21«ابني ابنك»

3.7K 375 85
                                    

تتراقص الصفات بيننا كما تتلوّن ألسنة اللهب والماء على عتبات الرغبة والخوف..

أنت هدوء يبتلعه صبرٌ عميق، وأنا عاصفة يخمدها سحاب الرحمة، عند اقترابك، يتحول غضبي إلى خيال باهت، تُرسم تفاصيله على جدار الشك، ولا أملك سوى السكوت، وكأنني لم أكن أنا ذاتي من قبل.

وعندما أبتعد، تشتعل ثورتك، تضطرب خطواتك، وتبرق عيناك بنارٍ غريبة لا يعرفها ذلك الوجه الهادئ.

كأننا نغوص في أعماق أنفسنا، وكأن شخصياتنا تتبدل في لحظات لقائنا، نحن، في جوهرنا، لا نكون سوى مرآة لبعضنا البعض...
وأنت وأنا، نشبه المرايا التي تخفي ملامحنا وتكشف ما يدور في أعماقنا، ليصنعنا الصراع ذاته، دون أن نملك الخيار في متى أو كيف ينتهي.

كان يجلس في مكانه ويداه المتشابكتان ترتعشان بانفعال، يحاول جاهدًا أن يسيطر على الرجفة التي تجتاح جسده منذ أن أنقذها من بين براثن الموت، حينما رآها تقف هناك على حافة الانهيار.

عينيه تتعلقان بها وهي تحتضن شقيقته، منهارة بصوتٍ مرتجف ونبرة تفيض بالمرارة، ودموعها تنساب دون توقف، ترسم على ملامحها خريطةً من ألمٍ دفين وسنين من الانكسار، كان صوتها يتقطع، كأنه يحكي قصة روح أُثقلت بالأحزان:

_هفضل عايشة أعمل إيه بس يا «وتين» اللي بحبه مبقاش ينفع اتجوزه عشان أنا متجوزة عرفي من أكتر حد بكرهه في حياتي، هيفضل جنبي يواسيني على أساس إيه؟ مبقاش ليا حد أفضل عشانه، أمي؟
أمي اتعمت خلاص في مراية «محمود» وابنه، فكرك إني فكرت في ده بسهولة؟ فكرك إني طلعت النهاردة من المستشفى جايبة نفسي لحد هنا بسهولة؟ بس أنا تعبت، اللي فيا محدش يستحمله والله

بكت بكاء المقهور، بكاء المتعب..
كانت دموعها تتساقط كالأمطار في ليلةٍ كئيبة، دموع مقهورة، كأنها شظايا زجاجٍ هشٍ تتحطم بصمت.

استمع إليها وهو يكابد مشاعر حادة، كل كلمة منها تنغرس في قلبه كخنجرٍ سام، تقتله عباراتها الموجوعة، وكأنها تجرد روحه من غلافها ليظل أمام ألمها عاريًا، عاجزًا، بلا درع يقيه من لهيب كلماتها المسمومة..

ربتت «وتين» على كتف صديقتها بحنانٍ يشبه دفء الأم حين تضم طفلها المرتعد، وهمست لها بكلماتٍ تمنت أن تحمل شيئًا من الراحة فقلبها المُثقل بآثار الحزن، كأرض تشققتها عروق الجفاف.

نظرتها كانت كضوء خافت في عتمة الحزن، تحاول جاهدةً بث الطمأنينة في قلب «ماسة» المتعب:

_طب حقك عليا والله، أهدي عشان خاطري وان شاء الله كل حاجة هتكون كويسة، مش هسيبك ولا «زين» هيسيبك، وأصلًا «زين» بيحاول يوصل للعقد ده عشان يشوف صحته، لو غلط أنتِ مش هتكوني متجوزاه، ولو صح هنطلقك منه ومش هنسيبك، ولا هتقعدي تاني في المستشفى هتيجي معايا البيت، أنا مش هسيبك والله أنتِ أختي يا «ماسة»

ابني ابنكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن