وسط سكون اللحظة وكثافة المشاعر، كان يقف أمام قلبه الذي انتظر طويلًا حتى يناله، بعد سنواتٍ من الوحدة والخذلان، أخيرًا حصل على ما لا تشتريه الثروات ولا تداويه السنين؛ أحبّ، وحصل على من يحب. لم يكن المشهد كما تخيله كلّ أحد، لا في بهاء الفرح ولا في سعادة مبتذلة كما يرسمها الجميع، بل كانت السعادة هنا في جوهرها الخالص، في رضى قلوبٍ أنهكها الطريق الطويل والليل الثقيل.
عرف «زين» لأول مرة، أن الحب الحقيقي لا يأتي مع الزينة والمظاهر، بل في اللحظة التي تجد فيها عيونًا ترى داخلك، وتشعر بكلّ ضعفك دون أن ترحل.
كان المأذون يعقد قرانهما وسط ضوء خافت وأعين أمه وأخته، واتى المأذون باثنين ليشهدوا على هذه الزيجة أيضًا، لم تكن المناسبة عظيمة ولا الزينة مبهرجة، لكنها كانت لحظة من نور، تُضيء عالمًا بُني على الصبر والتحمّل..
أمسك زين بيدها بعد انتهاء كلماتٍ المأذون:
_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
فتلاقى النظر بينهما بمشاعر عدة جميعها فياضة، ولكن كان هنالك نظرة أقوى تخرج من عيونهما، نظرة الحب نظرته عليها بعدما حصل على مبتغاه، وكأن بوصلة قلبه استقرت أخيرًا مشيرة نحوها هي فقط.حينما غادر المأذون وباركت له أخته بعناقٍ قوي تربت على ظهرها وتهمس لها بكلماتٍ كانت بمثابة شفاء لروح صديقتها:
_ربنا يباركلك ويراضيكِ يارب يا «ماسة»، كل حاجة هتكون كويسة زي ما اتمنيتِ ويمكن أكتر.. متقلقيش.كذلك باركت لأخيها وأيضًا فعلت المثل أمه، ولكن بهدوءٍ تام فالحزن سيطر على قلوب الجميع أسفل سقف هذا المنزل، حزن شديد وقوي معبرًا عما أصاب رب الأسرة..
وحينما انتهيا جذبها معه نحو غرفته ليتحدث رفقتها ولو للحظاتٍ، عندما أغلق باب الغرفة خلفه، لم يترك يدها بل زاد من إحكام قبضته عليها، كأنها الحبل الوحيد الذي يربطهما بالحياة.
نظر إليها بعيون امتلأت بالمشاعر، وقال بصوت يكاد يكون همسًا يخفي خلفه سنوات من الاشتياق والحاجة:
_أنا عارف إن اللحظة تقيلة عليكِ، وعارف إن كل حاجة بنمر بيها سوا صعبة، بس مافيش حاجة هتعدي من غير ما نكون سوا وايدنا في إيد بعض، مش طالب منك أي حاجة ولا طالب منك تقدميلي حاجة غير وأنتِ كويسة وقادرة.اقترب منها، وكأن كلامه قد صار خيطًا يصل روحيهما، وأكمل:
_أنا مش هسيبك، مهما كترت همومي أو زادت متاعبي، انتي مش مجرد حب، انتي زي الحلم اللي صحيت منه واتمنيت لو يرجع تاني.. مكنتش فاهم يعني إيه قلب ينبض بحد، لحد ما شوفتك..
يعرف جيدًا مدى احتياجها لكلامٍ مثل هذا، فلم يبخل عنها بالبوح عن مشاعره إطلاقًا.
ابتسم وهي ما زالت تشاهد عيونه التي تكشف عن حياة أخرى، حياة لم تعرفها من قبل.
أنت تقرأ
ابني ابنك
Romanceبعدما مضينا في سُبل لا ننتمي لها، التقينا كما التقاء الشرق والغرب سويًا، لنصنع مجدًا يخصنا، حيث لا فرق بين ابني وابنك، نحن جميعًا أبناء أب واحد، وأم واحدة. تُهدينا الحياة صدف عجيبة، منها الطيب والخبيث، وتعاملنا كضيوفٍ ثقال فتُعطينا من كل ما لذ وطاب...