لا تمرّ بكلّ هذا، ليتَني آخذ مكانَك مرّةً على هذا الفراش كي تسلمَ أنت... هل سيُجدي تمنّيّ ولو مرّةً يا هادي؟" همستُ، ولكنّ صافي سمعَني فقد لمحتُه يرفع رأسه. التفتُّ إليه فسأل: "هل تجد كلامَك هذا مناسبًا الآن؟".
-(رددتُ بكل ما فيَّ من ذبول) هل أخطأت؟
-أنتَ تتمنّى أن تتأذّى عوضًا عنه، أتظنّ سيُريحه ذلك؟
-لا أعلم... شعرتُ بالحاجة إلى إخباره بهذا، ربّما لأنّه تأذّى بسببي.

انخفضَ صوتي في الختام، الحقيقةُ مؤلمة. تنهّدتُ وأسندتُ ظهريَ المحنيّ إلى ظهر الكرسيّ وسألتُه بأريحيّة؛ هيئته وصوته جعلا رشاد يتمثّل أمامي: "ماذا تظنّ أنت؟ هل... قد يسعدُ أخوكَ لو أخبرته بهذا؟".

نظر إليّ مطوّلًا قبل أن يزيح نظرَه عنّي إلى قفّازيه الطبّيَّين، خلعهما ببطءٍ ثمّ همسَ مُجيبًا: "لا أعلم." تنهّدَ بدوره بينما ينهض "هادي طفلٌ مُرهف الإحساس، إذا كان سيتذكّر ما حصل الآن أرجّح أن يوبّخك غدًا، ولهذا سألتُك. أعلمُ أن لا شأنَ لي، أعتذر".

صغيري خُذْ بِيَديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن