(مازلت في قلبي)

5 4 2
                                    

في مقر شركة الحسيني في الغرفة التي يعمل بها عمار ورهف، صُدمت رهف من كلماته وكأن سُكب عليها دلواً من الماء البارد؛ ما كادت ان ترُد عليه بغضب جَم، حتي اعلن هاتفها عن وجود متصل، فأخرجت هاتفها بعصبيه، قرأت الاسم لتجده الطبيب زين، اجابته بسرعه، وما ان سمعت رده، اتسعت عيناها بصدمه،
لتتحدث بدهشه: بابا فاق
ركض عزالدين ورهف في الممر الطويل للوصول للعناية المُركزة، وقف الاثنان امام باب الغرفة يتبادلون النظرات القلقة وكل منهم قلبه يكاد ان يتوقف من الخوف، دخل الاثنان الي الغرفة ببطء واتجهوا ناحية السرير واقدامهم تحملهم بصعوبة، قطعت رهف الصمت بحديثها برقة: بابا، بابا احنا جينا، انا رهف وعز كمان اهو
فتح راضي عيناه وتحرك بؤبؤ عيناه بسرعة لتتركز عيناه علي ابناءه بدأ راضي في الحديث ولكن بصوت منخفض جدا، فاقترب منه عزالدين بسرعة ليلتقط بضع الكلمات المبهمة: خد..با..باللك..من..اخ..رهف،عم.عماار و..ممم..مريم
نظر له عزالدين باستغراب، لِمَ يتحدث والده هكذا، حاول عزالدين الكلام ولكن حضرت الممرضة لتخبرهم بانتهاء موعد الزيارة، فخرج كلاً منهم الي خارج الغرفة، فتأفف عزالدين وتحدث بتعب: هروح اشوف دكتور زين
اومأت رهف برأسها بالإيجاب، فربت عزالدين علي كتفها وسار في الممر الواسع ليذهب حيث غرفة الطبيب زين، وقفت رهف امام باب العناية وفركت عيناها بتعب فأغمضتهما ويدها علي رأسها، ليأتيها صوته بهدوء: رهف
انتفضت رهف وفُجئت من وجوده، لتسأله باستغراب: عمار، انت اي اللي جابك هنا
تنهد وتحدث بتوتر: اصل لقيتك جريتي من المكتب وسمعتك ف التليفون ف جيت اطمن
نظرت له باستغراب تحول لغضب: جيت تطمن علي اي علي بابا مثلا اللي انت تتمني تشوفوا ميت ولا عليا يعنيةم خلاص بقا يا عمار خلاص
قالت كلماتها الأخيرة بعصبية وحدة، لم يعهدها عمار من قبل، فابتلع ريقه ليردف بهدوء: انا مقدر يا رهف انك خايفه علي باباكي انا عشت من غير اب وعارف احساسك دلوقتي يا رهف
اغمضت عيناها بقوة لتمنع دموعها من النزول، فلن تنهار مجددا،
واثناء وقوفهم معا، اقترب منهم الطبيب زين ولم يعبأ للماثل امام رهف فكان كل غرضه التكلم معها والسؤال عن احوالها، حتي وقف امامهم بابتسامة عذبة: انسه رهف اخبارك اي؟
انتبهت له رهف، ورسمت الجدية علي وجهها واردفت بهدوء: بابا اخباره اي انا شايفه ان فيه تحسن، عايز اعرف كدا قرب يفوق والجرح كمان اكيد خلاص بقاله كتير، وكمان القلب الضر...
اوقفها زين بضحك علي طريقة كلامها السريعة فهي تود معرفة احوال والدها بسرعة، فتحدث بمزاح: اهدي ي بنتي ف اي براحة شويه، تعالي كعايا المكتب واشربي حاجه وبعدين اشرحلك براحه
لم يتحمل عمار سخافة ذلك الطبيب، فبأي حق يمكنه الحديث الودود مع رهف، مازال يغار عليها لا ينكر بل ويغار جدا، فرد هو علي الطبيب بغل: اظن ان دي واحده جايه تتابع حالة والدها مش بنت خالتك عشان تكلمها كدا
رفع زين احد حاجبيه ليحادثه بعند وكبرياء نوازي لعمار: ومين بقا حضرتك عشان تقولي بنت خالتي ولا خطيبتي
كان عمار في ذروة غضبه، فقد استفزه  ذاك السخيف، بل ونعت رهف خطيبته، كيف يتجرأ!؟
رد عليه عمار بغضب: تبقا خطيبتي
---------------------------------------------
كان عزالدين مشغولا بالبحث عن الطبيب زين، ليُفاجئ بمشادة كلامية بين عمار والطبيب، ثم تطورت الي رفع الايادي ومن رفع يده اولاً بالطبع عمار، فأسرع ناحيتهم ، وفصل بينهم بجسده ليحرك عمار جانباً بقوه ليترك ياقة الطبيب زين ؛ عزالدين بغضب: ميصحش الهبل اللي انتوا بتعملوه دا في مرضى هنا
ونظر للطبيب زين بصرامة فهو أيضا لا يعجبه تودده لشقيقته ، وتحدث بغضب مكتوم: كلامي صح ولا اي يا دكتور بعد اذنك تتفضل تشوف اللي وراك وتسيبنا
عدل زين من ملابسه وسار ناحية مكتبه وهو يرمق عمار بغضب ، ولم تقل نظرات عمار غضباً ناحيته
تحدثت رهف بعد اختفاء الطبيب زين أمامها وهي تضغط علي كفي يدها بعصبيه ونبرتها تحاول الثبات: طيب لآخر مره يا عمار ملكش دعوه بيا ابعد عني وعن حياتي انا لا صاحبتك ولا خطيبتك ولا اقربلك اصلا ف ياريت كفايه يا عمار لحد كدا بجد كفايه
أصدق عمار وعيناه تشتعل من الغضب: يعني يقعد يتمزق في الكلام معاكي وعايزين اسكت
كادت رهف ان ترد عليه بعصبيه ولكن اوقفتها يد عزالدين رادفاً بحزم لإنهاء ذلك النقاش قبل أن يحتد اكثر من اللازم : اظن مش وقته ولا مكانه اللي انتوا بتعملوه دا ميصحش كدا يا جماعه انتو مش عيال
رن هاتف عزالدين فزفر بانزعاج وأخرج هاتفه ليرى من المتصل ، ليتحدث باستغراب: مريم
فانتبهت حواس عمار لتلك المكالمة ، فرد عزالدين لتحتل ملامحه الصدمة لغلق الخط دون حديث ، فأمسك عمار كتف عزالدين بقلق متسائلاً: اي يا عز في اي
عزالدين بصدمه وملامحها تحتلها الوجوم: كارثه يا عمار روحنا في داهيه
-----------------------------------------
في مقر شركة الحسيني
يقفون جميعهم في مكتب راضي الحسيني كل منهم يتملكه الحيرة ، وعزالدين يسير في المكتب ذهاباً واياباً يكاد عقله يقف عن التفكير ؛ ليقطع الصمت محمود الحسيني متحدثاً بحيرة: وبعدين يا جماعه هنفضل كدا كتير مش عارفين الورق دا راح فين اختفى يعني
عمار باستغراب: الفكره ان المفتاح بتاع المكتب وبتاع الخزنه مع عزالدين بس ومافيش كسر في الخزنه معنى ذلك انه اتفتح بالمفتاح
نظر عمار لعزالدين متسائلاً: عز انا شاكك ان حد ممكن يكون سرق المفاتيح منك وبعد كدا رجعها
عزالدين رافضاً: مستحيل يا عمار انا المفتاح دا بالذات مبسيبوش وحاطه في المحفظة عشان خايف علي الورق اللي فيه ومطلعتش المفتاح غير لما اديته لمريم بس
محمود رافعاً إحدى حاجبيه متحدثاً باستهزاء : سهله يبقا عمار عايز ياخد بتار ابوه ف بعت اخته تسرق الورق
برقت عين مريم في ذهول ولم تستطع التحدث ولكن جاء صوت عزالدين غاضباً: فوق لكلامك يا محمود اللي انت بتتكلم عليها دي ليها في الشركة زي مالينا
رد عمار عليه باستخفاف: سيبك منه يا عز دا دماغه تعبانة اصل انا هروح اسرق فلوسي طب ما كنت عملت كدا من زمان مستني لحد دلوقتي لي
رد عليه محمود محاولاً استفزازه: الطمع بقا يا صاحبي يعمل اكتر من كدا وانت طماع يا عمار عايز الشركة بحالها زي ما بتبقا عايز كل حاجه من صغرك
فهم عمار انه يقصد بكلامه معنى آخر جاء ليرد عليه بعصبيه ولكن سبقه صوت آخر
رهف بحده: احترم نفسك بقا يا محمود واهدى كدا واعقل مش هتعرف تشككنا فيه عشان احنا عارفين كويس ان هو لا طماع ولا يعملها وغير كدا عنده حق دا ماله وفلوسه اكيد مش هيسرقه يعني
نظر لها عمار بامتنان علي وقوفها بجانبه ولكنها دارت وجهها للناحيه الآخرى حتي لا تواجهه بعينها
فحدث عزالدين بحزن: انتوا الشك خلاكوا تقطعوا في بعض علي العموم انا اختارتها انتوا بالذات عشان انتوا اكتر ناس واثق فيهم وانتوا اللي ليكوا في الشركه زي ما ليا
اكملت رهف علي كلامه وهي تقترب من منتصف الغرفة : اللي عمل كدا حد قريب مننا وف نفس الوقت مش مننا احنا التمانية
قطبت ساره حاجبيها بحيرة مردده: قريب مننا ومش مننا هي فزورة ولا اي مش فاهمه حاجة
عزالدين بتفكير: رهف عندها حق دا حد عارف مكان الورق وانه اد اي مهم يعني فاهم الشغل بتاعنا ماشي ازاي وعارف اننا هنحاول نصلح الوضع
فرك محمود ذقنه الحليقة بتفكير: كله هيبان مع الوقت سيبولي انا موضوع الورق دا انا وشروق هنتصرف وانتوا ركزوا بس في محاولة رجوع الشركه تاني
دخل عمار ورهف ومريم وعزالدين غرفة مكتب عزالدين فجلست علي مقعد مكتبه ووضع رأسه داخل كفه بتعب ، ليتحدث عمار محاولاً التموين عليه: عز متخافش انا مش هسيبك متقلقش حتي بو من غير الورق هندور علي اي حلول تانيه انا ورهف عملنا ميزانيه جديده للشركه وأعتقد انها ناجحه بنسبة ٧٠ % احنا مع بعض اهو
ذهبت رهف ناحية أخيها وربتت علي كتفه بهدوء مردفة بمواساه: عنده حق احنا مع بعض اي حاجه هتعدي  انا متأكده ان احنا هنعدي الموضوع دا يا عز متقلقش كدا
نظر لهم عزالدين بامتنان وهو يابت علي يد اخته الموضوعة علي كتفة : شكرا يا جماعه ليكوا بجد يعني كلنا في الهم سوا وانتوا بيحاولوا تواسوني انا
ثم اكمل بطريقته المرحة حتي لا يشعرهم بحزن: وفي اللحظه دي لازم ناخد حضن جماعي
وقام من مجلسه وهو يفتح ذراعيه ، لتتحدث رهف بسرعه: طب انا ورايا شغل بقا لازم تروح اخلصه عشان الشركه اللي بتنهار دي
فلحق بها عمار سريعاً محاولاً الهرب من حضن عزالدين قائلاً بتوتر: ايوا خديني معاكي اللهي تنستري يا بنتي
خرج الاثنان ما عدا مريم التي كانت تنظر لهم باستغراب ، لتدير وجهها ناحية عزالدين الذي بدوره عندما وجد انهم وحدهم فاقترب منها بوجهه الطفولي ومازالت يداه معلقتان في الهواء ، وما ان نظرت ساره اليه وهو يقترب منها حتي صرخت عاليا وهي تركض خارج الغرفة .
وقف الآخير حزيناً لا يفهم سبب اعراض كل منهم عن احتضانه
----------------------------------------------
كان عمار ورهف يسيرون بالرواق المؤدي لغرفة عمار بسرعة لتسأله رهف بمكر: حرام عليك كنت احضنه دا غلبان هربت لي
نظر لها عمار باستغراب مردفاً بصدمه: يعني انتي متعرفيش حضن اخوكي عز اللي بيكسر العضم دا
رهف بضحك: عارفاه م هو دا اللي خلاني اهرب
تعالي أصوات ضحكاتهم قليلاً في الرواق ، ولكنهم لما يلاحظون تلك العينان الحزينة التي تتابعهم في حسرة
نعم كانت تلك النظرات الخاسرة نظرات شروق ، وهي تحدث نفسها في حزن شديد: يا بختك يا رهف لسه بيحبك وواضح انه هيفضل يحبك ع طول وانا مش هيبقا شايفني ابدا
انتهت ساعات العمل ورجع كلٍ منهم الي بيته ، صعدت شروق الي شقتها ودخلت الي بيتها وهي تنادي علي والدتها بصوت مرتفع ، لتخرج والدتها من المطبخ وهي تزيل عرق جبينه بطرف عبايتها اثر الحرارة في المطبخ ؛ ردت عليها والدتها بسرعة: كويس انك جيتي يا شوشو متغيريش هدومك عايزاكي تودي طبق الجلاش اللي انا عاملاه للست كوثر
اتسعت عين شروق باستغراب هاتفه بصدمة: جلاش اي يا ماما وانا مالي اصلا
قطبت امها حاجبيها مردفه باستنكار: مالك ازاي يا بت ما انتي عارفه ان ابنها بيحبه الله
نظرت لها شروق بترقب لتحدثها بصوت منخفض: ايوا وانا مالي بقا هو بيحبه ولا لأ
هتفت امها بطريقة ماكره: مالك ازاي بقا م انتي عينك كانت هتطلع من عليه وبعدين الواد معاه فلوس من شركة ابوه يعني الخير دا كله هيبقا لينا احنا ف الاخر
هتفت شروق بصدمه من كلام والدتها: اي اللي بتقوليه دا يا ماما لا لا انا مبفكرش بالطريقة دي
تركتها امها ودخلت الي المطبخ وخرجت في يدها طبق ملئ بالحلويات ، واعطته لها بقسوة هاتفه بنبرة حازمة: بقولك اي الواد دلوقتي فاسخ خطوبته مع البت الملزقه دي ودي الطبق ومتعرضنيش
زفرت شروق في ضيق واضطرت للامتثال لأوامر والدتها ،وذهبت ناحية باب شقة كوثر وقبل ان تضغط علي جرس البيت ، فتح عمار الباب فجأه ليُفاجئني بالماثلة أمامه وبالطبق في يدها ، تحدث باستغراب: شروق مالك واقفه كدا لي
توترت شروق من نظراته ناحيتها وحاولت ان يبدو صوتها طبيعياً ولكنه خرج مبحوحاً: انا ...ان ... انا كنت جايه اديكوا الطبق دا عشان عارفه انك بتحب الحلويات دي
ضحك عمار بخفوت ففرح قلبها ورقص طربا على اثر ضحكاته وهو يتكلم بامتنان: فيكي الخير والله يا شروق الوحيده اللي فاكراني بموضوع الجلاش دا ، وبعد اكل فيه لحد ما بطني بتتملى
ابتسمت شروق وهي تنظر في الأرض هاتفه بخجل: يعني بتحب الجلاش اللي بعمله
عمار بسعادة: بحبه جداااااا
ضحكت شروق على طريقته الطفولية في حب ذلك الطبق ، فشكرها عمار واجهت ناحية شقتها وهي تتخيل نفسها بجانبه في أحلامها الوردية .
أغلق عمار الباب وهو ينظر بطبق الحلويات بسعادة ليخطط في عقله هل سيأكله وحده ام سيتناوله مع كوب عصير ، ولكن قطع حبل أفكاره صوت شقيقته المزعج: عجبااااك اجوزهاااالك يا حبيبي
تنهد عمار في ملل وهو يرد عليها بعدم تركيز: تجوزيني مين
ردت عليه مريم بنزق: الانسه اللي كل ما تتزنق تجيب جلاش دي
استغرب عمار كلام شقيقته ليرد بفتور: يا بنتي دي صديقه هي لا بتفكر فيا ولا انا اكيد طبعا
بدأت نظرات الغضب في عيون مريم تتحول الي مكر هاتفه بابتسامه لا تقل مكرا عن عينيها: اومال انت بتفكر في مين وسرحان طول الوقت يا عسل تكونش بتفكر في رهف
توتر عمار وزاغت نظراته وهو يرد بتوتر: رهف اي اللي جاب سيرتها دلوقتي
ليأتي صوت والدتها وهي تخرج من المطبخ بمكر محايد لإبنتها: وهي رهف تتنسى يا عمار دا انت مره كنت نايم وبتحلم ولقيتك قاعد بتقول رهف رهف هاتي الورق
قالت والدته كلماتها الأخيره وهي تضحك بشده هي ومريم ، ليهتف عمار بنزق وهو يتجه بطبق الحلويات ناحية غرفته: لا انا همشي من قدامكوا عشان انتوا لما بتتفقوا عليا ببقا هولع في نفسي
زادت ضحكات مريم ووالدتها علي منظر عمار الذي كان يحاول منع نفسه من الانخراط في ضحكاتهم.
--------------------------------------------
كان عزالدين يجلس بشرود في شرفة فيلته لتأتي والدته وهي تسأله في حيره: اي يا عز مالك قاعد سرحان وشايل الهم ومردتش تتغدا في اي مالك
رد عليها عزالدين بتفكير: كارثه يا ماما الورق اللي بابا كان شايله لشغل كتير اتسرق والشركه حرفيا واقفه ومش عارف اعمل اي
توترت رغد وهي تبتلع ريقها في توجس واحست انها تصرفت برعونة عندما أعطت الورق لعماد فهو من الواضح انه لم يفعل شئ في صالح شركتها بل ان الأمر يزداد سوءً ولكنها قررت أن تذهب اليه وتأخذ ما أعطته له وتعطيه لابنها
-----------------------------------------
بقلم منار السيد
اليُراع الذهبي

اللقاء🫰🏻حيث تعيش القصص. اكتشف الآن