5«أطفال»

5.8K 478 41
                                    

قيل عن فراق الأحبة أشعار وأقاويل مؤلمة، يتقطع لها القلب وتتعذب لها الروح، صدمة الفراق تلك هينة في حينها، ولكن.. بعد الفراق، أصبح كل شيءٍ يسير ببطءٍ قاتل، وكأن الساعات متوقفة، كأن الدقائق تتلذذ في تعذيب روحي، وأجد نفسي أحتمل لهيب آلامها في كل الثواني التي تمر، حتى أن دموعي توقفت، وبدى كل شيء جافًا قاحلًا كصحراء ناهشة، تفتقر إلى أي أثر للحياة أو العاطفة.

ظل بعض الوقت صامتًا يحاول استيعاب ما يقوله «متولي» ونظره مثبتًا عليه، وجد نفسه يستنكر قوله:
_هو أنت واقف مستنيني أجي من برا الساعة 11 بليل عشان تقولي بنتي مبقتش من نصيبك وخد دهبك، وأنا حاضر هاخد الدهب واقولك حاضر يا عمو «متولي» اللي تشوفه والله.

وبعدة محاولاتٍ من داخله بأن يتماسك وألا ينفعل عليه في ظل كل ما رأه اليوم من ضغوطٍ شديدة سأل بجمودٍ:
_من حقي أعرف أكيد ليه خطوبتي دي هتتفسخ كدا، أصل مش هقول للناس أبوها جالي 11 بليل يقولي خطوبتك اتفسخت.

لوى «متولي» شفتيه يعايره بما لا يخصه ولكنه يمسه من جميع النواحي:
_هو يعني الناس أول مرة هتتكلم عليك، ماهما جايبين في سيرتكم كل يوم في الحارة

تقدم خطوة أخرى منه وبدأت ملامح الضيق تظهر على وجهه الذي كان خالٍ من كل الملامح قبل ثوانٍ، وأظلمت بُنيتاه في حدة بالغة بقوله:
_«غِنى» دي لو مكنتش ليا مش هتكون لحد، ولو حابب افهمها زي ما تحب بقى، إني اخطفها اقتلها هعمل اللي وقتها يجي في دماغي، خد الدهب وأرجع يا عم «متولي» حطه في ايد بنتك وقولها «مُـهاب» هيجي خلال يومين تكتبوا الكتاب، وبالنسبة لكلام الحارة أنت عارف مافيش كلب يسترجي يجي يقول الكلام ده فـ وشي، هما عشان كلهم جُبنة فبيقولوه من ورايا ياعم «متولي».

صاح هذه المرة «متولي» بحدة وهو يضع الذهب أرضّا:
_أنت مش هتغصبنا على خطوبة وكتب كتاب، قولتلك بنتي متنفعكش خلاص فضيناها سيرة.

طالع الذهب الذي وضع أرضًا متذكرًا معه كل تلك الأيام الثقيلة التي مرت عليه ليُجمع حقه ويشتريه لأجلها، تلك الليالي التي عمل بها حتى ليلٍ مُتأخر رفقة صيادين السمك، وتذكر تلك الأيام التي كان يعمل رفقة عُمال البناء ونقل الأسمنت على كتفه لطوابق عديدة، حتى وصل للعمل في ورشة نجارة رفقة نجار يهينه ويعامله بكل قساوة، فأنهى فترة تعلمه في النجارة وفتح ورشته هذه الآن، مصدر رزقه الأول وليس الأخير.

أهذه هي النتيجة التي ينتظرها كل شاب عافر في حياته ليبني بيتًا وأسرة تحتويه؟
فقد الكثير والكثير من ذاته في هكذا حياة، ولكنها فُرضت عليه ليكون بها وهو لم يعتاد على الهرب أبدًا.

_عم «متولي»، الكلام عالسلم كدا مينفعش، أنا من حقي أعرف أنا عملت إيه عشان تيجي ترمي في وشي حاجتي بالشكل المُهين ده، وتبعد عني بنتك وأنت عارف إني بحبها.
أتخذ الطريق الذي في نهايته عقله، خالطًا بينهما القلب بعاطفة قد تدلف لقلب «متولي» وتجعله يهدأ، ولكن الثاني لم يعلق سوى على كلمة "أحبها" تلك التي نبس بها «مُـهاب» وأجابه بحدة:
_معدتش تجيب سيرتها على لسانك، وعشان أريحك وميكنش فيه بينا اي مقابلات وحوارات تاني، أنا فركشت الخطوبة عشان انت خونت العهد اللي بينا وقولتلي إنك هتحترم رغبتي فإنك متشوفهاش، وخدتها وروحت شوفتها وقعدتوا برا بعيد عن عيني، حقي إني أجي افركش من غير ما أقولك أسبابي واسيبك تولع زي ما عملتوا كدا من ورايا.

ابني ابنكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن