اليوم مختلف .. يوم خطبة راغب الهاشمي ..
الابن الأكبر لعائلة الهاشمي والأهم والأكثر صيتا بين أخوانه بل جميع أفراد العائلة ...
الشاب الوسيم القوي والذي رغم عدم وصوله سن الثلاثين بعد سيطر على العديد من أمور العائلة وأصبح نائب والده والمسؤول الأول بعده في إدارة جميع شؤون العمل ...
عروسه الأخرى كانت ذائعة الصيت ..
فمن لا يعرف يسرا الحداد ...
ابنة سالم الحداد .. رجل الأعمال المعروف وابن إحدى أكبر العائلات ثراء وشهرة ...
كانت يسرا حسناء العائلة وأهم أفرادها بإمتياز فهي ليست جميلة فقط بل فاتنة تحمل جمالا يخطف الأعين فكانت دائما وأبدا النجمة الأولى في نظر الجميع فهي بمجرد وجودها في أي مكان تخطف أنظار الجميع بجمالها المثير وأنوثتها الطاغية ولباقتها وحركاتها المدروسة ...
الأمر لم يقتصر على جمالها فقط فيسرا صنعت لنفسها إسما معروفا في عالم المجوهرات فباتت من أشهر مصممي المجال وأنجحهم وأصبحت من أكثر النساء أهمية في عالم التجارة رغم سنوات عمرها الصغيرة ...!!
كان زواجا ناجحا ومنطقيا فالعريس والعروس كانا مثالا حقيقيا عن الكمال من وجهة نظر الجميع ....
الحفل أشار الى مكانة العروسين بجميع تفاصيله التي حرصت يسرا على إنتقائها بعناية فائقة ولمدة تجاوزت الثلاثة أسابيع حيث فرغت وقتها كاملا للحفل المنتظر ...
حفل إعلان خطبتها رسميا من ابن عمتها العازب الأشهر .. راغب الهاشمي ...
كانت تقف جانبه تتلقى التهاني بإبتسامتها الأنيقة المعهودة وفستانها الذي ترتديه محل حديث العديد من الموجودين بتصميمه الرائع والمختلف مما جعل نساء الحفل يتسائلن بفضول عن إسم المصمم الذي لم تكشف يسرا عن إسمه بعد ...
كان الحفل يسير بشكل رائع بحضور أهم الشخصيات وأشهرهم في البلاد من رجال أعمال وسياسيين وفنانين أيضا ..
أشارت يسرا الى راغب تخبره بضرورة بدأ رقصتهم المحددة فمنحها إبتسامته الرزينة وهو يسحبها معه نحو المكان المخصص للرقص لتبدأ رقصتهم مع تلك الموسيقى الخاصة التي إختارتها يسرا بنفسها كما إختارت كل شيء ...
وفي تلك الأثناء كانت همسة تجلس صامتة واجمة بجانب خالتها فهي لا تستهويها هذه الأجواء التي باتت مضطرة على حضورها منذ أن باتت تعيش عند خالتها ..
ألقت نظرة عابرة على مهند الذي كان يحمل شعورا مماثلا هو الآخر فهو دائما ما كان يكره هذا النوع من الحفلات لتتقابل نظراته بنظراتها فيتقدم نحوها يهمس لها :-
" أريد الهرب من هنا حالا .."
همست له بخفوت :-
" وأنا أيضا .."
حك ذقنه وهو يتأمل الموجودين حوله ..
والدته التي تتأمل ابنها البكري وهو يراقص عروسه بسعادة ووالده كذلك ...
راجي الذي يتحدث مع أحد أصدقائه بإذعان كعادته ...
شقيقته التي تقف بجانب هالة ومعهما مجموعة من صديقاتهما ...
فيصل المختفي كليا على غير العادة ..
كلا منهم كان مركزا في شيء ما فقال لها :-
" سأغادر الحفل .. حسنا .."
قالت بتردد :-
" عمي عابد سيغضب يا مهند ..."
هتف بلا مبالاة :-
" لا أعتقد إنه سينتبه على غيابي فهو مشغول مع الضيوف .."
ثم تحرك خارج المكان دون أن ينتظر جوابها مفكرا في الهرب من المكان الخانق بالنسبة له عندما إصطدم وهو يندفع نحو سيارته بجسد ضئيل يتبعه صوت طفولي حانق :-
" هل أنت أعمى أيها الأحمق ..؟! "
هبط ببصره نحو الأسفل ليجد طفلة قصيرة القامة ذات عينين خضراوين تتأملانه بحدة لا تليق بسنوات عمرها التي لا تتجاوز العشرة بعد..
ترتدي فستانا زهريا قصيرا وشعرها البني الحريري منسدل على جانبي وجهها بنعومة ...
لم يشعر بنفسه إلا وهو يقبض على فستانها بينما لسانه يهم بالصياح عليها بعدما أغضبته تلك الحمقاء الصغيرة لكن صوت رجولي ضخم أتى من خلفه يهمس بقلق :-
" أين إختفيت يا جيلان ..؟!"
حرر الفتاة بسرعة من قبضته وهو يستدير نحو الخلف يتطلع نحو عمه فيهمس وهو يضحك بتصنع :-
" هذه جيلان يا عمي .. لم أعرفها .. لقد كبرت .."
ضحك عمه الذي على ما يبدو إنه لم ينتبه لما كان يحدث فتنهد مهند بإرتياح عندما إحتضن العم إبنته وهو يردد :-
" بالطبع لم تعرفها .. لقد مرت سنوات طويلة على آخر مرة أتينا بها الى هنا ..."
تنحنح مهند مرددا :-
" أنرت قصرك بوجودك يا عمي ..."
توقف وهو يسمع جيلان تشير إليه مرددة بحنق :-
" إنه أحمق .. لقد إصطدم بي وكاد أن يض..."
قاطعها مهند بسرعة مصطنعا الإبتسامة مجددا :-
" أخبرتك إنني لم أقصد يا صغيرة.."
قال عمه يؤنبها :-
" عيب يا جيلان .. مهند ابن عمك وبكبرك بعدة أعوام ..."
إحتقنت ملامح الصغيرة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تتأفف بحنق بينما هتف عمه معتذرا :-
" لا تتضايق منها يا مهند .. هي ما زالت صغيرة .."
قال مهند بإبتسامة متهكمة :-
" نعم ، بالطبع يا عمي ..."
ثم قال وهو ينظر الى ساعته مدعيا شيء لا وجود له :-
" يجب أن أتحدث مع منسق الحفل في الخارج .. عن إذنك عمي .."
" تفضل يا بني ..."
حينها تحرك مهند بسرعة وهو يتمتم ببعض الكلمات الحانقة على تلك الفتاة والتي تبين إنها إبنة عمه الصغيرة ...!
اما في الداخل كانت همسة ما زالت على حالها تتأمل المكان حولها بملل عندما قررت أن تخرج قليلا الى الحديقة بعيدا عن هذه الأجواء الخانقة غير منتبهة لذلك الذي يراقبها بتركيز شديد ليسير خلفها حيث الحديقة فلم تشعر بوجوده حتى وصلت الى الارجوحة وهمت بالجلوس عليها لتصيح بفزع :-
" أفزعتني يا براء ..."
ابتسم براء مرددا :-
" أعتذر يا همس ..."
تجاهلت مناداته لإسمها مجردا من الهاء الأخيرة وجلست على الأرجوحة لتسمعه يخبرها وهو يقف قبالها لها :-
" لم أتوقف عن التفكير بك طوال فترة سنتي الأخيرة في الخارج .."
احتقنت ملامحها بقوة لتسارع تنهره :-
" توقف يا براء من فضلك .. لا يصح ما تقوله أبدا ..."
تجاهل رفضها وهو يجلس جانبها يخبرها بجدية :-
" أنا أريد أن أخطبك يا همسة .. ما رأيك أن أفاتح ماما بعد زواج راغب ويسرا برغبتي في التقدم لخطبتك ...؟!"
انتفضت همسة كالملسوعة تردد :-
" كلا يا براء .. لا تفعل هذا .. من فضلك .."
نهض من مكانه مرددا بضيق :-
" أنت ترفضينني يا همس .."
شعرت بالخجل فهتفت ترجوه :-
" ارجوك لا تفعل .."
لكنه تجاهلها وهو يتقدم نحوها اكثر يحاصرها بنظراته :-
" انت أحبك يا همس ..."
توترت ملامحها بشدة فسارع يقبض على كف يدها مستغلا الفرصة مرددا :-
" صدقيني أحبك وأريد الزواج منك .. وافقي يا همسة .. ارجوك وافقي ..."
ما إن أنهى كلماته حتى صدح صوتا رجوليا خشنا يهدر بإسمه فإندفعت همسة بعيدا عنه بفزع بينما إستدار هو الى الخلف ليجد راغب يتأمل كليهما بنظرات حارقة فنطق براء :-
" ماذا هناك يا راغب ..؟؟"
تقدم راغب نحوه يهمس له من بين أسنانه بينما عينيه الحانقتين مسلطتين نحو همسة التي وقفت خلف براء بمسافة ترتجف كعصفورة مبللة :-
" ماذا تفعل مع همسة هنا في الحديقة ..؟! وكيف تمسك يدها هكذا ...؟!"
أضاف دون أن يسمع الرد :-
" كيف وصلت بك الجرأة الى هنا ..؟!"
ثم صاح بها :-
" وأنت يا هانم .. ألا تخجلين من نفسك وتصرفاتك ....؟! كيف تسمحين له بذلك ..؟! منذ متى وأنتما تستغفلانا جميعنا وتلتقيان سرا و ..."
قاطعه براء ببرود :-
" برأيي أن تعود الى حفل خطبتك حيث تنتظرك عروسك يا راغب .."
منحه راغب نظرات مشتعلة وهم بالتحدث عندما صدح صوت يسرا تهتف متذمرة :-
" ماذا تفعل هنا يا راغب ..؟!"
ثم تقدمت لتتفاجئ بوجودها كلا من براء وهمسة وهي تسأل بحيرة :-
" ماذا يحدث هنا ..؟!"
ثم سألت براء بشك :-
" تحدث يا براء..."
قال راغب بحزم :-
" ماذا سيقول يا يسرا ..؟! شقيقك أصبح لا يراعي أبسط الأداب التي يجب أن يلتزم بها في بيوت الآخرين ..."
منحت يسرا شقيقها نظرة محذرة تخبره من خلالها أن يصمت ثم ما لبثت أن منحت همسة نظرة حارقة جعلت الأخيرة تحيط جسدها بذراعيها بحماية ..
وضعت يسرا كفها فوق كتف راغب تخبره بتوسل ناعم :-
" هذا ليس الوقت المناسب يا راغب .. يجب أن نعود الى الحفل حالًا .."
نقل راغب نظراته بين الإثنين قبل أن يشير الى براء :-
" ماذا تنتظر ..؟! هيا عد الى الحفل .."
تحرك براء بسرعة وبملامح محتقنة مغادرا المكان لتتلاقى نظرات راغب بنظرات همسة المذعورة ليخبرها يتوعد خفي :-
" سنتحدث لاحقا يا هانم .. فما رأيته اليوم لا يمكن تجاهله ..."
ثم ما لبث أن منح ذراعه ليسرا كي تتأبطها وهي التي شمخت برأسها عاليا بعدما منحت همسة إبتسامة ساخرة لا تخلو من التوعد ثم سارت مرفوعة الرأس بجانب زوجها عائدة معه الى حفلهما الفخم ..!
******************
قضت بقية الحفل بتوتر ملحوظ ...
انكمشت على نفسها بقية الحفل بينما لم تغب عنها نظراته التي تلاحقها...!
انتهى الحفل أخيرا وغادر راغب مع يسرا يوصلها الى منزلها بينما اتجهت هي بسرعة الى جناحها تدعو ربها أن ينسى أمرها وما رآه ...
كيف ستخبره إنها لا ذنب لها فيما حدث ..؟!
غيرت ملابسها ورقدت في سريرها مقررة النوم هربا من مواجهته ...!
ولكن أمنيتها لم تدم طويلا فهو قد عاد بالفعل وهاهو يطرق على باب جناحها مناديا اسمها بهدوء ...
نهضت من مكانها بتردد واتجهت نحو الباب ووقفت ورائها تهمس بخوف بديهي :-
" نعم ..."
قال بصوت آمر :-
" اتبعيني الى المكتب ..."
ثم غادر فورا فزفرت أنفاسها بضيق وهي تلعن براء الذي وضعها في موقف كهذا ...
لو بيدها لما ذهبت لكنها لا تستطيع ألا تفعل ...
لا تستطيع تجاهل آمره ...
خرجت من جناحها بعدما تأكدت من احتشام بيجامتها وذهبت الى غرفة مكتبه لتطرق على الباب فيأتيها صوته سامحا لها بالدخول ...
دلفت الى الداخل بحذر ليشير لها أن تتقدم فتقدمت ووقفت قباله بينما جلس هو المكتب يتأملها بعينين جامدتين ...
" راغب أنا ..."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" والله لا ذنب لي ..."
سألها بصوت جامد :-
" ماذا كان يريد منك ...؟!"
بللت شفتيها مرددة :-
" لا أعلم ..."
سألها مجددا :-
" كيف لا تعلمين ...؟!"
أجابت بسرعة وتوتر :-
" يعني هو كان يتحدث معي عندما أتيت ... "
" كان يمسك يدك يا هانم ..."
قالها من بين أسنانه وهو يكاد يهشم رأس ذلك الأحمق الذي تجرأ ومسك يدها بكل جرآة اما هي فسارعت تدافع عن نفسها :-
" والله لا دخل لي ... هو فاجئني عندما مسك يدي ..."
نهض من مكانه وسار نحوها ليقف قبالها فأخفضت عينيها بخوف ليأمرها :-
" انظري الي ..."
رفعت بصرها نحوه بتردد ليتسائل بقوة :-
" هل سبق وفعلها ...؟! هل حاول أن يمسك يدك مسبقا ...؟!"
أجابت بصدق :-
" أبدا والله ..."
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
" اسمعيني يا همسة ... إياك أن أراك معه لوحدكما مجددا ...."
هزت رأسها بسرعة ليضيف بصرامة :-
" لن أرحمك حينها ... وإياك أن تخفي عني أي شيئا قد يفعله ذلك الأحمق .... إذا حاول أن يتحدث معك مجددا سارعي وأخبريني وأنا سأتصرف معه ... فهمت ...؟!"
هزت رأسها مجددا بنفس الحركة الآلية ليضيف بحزم :-
" ركزي مع دروسك أفضل لك ... امتحاناتك باتت قريبة ..."
همست بطاعة :-
" معك حق ..."
" يمكنك المغادرة ..."
قالها أخيرا وهو يعاود أدراجه نحو مكتبه لتتنفس الصعداء فهو سمح لها بالمغادرة أخيرا ...
ركضت بسرعة خارج المكان كمن تهرب من جرم ما بينما تابعها هو بعينين جامدتين وهو يسأل نفسه ...
ما باله يهتم بما حدث لهذه الدرجة ...؟!
لم هو غاضب الى هذا الحد كونه رأى براء يلمس يدها ويحاول التقرب منها ...؟!
لقد غلت الدماء في عروقه ما إن رآه قريب منها هكذا والأسوء إنه يمسك يدها ...
زفر أنفاسه بضيق مقررا تجاهل أفكاره التي لو أطلق العنان لها لدمرت كل شيء ...
اتجه بعدها الى النوم مقررا الهرب اليه من أفكاره التي تدور حولها ...
سخر من نفسه فهو لأول مرة في حياته يستعين بالنوم كوسيلة للهرب ولكنه لم يكن يدري إنها ستزوره في أحلامه أيضا فهي كانت بطلة أحلامه طوال الليل ...
استيقظ صباحا وهو يتذكرها بعدما سيطرت على أحلامه الليلة الماضية ...
تنهد بتعب وهو ينهض من فوق سريره متجها الى الحمام ليأخذ حماما دافئا يحتاجه للغاية ....
خرج بعدها وغير ملابسه وحمد ربه إن اليوم إجازة فهو لا يمتلك أي مزاج للذهاب الى العمل ...
قرر أن يسترخي اليوم بأكمله متجاهلا رغبة خطيبته في قضاء اليوم سويا ...!
ولكنه فوجئ ما إن غادر جناحه بوجود براء ابن خاله يريد الحديث معه ...
تجهمت ملامحه كليا وهو يتجه لاستقباله عندما قال براء بجدية بعدما رد تحيته :-
" أتيت للتحدث معك بشأن البارحة ..."
نظر له راغب بملامح واجمة منصتا له على مضض عندما أكمل براء :-
" همسة لا ذنب لها يا راغب ... هي كانت في الحديقة وأنا من لحقت بها ..."
" أعلم إن همسة لا ذنب لها .. همسة لا تفعل تصرفات غبية كهذه ...."
قالها بجمود ليبتلع براء اهانته وهو يضيف :-
" اسمعني يا راغب ... انا لست ذلك الشاب الذي يسعى للاقتراب من قريباته في منازلهم وبتلك الطريقة التي تتصورها ..."
هدر راغب :-
" كنت تمسك يدها يا هذا ..."
قال برآء مبررا :-
" حسنا أخطأت ولكن عليك أن تعلم إنني جاد للغاية ...."
توقف يبتلع ريقه بينما سأل راغب بجمود :-
" ماذا تقصد بكونك جاد ...؟!"
قال براء بتردد :-
" أنا أحب همسة وأريد خطبتها ..."
جمدت ملامح راغب تماما حتى بدت وكأنها حجر قاسي لا حياة فيه ....
تابعه براء بحذر عندما نطق أخيرا بهدوء مخيف :-
" سأعتبر نفسي لم أسمع شيئا منك يا براء ..."
هتف براء بسرعة :-
" لماذا يا راغب ..."
نهض راغب من مكانه قائلا بصرامة :-
" عد الى منزلك يا براء ... ولا تنسى أن تنسى هذا الأمر تماما ...."
هتف براء بضيق وهو ينهض من مكانه بدوره :-
" من حقي أن أعرف السبب على الأقل ..."
قال راغب بحزم :-
" ليس من شأنك ...."
أكمل بقوة :-
" لا أريد رؤيتك مجددا حولها وإلا قسما بربي سأتصرف بطريقة لن تعجبك .. "
" حسنا أعلم انني ما زلت صغيرا ولكن لا تنسى إنني في عامي الجامعي الاول و ..."
قاطعه راغب بغضب مكتوم :-
" توقف عن هذا الهراء ... أخبرتك إنني لا أريد سماع المزيد ... طلبك مرفوض ... والآن تفضل وغادر ...."
تطلع براء له برجاء أن يمنحه الفرصة ليسمعه لكن أبى راغب ذلك فاضطر أن يغادر براء المكان خائبا ....
اما رغب فطلب من الخادمة أن تنادي همسة التي أتت بقلق فباغتها متسائلا :-
" هل عرض براء عليك الزواج البارحة ...؟!"
اتسعت عيناها بعدم استيعاب ليهدر بها :-
" أجيبي ..."
أجابت بسرعة :-
" نعم ..."
ثم توقفت بملامح مذعورة فسار نحوها ووقف قبالها يسألها :-
" وماذا قلت له ...؟!"
همست بصعوبة :-
" رفضت ..."
غمره الارتياح لوهلة عندما نطق بتحذير :-
" من الآن فصاعدا لن تتعاملي مع براء مهما حدث ... إذا رأيته أمامك سارعي وأديري وجهك بعيدا وإلا سأعاقبك يا همسة ... حسنا ..."
هزت رأسها بسرعة عدة مرات عندما سمعت صوت خالتها يصدح متسائلا عما يحدث فتنفست الصعداء قليلا عندما سمعت راغب يرد عليها :-
" كنت أسألها عن وضعها الدراسي .."
ابتسمت زهرة وهي تتقدم نحوها تسألها :-
" هل اخترت فستانا مناسبا لعيد ميلاد صديقتك ...؟!"
أجابت همسة بخفوت :-
" نعم اخترت ..."
ثم استأذنت :-
" عن إذنكما ..."
بينما نظرت زهرة لولدها وقالت بفرحة :-
" كيف حال عريسنا اليوم ...؟!"
تمتم راغب بجدية :-
" بخير يا أمي ..."
سألته زهرة بحذر :-
" هل أنت بخير يا عزيزي ...؟!"
تنهد مجيبا :-
" نعم ، لا تقلقي ..."
ثم اتجه بعدها مع والدته الى طاولة الطعام ليتناول الفطور ثم قضى وقته بعدها مع العائلة حتى حل المساء فوجدها تهبط من الدرج وهي ترتدي فستانا رقيقا من الدانتيل الجذاب بلون السماء الصافية ...
توقف لوهلة مبهورا بها وبجمالها الناعم البريء...
شعرها البني الحريري المنسدل على ظهرها بنعومة وملامحها الرقيقة والتي زينتها بقليل من مساحيق التجميل ...
لا إراديا تحركت عيناه فوق كتفيها العاريين بذلك الفستان ذو الحمالات الرفيعة فهتف بجمود وقد أظلمت عيناه تماما وهو يتأمل بشرة عنقها المرمرية وكتفيها النحيلين الظاهرين للعيان :-
" ما هذا الفستان ...؟!"
توقفت أسفل الدرج تنظر له بتوتر شديد عندما لمست قماش فستانها تتسائل بقلق :-
" ما به الفستان ...؟!"
تقدم اتجاهها ومال قليلا نحوها مرددا :-
" مكشوف للغاية ..."
" خالتي رآته ..."
قالتها بسرعة عندما هتف بصلابة :-
" غيريه او ارتدي شالا فوق كتفيك ..."
تهدل كتفيها باحباط وكادت أن تضطر للقبول حتى أتى صوت خالتها يهتف باعجاب :-
" تبدين رائعة يا همسة ..."
نظرت لها همسة تستنجد بها عندما سألت زهرة بقلق :-
" ماذا هناك ..؟! هل هناك مشكلة ...؟!"
نظر راغب لها وقال :-
" الفستان مكشوف يا أمي ..."
نظرت زهرة نحو ملامح همسة المحبطة فقالت بحزم رافضة تدخل ولدها السافر في ابنة شقيقتها :-
" كلا يا راغب .. الفستان رائع وغير مكشوف ..."
ثم أشارت الى همسة :-
" اذهبي انت عزيزتي فالسائق ينتظرك خارجا ..."
" ولكن يا أمي ..."
قالها رافضا عندما منحته زهرة نظرة محذرة ثم أشارت لهمسة بعينيها أن تتحرك فتحركت الأخيرة بسرعة متجهة خارج القصر ليهتف راغب بغضب :-
" كيف تفعلين هذا يا أمي ...؟! الفستان مكشوف ..."
قاطعته زهرة بهدوء :-
" اسمعني يا راغب ... أنا أتفهم خوفك وحرصك على همسة وهالة كما تفعل مع توليب ولكن عليك أن تفهم إنني المسؤولة الاولى عنهما ... أنت تتصرف مع همسة بطريقة خانقة للغاية ... "
" لكن ..."
قاطعته مجددا :-
" لا يوجد لكن ... همسة مسؤوليتي وأنا أدرى بمصلحتها ... "
أضافت بثبات :-
" اترك الفتاة وشأنها يا راغب .. همسة صغيرة ورقيقة ... هي أرق من أن تتحمل طباعك الخشنة في التعامل معها ..."
أنهت كلماتها وغادرت ولم تدرك إن كلماتها تلك حركت شيئا مختلفا داخله هذه المرة ...
تلك الرقيقة باتت تشكل خطرا عليه .. خطرا لا فرار منه ...
******************
دلف كرم الى مكتب راغب بتوتر تمكن منه لوهلة فهو رغم استعداده السابق لهذا اللقاء لكن عاد التوتر يغزوه لوهلة فهو مقبل على مقابلة مع شخص يمتلك هيمنة شديدة سمع عنها من قبل ..
شخص ينتظره معه لقاء سيحدد مصير علاقته بمالكة قلبه التي تاق كثيرا ليكون معاها ...
نهض راغب يستقبله مبتسما برزانته المعهودة ليمد كرم كفه مرددا بتحية هادئة واحترام واضح للرجل الذي يكبره بأعوام كثيرة :-
" سعدت برؤيتك يا بك ...."
" أهلا كرم ...."
قالها راغب وهو ما زال محتفظا بنفس الابتسامة الهادئة الرزينة وهو يشير له أن يجلس بعدها الى الكرسي المقابل فاتخذ كرم مكانه على الكرسي بينما عاد راغب بدوره الى كرسيه ثم سأله :-
" ماذا تحب أن تتناول ....؟! "
هتف كرم بجدية :-
" قهوة معتدلة إذا أمكن ..."
" بالطبع ..."
قالها راغب وهو يتصل بسكرتيرته يطلب منها أن تجلب لهما فنجانين من القهوة قبل أن يعاود النظر نحو كرم الذي قرر أن يبدأ حديثه ...
قال كرم بجدية :-
" في الحقيقة أنا أتيت للتحدث معك بشأن رغبتي بالزواج من هالة ..."
هز راغب رأسه مرددا بتفهم :-
" نعم ، هالة أخبرتني بذلك .... "
أضاف راغب بجدية :-
" وأنا لا مانع لدي مبدئيا بعدما سألت عنك وعن عائلتك وسمعت كل خير عنكما ..."
ابتسم كرم براحة ليضيف راغب :-
" ولكن مع هذا يجب أن أتحدث معك وأسمع منك ... يعني حدثني عن نفسك يا كرم ..."
أضاف بجدية :-
" هالة ليست فقط ابنة خالتي و أختي في الرضاعة وشقيقة زوجتي ... هالة بمثابة ابنتي يا كرم وهذا ما يجعل مكانتها مختلفة للغاية وعليك بدورك أن تفهم ذلك .... أنا لن أمنح هالة لشخص دون أن أثق به وبقدرته على حمايتها ومراعاتها دائما وأبدا ..."
كانت كلماته حازمة رغم هدوئها فابتسم كرم بهدوء مرددا :-
" أنا أحب هالة حقا ... أحبها كثيرا ... وأعدك إنني سأفعل المستحيل لتكون سعيدة معي ومرتاحة ... هالة مهمة عندي لدرجة لا يمكنك أن تخيلها ... "
توقف عن حديثه وهو يرى الموظف يدخل وهو يحمل فنجاني القهوة معه ليقدم القهوة لكليهما عندما حمل راغب فنجانه يرتشف منه القليل قبل أن يهتف بجدية :-
" جيد يا كرم ... والآن حدثني عنك قليلا ... صحيح أنا سألت عنك مسبقا ولكنني أرغب في سماعك وأنت تتحدث عن نفسك ووضعك ومخططاتك للمستقبل خاصة إذا تزوجت من هالة ..."
أخذ كرم يتحدث ويخبر راغب بالكثير عنه وراغب بدوره تجاوب معه و أنصت له باهتمام ...
انتهت المقابلة بشكل جيد وقد اتفقا على أن يأتي كرم مع عائلته لخطبة هالة بعد عودة راغب مع عائلته من السفر ...
ما إن خرج كرم من مقر الشركة حتى سارع يتصل بهالة التي سألته بسرعة وقلق لا إرادي :-
" ماذا حدث ...؟! "
قال بسرعة وسعادة :-
" اطمئني ... كل شيء بخير ... سآتي مع عائلتي لخطبتك بعد عودة زوج شقيقتك من السفر ..."
" حقا ..؟!"
صاحت بها هالة حماس وهي تضيف :-
" الحمد لله ... لقد مرت على خير ..."
سألها باهتمام :-
" هل كنت تخشين من عدم سير الأمور بشكل جيد ...؟!"
أجابت هالة بسرعة :-
" ليس تماما ولكن راغب صعب قليلا ...."
هتف كرم بتلقائية :-
" إنه مهيب ..."
ضحكت هالة مرددة :-
" نعم هو كذلك .... "
أكملت مضيفة :-
" أنا أحبه كثيرا ... هو تحديدا معزته مختلفة عندي ... كما إنني مدللته ..."
قالت جملتها الأخيرة بغرور مصطنع عندما أكملت بعدها :-
" حسنا إذا ... أنتظرك مع عائلتك قريبا ..."
" كلي شوق لذلك يا هالة ..."
قالها بحب لتبتسم ثم تسأله :-
" صحيح ، ماذا قالت والدتك بشأني ...؟!"
ظهر التوتر على ملامحه عندما قال كاذبًا :-
" ماذا ستقول مثلا ..؟! فرحت كثيرا بهذا الخبر وهي تريد رؤيتك بأقرب وقت ...."
أخذ يثرثر معها بعدها وهو يتجه نحو سيارته حيث ركبها وقادها متوجها الى منزله عندما وصل الى المنزل بعدها ليدلف اليه وهو ينادي على والدته بحماس ....
هبطت والدته فوق درجات السلم وهي تتسائل :-
" ماذا هناك يا كرم ...؟!"
هتف مبتسما :-
" سنذهب نهاية الاسبوع القادم لخطبة هالة من عائلتها ..."
تجهمت ملامح تهاني قائلة :-
" بهذه السرعة ..؟! ما بالك مستعجل هكذا ..؟!"
قال كرم بجدية :-
" ولمَ سأفعل ..؟! مالذي أنتظره ...؟! أنا أحبها وأريدها ... "
قاطعته بضيق :-
" ما زلت في الثانية والعشرين من عمرك ... لم العجلة ...؟!"
أكملت بتجهم :-
" ألا يكفي إنك اخترت فتاة تكبرك بعامين ووالدها رجل بسيط ..؟!"
زفر كرم أنفاسه مرددا بضيق :-
" أحبها يا ماما .. كما إنها من عائلة جيدة ومحترمة .... وطبيبة ..."
قالت ببرود :-
" هذا لا يكفي .."
أضافت وهي تتجه نحو الكنبة تجلس فوق بترفع :-
" برأيي ألا تستعجل ... اهتم بمستقبلك حاليا واترك الزواج فيما بعد ... أنت ما زلت صغيرا على الزواج ومسؤولياته ..."
قال كرم باصرار :-
" أخبرتك إنني أحبها وأريدها وسأتزوجها ..."
أنهى حديثه قبل أن يغادر المكان متوجها الى غرفته :-
" أتمنى أن تفهميني وتحترمين قراري ..."
**********************
أنت تقرأ
نشوة العشق اللاذع ( الجزء الثاني من سلسلة ضباب الروح )
Roman d'amourللعشق نشوته .. حلوة بل مسكرة ... لذيذة و مبهجة ... نشوة العشق تؤدي للإدمان فلا نهاية لها ولا سبيل للتعافي منها ... فكيف إذا كان العشق لاذع ، مدمر ومؤلم ..؟! هل تختفي النشوة أسفل رماد ألم العشق وجروحه أم تبقى محتفظة بذات اللذة رغما عن كل شيء ..؟!