14"حيث المستحيل"

4.2K 440 110
                                    

وفجأة يُسلب منك كل شيء كأنه لم يكن، ويؤخذ منك الأمان وكأنه لم يتواجد، وتقف أنت هنا حيث الخوف حولك، والأسى مليء قلبك.

_ابــني!
هكذا نطقت «هاجر» والتي كانت صدفة متواجدة هنا، فهي غادرت شقتها لتبحث عنه في ورشته أو في أرجاء الحارة لأن هاتفه مغلق منذ أمس، وقلبها يؤلمها بقوة خوفًا عليه لشعورها بأن مكروهًا قد أصابه.

تقدم منها «زين» و«مالك» معًا ليساندها «مالك» الذي كانت الصدمة تحتله هو وعقله المسكين، بينما الأخرى تصرخ وتولول ليهمس لها «زين» بصوتٍ خفيضٍ يحذرها:
_اهدى الله يخليكِ، إن شاء الله هو كويس، وطالع منها كدا كدا المحامي ماسك القضية، وهو مقتلش حد فكدا كدا طالع.

حاول أن يبث بها الطمأنينة ولكنه داخليًا يشعر بالأسف على حالها وعلى دموعها التي انهمرت في لحظتها بكاءًا على ابنها الوحيد، سندها في الحياة والذي دونه لن تكون بخير، من يهون عليها مرار الأيام ويعانقها في عناق دافئ يخبرها بأن كل شيء سيصبح بخير، يحاول أن يعوضها وألا يجعل عينيها تذرف بالدموع، اللحظات التي تكون بين الأم وابنها لا تقدر بثمن، لا توصف.

_ياحبيبي يابني، ياحبيبي ياضنايا.. هو كان ناقص يتهموه بجريمة قتل، ابني ميقتلش، ابني «مُـهاب» ميعملهاش، أنا أمه وعارفة كويس إنه ميعملهاش، ده حنين وقلبه طيب أوي، ده بيخاف يأذي نملة ماشية في الأرض، ابني ميعملهاش يلهوي يلهوي عليك ياضنايا، وكتب كتابه اللي النهاردة ده هنقول إيه لمتولي، هنقوله جوز بنتك في السجن، ما صدقنا رضي عنه حبيب عيني ما صدقنا رضي عنه وهيتجوز اللي بيحبها بعد ما تعب عشانها.. حظه قليل في الدنيا.. حظه قليل.

حديثها يجعل الحجر ينقسم لنصفين مِما شمل من ألم وقهرٍ، الحرقة التي غلفت قلبها وروحها، حديثها خرج بنبرة مبحوحة وغُلف ببكاءٍ أشبه بدماء خرجت من مظلوم، عينيها الباكية وجسدها المرتجف، جلوسها على الدرج وإسناد رأسها على الحائط؛ كل ذلك لا يوصف الحرقة التي بداخل قلبها.

جلس أمامها «زين» أرضًا وربت على يدها بقوله بحنية وعينيه الزيتية غلفتها الدموع هي الأخرى، ولكنها كانت محبوسة لا ترغب بالخروج هنا أمامهم:
_اوعدك والله هيخرج وهيرجع لحضنك، وهيكون كويس أنا معاه مش هسيبه، وبصراحة أنا مش عارف المفروض نكلم «غِنى» ولا إيه، بس هو هيخرج ان شاء الله وهيكون كويس وده المهم قبل أي حاجة...

هكذا وعدها لينظف «مالك» هو الآخر حنجرته بعدما ابتلع الصدمة وجلس جوار «هاجر» وبدأ يمرر بصره بين «زين» وبين «هاجر» يردف لها بمواساة:
_أهدي يا خالتي الله يكرمك، أهدي.. أنتِ عارفة إن «مُـهاب» ربنا دايمًا بيبتليه عشان بيحبه بس هو قد الابتلاء، هو قد كل حاجة بتحصله وهيقدر يطلع منها ان شاء الله، هيرجع لحضنك وهيرجع لصاحبه.. وهيرجع لورشته ولحياته، ولخطيبته اللي ربنا هيكرمه وتبقى مراته، ابنك بيعمل حاجة كبيرة أوي وخير يا خالتي وان شاء الله ربنا هيعوضه عن ده..

ابني ابنكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن