١٩: تكسير القيود

692 56 145
                                    

غنّت المجدَ القوافلُ
يا فلسطين الفداء
فأنا الشّعب المقاتلُ
في ظلال الشهداء...

"المساعدات تمتزج بدماء أهل غزّة 🥀 المقاومة سبيلنا الوحيد".

_

انضممتُ إليهم عند المائدة بعد غيابٍ طويل، كنت أتدلّل وآكل في غرفتنا منذ غادرت المستشفى، وهادي معي. لحن المائدة الفريد - مزيج الكلمات القصار وتعابير الصّغار، طرطقة الآنية، صوت انسكاب الشّاي وامتلاء الأكواب - أدمع عينيّ. حمدتُ الله على أنّي لم أعادِهم، لم أسمح للغلّ باستباحة قلبي، لم آخذ أخي وأبتعد عن عائلتنا بسبب ذلك الخطأ - الّذي لا أنكر فداحته ولا أنسى أثره على روحي - لأنّنا الآن تحت سقفٍ واحدٍ نتشارك الدّفء، تتلاقى عيوننا فتلمع فرحًا وامتنانًا، ننعم بالأثر الشّافي للمحبّة والمداراة، ونتعافى، كلٌّ من تبعات ما أصابه، جسديًّا أو نفسيًّا.

بعد عدّة دقائق نزل هادي عن كرسيّه وألصقه بكرسيّي، جلس ثانيةً ولكنّه حشر نفسه بي ولفّ يده حول عضدي. لقّمته طعامه وأكلتُ بينما يمضغ، ولاحظتُ أنّه يؤرجح رجلَيه بسرعةٍ وقوّة، وقبل أن أحذّره اصطدمت قدمه بالطّاولة فقفزت بعض الأواني وارتجّ بعضها الآخر. سكنت الحركاتُ وسكتت الأصوات، حوّلت نظري إلى جدّي فرأيته يجمع ما في صحنه في لقمةٍ كبيرةٍ وكأنّ شيئًا لم يكن، وقبل أن يوصلها إلى فمه نظر إلينا وسأل: "لماذا توقّفتم؟ كفى دلالًا، ليس أمامنا اليوم بطوله".

استأنفوا تناول الطّعام بعدَ ابتساماتٍ أو ضحكاتٍ صغيرة، قرّبتُ وجهي من وجه هادي مبتسمًا فهمس: "لم... أقصد".
-أعرف، ولكن كن حذرًا.
-(أومأ) كيفَ... تبلي؟
-حسنًا، الحمد لله.
-(اختفت عيناه من شدّة سعادته) الحمد لله

_

انتهت المحاضرةُ فأغلقتُ الحاسوب ووضعته جانبًا واجتاحتني رغبةٌ في النّوم ولكنّ هاتفي ارتجّ، طِلته مبتسمًا ورأيت رسالتين متزامنتين - كما توقّعت - على مجموعتنا الجديدة:
-مرتضى: تابعت؟👀
-مجتبى: تابعت؟👀

سجّلت لهما: "تابعت، وكلّ شيءٍ واضح. ماذا عنكما؟".
-مرتضى: فُلّ!👌🏻😁🌸
-مجتبى: 🤦🏻‍♂😒 لا تصدّقه، كان سارحًا طيلة الوقت.
-مرتضى: كان بالي عند جواد!
-أنا: 🤕 إلى متى سأشغل بالك؟
-مجتبى: لا نخفيك، أنت لم تداوم مذ تعرّفنا ولكنّ مكانك خالٍ.
-أنا: 🥺 أخجلتماني.
مرتضى: إذن، متى ستعود؟
-مجتبى: مرتضى كان...
-مرتضى: مجتبى!
مجتبى: ي
-مرتضى: توقّف!
مجتبى: ب
مرتضى: 😭
مجتبى: ك
ي
يبكي يبكي يبكــــــي
-مرتضى: لماذا تفعل بي هذا؟!
-أنا: لا ذرَفت عينُك إلّا دموع سعادةٍ يا رفيق🫂 أنا لا أستحقّ كلّ هذا.
-مجتبى: تستحقّ😇 متى نراك؟
-أنا: تناولت فطوري اليوم مع العائلة
-مجتبى: ممتاز!
-أنا: ولكنّ وضع هادي حسّاس، لا أريد تركه.
-مجتبى: مؤسفٌ ولكنّ صحّته الأهمّ، والأستاذ فراس في صفّك، سيضغط عليهم ليسمحوا لك بالمتابعة عن بُعد متى أردت لفصلين قادمين.
-أنا: لقد غمرني بلطفه، آجره الله.
-مجتبى: كيف حال هادي؟
-أنا: يشاغب، ولا ينقضي يومٌ من دون نوبة ربو، ولكنّه ينام ليلًا ويصحو مرتاحًا.
-مجتبى: متى ستعودان إلى البيت؟ لعلّه يرتاح، وهكذا نزوركما متى أردنا. أتلقّى رسائل التّهديد يوميًّا - من عليّ - ولكنّا نشعر بالحرج في بيت جدّك.
-أنا: متشوّقٌ للقائه🥺 أخشى أنّي لا أستطيع تولّي أمورنا وحدي بعد، وعمّتي الصّغرى ستسافر قريبًا، الجميع مشغولون.
-مرتضى: أنا سأعيش عندكما!
-أنا: أين اختفيت؟!
-مجتبى: غضب من فعلتي، لم يرضَ إلّا بقبلةٍ على الجبين😆
-أنا: آه😅 أقدّر عرضك يا مرتضى ولكنّ والدك أولى منّي😊
-مرتضى: أبي يرغب في الانتقال إلى بيت أختي ولكنّه يؤجّل ذلك من أجلي، ريثما أقتنع بالذّهاب معه كي لا أبقى وحيدًا، ليلًا على الأقلّ. سيعجبه الاقتراح، إنّه يسأل عنك باستمرار، هكذا يطمئنّ على كلينا🌝
-مجتبى: فكّر في الأمر بجدّيّةٍ يا جواد، لأنّ أخونا هذا يرفض المبيت عندي. أنا ووالده نعيش القلق نفسه.
-أنا: طيّب، أوافيكما بكلّ جديد. في أمان الله🌷
-مجتبى: في أمان الله💐
-مرتضى: في أمان الله🍄
-أنا: 😂 خطأٌ مطبعيّ؟!
-مرتضى: ضحكت؟!
-أنا: نعم!
-مرتضى: تمّت المهمّة بنجاح🤩 اعتنِ بنفسك🌷👋🏻

صغيري خُذْ بِيَديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن