ج: عاصفةٌ بين هدوئين

517 41 207
                                    

قطرةُ دمعٍ مرفقةٌ بالبُشرى،
وقطرة دمٍ تؤرّخ ولادةً جديدة
وابتسامةٌ مُتعبة
ومعدةٌ خاويةٌ... عزيزة

غزّة

_

مشيتُ نحو حامل اللّوحات فنصب هادي نفسه في الوسط ومدّ يده، ما زال يحمل الرّيشة وقد صُبغ رأسها بالبرتقاليّ. منعَني من التقدّم وقال: "لا، كادت تنتهي، أنت ممنوع عن رؤيتها الآن".
-ولكنّي أشعر بالفضول!
-لقد اتّفقنا على ذلك يا أخي، النتيجة النهائيّة للمسابقة فقط!
-(عبسْت) غيِّر رأيَك، أرجوك!
-لا، جواد، اخرج من غرفتي على الفور، يجب أن تجهز قبل المساء!

ضحكت، بعثرتُ شعره وانسحبت، لقد حصّلتُ الإذن بالفعل لأغادر مبكّرًا يوم غدٍ بحيث أحضر آخر خمس أو عشر دقائق من المسابقة، أرجو ألّا يجدّ أيّ طارئٍ كي أتمكّن من مشاركته التّجربة الجديدة. قد تقدّمُ له فرصًا جيّدة لعرض رسوماته أو بيعها سواءً فاز أم لم يفز، ولكنّي أشعر بأنّ رسمته ستتفوّق على البقيّة.

كنتُ أتابع تطوّرها طيلة الفترة الماضية. بادئ الأمر أخفيتُ انطباعي عنه، ولكنّي بعد أيّام صارحته: "هادي، ينقبض قلبي كلّما رأيتها، لماذا هي باردةٌ إلى هذا الحدّ؟ رسوماتك ليست هكذا، هذه تبعث على الكآبة يا أخي!". خشيتُ إصابته بالإحباط ولكنّه فاجأني بابتسامةٍ وبنبرةٍ سعيدةٍ أجاب: "وهذا هو المطلوب!".
-ماذا تعني؟!
-أخبرتك أنّها تتكلّم عنّا، لا؟
-بلى
-هذه الرّسمة تمثّلني قبل خمس سنوات، بعد أن حرمتُ من زيارتك في المستشفى، ولكنّها لن تبقى هكذا. اللّمسات الأخيرةُ ستقلب المشهد، ولكنّك لن تراها سوى في المسابقة، احرص على الحضور!
-(ابتسمت بحزن) متشوّقٌ لرؤيتها.
-(أمال رأسه ونظر إلى السّقف) في الحقيقة ستراها بعد المسابقة على كلّ حال، ستكون اللّوحة الأولى الّتي أُهديها لك، لتعرضها في بيتك.
-(ابتسم بفخرٍ فقرصتُ خدَّه برفق) ومن مِثلي يا هادي؟ سلمَت أناملك يا أخي.

_

لاحظ الجميع، مرضى وزملاء، نشاطي الزّائد فقد بدوتُ كطفلٍ ينتظر بفارغ الصّبر حلول الصّباح كي يجهّز نفسه للرّحلة المدرسيّة المنتظَرة. ليس كأنّ المسابقة لا سابقة لها، وليس لحاجة أخي إلى تسجيل الإنجازات، ببساطةٍ كنت متحمّسًا لحماس هادي وسعيدًا لسعادته.

صحّته مستقرّةٌ منذ عدّة أسابيع، النّفسيّة والجسديّة، أداؤه الدّراسيّ منذ انطلاق العام جيّد، والأستاذة أمل تتابعه بحرص وتحفّزه دائمًا، عمّتي سماح وطفلتها هنا وقد بات عندهم قبل أسبوع... كلّ هذه العوامل قد أعطته دفعًا مستمرًّا. وها قد حلّت الذّكرى الخامسة لشجاري مع ثلاثيّ المخدّرات وابتزاز المدير لخالي، ولكنّ كلينا غير متأثّرَين، ربّما لأوّل مرّة، فهو مشغولٌ بالرّسمة يفرغ مشاعره فيها، وأنا لديّ نور، وعلى عكس العام الماضي هي على علمٍ بالتّفاصيل كافّة. هطول المطر يُحيي الذّكرى في رأسي ولكنّ قلبي مغمورٌ بسَكينة حياتنا، الحمدُ لله على ما أنعم.

صغيري خُذْ بِيَديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن