لم يشعر يومًا بالعجز هكذا لأنه لم يضع نفسه في شيء سيُظهر خوفه في يومٍ من الأيام، ولكن الآن هو مضطر بين نارين؛ الأول أن ينقذ نفسه، والثاني أن تتم تلك العملية بنجاح.
ظل واقفًا مكانه عاجزًا عن الحركة غير قادرٍ على فتح عينيه، وهناك من يُتابعه باستغرابٍ يقف جواره يحاولان المرور من على تلك الماسورة لسطح البناية الثانية، سأل بحاجبٍ مقوس باستغراب:
_مالك يا «مُـهاب»؟حتى الكلمات خرجت من فمه بارتباكٍ وتوتر، بشكلٍ لم يعتاد «زيـن» عليه حتى:
_عندي فوبيا.. فوبيا مرتفعات.فتح «زيـن» حدقتاه بصدمة بعض الشيء، وعبر عنها بكلماته الساخرة:
_ده أنا فكرتك مبتخافش من حاجة ياجدع ومش إنسان زينا، أيوه كدا اظهر على حقيقتك!_حقيقة إيه ياحيوان أنت، بقولك فوبيا وكلنا بنخاف من حاجة أكيد.
قالها بضيقٍ ولكنه تماسك ألا ينفعل حتى يمروا العصابة من على سطح تلك البناية ليصعدا هما بعدهم، بينما أردف «زيـن» بنفس السخرية مستغلًا الوضع:
_فيه واحد كان بيقول مبخافش من حاجة غير ربنا، متعرفوش؟فتح عينيه وطالعه شزرًا بحنقٍ:
_هعرفهولك أنا بس لما نطلع من هنا، إتقل على رزق أمك.
عبس «زيـن» لتلفظه بتلك الكلمة مجددًا -أمك- التي تضايقه، وأردف:
_اسمها مامتك يا بيئة، ماعلينا أهدى ومتقلقش، اتنفس بهدوء._ولا أنت مبتعاملش عيل عنده خمس سنين، أخرس.
لم يسمح له بأن يتدخل في خوفه ولن يسمح لشخصٍ، هو بالأساس لا يحب أن يراه أحد ضعيف أبدًا ولا حتى ذلك الذي بدأ يرافقه مؤخرًا.رفع «زيـن» جسده ليرى إن كان هنالك شخص ما أم لا فلم يجدهم، لذلك تسلق على بقية ماسورة البناية نحو السطح والتفت يمد يده نحو «مُـهاب» يقول بصدقٍ:
_امسك إيدي وتعالى، مش هسيبك متقلقش.فتح «مُـهاب» عينيه مجددًا ورفع بصره نحو اليد الممدودة له بصدقٍ، لم يرغب في أن ينظر لأسفل ولكن بدون قصدٍ لمح المسافة التي بينه وبين الأرض فجفل قلبه وازدادت أنفاسه وولج عقله في دوامة أفقدته السيطرة على جسده.
ولكن -طوق النجاة- كان الأسرع في التحرك مجددًا وهو يمسكه من ملابسه حتى لا تنجرف قدميه ويقع:
_«مُـهاب» ركز معايا وهات إيدك، اتنفس ومتبصش لتحت، هات إيدك.استيقظ من تلك الدوامة على نداء «زيـن» له وبالفعل رفع ذراعه وأمسك بيد «زيـن» بقوة وبحركة سريعة تحرك يتسلق الماسورة مع جذب الثاني له ناحية الأعلى حتى استقر على سطح البناية وجلس أرضًا يُغمض عينيه بقوة ويتنفس الصعداء.
_أنت كويس؟
سأله «زيـن» بتنهيدة وهو يضع يده على كتف «مُـهاب» الذي أومئ برأسه في محاولةٍ لالتقاط أنفاسه مجددًا.
أنت تقرأ
ابني ابنك
عاطفيةبعدما مضينا في سُبل لا ننتمي لها، التقينا كما التقاء الشرق والغرب سويًا، لنصنع مجدًا يخصنا، حيث لا فرق بين ابني وابنك، نحن جميعًا أبناء أب واحد، وأم واحدة. تُهدينا الحياة صدف عجيبة، منها الطيب والخبيث، وتعاملنا كضيوفٍ ثقال فتُعطينا من كل ما لذ وطاب...