الورقة الأخيرة

170 27 69
                                    

مرر أنامله بين خصلات شعره وأعاد جسده بخفة متكئًا على الكرسي، كانت الغرفة معتمة ولم يكن هناك شيء يُضيء فيها سوى الشمعة القريبة إليه على سطح المكتب.

تنهد بثقل وهو يتذكر الفترة الأخيرة التي قضاها بمشفى بيثلم وكيف سارت الأحداث على غير متوقع.

رمى القلم جانبًا دون اهتمام وهو يخرج سيجارة من علبة السجائر ويضعها بين شفتيه مقربًا عود الكبريت بعدما أشعله لطرف التبغ المكشوف منها.

سحب نفسًا عميقًا لداخل صدره المثقل وهو يحدق بعود الكبريت مبتسمًا بخفة..

نفث الهواء من بين شفتيه على النار المُضرمة بطرفه وفتح الدرج واضعًا إياه بترتيب مع بقية الأعواد المُستعملة.

"ميدوسا أشعلت السيجارة المئة وأربعون برأسك الأحمر المُلتهب"


أغلق الدرج وبقي يُحدّق بالأوراق القليلة المتبقية من دفتر مذكراته، بقي يدخن ملتزمًا الصمت ولا شيء يكسر حاجز الهدوء هذا غير دقات الساعة بالغرفة المُعتمة.. دقائق من السكينة والهدوء ثم اقتحمت خلوته أنامل نحيلة تدلك كتفيه وصوتها الناعم يهمس بجانب أذنه:

"هل أنتهيت؟"

"لا.. بقي لدي القليل فقط"

"يجدر بك أن تنهي ذلك حتى تبدأ من جديد بشكل صحيح.."

"من المفترض أن لا تكون هناك نهاية، لكنني أود إنهاء الشر الذي حدث وأغلاق هذا الدفتر للأبد"
"لن تكون النهاية، بل هي بداية لحياة أفضل"

همست وهي تتقدم أمامه وتتكئ على طرف المكتب مميلة بجذعها ناحية الورقة البيضاء.
نظر إليها مطولاً ثم رفع القلم المرمي بأهمال وشرع بالكتابة..

(هذه الورقة البيضاء سأضطر لأن أشوه نقاؤها بحبري.. تماماً كما تضطر الحياة لتشويهنا حتى تصقلنا!
سأضع بعض الكلمات بين قوسين وبعدها أنهي الأمر.. لكن هل سينتهي كل هذا الشر بالعالم بنهاية وضعي للقوس الأخير..؟!)

لقد بقيتُ حبيسًا لفترة طويلة بعد موت ميدوسا ورغم أنني لم أعرفه، لكنني ممتن له.

لقد حمل عني وزر أخطائي بعدما رأى الظل أنني لستُ جديرًا بحملها! لقد التزمت الصمت وعدتُ للكتابة، أصبحت طبيعيًا وهادئًا أكثر مما كنتُ عليه من ذي قبل.

تصرفات ما كنتُ أتوقع أنني أملكها قد باغتتني على حين غرة.. كنتُ كل بضع أيام أخرج مع المرضى وألقي عليهم نكات سيئة ولشدة سذاجتهم يضحكون لغاية التعب!

زودياك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن