26"بصيص الأمل"

2.2K 279 130
                                    

كم الصدمات أدمتني وأنهكت القوى،
فصرت غريبًا عن دنياي أبتغي الهدى،

أمشي دروبًا تاهت الأنفاس في مداها،
أطارد طيفًا في الظلام أتبع خطاها،

أراها ثقيلة، كأنها جدران من وجع،
أحملها وحدي، والحزن يمضي بي متسع!

يا وحشة الطرقات، يا عتم الليالي..
ماذا أرجو من درب قد أضاع مجدافي وسد سبيلي،
كلما ضمدت جرحًا نبت ألف جرح جديد،
وكلما أغلقت بابًا فتحت ألف بابٍ من الحديد..

أكابر وأمضي رغم ضياعي وانكساري،
فليس للضائع ملجأ سوى غيم احتضاره.

«بعد مرور يومين»

يطالع اللاشيء بعينين تائهتين، كأن الكون من حوله انطفأ وصار فراغًا بلا ألوان، يبحر في صمتٍ عميق، لكن في داخله ضجيج، عواصف لا تهدأ.

تختبئ في عينيه حكايات لا تُحكى، وصور لأيام تلاشت، وأمنيات ترنحت في مهب الريح، هو هناك ساكن كالصخرة، لكن داخله يتزلزل كبحر غاضب.

يُطالع اللاشيء، وفي قلبه ألف شيء؛ همس مشاعر لم يبح بها، صدى كلمات لم يقوَ على قولها وجراح خفية لا يراها أحد، يلبس وجهًا هادئًا، صامتًا، بينما روحه مثقلة بآلاف التفاصيل التي تكاد تمزقه.

هذه السيجارة الثانية على التوالي الآن في جلسته هنا في شرفة منزله وأمامه القهوة التي يحتسيها علها تعيد إتزان عقله حتى يُكمل يومه الطويل، فهو أعتاد على أن يومه سيكون لا محالة مليئًا بالأحداث القوية والثقيلة أيضًا..

استمع لرنين الجرس فتحرك صوب الباب يفتحه ليجد أمامه «زين» مبتسمًا بخفة:
_ماما فين؟

_ماما؟ أنت هتستعبط يالا، لا ماهو أنا مش عشان سيبتك تحضنها تيجي تقولي ماما فين!
قالها الآخر بحنقٍ وشعر بنيران الغيرة تجتاحه، ليلكمه «زين» في كتفه هامسًا:
_احترم نفسك وخِف عشان معايا ضيوف مش هيحبوا يشوفوا البلطجة دي!

تنحنح يحرك رأسه بفضولٍ نحو الباب فلمح «وتين» تقف خلف «زين» بابتسامة واسعة، والتي لم يتوقع رؤيتها هي.. «سامية»!

«بالأمــس»

دخل «زين» و«وتين» الغرفة بهدوء يشوبه الحذر، وكأنهما يخشيان أن يحركا تلك السكينة المشبعة بالحزن، الغرفة كانت غارقة في الظلام، ووسط تلك العتمة كانت «سامية» جالسة على طرف الفراش، تمسح دموعها بيد مرتعشة، ووجهها الحزين كان كأنه لوحة حزينة تحمل آثار السنين ومرارة الأيام.

اقتربت «وتين» منها بحنو، وجلست بجانبها وأحاطتها بذراعيها، كأنها تمنحها مأوى من أحزانها العميقة وتميل عليها كعصفورة تلملم ريشها حول حضن دافئ همست بنبرة حنونة:
_بتعملي في نفسك كدا ليه يا ماما، أنا هنا و«زين» كمان جنبك، وإحنا كلنا معاكِ والله..

ابني ابنكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن