19"انكار الحقيقة"

4.6K 391 67
                                    

ترك كل منهما ما بيده، كأن الدنيا توقفت فجأة في أعينهم، لم يعد للمهام أهمية، ولا للكلمات معنى.

خطواتهم تتقاطع مع الزمن، يتوجهان نحوه بقلبين ينبضان بالغضب والحيرة، كانا يعدان للحظة التي ستجمعهما به بعدما فجّر قنبلته في وجوههما، لحظة المواجهة التي ستمحو كل ما سبقها، كأنهما يحملان في صدورهما عاصفة هوجاء، مشاعر متضاربة من الصدمة والغضب، لا يعرفان إن كانوا سيستطيعون الصمود أم سينكسرون أمام الحقيقة، لكنهم مع ذلك، يمضون، وفي أعينهم وهج التحدي، لا عودة بعد اليوم.

كانت الأرض ترتجف تحت إطارات دراجة «مُهاب» النارية، كأنما صهيلها يعلن عن قدوم إعصار لا يعرف الهدوء.

عيناه كانتا كتوهجين مشتعلين، الغضب يتطاير منهما كشرر متراقص، يشق الهواء حوله، لكن خلف ذلك البركان كان هناك تيه وحيرة، كمن يقف على حافة هاوية، لا يعرف إن كان سيقفز أم سيسقط.

صوت محركه كان صاخباً، كأنما يصرخ نيابة عنه، يدفعه نحو المجهول بلا هوادة، كوحش جامح لا يعرف سوى الطريق أمامه.

أما «يامن»، فكان وصوله نقيضًا تامًا، مرسيدسه السوداء شقت طريقها بهدوء كصمت الليل، وعندما خرج منها، كانت خطواته باردة كثلج يزحف ببطء نحو كل شيء ليغمره بالسكون.

سيجاره يتصاعد منه الدخان بثبات، وكأن كل نفس يأخذه يفرغ العالم من حرارة عواطفه، وجهه خالٍ من أي انفعال، ملامحه كأنها قناع صلب لا يملك أي انعكاس لما بداخله، في عينيه برود الأبدية، وبرود أعصابه كان كالجليد الذي يتحدى الشمس ألا تذيبه.

لكن «زين»، كان النقيض الأكثر وضوحًا، سيارته اقتحمت المكان بصوتٍ صاخبٍ، وكأنها تصرخ بما يعجز عن قوله، أوقفها بعنف، وكأن الفرامل كانت تعبيرًا عن غضب مكتوم في داخله.

نزل منها بخطوات سريعة، وعيناه كانتا كعاصفة سوداء لا تعرف الهدوء، كان الغضب القاتم يحيط به كظلالٍ متراكمة، وكأنما كل صدمة تلقاها مؤخرًا حفرت داخله نفقًا من الغضب الذي لا ينتهي، فأصبح جسده حاملًا لانفجار قادم لا محالة.

وقف الثلاثة معًا، كلٌ منهم صورة معاكسة للآخر، لكنهم متشابكون بحبل القدر الذي جمعهم في تلك اللحظة المتوترة.

بدأ «مُهاب» حديثه بينما كان واقفًا وكأن النيران تتأجج داخله، عضلاته مشدودة، وعيناه لا تفارقان «يامن» بنظرة متقدة كشرر ناري يتطاير من بين أنفاسه، وصوته اخترق الصمت بانفعال غاضب:
_إيه الهبل اللي أنت باعته ده؟

كلماته خرجت وكأنها طعنات موجهة مباشرة نحو «يامن»، بينما جسده ينطق بالتوتر، يتقدم خطوة للأمام وكأنه يريد تحطيم الجدار الذي يفصله عن الآخر. ولكن «يامن» لم يهتز، بل قابل تلك الشرارة بجدار من الثلج، ومزيد من السخرية. رمقه بابتسامة باردة

ابني ابنكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن