أنهى نادر المكالمة وهو غارق في دوامة من الأفكار، قلبه يثقل بالخوف الذي لم يعرف له سببًا، وكأن شيئًا ما يخنق روحه. هل يمكن أنه بالفعل وقع في حبها؟ كانت الفكرة تقتحم عقله بلا رحمة، تلتهم أي محاولة منه للهرب منها. كلما حاول طردها، وجدها تعود أقوى، تغرقه في بحر من الحيرة. كان القلق كالظل، يطارد كل فكرة أو شعور، حتى لم يتبقَ منه سوى هذا الانقباض الذي يسكن قلبه.
تمتم بصوت خافت قليلاً، وكأنه يحاول فهم ما يمر به:
- "يا ترى إيه اللي حصل بس؟!"لكن قبل أن ينتهي من أفكاره المزدحمة، جاء صوت أمير ساخرًا، مقاطعًا تفكيره:
- "إيه يا نادر؟ بتكلم نفسك؟ اتجننت؟"كانت كلمات أمير ساخرة كما هي العادة، لكن نادر لم يرد عليه. كان فرك يديه بتوتر واضح، وكأنه يحاول التخلص من شعور طارد لا يريحه. بدا وكأن كل لحظة انتظار تقتله ببطء. نظر إلى أمير بنظرة مشوبة بالقلق العميق، عينيه تكشفان عن اضطراب داخلي لا يمكن إخفاؤه، وقال بصوت مضطرب مليء بالتوتر:
- "أمير، أنا لازم أمشي حالاً."عقد أمير حاجبيه، وهو يحاول فهم ما يحدث. نادر لم يكن معروفًا بالتسرع أو الهروب من المواقف. بدا عليه الاندهاش الكامل وهو يسأل:
- "ليه؟ إيه اللي حصل؟"بدأ نادر في جمع أغراضه بعصبية، وكأن أي دقيقة إضافية تقضي عليه. كلما حاول أمير فهم ما يجري، زاد اضطراب نادر، حتى قال له بحزم وهو ينهض مسرعًا:
- "مش وقت الكلام ده دلوقتِ، هبقى أقولك بعدين."لم ينتظر نادر رد أمير، بل تركه خلفه ورحل دون أن يلتفت. أمير، الذي بقي واقفًا في مكانه مشدوهًا من تصرفات صديقه، همس لنفسه بدهشة غير مصدق ما يرى:
- "اتجنن ده ولا إيه؟!"وصل نادر إلى منزل نادين، والخوف يعصف به كما لم يحدث من قبل. لم يعد قادرًا على السيطرة على أعصابه. طرق الباب بشدة عدة مرات، لكن الرد لم يأتِ. كل لحظة تأخر فيها الرد كانت تزيد من توتره، وكأن كل ثانية تمر تحفر عميقًا في صدره. طرق الباب مجددًا، هذه المرة بيديه المرتعشتين وبعنف أكبر، لكنه لم يسمع سوى الصمت الرهيب الذي كان كفيلاً بأن يجعله ينهار.
كان القلق يلتهمه من الداخل. لم يستطع تحمل هذا الانتظار. بشجاعة يائسة، دفع الباب بكل قوته حتى فتحه. دخل المنزل، وعيناه تبحثان عن شيء يطمئنه، لكن ما رآه جمد الدم في عروقه. نادين كانت ملقاة على الأرض، جسدها شاحب، وكأن الحياة قد انسحبت منها بهدوء قاتل.
تسارع قلبه لدرجة شعوره بأنه سيتوقف. اندفع نحوها، وركع بجانبها وهزها بشدة، صوته يرتجف بالفزع:
"نادين! نادين! بالله عليكِ فوقي!... يا رب استر!"لكن جسدها لم يتحرك. بدا وكأنها قد انسحبت من هذا العالم وتركته وحيدًا مع هذا الرعب القاتل. شعر بذعر لم يعرفه في حياته، يداه كانتا ترتجفان بشكل غير مسيطر عليه، وذهنه يصرخ: "تحرك الآن!" حملها بين ذراعيه بقوة، وكأنه يحمل أعز ما يملك، وركض بها خارج المنزل بجنون، غير قادر على التفكير في شيء سوى إنقاذها.
أنت تقرأ
|ليلة ممطرة| (قيد التعديل)
Romanceتُعد هذه الرواية عملًا رومانسيًا واقعيًا ذا طابع بوليسي، حيث تتناول قصة فتاة في مرحلة الثانوية تتعرف على شاب وهي في مأزق وفي ليلة ممطرة. كانت هذه الرواية هي الأولى لي. تم تأليف أول 8 فصول منها في سنة 2019 وانتهيت من تأليف باقي الفصول سنة 2021. لم أض...