١٥: أجملُ كارثة

612 63 78
                                    

«فينا الحياةُ من الشّهـ ـادةِ تولدُ»

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

«فينا الحياةُ من الشّهـ ـادةِ تولدُ».

_

أنهت لفّ كفّه بعدما عقّمتها، لم يحرّك ساكنًا، لم يرفع رأسه، دموعه انسكبت ببطء. مسحَتها ثمّ ضمّته رغم حيرتها وقلقها باحتواءٍ وحنوّ. ارتجّ جسده وعلا صوته قليلًا، انتظَرَته حتّى هدأ، رفعت رأسه من ذقنه فبادلها النّظر، أمسكت كفّه الملفوفة وقالت بصوتٍ مخنوق: "هذا الفِعل لا يشبهه، هادي ليس هكذا، ما الّذي فعلتَه يا عزيزي؟ هل ما قاله صحيح؟ عن المنوّم؟ وعن جواد؟".

أخفض رأسه، يشعر بأنّ الذلّة أثقل من أن ترفعها عنقه. "طلبني المديرُ إلى مكتبه قبل نهاية الدّوام يوم الجمعة، جعلني أتابع مشهد شجارٍ بين أربعة شبّان. لم أفهم مبتغاه إلى أن ميّزتُ جوادًا من بينهم".
-جواد ابن أخي؟!
-نعم، أكل نصيبه من الضّرب ولكنّه تغلّب عليهم.
-هل تأذّى؟!
-ضربَ الهاتف على وجه المكتب بقوّةٍ فقفزتُ إلى الخلف. صرخ في وجهي قائلًا: ابن أختك المصون قد كسر أنف فريدٍ ابني وأهانه.
-هذا مفاجئ!
-حافظتُ على هدوئي وأخبرتُه عن إزعاج ابنه ورفيقَيه لجواد، وعن أذيّتهم لهادي. برّرتُ تصرّفه...
-ولكنّه لم يجده عذرًا كافيًا؟
-صحيح، وطلب أن أعاقبه. ضحكتُ بادئ الأمر ولكنّه أخذ يرتجف من الغضب وأنبأَتني ملامحُه عن لؤمٍ شديد.
-فوافَقت؟!
-(نفض يديه في الهواء) وافقتُ لإسكاته، قرّرتُ أن أكذب عليه وينتهي الأمر. لم أكن لأؤذي ابن أختي من أجله...

سكتَت هديل خوفًا من التّالي وانتظرَته. أخذ نفسًا عميقًا واستأنف سردَه: "قبل أن أترجّل من سيّارتي أمام البيت وصلَتني منه رسالتان. في الأولى طلب من دون مقدّماتٍ أن أفصلَ..."
-لا يا باسل، لا!
-(بكى) أراد أن أعاقب جواد بتفريقه عن هادي، وأراد دليلًا على ذلك. (غطّت وجهَها بيدَيها وبكت بصمت) في الثّانية صورة رسالة استقالةٍ باسمي جاهزةٌ للتّوقيع.
-(انتفضَت) بئسَ العمل هو إن كان ثمنه كسر قلوب الأيتام من أهلك!
-اتّصلتُ به، أمّلتُ أن نحلّ الإشكال عبر الكلام ولكنّه كبُر ككرة ثلجٍ متدحرجة... قال إنّه سيحرص على تهشيم سيرتي المهنيّة، سيضمن ألّا أجد شركةً توظّفني، سيشوّه سمعتي، سيغلق أبواب الرّزق كلّها في وجهي...
-فانصعتَ له؟!
-(نظر إليها بملامح فارغة) وهل باليد حيلة؟
-باسل؟!
-كيف سنتدبّر أمورنا لو صبّ اهتمامه على تدميري؟ أنتِ تعرفين عن قوّته وتأثيره...
-هل تعي ما تقوله، قل إنّي أحلم!
-مدرسة ولديّ ومصاريف جواد وهادي و... أنت تعلمين بأنّه ثبّت زيادةً على راتبي من أجلهما بعد الحادث.
-وقد أعربتُ عن تشاؤمي من تلك الخطوة! طلبتُ منك أن ترفضَها أم لم أطلب؟! لطالما عرفناه شخصًا مادّيًّا، وها هو يستغلّك ويضغط عليك!
-استسلمتُ، لم أستطع احتمالَ فكرة أن أقعد في البيت عاطلًا أو أن نحتاج أحدًا، ماذا كنّا سنفعل بجواد وهادي أيضًا؟ حِمل سامر وسماح كبيرٌ كفاية.
-(استندَت على ركبتَيها وهزّته من كتفيه) منذ متى والرّزق بأيدي المخلوقين؟! هل يترك اللهُ عباده؟! وهل تخال أنّ ابنَي أخي بحاجتنا؟ نحن بحاجتهما يا باسل! إن كان رزقك وفيرًا، ورزق أخي سامر، فكرامةً لهما، لأنّكما تؤدّيان حقّهما ولا تظلمانهما... (تركَته وارتخت ذراعاها من البؤس) من أجل هذه الوظيفة يا زوجي فصلتَ هادي عن أخيه وكذبت عليّ؟ وهل أرسلتَ له دليلًا أيضًا؟
-(عصر رأسَه بين يديه) صوّرتُ له هادي، كان تحت تأثير المنوّم (انخفض صوته) ولكنّه يريد المزيد.
-(ضربَت على وجهها) الويل لنا، سامحك الله يا باسل، غفر الله لي ولك... بأيّ وجهٍ ألقى أخي، أخبِرني! بأيّ وجهٍ ستقابل أختك! سامحيني يا ألق، لقد عجزتُ عن حماية صغيرك وهو تحت سقف بيتي...

صغيري خُذْ بِيَديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن