"1" «لقاء»

5.1K 79 20
                                    

في يومٍ من أيام الشتاء القارسة، كان البرد ينخر في العظام، والسماء مظلمة كأنها تغطي المدينة بسحبٍ من الخوف والغموض. كانت ثلاث فتيات في الصف الأول الثانوي، نور، نادين، وندى، عائدات من يومٍ دراسي طويل. كلٌ منهن تميز بشخصيتها المختلفة: نور ذات البشرة البيضاء والعيون العسلية، خجولة ومنطوية، نادين بطولها اللافت وبشرتها الفاتحة وعينيها الخضراء التي تلمع بالجرأة والغرور، أما ندى، فهي صاحبة البشرة القمحية والعيون البنية، مرحة وطيبة القلب، على عكس نادين التي كانت تمتلك جانبًا من الحدة والشر الخفي.

عادت الفتيات من المدرسة حيث كان مقررًا لهن حضور بعض الدروس الخصوصية. وفي طريقهن إلى الدرس، واجهن طقسًا شديد البرودة. وبعد انتهاء الدرس بعد مرور ساعة، خرجن في طريقهن للعودة إلى منازلهن. إلا أنهن لاحظن أن الحالة الجوية قد تدهورت، حيث زاد ظلام السماء وتكاثف المطر. شعرت الفتيات بارتجاف أيديهن من شدة البرودة والقلق، ومع حلول الليل، لم يجدن أي وسيلة مواصلات لإعادتهن إلى منازلهن، مما اضطّرهن للاستمرار في السير... قالت نور بصوتٍ مرتجف:
"أنا خايفة أوي يا بنات، الجو بقى صعب أوي..."

حاولت نادين، رغم جديتها المعتادة، أن تواسيها، فربتت على كتفها قائلة:
"ماتخافيش يا نور، إحنا هنا معاكِ، مش هنسيبك."

قاطعتهما ندى، محاكية تلك الروح المرحة التي لطالما ميزتها، بابتسامة واسعة:
"لا ده أنا أجيب اتنين ليمون ."

ضحكت الفتيات جميعًا رغم الموقف العصيب. لكن نور لم تستطع التخلص من شعورها بالقلق، إذ كانت ترتجف ليس فقط من البرد بل من الخوف الذي يعصف بداخلها. قالت بإحباط:
"بجد كده كتير، رجلي وجعتني... البيت بعيد، مش هنعرف نروح مشي!"

أردفت ندى وهي تتنهد:
"ده بجد نتيحة لما أهلنا يدخلونا مدرسة في آخر الدنيا! أهو الجو بقى زي ما أنتِ شايفة، وحظنا في المواصلات دايمًا وحش."

فجأة خطرت لنادين فكرة، وقالت بجدية:
"طب اتصلي بباباكي، خليه يجي ياخدنا."

أومأت نور وهي تفتح حقيبتها بتوتر. لكنها في اللحظة التي أمسكت فيها هاتفها، انزلق من يدها وسقط في بركة ماء كبيرة. ارتبكت نور، وهي تئن بصوتٍ عالٍ:
"يا ربي! إيه القرف ده!"

انحنت لالتقاط الهاتف، إلا أن الأرض الزلقة خانتها، فسقطت في البركة نفسها، وابتلت ملابسها بالكامل. شهقت نادين وندى من المفاجأة، وحاولتا مساعدتها، لكن الماء والوحل جعلا من الوقوف أمرًا شبه مستحيل.

بينما الفتيات في حالة من الذعر والتوتر، ظهرت فجأة سيارة سوداء فاخرة، توقفت بالقرب منهن. نزل منها شاب طويل القامة، وسيم بشكلٍ لافت، شعره ناعم وعيونه بنيّة داكنة مثل ظلام السماء. بملامحه التي تذكرهن بنجوم المسلسلات التركية، وقف الشاب أمامهن بنظرة قلقة.

|ليلة ممطرة| (قيد التعديل) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن