الفصل الخامس عشر ( الجزء الاول )

2K 143 33
                                    

"الجزء الاول من الفصل ...
جزء صغير محدود لكنه مهم جدا جدا ...
خاص بالثلاثي المرح اثير وهالة وكرم ...
الجزء تمهيد للنصف الأساسي من الفصل اللي هينزل بعد يومين واللي هو الأساس .."

غادرت توليب جناح هالة بملامح واجمة تماما ... لم تكن تتوقعا تصرفا كهذا من أثير ... متى بات أثير متهورا إلى هذا الحد ..؟! متى بات يتصرف بإندفاع ولا مبالاة هكذا ..؟! لطالما كان صارما رزينا يحسب حساب كل خطوة يخطيها ...
تنهدت بسأم مفكرة إنه العشق ... العشق الذي يغير قوانين الشخص تماما ... يهدم ما صنع نفسه عليه لأعوام ... ويصنع منه شخصا جديدا لا يعرفه ... شخصا مجبرا على أن يكون عليه حتى لو داخله غير راضيا عنه ...
نعم هو العشق ... الذي بقدر ما هو شعور جميل وتجربة لطيفة لكنه  كمثل كل شيء يحمل جانبا مظلما عايشه الكثير ...
جانب مظلم لا خلاص منه ولا تحرر من ظلامه إلا بمعجزة ...
دلفت إلى جناحها والقلق يسيطر عليها ...
قلقة بشأن ابنة خالتها وشقيقتها وصديقة عمرها ...
وقلقة أيضا بشأن ابن عمتها ...!
اتجهت نحو سريرها تجلس عليه وعقلها يفكر فيما يحدث ..
زواج هالة يقترب وأثير لا يتوقف عن جنونه ...
هي نفسها باتت تخشى منه رغم إنها راهنت مسبقا على حكمته وثباته ...
اللعنة ، كيف تغير هكذا ..؟!
كيف حوّله العشق بهذه الطريقة ..؟!
هي تشفق عليه كثيرا ...
تحزن لأجله ..
آلم العشق لا يطاق .. آلمه مدمر ... حيث القلب والروح يحترقان .. حيث يفقد المرء سلام قلبه وروحه ... ثبات عالمه ... آمان عمره ...
حملت هاتفها تناظره بتردد ... هل تتصل به ...؟!
هي عليها أن تفعل شيئا ...
هي قريبة كليهما ...
عليها أن تساعد كليهما ...
يجب أن تحاول حتى ...
زفرت أنفاسها ببطأ وهي تناظر  الهاتف بتردد ...
لحظات واتخذت قرارها الحاسم وبدلا من أن تتصل به قررت أن تذهب إليه لكنها تحتاج لمعرفة مكانه أولا ..
ستفاجئه في زيارتها كي لا يتهرب منها ...
اتصلت بسولاف تسألها عن شقيقها فأخبرتها إنه لا يقيم في القصر منذ أيام كما توقعت ...
علمت منها إنه يقيم في شقته وبتردد طلبت العنوان ...
بالكاد تهربت من أسئلة سولاف الفضولية وهي تأخذ العنوان ...
نهضت بعدها لتغير ملابسها وتذهب إليه ...
الوقت قارب على الخامسة مساءا ..
غالبا سيكون هناك الآن وهي عليها أن تلحق به قبل خروجه مجددا ...!
***
ركنت توليب سيارتها قرب العمارة ثم هبطت منها بتردد سرعان ما نحته جانبا وهي تتقدم بخطواتها الهادئة اتجاه العمارة ...
اتجهت نحو المصعد ووقفت أمامه تنتظر هبوطه بعدما أخذت رقم الطابق والشقة من سولاف ...!
ارتقت المصعد بعد ثواني وهي تتنهد بصمت ..
تتمنى أن تستفيد من هذه الزيارة ...
تتمنى أن تفعل شيئا لصديقتها المنهارة ...!
يؤلمها كثيرا أن تراها هكذا ...
هالة ابنة خالتها وأختها بالرضاعة وتوأم روحها ..
هي تتألم لألمها ..
لا تتحمل أن تراها تحمل هذا الكم من الوجع والضياع ...
انتبهت على باب المصعد الذي فُتِح تلقائيا فسارعت تغادره متجهة نحو الشقة عندما وقفت أمام الباب تأخذ نفسا عميقا قبل أن تضغط على الجرس بإصرار ..
أقل من دقيقتين وجدته يفتح الباب ..
سرعان ما علت الدهشة ملامحه وهو يردد بذهول :-
" تولاي .."
تقدمت إلى الداخل دون أن تنتظر دعوته ليزفر هو أنفاسه بملل قبل أن يغلق الباب ويتقدم خلفها ...
وضعت حقيبتها جانبا واستدارت نحوه عاقدة ساعديها أمام صدرها والجمود يسيطر على ملامحها ...
بدت مختلفة عن توليب التي عرفها ...
ملامحها الرقيقة تحمل صرامة غريبة ...
عيناها تقابلانه بثبات لا يخلو من الغضب ...
من الواضح إنها تحمل الكثير داخلها نحوه ...
هتف بسخرية باردة :-
" هل أرسلتك إبنة خالتك كمحامية عنها ..؟!"
أجابت على الفور :-
" ليست هالة من تحتاج لمحامي كي يدافع عنها ..."
أضافت بصلابة :-
" أنا من أتيت من تلقاء نفسي لأضع حلا لهذه المهزلة ..."
" حقا ..؟!"
نطق بها بتهكم نرفزها فسيطرت على عصبيتها بصعوبة وهي تخبره بجدية :-
" نعم يا أثير ... هذه المهزلة ستنتهي ..."
اتجه يجلس فوق الكرسي بعدم اهتمام بينما نطقت هي بهدوء جاد :-
" توقف عما تفعله يا أثير .... أنت لا تؤذي هالة فقط بل تؤذي نفسك ...."
أضافت بنفس الجدية التي بدت لا تشبهها إطلاقا لكن على ما يبدو إن توليب مثلها مثل الجميع لديها جانت حازم يظهر في الاوقات المناسبة :-
" اترك هالة وشأنها ... هالة عانت كثيرا وما زالت تعاني ..."
هتف ضاحكا :-
" حقا ...؟! هالة عانت إذا ..؟! "
هتفت بثبات :-
" نعم عانت وكثيرا ايضا ... هي لم تكن سعيدة عندما تركتك ... أبدا ..."
انتفض يصيح :-
" وماذا عني ..؟! هل كنت سعيدا ..؟! على الأقل هي كانت تعلم بما يجري ... أما أنا فكنت كالأبله لا أدرك ما يجري حولي ..."
" كانت مجبرة ..."
قالتها بقوة وهي تضيف :-
" لم يكن أمامها حلا آخر ..."
قال رافضا :-
" أنت تدافعين عنها لإنها إبنة خالتك ..."
" وأنت ابن عمتي ... لا تنسى هذا ..."
هتفت بها بنبرة قاطعة ليقول بتهكم :-
" لا تنكري إنك تدافعين عنها باستماتة ..."
قالت بصدق :-
" لإنها تستحق ... لعلمك أنا كنت أعلم بكل شيء منذ البداية ..."
تجهمت ملامحه بينما تسترسل :-
" لا أنكر إنني طلبت منها مرارا أن تخبرك بالحقيقة ... لكن واقعيا هي تصرفت بشكل منطقي ... والدتك أهانتها ... جرحتها وهي كان لا بد أن تنسحب بعد كل هذا ..."
صاح برفض لهذه المبررات السخيفة من وجهة نظره :-
" كان عليها أن تخبرني على الأقل ... أن تمنحني سببا لهذا الانفصال ..."
سألته بعينين ثبتتا فوق عينيه بتحدي :-
" هل كنت ستتركها ..؟! هل كنت ستحترم رغبتها بالانفصال ..؟! أم كنت ستجبر والدتك على الخضوع لك وقبولها في حياتك رغما عنها ...؟!"
" كنت سأحارب لأجلها ..."
قالها بثبات لتهتف هي بأسف :-
" وهي لم تكن تريد ذلك ... كانت تريد إنهاء هذه العلاقة .. بترها ... اقتلاعها من جذورها ... لم تكن تستطيع الاستمرار بعد الكلام الذي سمعته وكم الإهانة التي تعرضت لها وأنت لم تكن لتتركها أبدا ... كنت سترغمها على البقاء معك حتى لو رفضت ذلك كما كنت ستجبر والدتك على قبولها وهذا كان سيحطمها ... "
أخذت نفسا عميقا وهي تلاحظ تشنج ملامحه بينما تضيف بتروي :-
" أنت تعلم إن كلامي صحيحا .. تدرك صحة ما أقوله .. "
تسائل بتجهم عاد يكسو ملامحه :-
" لماذا أتيت يا تولاي ..؟!"
أجابت بهدوء :-
" أتيت لأجل هالة .. ولأجلك ..."
أخذت نفسا عميقا ثم أضافت :-
" أتيت لإنقاذك من شيطانك الذي يقودك نحو طرق مظلمة نهايتها مجهولة ... أتيت لأطلب أن تستفيق يا أثير وتتوقف عما تفعله والذي لن يؤذي هالة فقط بل سيؤذيك أنت أيضا ... كلاكما لا يستحق هذا الأذى .. كلاكما يستحق أن يحيا بسلام ..."
تأملها بنظرات مبهمة وعقله يتسائل عن سلامه المفقود منذ أعوام ... منذ رحيلها عنه ...
سمعها تضيف والرجاء الخالص يشع من عينيها :-
" راجع نفسك يا أثير قبل أن تقدم على شيء ستندم عليه طويلا فيما بعد .. ندما لا نهاية له ..."
تحركت بعدها تغادر الشقة تاركة إياه شاردا في كلماتها رغما عنها بينما تقدمت هي بعدها نحو سيارتها وأخذت مكانها في مقعد السائق قبل أن تسحب هاتفها من حقيبتها ..
تحتاج لمن يسندها فيما تفعله ..
كانت تعلم إن كلا من مهند وعادل الأقرب لأثير ولكن مهند لن يفيدها ...
مهند لن يتفاهم معه بل على العكس سيقلب العالم فوق رأسه ...
لم يكن أمامها سوى عادل فسارعت تراسله على حسابه في الفيسبوك كونها لا تملك رقمه ...!
***
دلف عادل إلى المطعم الذي اتفق مع توليب أن يلتقيها به ...
ما زال متعجبا من رغبتها برؤيته ...
بالتأكيد هناك مشكلة ما تخص مهند ..
هكذا فكر ..
فهو رغم معرفته بتوليب ووجود صداقة بينهما خاصة في فترة الثانوية لكن منذ سنوات وأصبحا لا يلتقيان إلا فالمناسبات العامة ولا يوجد تواصل بينهما إلا نادرا ...
ابتسم بهدوء وهو يتقدم نحوها لتبادله ابتسامته عندما سحب هو كرسيا له وقابلها في جلسته ...
تبادلا التحية قبل أن يشير إلى النادل ليطلب له القهوة بينما طلبت هي عصير البرتقال ...
عاد بأنظاره نحوها ليجدها تهتف بلطف :-
" أعتذر عن طلبي السريع لرؤيتك ..."
قال عادل بسرعة :-
" علام تعتذرين يا تولاي ..؟! منذ متى ونحن بيننا هذه الرسميات ..؟!"
ابتسمت بخفة قائلة :-
" معك حق ولكن ربما كنت مشغولا ... "
أضافت بخفوت :-
" لولا حاجتي الضرورية لمساعدتك ما كنت لأتصل بك وأطلب منك القدوم بهذه السرعة ..."
هتف يتسائل باهتمام :-
" تحدثي يا تولاي ... ماذا هناك ..؟!"
تنهدت ثم قالت :-
" أثير يا عادل ... أثير لا ينوي ترك هالة قبل تدمير زيجتها ..."
تغضن جبينه بينما يستمع لكلماتها قبلما تبدأ هي بالتحدث وسرد ما يفعله أثير ...
انتهت من إخباره بما يجب أن يعرفه ثم قالت بضيق :-
" هل هذا تصرف شخص عاقل يا عادل ..؟! أثير جن تماما ... "
تنهد عادل بسأم بينما اتى النادل يحمل المشروبات لكليهما ...
تابعه عادل بشرود وهو يضع العصير أمامها ثم القهوة أمامه ليشكره بإبتسامة صامتة قبل أن يقول بعدما غادر النادل :-
" سبق وتحدثت معه بشأن هذا الأمر .. "
أضاف بضيق :-
" لم أتوقع أن تصل رغبة الانتقام به إلى هنا ...!"
قالت توليب برجاء :-
" تحدث معه يا عادل ... "
أضاف بتنهيدة :-
" أنت أكثر شخص يمكنه أن يساعد في حل هذه الأزمة .. أنا أدرك جيدا مدى قوة علاقتك به ومدى تأثيرك عليه مثلما أعلم جيدا حكمتك وحنكتك في التعامل مع أمر كهذا ... زفاف هالة يقترب وأنا أخشى من حدوث مصيبة لا يحمد عقباها ..."
تنهد عادل مجددا بصوت مسموع قبل أن يقول بعد لحظات :-
" سأتحدث معه يا تولاي وأحاول أن أجد حلا لهذه المشكلة .. أثير يحتاج أن يستيقظ من هذا الجنون .. لا بد أن يفعل ..."
" لدي أمل كبير فيك وفي قدرتك على فعل ذلك ..."
قالتها بصدق ليبتسم بإقتضاب قبل أن يحمل فنجان قهوته ويرتشف منه القليل بينما عقله شارد في صديقه وما يفعله من جنون سيدمره هو قبل أي أحد ..
***
عادت توليب إلى القصر وداخلها تدعو الله أن يستطيع عادل التأثير على أثير وجعله يتراجع عما يفعله من حماقة ...
دلفت إلى جناحها لتغير ملابسها سريعا قبل أن تتجه نحو جناح هالة كي تطمئن عليها ...
وقبل أن تهم بخلع ملابسها وجدت هاتفها يرن فسارعت تجذب الحقيبة من فوق السرير وتفتحها ثم تخرج الهاتف لتتفاجئ برقم غريب يتصل بها ..
أجابت بحيرة فيأتيها صوته قائلا :-
" أنا عادل يا تولاي ..."
" اهلا عادل ..."
قالتها بسرعة وهي تضيف بتساؤل قلق :-
" هل حدثت مشكلة ما ..؟!"
أجاب بسرعة يطمأنها :-
" كلا ، لم يحدث شيء .. أنا فقط أردت منك شيئا ..."
سألت بحيرة :-
" شيء ماذا ..؟!"
" أريد صورة لهالة مع خطيبة ..."
نطقت باستغراب :-
" لماذا ..؟!"
تنهد مجيبا :-
" أحتاج لصورة لهما او حتى فيديو يظهر مدى حبهما وسعادتهما .. "
بهتت ملامحها بينما يضيف بهدوء :-
" أنتظرك ... حسنا ..."
ثم أغلق الهاتف بينما بقيت هي مكانها ساهمة تفكر فيما يخطط له عادل ...!
***
وقف أمام المرآة يتأمل ملامح وجهه المبللة بعد حمامه البارد ....
عيناه ثابتتان بنظرة قاسية باتت جزءا من شخصيته ...
القساوة التي احتلت روحه بسببها ...
ليس بسببها وحدها ..
بل بسبب والدته أيضا ...
الغريب في الأمر إن الطعنة أتته من أقرب إمرأتين لقلبه ...
في حياته هناك اثنين من النساء كن الأهم على مدار سنوات ...
والدته وشقيقته التي كانت ولا زالت بمثابة ابنته ...
ثم أتت هي ...
لتصبح الثالثة ..
مالكة القلب والروح ...
من منحها كل شيء دون تردد ... بثقة عمياء ...
وهاهو يلعن نفسه كل يوم بسبب إقدامه على ذلك ...
لم يكن يوما رجلا هوائيا .. لم يكن رجلا متسرعا أبدا ..
بل على العكس ...
كان دقيقا في كل تفاصيل حياته ..
صارما مع نفسه قبل أي أحد ...
حتى أتت هي وغيرت قوانينه كلها والغريب إنها ما زالت تفعل ذلك رغم كل ما فعلته ..
فهاهو ينسلخ من جلده .. يتلبس شخصية لا تشبهه بشيء ...
يتحول لشيطان مستغل أناني بسببها ... وكأنها سبب كل سوء يصيبه ...
وكأنها مرض لا خلاص منه ...
في حبها تغير وخسر الكثير وحتى في انتقامه منها يخسر الكثير ...
يخسر نفسه ...
يخسر روحه ...
روحه التي ما زالت متيمة بها رغم كل شيء ...
رغما عن كرهه لما فعلته ...
رغما عن رغبته الدفينة في الانتقام منها ...
رغبته في احراق قلبها وروحها كما فعلت به ...
هي تستحق .. تستحق كل الأذى .. تستحق أن تتألم ... أن تموت وجعها ..
ولكن ماذا عنه ..؟!
هل يستحق أن يخسر نفسه مجددا لأجلها ..؟!
***
غادر حمامه متجها نحو خزانة ملابسه ...
يخرج لنفسه ملابسا مريحة يرتديها قبل أن يهرب إلى النوم ...
متجاهلا تساؤلات عقله التي تلح عليه منذ فترة ...
متجاهلا حديث والده ونصيحته له ...
متجاهلا حديث توليب الصارم معه ...
هو يدرك إن الجميع يتحدث بما هو منطقي ..
يخبره بالشيء الصحيح ..
ولكنه يرفض التنازل ...
يرفض الخسارة ...!
غرق في نومه أخيرا ولم يستفق حتى المساء على صوت رنين جرس باب شقته ..
اعتدل في جلسته بتعب قبل أن يسحب ساعته فتتجهم ملامحه وهو يستوعب عدد الساعات التي نامها ...
نهض من مكانه بتكاسل متجها نحو الخارج حيث فتح باب شقته ليجد عادل أمامه يبتسم بهدوء وهو يلقي التحية ...
أفسح له جانبا ليتقدم إلى الداخل وهو يتسائل مضيفا :-
" كيف حالك ...؟!"
أجاب أثير وهو يغلق الباب خلفه :-
" بخير ..."
تقدم اتجاهه بينما جلس عادل فوق أحد الكراسي وهو يتابعه بعينيه ليجلس أثير قباله ...
سأله أثير باهتمام :-
" كيف حالك ..؟! كيف يسير العمل معك ..؟!"
رد عادل بجدية :-
" سأسافر قريبا .. "
" لأجل الدراسة ..."
أومأ عادل برأسه ليضيف أثير بخفة :-
" ستبقى تدرس طوال حياتك يا دكتور ..."
قال عادل ببساطة :-
" أحب اكتساب المزيد من الخبرة ... "
أضاف بعدها باهتمام :-
" أخبرني عنك أنت ...هل لديك سفر قريب ..."
غامت عينا أثير بنظرة بعيدة المدى لم تخفَ عن عادل بينما يجيبه باقتضاب :-
" ليس الآن ..."
صدح صوت عادل يسأل بجدية :-
" ألا تنوي التنازل وقبول الأمر الواقع ...؟!"
" لا أريد التحدث بهذا الموضوع مجددا ..."
قالها بنبرة حادة ليقاطعه عادل بصرامة :-
" بل سنتحدث ..."
أضاف متجاهلا حدة ملامحه :-
" وأنت ستسمع ما أريد قوله ... رغما عنك ..."
ومضت عينا أثير بنبرة حارقة يقابلها عادل بنظرة متحدية ...
رغم هدوء عادل وحلمه المعتاد كان يمتلك شخصية جادة وحازمة لها قدرتها الخاصة في التعامل مع من يقف أمامها مهما بلغ عناده وصلابة رأسه ...
" أنت لديك شقيقة يا أثير ..."
تجمدت ملامح أثير تماما ولم يتوقع بداية هذا الحديث منه بينما أضاف عادل بثبات :-
" ضع سولاف أمام عينيك وأنت تفعل ما تفعله ... تدمر حياة فتاة ...مثلها ..."
انتفض أثير من مكانه يصيح رافضا هذا المنطق الذي يتحدث به :-
" هي تستحق ... "
قاطعه عادل بحزم :-
" حتى لو ، هذا لا يعني أن تتصرف معها بهذه الطريقة ... طريقة لا تشبهك ولا تليق بك ..."
" مالذي تقوله أنت ..؟!"
قالها أثير برفض ليجيب عادل بصرامة :-
" أقول الحقيقة .. أنت تتعامل معها بطريقة قذرة ... "
تابع اتساع عيني أثير بغضب تجاهله وهو يضيف :-
" لا تنظر الي هكذا .. هذا الواقع ... شئت أم أبيت .... "
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" ما تفعله لا يليق بك أبدا ... لا يناسب شخص مثلك ... والأهم من كل هذا إنك ستندم ... ستكتشف متأخر مدى سوء ما اقترفته بحق نفسك قبلها ... "
تنهد مضيفا :-
" أنت الآن لا تعي ما تفعله ... رغبتك بالانتقام تسيطر عليك تماما ... تعميك عن أي شيء عداها ... تجعلك تحوم حول فتاة وتسعى بأي طريقة لتدمير زيجتها متناسيا إن ما تفعله قمة الخسة والنذالة ..."
تابع صافعا كل شيء في وجهه :-
" لسنا نحن من نفعل هكذا ... لسنا نحن من نبتز النساء ونحاربهن ... هذا ليس مستواك يا أثير .. أنت لم تكن هكذا ... أبدا ..."
نطق أثير بجمود :-
" لإنك لم تتعرض لما تعرضت له ... تتحدث ببساطة .."
" كلا يا أثير .. لا تنسى إنني أدرك التفاصيل كاملة مثلما لا تنسى أنني صديقك بل أخيك الذي تهمه مصلحتك أكثر من أي شيء آخر ..."
تنهد عادل ثم استرسل :-
" نعم هالة أخطأت ... لكن خطئها لا يستحق هذا الكم من الحقد والرغبة بالانتقام بهذه الطريقة ... لا يستحق أبدا يا أثير ..."
راقب سكون ملامحه رغم جمودها وقد بدأ وكأنه يستمع باهتمام لحديثه بينما يضيف عادل بتروي :-
" هالة كانت صغيرة ووحيدة رغم كل شيء ... فجأة وجدت والدتك أمامها تطلب منها أن تتركك ... تهينها وتقلل من شأنها ... هي اضطرت لتركك ... لا يمكنك لومها على ذلك ..."
" هل تعي ما تقوله يا عادل ..؟!"
قالها بعدم استيعاب ليومأ عادل برأسه وهو يضيف :-
" نعم أدرك .."
أكمل يسأل عن قصد :-
" لو كنت مكانها ... لو كان والدها من رفضك وأهانك بل وأهان والدك وأصلك .. هل ستقبل بها ..؟!"
احتقنت ملامح أثير بقوة وعقله يهديه لجواب محدد ...
حينها ابتسم عادل وقد أدرك بفطنته جوابه دون نطقه ليضيف بحرص :-
" هالة لم تخطأ بتركها لك .. خطأها الوحيد إنها أخفت عنك الحقائق ... وهذا كان رغما عنها ... هي كانت صغيرة ولا تعي خطأ تصرفها ولم يكن هناك من ينصحها ... تعرضت لضغوط كبيرة ... لا يمكنك لومها حقا يا أثير ...ضع نفسك مرة واحدة مكانها .. جرب أن تنظر إلى الوضع العام من وجهة نظرها هي لا من مكانك ..."
تنهد عادل ثم قال :-
" هل تعتقد إنك سوف ترتاح إذا دمرت زواجها ...؟! على العكس يا أثير ... أنت لن ترتاح أبدا حينها وهالة ستكرهك حقا وقتها ..."
ابتسم أثير مرددا بسخرية :-
" هي تكرهني ... أساسا تكرهني ..."
" وهذا يحزنك ، أليس كذلك ..."
قالها عادل وهو يضيف :-
" لإنه رغم كل الحقد والغضب الكامن داخلك ما زال هناك جزءا منك يريد وصالها .. ما زال هناك جزء مغرم بها ... وهذا وحده كفيل بجعلك تتراجع عن أي انتقام منتظر لإنك فعليا لا تكرهها كما تحاول أن تقنع نفسك ومن حولك .."
أشاح أثير بوجهه بعيدا بينما أنهى عادل حديثه :-
" هالة لم تعد لك .. والانتقام لن يدمرها وحدها بل سوف يدمرك أنت معها ... "
" مالذي تريده مني يا عادل ..؟!"
سأله أثير بعد ثواني بتعب ليجيب عادل بهدوء :-
" أريدك أن تراجع نفسك قبل أن تقم بأي تصرف تندم ما تبقى من عمرك عليه ..."
ثم تقدم نحوه وهو يفتح هاتفه مخرجا صورة لهالة وكرم من يوم الخطبة حيث تناظره هالة وتبتسم له بحب ...
كان يعلم إنه يقسو على روحه ..
لكن القسوة مطلوبة بعض الأحيان ..
قد تكون قسوة الحاضر صفعة توقظه من أوهامه وتحيي مستقبله المظلم ...
وضع الصورة أمام عينيه ليلاحظ إهتزاز بؤبؤي عينيه بقوة ..
الاحمرار غزا حدقتيه تماما ...
الغضب تدفق بأوردته ..
نطق عادل بصلابة :-
" تحبه ..."
أكمل وكفه يهبط بالهاتف نحو ألأسفل :-
" تحبه يا أثير وأنت لا مكان لك بينهما ... "
أشاح أثير بوجهه بعيدا معتصرا كفيه بقوة مخيفة بينما أنفاسه تتلاحق عندما تقدم عادل نحوه أكثر قابضا على كتفيه بقوة وصلابة يخبره بثبات :-
" تقبل الأمر الواقع ... اتركها وشأنها وداوي أنت جرحك منها بنفسك ... "
تنهد ثم أضاف بحسم :-
" لن تفني عمرك كاملا تبكي على أطلال هالة ... لن يحدث هذا يا أثير ..."
أكمل بعزم :-
" عشق هالة مرضا عليك أن تتعافى منه ... تتحرر من قيوده ... "
" لا أستطيع ..."
خرجت منه ضعيفة مهزومة كإنهزام روحه في كل مرة يراها تحيا الحب معه ...
نطق عادل بثقة :-
" بل تستطيع ... فقط حاول ... قرر أن تتعافى منها وستفعل ... "
استدار أثير بعينيه الجامدتين نحوه لينهي عادل حديثه :-
" تذكر حديثي جيدا .. عشق هالة مرضا عليك أن تتخلص منه قبل أن يميتك يا أثير .. أنت قوي بما يكفي لتواجه هذا المرض وتقتلعه من جذوره ..."
***
تجلس فوق سريرها بملامح شاردة تماما ...
تفكر فيما هو قادم ..
فيما يخطط له ..
وما ستؤول اليه مخططاته ...
ربما سيخبر كرم الحقيقة ...!
بالطبع سيفعل ...
ولكن ماذا ينتظر ..؟!
ربما ينتظر يوم الزفاف أوقبل الزفاف بيوم حيث يدمر كل شيء في أسوء توقيت ...
أغمضت عينيها بوهن ...
ماذا عليها أن تفعل ...؟!
هل تخبر كرم ..؟!
كيف ستكون ردة فعله ...؟!
سيغضب بل ربما يتكرها خاصة بعدما باتت شقيقته طرفا بما يحدث ...
اللعنه عليها ...
ليتها أخبرته منذ البداية ....
ماذا كانت تنتظر ...؟!
تنهدت بصعوبة بينما تشعر برأسها يكاد ينفجر من كثرة التفكير والقلق ...
المخاوف تحيطها دون رحمة وهي تقف مكانها عاجزة عن فعل أي شيء ...
وكأنه أدرك تشتت أفكارها ...
راسلها بكلمات مقتضبة :-
" أريد رؤيتك ..."
فكرت أن تتجاهل رسالته لكن شيء داخلها منعه ...
ستذهب اليه ...
ستراه ..
ستتحدث معه..
لقد تعبت من الصمت والتفكير الذي لا ينتهي ...
تعبت من التفكير بما ينتظرها معه وعلى يده ...
نهضت من فوق سريرها بعزم ...
ستلتقيه وتنهي كل شيء اليوم حتى لو كلفها هذا خسارة كرم ..!
***
أمام باب شقته وقفت بثبات بعدما ضغطت على جرس الباب ...
أخبرته إنها ستزوره في شقته ..
قبل أن ينطقها هو ...
لحظات وفتح الباب لتتقابل عيناها بعينيه ...
عيناها ثابتتان بصلابة مثيرة للإعجاب وعيناه لا تقل ثباتا عنها ...
كلاهما يسعى لشيء ..
كلاهما يستعد للمواجهة ..
هي تبحث عن نهاية وهو يتمنى لو يخط بداية جديدة...
بداية مختلفة رغما عن كل شيء ...
تقدمت إلى الداخل بخطوات ثابتة ...
وضعت حقيبتها فوق الطاولة التي تتوسط غرفة الجلوس الصغيرة ثم استدارت نحوه ...
تجابهه بصلابة ...
بقوة ...
بعنفوان عاشقة هزمها العشق يوما ولم تأبه بل صنعت من هزيمته انتصارا لصالح كبريائها ..
إمرأة لم تبالِ وهي تدعس عشقها أسفل قدميها في سبيل نصر كبريائها ...
في هذه اللحظة هي قررت أن تخط نهاية هذا الحكاية ...
أن تضع حدا لكل هذه الفوضى التي أطاحت بحياتها حتى لو كلفها ذلك خسارة فادحة ستندم عليها لاحقا ..!
نظرات عينيها منحته رجفة لا إرادية بعثرت مشاعره تماما وحطمت ثباته ..
نظرة تحمل خلفها الكثير ...
هي اليوم قررت أن تنهي كلشي ..
ستضع أمامه كل الخيارات وهو من سيختار ...
ستمنحه فرصة الانتقام ..
ستلقي بنفسها في جحيمه لكن بإرادتها هذه المرة ...
هذا ليس استسلام بقدر ما هو تحرر من قيد عشقه وانتقامه الذي بقي يرهقها لسنوات طويلة ...
نطقت بنفس الثبات مقررة أن تقود هي الحوار وتبدئه بنفسها :-
" قل ما لديك ... قل ما تريده وسأفعله ..."
عيناها ازدادت قتامة وهي تخبره بهدوء :-
" كيف تريد حقك ...؟! بأي طريقة تريده ...؟!"
تأملها مليا بعينيه ...
نظراتها ...
ملامحها ..
صوتها ...
لغة جسدها ...
ثابتة بشكل مثير للإعجاب ...
كان يعلم إنها مختلفة ...
إن خضوعها لن يطول ...
ضعفها لن يستمر...
وحتى استسلامها مؤقت ...
هي أنثى تجيد الحرب أكثر من السلام ...
أنثى لا تهاب أي شيء ...
أنثى تعرف كيف تواجه ..
كيف تسيطر ...
كيف تتملك ..
وكيف تتحرر ..
وهي اليوم تسعى للتحرر..
" هذا ليس استسلام يا هالة ..."
قالها ببرود لترفع حاجبها وهي تخبره :-
" أنت تريد حقك مني ... وأنا أقف أمامك أخبرك بكل بساطة إنني مستعدة لذلك ... "
تقدمت نحوه خطوتين وهي تضيف ببساطة :-
" هل أترك كرم ...؟! أنهي كل شيء معه .. يتحطم قلبي ... أخسر الرجل الذي أحبه ... وحينها يتساوى كلانا ... "
أخذت نفسا عميقا ثم أضافت بنفس الجدية :-
" أنا مستعدة لفعل هذا ... مستعدة للإقدام على ما تريده وما يجعلك تستعيد حقك مني ... سأمنحك حقك بكل بساطة بدلا من أن تنتزعه مني بصعوبة ...."
واجهته بقوة وحزم :-
" ولكنك ستترك هايدي ... وكذلك كرم ... هما خارج هذه اللعبة ...."
" هل تحبينه حقا ..؟!"
سأل فجأة فوجمت ملامحها لثواني ...
لم تتوقع سؤالا منه كذلك ...
لكن بعد ثواني أجابت بملامح استعادت هدوئها وثباتها :-
" نعم أحبه .."
أضافت وهي ترسم ابتسمت باهتة على شفتيها :-
" من المفترض أن يسعدك هذا ... فأنت بإبعادي عنه ستحرق قلبي كما فعلت مسبقا وحرقت قلبك ..."
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه ...
مرارة لم ينطقها ظهرت في عينيه ..
للحظة شعرت بروحها تتبعثر ...
تلك النظرة في عينيه آلمتها بشكل لم تتوقعه ...
وفي لحظات غامت عينيه بنظرة مظلمة تماما ...
يخبرها والظلام يبتلع روحه دون رحمة :-
" وأنا أحببتك ... كثيرا ..."
تصلبت ملامحها كثيرا متجاهلة تلك النغزة التي شعرت بها عندما نطق بذلك ...
تنهد بصمت مفكرا فيما كان يفعله ...
أين كان سيصل بأفعاله ..؟!
هي تحبه ...
تحب كرم ...
وهو بات خارج قلبها ...
لم يعد له مكان فيه ..
وتلك الحقيقة كانت مؤلمة بمقدار آلمه عندما أدرك حقيقة تركها له ...
تنفس بقوة قبل أن ينطق بجدية :-
" انتهينا ..."
نظرت له بتعب ووجوم فيضيف بثقة :-
" نحن انتهينا .. منذ سنوات ... "
أغمضت عينيها لوهلة قبل أن تفتحهما مجددا وهي تومأ برأسها بينما تخبره :-
" نعم ، نحن انتهينا يا أثير ..."
أخذ نفس طويلا ثم همس بثبات :-
" غادري يا هالة ..."
طالعته بحيرة فأضاف بجدية :-
" غادري يا هالة ... كل شيء انتهى ... أنا لا أريد منك شيء ... لا أريد أي شيء بعد الآن ..."
أرادت أن تقول شيء ...
أن تتفوه بأي شيء ...
لكنها بقيت عاجزة عن النطق بحرف واحد حتى ...
مالت تسحب حقيبتها من فوق الطاولة ثم تتحرك مغادرة المكان قبل أن تستدير نحوه بنظرة أخيرة ...
نظرة وداع ...
نظرة تحمل اعتذارا صريحا ...
اعتذارا لم يحرك به أي شيء ....
بقي مكانه يطالعها بثبات ونظرة عينيه مبهمة لا توحي بشيء ...
تحركت هي تغادر المكان وبقي هو مكانه بقلب مجروح سيحتاج وقتا طويلا كي يطيب جرحه ...
وفي مساء نفس اليوم اتخذ قراره ...
ولأول مرة يستخدم سلطة والده ...
سيرحل ...
لعام ...
أو عامين ..
وربما أكثر ...
سيدبر والده له الأمر ويتم نقله ليعمل في احدى الدول البعيدة للغاية ...
هناك حيث سيبدأ من جديد ...
بعد هو يحتاجه ..
رحيل لا بد منه ....
***
بعد مرور أيام ...
تقف أمام المرآة الطويلة بفستان زفافها ...
خلفها كلا من شقيقتها وخالتها وتوليب التي تتأملها بفرحة باهتة ...
خالتها تتأملها بعينين دامعتين ترى فيها شقيقتها الراحلة بكل جمالها ....
شقيقتها تتأملها بفرحة ممزوجة بالحزن ..
فرحة لشقيقتها الوحيدة التي ستزف بعد يومين للرجل الذي تحبه وتريده بحق وحزن لابتعادها عنها بعد كل هذه السنوات ...
التفتت هالة تسألهن بحرص :-
" لا يحتاج إلى تعديلات إضافية ، أليس كذلك ...؟!"
هزت خالتها رأسها نفيا وهي تكفكف دموعها لتتقدم هالة نحوها تحتضنها وهي تهتف :-
" لا تبكي يا خالتي ... أرجوك ..."
عانقتها خالتها بحب أمومي ...
بينما قالت همسة بجدية :-
" هيا غيري الفستان بسرعة ... لا تبقي به هكذا كي لا يصاب بأي ضرر دون أن تنتبهي ..."
" معك حق ..."
قالتها هالة وهي تتجه نحو غرفة تبديل الملابس قبل أن تقع عينيها على توليب الساهمة تناظرها بشك وقلق ...
تحركت تغير فستانها قبل أن تخرج مجددا بعدما وضعته بعناية في مكانه لتجد توليب ترتب أغراضها عندما سألتها وهي تجلس على السرير بتعب :-
" هل أنت بخير يا تولاي ..؟!"
نظرت توليب نحوها لوهلة قبل أن تتوقف عما تفعله وتتقدم اتجاهها تخبرها :-
" بخير ..."
ثم جاورتها في جلستها لتسألها هالة مجددا :-
" تبدين حزينة ..."
نطقت توليب دون مواراة :-
" أثير سيسافر ..."
" يسافر ..."
نطقتها هالة بعدم استيعاب بينما قلبها ينتفض بين أضلعها لتومأ توليب برأسها دون رد ...
" هو دائما يسافر .. بسبب عمله ..."
قالتها هالة بخفوت لتهمس توليب بصعوبة :-
" هذه المرة الأمر مختلف .. هو طلب هذا السفر ... وسيبقى ما لا يقل عن عام خارج البلاد ...."
ابتلعت هالة غصة تشكلت في حلقها وهي تخبرها بصعوبة :-
" بسببي ... سيسافر بسببي ..."
" أنت لا دخل لك .. عمتي هي السبب ..."
قالتها توليب بصدق لتهز هالة رأسها بشرود عندما قالت توليب بصدق :-
" أخبرتك بذلك كي تستريحي ... فأنا أعلم إنك ما زلت قلقة بشأنه ... أثير كان صادقا معك ... الأمر انتهى بالنسبة له .. لذا كوني مطمئنة ..."
رفعت هالة عينيها نحوها تناظرها بصمت لوهلة قبل أن تهمس :-
" ولكنك حزينة ..."
هزت توليب رأسها موافقة قبل أن تهتف :-
" نعم ، لإنه يتألم ... لإنه مثله مثل الكثير دفع ثمن ذنب ليس ذنبه ..."
تنهدت مضيفة بخفوت :-
" الحب مؤلم يا هالة ... مؤلم للغاية ..."
تحركت بعدها تغادر جناحها تاركة هالة مكانها بعينين شاردتين ..
العشق مؤلم ...
كثيرا ...
هي من تسبب بهذا الألم له ..
وهي من تسببت برحيله ..
لكن ماذا تفعل ...؟!
شاء القدر أن يحيل بينهما ..
مثلما شاء القدر أن يدخل كرم حياتها وتجد نفسها معه ثم تحبه ...
تنهدت بألم ...
هو رغم كل شيء لا يستحق ذلك ...
لا يستحق أن يتعرض لهذا الأذى ...
ناظرت هاتفها بتردد ...
تريد أن تراه ...
تحتاج أن تفعل ....
ترددت في البداية لكنها نهضت من مكانها بعزم ...
يجب أن تتحدث معه قبل رحيله ...
تحتاج لذلك ...
تحتاج لأن تخبره إنها أحبته يوما ما وكثيرا أيضا ...
يحتاج لسماع هذا منها ...
تحركت تغير ملابسها سريعا قبل أن تتجه نحو جناح توليب ...
تسألها عن مكانه ...
تجاهلت رفض توليب لما ستفعله ...
أخبرتها بصلابة إنه يستحق وداع ...
يستحق أن يعلم إنها أحبته يوما ،..
مثلما يستحق أن يعلم إنه لم تكرهه كما كانت تدعي ..
ربما هذا سيخفف من وطأة شعوره بالخديعة ...
ربما سيحرره من قيد عشقها ...
هو يحتاج لنهاية ...
يحتاج لبداية جديدة ...
يحتاج أن يجد نفسه مجددا ...
أن يتحرر من مشاعره نحوها ...
غادرت تقود سيارتها نحو مقر شركة والده حيث علمت إنه هناك ينهي أعماله قبل المغادرة ...
بقيت تنتظره في سيارتها ...
حتى وجدته يهم بالمغادرة لتفتح باب السيارة وتهبط منها منادية عليه بينما تصنم هو مكانه ونبرة صوتها تتسلل لمسامعه ...
التفت نحوها ليجدها تنظر اليه برجاء ...
رجاء لم يفهمه قبل أن تغلق باب السيارة وتتقدم نحوه ...
وصلت اليه ووقفت قباله ثم نطقت بخفوت :-
" سمعت إنك ستسافر ..."
أومأ برأسه وملامحه صلبة تماما لتهمس مجددا بخفوت :-
" أتيت لرؤيتك ... قبل رحيلك .."
" لماذا ..؟!"
سألها بجمود وتلك النظرة القاتلة في عينيه أربكتها لتنطق دون تفكير :-
" لأخبرك إنني كنت أحبك بحق .. أحببتك حقا .. أحببتك كثيرا ...."
راقبت جمود ملامحه بينما تضيف بتردد :-
" ولتعلم إنني تعذبت كثيرا في بعدك ... أخذت وقتا طويلا للغاية حتى تخطيت ذلك ... "
ارتسمت إبتسامة هازئة فوق شفتيه بينما تضيف بملامح صادقة :-
" كما إنني لم أكرهك يوما ... "
" ما مناسبة هذا الكلام ...؟! ولم الآن ..؟! هل سببه تأنيب الضمير ...؟!"
لم تجب ...
لن تجد جوابا مقنعا ... نعم كان ضميرها يؤنبها ..
هي جرحته كثيرا وكلما تذكرت هكذا كلما كرهت نفسها ...
ترقرقت الدموع في عينيها ...
هذا الشعور يؤلمها كثيرا ...
ربما أكثر من شعورها وقتما خسرت حبه ...
" هل تبكين يا هالة ..؟!"
سألها مصدوما بتلك العبرات التي ملأت عينيها لتهز رأسها نفيا بسرعة وهي تسارع كي تمحي عبراتها بينما تهمس بخفوت :-
" كلا .."
نظرت بعدها له بعينيها ليرى الألم يشع منهما عندما همست :-
" آسفة .. "
ترقرقت الدموع في عينيها مجددا وهي تضيف بحشرجة :-
" أنا آسفة يا أثير ..."
أخذت نفسا عميقا بينما تجاهد للتماسك أمامه وعدم الإنهيار باكية ثم قالت بثبات مصطنع تخفي خلفه رغبة عارمة في البكاء :-
" أعتذر عن كل شيء ... أعتذر عما سببته لك ..."
ضعفت ملامحها وخرج صوتها مبحوحا مقهورا :-
" لم أكن أريد حدوث ذلك... لم أكن أريد إيذائك ..."
سقطت دمعه من عينها .. دمعة واحدة تشهد على عذابها و آسفها و ذنبها الذي يقيدها :-
"لم أتوقع أن يحدث كل هذا .. "
همست بإبتسامة بائسة :-
" ظننتك ستنسى .. تتخطاني بعد فترة .. هذ ما ظننته .. ليتني لم أفعل ذلك ... ليتني لم أتصرف بتلك الطريقة وقتها .. أنا آسفة .. آسفة كثيرا .. "
بهتت ملامحه لوهلة غير مستوعبا ما تقوله ...
كيف تعتذر منه بهذه البساطة ...؟!
لا ينكر إن أعتذارها الصادق مس روحه قليلا ...
تنهد ثم قال :-
" لا عليك ... انتهى ..، كما قلت سابقا ..."
أومأت برأسها وهي تخبره بتماسك :-
" نعم انتهى .."
ثم رفعت عينيها الرماديتين نحوه تخبره :-
" ما جمع بيننا يوما صعب نسيانه ... أنت كنت حبي الأول ... التخطي لم يكن سهلا بالنسبة لي ... صدقني ..."
ثم مدت كفها تربت فوق كتفه تخبره بإبتسامة صادقة :-
" اتمنى لك السعادة حقا يا أثير ... أنت تستحق كل خير ..."
توقفت لوهلة ثم قالت :-
" مجددا سامحني ... "
نطق بعد ثواني :-
" وأنا اتمنى لك الموفقية في حياتك القادمة ..."
أخذت نفسا عميقا ثم ابتسمت بصعوبة وهي تتمتم :-
" شكرا ...."
ثم همت بالتحرك عندما نادى عليها فالتفتت نحوه ليخبرها بجدية :-
" اعتني بنفسك جيدا ..."
قالها بصدق ....
رغم كل شيء هي لا زالت حبيبته ...
لا زالت هالة الصغيرة التي أحبها في مراهقتها ..
هالة التي كان يحميها حتى من نفسه ...
عادت الدموع تترقرق في عينيها بينما تخبره :-
" وأنت كذلك ... اعتني بنفسك ...."
ثم اتجهت نحو سيارتها بينما بقي هو يتأملها حتى غادرت المكان غافلا عن تلك التي تبعته بالصدفة تتسائل عن سبب رحيله إلى الخارج بشكل مفاجئ والغضب يملأ كيانها لإن سفره هذا دمر مخططها بالانتقام منه لتتفاجئ بخطيبة شقيقها تنتظره قبل أن يقفان سويا يتبادلان الاحاديث وملامحهما تشي بما كان بينهما من قصة قديمة ...!
لم تستطع سماع حديثها بسبب بعد المسافة لكنها سارعت تصورهما بهاتفها والغضب يتدفق في عروقها دون رحمة ...
الصورة باتت واضحة أمامها ...
محاولاته المفاجئة للتقرب منها ...
اعتذاره المزيف ...
لم يكن لأجلها ..
بل كان لأجل الخائنة خطيبة شقيقها ..
ودون أدنى تردد وضعت الفيديو أمام عيني شقيقها تخبره بما بينهما ..
بالعلاقة التي جمعتهما ...
باستغلاله لها ..
تقربه منها وخداعها فقط لأجل خطيبته ...
بإستغفال كليهما له ...
تحدثت بالكثير بينما هي لا تعرف سوى ما رأته ...
لم تهتم بإختلاق قصص قد تكون غير صحيحة ...
الغضب أعماها ...
أرادت أن تهدم كل شيء فوق رأسيهما ...
أن تفضحهما أمام الجميع وأولهم شقيقها ...
لم تأبه حتى بلوعة شقيقها والطعنة التي ضربته في مقتل وهو يرى ذلك الفيديو ويدرك ما كان يحدث خلف ظهره ...
يتبع

نشوة العشق اللاذع ( الجزء الثاني من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن