الفصل الخامس عشر

3 4 0
                                    

قبل يومين

كان يوسف يستعد لمغادرة القرية، حاملاً معه جميع الأوراق والصور التي جمعها كأدلة.
لقد أخبر صديقًا له أنه بحاجة للذهاب إلى القرية المجاورة لأداء مهمة عاجلة.
ولتسهيل تنقلاته، استعار دراجة صديقه للوصول بسرعة إلى هناك.
في البداية، أبدى صديقه استغرابه من هذا الطلب المفاجئ، ولكن بعد أن شرح له يوسف أن ندى في خطر شديد وأنه يجب أن يكون هناك شخص موثوق به لمساعدتها، وافق الصديق على الفور.
سأل الصديق يوسف عن تفاصيل الأمر، لكن يوسف تردد في الإفصاح عن التفاصيل خوفًا من تعريض صديقه للخطر. اكتفى بالقول إن الوضع خطير جدًا، وأنه لا يستطيع المخاطرة بكشف المزيد.
برغم قلق الصديق، شعر بضرورة الثقة في يوسف ومساعدته بكل ما يستطيع.

بينما كان يوسف يستعد للرحيل، كان ذهنه مشغولاً بالخطوات التالية.
كان يعلم أن كل لحظة تمر تزيد من الخطر الذي يحيط بندى وبهم جميعًا.
كان قد خطط لكل شيء بعناية، ولكن القلق لم يفارقه.
كان عليه أن يضمن وصول الأدلة إلى السلطات في القرية المجاورة بأمان، فهي السبيل الوحيد لإيقاف العصابة وإنقاذ ندى.عندما تسلم الدراجة من صديقه، شعر بثقل المسؤولية التي يحملها. ركض يوسف سريعًا نحو المخرج الوحيد للقرية، وكان قلبه يخفق بشدة.
لقد كان هذا المكان يعج بالأسرار والتهديدات، وكان يعلم أن كل خطوة خارج القرية قد تكون آخر خطوة له. لكنه كان مصممًا على المضي قدمًا، غير مبالٍ بالمخاطر.في تلك الأثناء، كان الصديق يراقب يوسف وهو ينطلق بالدراجة، شعور غريب من القلق اجتاحه، ولكنه كان واثقًا من أن يوسف سيفعل ما يجب عليه فعله. ظل يراقب ندى عن كثب، متأهبًا لأي طارئ، كما أوصاه يوسف، دون أن يشعر أحد بوجوده.
لم يكن يوسف يعلم اذا كان سيعود إلى القرية أم لا، ولكن كان عليه أن يثق في صديقه ليحمي ندى، ولو بشكل غير مباشر. توجه بأقصى سرعة ممكنة نحو القرية المجاورة، والعواصف داخل نفسه تزداد حدة. كان يدرك أن الوقت ليس في صالحهم، وأنه إن لم ينجح في مهمته، فقد يفقدون كل شيء.استمر يوسف في رحلته، والظلام يلفه من كل جانب،لم يكن يوسف يعلم ما الذي ينتظره في هذا الطريق المجهول. كان الطريق أمامه يبدو وكأنه متاهة لا نهاية لها، تعج بالظلال والأسرار. الأشجار الكثيفة تتشابك أغصانها فوق رأسه، تحجب أشعة الشمس عن الأرض المبللة التي أصبحت وكأنها مستنقع، مما جعل السير بالدراجة مهمة شاقة للغاية.
كلما تقدم يوسف في الطريق، زادت الصعوبات.
كانت العجلات تنزلق على الأرض الرطبة، وكان يشعر وكأن الطبيعة نفسها تحاول منعه من التقدم.
ورغم ذلك، لم يكن لديه خيار سوى الاستمرار.
لم يكن الطريق هو ما يشغل تفكيره، بل الهدف الذي وضعه نصب عينيه.
كانت عزيمته على كشف الحقيقة وإنقاذ الأطفال والقرية من براثن هؤلاء المجرمين هي القوة التي تدفعه للأمام، مهما كانت الظروف قاسية.
في كل لحظة كان يمكن أن يقرر التوقف أو العودة، لكن إصراره كان أقوى من تلك المخاوف.
كان يسمع بين الحين والآخر أصوات الرياح وهي تعصف بين الأشجار، وكأنها تحذره من المضي قدمًا.
لكن يوسف لم يكن ليتراجع.
كان يعلم أن هؤلاء الأطفال ينتظرون من ينقذهم، وأنه قد يكون أملهم الوحيد.
لذا، واصل السير، متحديًا تلك المتاهة المظلمة والرطبة، آملاً أن يجد في نهاية الطريق الضوء الذي ينير دربه وينهي كابوس القرية.

في ذلك الوقت، كان صديق يوسف يقف بحذر أمام منزل ندى، يراقب كل شيء عن كثب. كان يتابعها وهي تغادر إلى عملها صباحًا، ويبقى على مقربة منها حتى تعود إلى المنزل مع حلول المساء.
كانت مهمته هي التأكد من سلامتها دون أن يشعر أحد بوجوده.لكن في ذلك اليوم، حدث ما لم يكن يتوقعه.
رأى مجموعة من الأشخاص ينزلون من عربه خشبية ذات احصنه يدخلوا الي المنزل وبعد بضع دقائق يخرجون وهم يحلونها عنوة   ويضعوها في العربة.
في البداية، شعر الصديق بالخوف والتردد؛ لم يكن يعرف ما إذا كان بإمكانه التصرف وحده لإنقاذها.
لكن شيئًا بداخله دفعه للتشجع.
بدأ يتحرك بخطوات سريعة خلف العربة، حريصًا على ألا يُكتشف.
كانت الأفكار تتلاطم في رأسه وهو يتساءل عن وجهتهم. تابعهم حتى وصلوا إلى المستشفى، ولكنه تفاجأ حين رأى أنهم لم يدخلوا من الباب الرئيسي، بل من باب خلفي مخفي عن الأنظار.
زادت شكوكه وتوتره، ولم يجرؤ على الدخول، فاختار الانتظار ومراقبة المكان بعناية.بينما كان يختبئ بين الظلال، رأى شخصًا غريبًا ومخيفًا يدخل من نفس الباب الخلفي.
كان وجه هذا الشخص مشوهًا بشكل مرعب، وكان ينظر حوله بحذر قبل أن يتسلل إلى الداخل.
شعر الصديق بالخوف الحقيقي لأول مرة منذ بداية المهمة، وتساءل عما إذا كان عليه أن يترك كل شيء ويهرب. لكنه ظل في مكانه، مراقبًا الوضع، محاولاً اتخاذ القرار الصحيح.
مرت بعض الدقائق التي بدت له كالساعات، ثم فجأة، رأى ندى تخرج من فتحة التهوية أعلى المستشفى، تركض بسرعة وذعر يملأ ملامحها.
وقبل أن يتمكن من التفكير، خرج ذلك الشخص المشوه من نفس الفتحة، ولكن على عكس ما كان يتوقعه، لم يكن يطاردها ليؤذيها، بل كان واضحًا أنه يساعدها على الهرب.
تابع الصديق المشهد بحذر، يراقبهم من بعيد وهما يركضان نحو الغابة. عندما وصلا إلى كوخ مهجور بين الأشجار، توقفا ودخلا إلى الداخل بسرعة.
كان الصديق يلهث، فقد جرى طويلاً كي يلحق بهم، وكانت أنفاسه تتسارع وهو يجلس مستندًا إلى شجرة قريبة، محاولًا استعادة هدوئه.جلس في مكانه، يراقب الكوخ بعينين قلقتين، يفكر في الخطوة التالية.
هل يتوجه إليهم الآن، أم ينتظر حتى تهدأ الأوضاع؟ كان يعلم أنه قد لا يكون هناك وقت للانتظار، فقد تكون ندى في خطر داهم.
بعد لحظات من التفكير المتسارع، قرر أن يترك خوفه جانبًا ويتحرك نحو الكوخ.
كانت تلك اللحظة حاسمة، ولم يكن لديه خيار سوى أن يواجه ما ينتظره هناك، على أمل أن يتمكن من مساعدتها وإنقاذها.

قرية الظلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن